الفصل السابع حقيقة مزيفة

كانت ذلك العام من أصعب الأعوام التي مرت به في حياتي؛ تلك السنة الممتلئة بالذكريات المؤلمة مع ذلك الشخص.

هذا الشخص الذي كلما أحاول الاقتراب منه يبتعد أكثر، كان دائما يبحث عن طريقة حتى يهرب بعيدا عن مكان وجودي.

يجعلني أتساءل هل وجودي أثم إلى هذه الدرجة! لماذا محاولة الاقتراب من هذا الشخص وبدء علاقة عائلية مريحة لجميع الأطراف شيءً صعب جداً؟

كانت أول عام دراسة من أصعب الأعوام في الدراسة، وذلك بسبب أن كل شيء جديد نجبر على إجراءه في الجامعة.

"من حضور فصل تشريح إلى دراسات كتب عملاقة مثل موسوعة شاملة في هذا المجال".

كان التدريب نهاراً والمذاكرة ليلاَ مشاقة لم أعتاد عليها حتى انتهاء العام الدراسي.

ولكنه في العام الأول أصبح لدي أصدقاء لأول مرة في حياتي.

وهما "ريم التي أصبحت صديقتي المقربة، وعادل وممدوح ومنى وأمل" كانوا هؤلاء الأصدقاء من جعل هذا العام المرعب سهل تحمله.

جاءت اجازة نصف العام الدراسي ورغم وجود "ثائر" في المنزل ولكن لم نتقابل وجها لوجه غير مرة واحدة بالصدفة

وكان ذلك سبب دراسة كل فرد في غرفته طول الوقت.

أوقات كثيرة بعد خروجي من غرفتي من أجل تناول الطعام أو فعل شيء أخر، كنت التسمر أمام باب غرفة "ثائر".

للحظات أتمنى الطرق على هذا الباب وبدء إجراء محادثة لائقة مع هذا الشخص العنيد.

ولكن كنت أخاف من ذلك الباب بشدة، ذلك الباب الذي أريد تدميره بشدة حتى تشبع عيني برؤيه.
جاءت إجازة أخر العام وقرر زوج والدتي أخذنا إلى المصيف حتى نقضي وقت عائلي جميل.

زوج والدتي يمتلك منزل صيفي في إحدى القرى السياحية الكبرى، بالطبع لم يذهب معنا "ثائر" ولكني بعد أقناء والدتي أخذت أصدقائي معي في هذه الرحلة.

قضيت مع أصدقائي أفضل أيام في هذا المكان حتى مر يومين وحضرت "ثائر" وأصبحت في موقف حرج.

وذلك لأني لم أخبر أصدقائي أن ذلك زوج والدتي حتى وصل "ثائر" وكشف المستور.

أثناء جلوسنا نتناول جميع الطعام قال" ثائر" فجأة:
- أبي لماذا لم تخبرني بوجود أغراب معكم في المنزل الصيفي؟!

- لم أجد فرصة لأخبرك عن ذلك.

نظر ثائر إلي وسألني:
- هل أنتي سعيدة الآن بوجود زوج والدة ثري يأخذكم مع أصدقائك إلى أماكن هكذا؟!

عندها بدأ أصدقائي في الهمس عما قاله" ثائر" في لحظة غضب وتهور، ولكني كنت أشعر بالإحراج الشديد.

لذا تركت الطعام وصعدت إلى غرفتي وأغلقت الباب ولم أخرج منها طول اليوم

حاولوا الأصدقاء إخراجي من الغرفة ولكنهم فشله في فعل ذلك، بعد ما قاله ثائر لم استطع مواجهتهم وكل ما فعلته أغلقت على نفسي داخل الغرفة.

ذلك التصرف أفسد الرحلة وانسحب الأصدقاء وعادوا إلى منازلهم حتى يتجنبوا هذا المغرور الأناني الذي يعاملهم بطريقة حقيرة.

بعد مرور يومين أغلق على نفسي داخل غرفتي وجدت فجأة في الليل "ثائر" يطرق الباب ويسألني:
- لمياء هل استطع التحدث معك للحظات؟

عندما سمعت صوته أصبحت مغفلة جداً وأسرعت وفتحت الباب، ورغم سعادتي عندما رأيت وجهه الوسيم تملكني الإحباط والحزن.

وسألته:
- ماذا تريد في هذا الوقت؟
- هذا الوقت؟!

- الساعة الآن الثانية صباحاً!

ضحك ضحكة خبيثة وسألني:
- هل أنتي مثل الدجاج تسقطي في النوم باكر؟!

- بالطبع لا ولكن لا أريد التحدث معك.

- حتى وإن جئت حتى أصالحك؟!
- هل سوف تعتذر؟!

- بالطبع لا، أنا لم أعتذر في حياتي إلى أحد.
- حسنا سوف أكون الأولى.

- هل أذهب أو أنتظرك في الأسفل حتى نتحدث بطريقة ألطف من هذه؟

- حسنا انتظرني في الأسفل حتى أغير ملابسي.

أغلقت الباب في وجهه وبدلت ملابسي بأفضل فستان أملكه، ونزلت أبحث عنه فوجدته ينتظرني خارج المنزل.

عندما ذهبت إليه لم يتحدث بكلمة واحدة، واستمر في السير وأنا الحق به حتى وصولنا إلى الشاطئ.

جلس على أقرب مقعد من الشاطئ ونظر إلي وقال:
- أجلسي.

جلست بهدوء دون كلمة؛ استمر ذلك للحظات ودقائق حتى مرت نصف ساعة لم يتحدث أحدنا.


عندما شعرت بالإحباط من هذا الرجل المحبط نهضت وسيرت إلى الشاطئ، كنت أتأمل الشاطئ بيأس.

أقترب "ثائر" ووقف بجواري وتحدث أخيراً وسألني:
- هل تعشقين البحر؟

- لا أعلم.
- كيف ذلك؟

- هذه أول مرة أحضر إلى رحلة مصيف.
- كيف هذه أول مرة؟!

نظرت إليه والإحباط والحزن يملؤني وأخبرته:
- لأنه كما أخبرت أصدقائي.
- ماذا أخبرتهم؟!

- أني فتاة فقيرة ولم يكن لدي مال أو والد حتى يأخذني في رحلات سفاري.

صدم "ثائر" للحظات وبعد ذلك قال:
- هذا جيد! لم أعتذر لكي بما أنه صحيح؟

حدقت بها بحزن وأخبرته:
- هل أخبرتك أن تعتذر عما فعلته؟
- لا لم تفعلي.

- إذا لماذا أحضرني إلى هنا؟
- حتى أعتذر عما بدر مني.

عندما قال هذه الجملة بهذه الطريقة شعرت بالسعادة و حدقت في عينيه لفترة، ولكن تلك الفترة كانت الأسوأ.

خلال هذه الثواني الضئيلة كان قلبي يتراقص من السعادة المبهمة.

أبعدت نظري عن وجهه الوسيم ونظرت تجاه البحر وسألته:
- حسنا أعتذر؟

- لا لم أفعل.

عصبت من تصرفاته الطفولية وسألته:
- ثائر لماذا تفعل ذلك معي؟!

- ماذا تعنين لم أفهم ما تقصدين؟!

توقفت للحظات أفكر هل أصارحه عما أشعر به وأسأله عما يحدث:
- ثائر لماذا تتلاعب بمشاعري.

حينها أقسم أني سمعت توقفه عن التنفس ورأيت وجهه يتحول إلى الأزرق من الصدمة.

لذا حاولت تركه والذهاب ولكنه أوقفني عن التحرك وسحبني وأمسك وجهي بعنف وقال:
- لا تحاولين.

- ماذا تعني؟!
- أنتي تعلمين جيداً ما أعني.

كان وجهه وأنفاسه قريبة جداً من وجهي ورغم كياني بإكماله أتهز عندما اقتر.

ولكني لم أشعر بتسارع القلب بسبب الحب كان ذلك بسبب الخوف من نظراته الغاضبة بجنون واستبداده.

- ثائر أتركني.
- لا لم اتركك.

- ثائر أنا أكره العنف أترك وجهي ونتحدث بهدوء وبدون غضب؟

أنزل "ثائر" يديه عندما وجدتني أتألم من قبضة يده، وعندها سألته:
- لماذا تفعل ذلك؟ لماذا تكرهني إلى هذه الدرجة!

- ليس لدي مشكلة معك.
- ولكن؟!

- أمتلك مشكلة مع والدتك.

- لماذا أمي امرأة عطوفة ومخلصة؟!

- لأنها والدتك لذا تقولين ذلك.
- ما الذي تكره في والدتي؟ ماذا فعلت لك!

صمت "ثائر" للحظات ونظر إلى البحر وقال:
- كل شيء حدث بسبب والدتك.

- ماذا تعني؟!

- والدتك سبب في دمار حياتي وأنفصل والدتي ووالدي.

- أنت تكذب أمي ليس هكذا.

- يجب أن تعلم حقيقة الأشخاص الذين حولك جيداً فأنت فتاة ساذجة ومغفلة حقا.

نظرت إليه بغضب وأخبرته بعصبية:
- أنت كاذب حقير وأنا أكرهك.

بعد ذلك تركته وذهبت أبحث عن والدتي حتى أفهم لماذا "ثائر" يفكر بهذه الطريقة الحقيرة في والدتي.

ولكن عند وصولي وجدت والدتي وزوجها يجلسون ويتسمرون بحب ورومانسية، وقفت عن بعد أشاهد هذا المنظر اللطيف.

وعندما أقترب سألني:
- هل تظنين أن هذا الحب وجد بين يوم وليلة؟

- لا والدتي ليست هكذا.

- أنها هكذا ولكنك الوحيدة التي لم ترى حقيقتها.

سقطت دموعي وتركت "ثائر" وصعدت أكمل بكائي داخل غرفتي بمفردي.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي