الفصل السادس شرارة الحب

مر أسبوع كاملة ولم ألمح وجه "ثائر" الغاضب في المنزل منذ هذا اليوم الذي تواجهنا به يوم حفلة تكريم الجامعة.

لم أكون أعلم أن رد فعله سوف يكون قاسي هكذا لمجرد دخول نفس جامعتها، أنه حقا كما يقال عنه الجميع قاسي القلب والعقل.

أثناء جلسنا على الطاولة لتناول الطعام وجد زوج والدتي يخبر والدتي:
- ثناء جهزي عشاء لطيف الليلة.

- لماذا؟
- لأن" ثائر" سوف يحضر لتناول الطعام معنا اليوم.

- حقا! هل سألته؟
- نعم هاتفته وهددته.
- هددته بماذا؟!

- أخبرته أن لم تعود إلى المنزل سوف اكتب في وصيتي كل أملاكي باسمك.

- لماذا فعلت ذلك؟ أنت تعلم أنه بالفعل يكرهني بهذا الفعل سوف يكرهني أكثر!

- أعلم كيف يفكر ابني جيداً، أنه يكره أموالي ولكن يحتاجها هذه الفترة من أجل استكمال دراسته في الجامعة.

خلال هذا الوقت كنت استمع إلى حديثهم دون أن أتدخل حتى سألني زوج والدتي:
- لمياء سوف أترك مع والدتك ظرف وضعت به بطاقة بنكية تستطيعي استخدامها من أجل مصاريف الجامعة وشراء كل ما تحتاجين إليه.

- شكرا لك ولكني لا أريدها.
- أنتي ابنتي الآن ومن واجبي التكفل بكي مادياً.

- ولكني حقا لم أحتاج لهذا لدي أموال.
- كوني مطيعة واستمعي إلى أمري.

حينها شعر بالخجل الشديد؛ ومجرد التفكير في "ثائر" عندما يعلم عن هذا الأمر أشعر بالرعب من رد فعله.

ولكني كنت احتاج إلي هذه الأموال من أجل الدراسة في الجامعة، لذلك لم أصمم على الرفض وابتلعت كبريائي وقبلت بها كما أراد زوج والدتي.

حان وقت العشاء الذي سوف يحضره "ثائر"، أخرجت أفضل فستان لدي، وجففت شعري، وعندما حان وقت نزولي لتناول الطعام كان قلبي يرقص فرحا.

في البداية لم أعلم لماذا كنت أشعر بهذه السعادة الغامرة، ولكني أعلم جيداً أني أشتاق لرؤية هذا الشاب المغرور المتكبر.

عندما وصلت إلى طاولة الطعام كان "ثائر" يجلس وبدأ في تناول الطعام مع الجميع.

لذا جلست وتناولت الطعام دون أن أتحدث، ولكني كنت أراقب ملامحه في الخفاء دون أن يدرك أحد ذلك.

فجأة سأله والده:
- متى سوف تبدأ الدراسة؟
- بعد يومين.

- هذا جيد، حينها خذ أختك معك في السيارة إلى الجامعة.

- لا أريد.
- لماذا؟

- عندما طلبت عودتي إلى المنزل كان شرطي أن لا أتعامل مع هذه المرأة وابنتها؟

- هذه المرأة من تأكل طعامها الآن.

غضب "ثائر" ونهض وحدث به والده وأخبره:
- من الأفضل لك الجلوس بهدوء وإكمال طعام.

جلس ولكنه كان مازال غاضباً وأخبر والده:
- هل تعتقد أنك سوف تتحكم في قرارتي وحياتي من أجل إنفاق الأموال على دراستي! عندما سوف تخسر الكثير؟

- عندما تستطع كسب أموالك الخاصة حينها أفعل كما تريد.

- ماذا تعني؟
- أعنيِ أنك سوف تطيع كل أوامر الآن.

صمت "ثائر" وعينيه يتملكها الغضب والقهر من تحكم والده به بهذه الطريقة.

لذا نظر إليٌ وقال:
- سوف أفعل وأخذها إلى الجامعة ولكن لمدة أسبوع فقط حتى تحفظ الطريق وبعد ذلك تستطيع الذهاب بمفردها إلى هناك.

ضحك والده وقال:
- لا ليس أسبوع سوف تأخذها كل يوم ذهاباً وإياباً حتى تتعلم قيادة السيارات.

- ماذا تعني بذلك؟!

- هل تعتقد أني سوف أتركها تحت رحمتك تتحكم فيها؟!

- ما معنى ذلك؟
- سوف أحضر لها سيارة قريباً.

عندها شعرت بالحرج والتوتر وأخبرت زوج والدتي:
- أنا لا أريد.

- لقد قررت ذلك لذا لا تحاولي تغير قراري.
- لكني فعلا لا استطيع القيادة وأكره هذا.

- أتذكر جيد العام الماضي عندما كان ابني يدرس في هذه الجامعة وكيف كانت دراسة الطب مرهقة جسدياً ونفسياً وتأخذ وقت طويل وبدون سيارة سوف تعانين في المجيء إلى المنزل.

- ولكني حقا لا أستطيع قبولها.

- ثقي في كلامي سوف تحتاجين لها كثيراً، لقد حجزت لكي كرس في قيادة السيارات سوف إرسال إليكى المكان والعنوان ورقم التليفون تابعيهم في المواعيد.

لم استطع تغير قرارات زوج والدتي لأنه مثل الابن عنيد ولم يرجع عن قرار أخذه مهما حاولت، لذا توقفت عن الجدال وأكملت الطعام وصعدت إلى غرفتي.

بعد ساعة طرق الباب وعندما فتحت كان "ثائر" بوجهه الغاضب يسألني:
- هل أنتي سعيدة الآن؟

- ماذا تعني؟!

- من أجل السيارة؟
- لا أريدها.

- حقا! ولكني رأيت غير ذلك لم ترفضيها عندما عرضها والدي؟

- لأن والدك عنيد مثلك عندما يتخذ قرار لم يرجع عنه.

- برافو جداً استطعت معرفة كيف نفكر أنتي ذكية جداً.

- ماذا تريد؟

- أريد سؤال هل أنتي سعيدة بعد ما تحولت إلى سائق لإبنة السيدة، وفزتي بسيارة؟

- هل تستطيع العودة إلى غرفتك أريد أن أذهب للنوم؟


- لم أذهب حتى تخبرني.
- أخبرك عن ماذا؟!

- ما المبلغ الذي أخذته من أموال والدي من أجل الدراسة؟!

ذلك السؤال جرحني بشدة وجعلني اتسمر أمامه أحدق في عينيه بتوتر وخوف، ولكن هذا الحديث جعلني أعلم لماذا "ثائر" كان يرفض وجودنا بشدة.

هل لأنه كان يعلم أن والده العزيز سوف ينفق ثروة علينا.

لذلك رغم جرحي الشديد لم استطع الغضب من حديثه المؤلم والرد عليه والتزمت الصمت للحظات أحدق في عينيه الجميلة حتى اكتسبت قوتي ودخلت غرفتي وأغلقت الباب في وجهه.

ولكن لماذا أشعر بهذا الألم داخل قلبي هل لأنه أهان كبريائي، أما لاني بدأت أشعر بمشاعر غريبة تجاهه.

أول يوم الدراسة اكتشفت أن "ثائر" شخص يفي بوعده، لأني وجده بعد تناول الإفطار ينتظرني امام المنزل بسيارة الحديثة.

دخلت في السيارة وأنا أرتعش خوفاً من تصرفاته المفاجئة، ولكنه لم يتحدث بكلمة حتى وصلنا إلى الجامعة وأنزلني وذهب يركن السيارة.

دخلت الجامعة أبحث عن مكان الجدول وأماكن المحاضرات، وبالصدفة تعرفت على فتاة اسمها "ريم كمال" كانت هي الصديقة الأولى التي أحظى بها في الجامعة.

بسبب ريم تعرفت على أصدقاء جدد، وهما أصدقائها في الثانوية "عادل وممدوح ومنى وأمل" وأصبحنا مجموعة من الأصدقاء المقربين الذين نتشارك معاً كل شيء يحدث يوماً من الدراسة إلى الحياة.

أما بالنسبة إلى "ثائر" أوصلني إلى الجامعة أول يومين ولكنه بعد ذلك كان ينزلني بعد المنزل بشارع.

وأخبرني حينها بغضب:
- أن علم والدي عن ذلك سوف أجعلك تعانين أكثر.

بالطبع لم أكن مغفلة حتى أخبر والده عن ذلك الأمر ولكن لأن الحظ سيء، رأينا والده بالصدفة أثناء خروجي من السيارة وصعودي الأتوبيس.

لذا غضب بشدة عندما عاد من العمل وحصل خلاف مع ابنه بسبب ذلك وأخبره والده:
- لم أتوقع أنك حقير هكذا؟ تخالف وعدك وتترك أختك تعاني في المواصلات!

- هذه الحقيرة ليست أختي.

كانت هذه المرة الأولى التي أشاهد والده يرفع يده على ابنه بهذه القسوة، وكانت للأسف من أجلي.

بعد ذلك الخلاف كان زوج والدتي يرسلني كل يوم إلى الجامعة حتى أنهي تعليم القيادة، ومنذ هذا اليوم لم نتقابل مرة ثانية حتى ولو صدفة.


بعد مرور شهر تقريباً تم الانتهاء من تعليم القيادة واستخراج رخصة القيادة الأولى، وبعد ذلك استلمت سيارتي الجديدة الحمراء.

مر الفصل الدراسي الأول دون أن أقابل "ثائر" في المنزل أو الجامعة ولم يحدث ولا مرة واحدة.

ولكن عندما انتهت الدراسة قابلته لأول مرة منذ بداية الدراسة من خمس أشهر.

عندما لمحته عيني يمر بجواري كالرياح العابرة التي شعرت بها ولكني لم أستطع إدراكها تساءلت.

ذلك الشخص المغرور لماذا أشعر بالفضول تجاه؟ لماذا عندما يمر بجواري يهتز جسدي بإكماله!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي