الفصل الخامس معاناتي

عندما أقسمت على الابتعاد عنه حينها لم أكون أعلم أن قدري مقيد بهذا الشخص المغرور العنيد إلى الأبد.

مهما حاولت الابتعاد سوف يسحبني قدري إليه دون أن أدرك، ومهما حاول المحاربة سوف أخسر في النهاية.

بعد مرور ثلاثة أيام دخلت والدتي غرفتي تسألني بحيرة:
- عزيزتي ما بك لماذا تحبسين نفسك في غرفتك هذه الأيام؟!

- لم أفعل ذلك.

- لمياء أنت داخل غرفتك طول اليوم حتى أثناء تناول الطعام لم تجلسين معنا هل هناك شيء تخفيه عني؟

- لا شيء أنا فقط أن بالإرهاق بسبب الامتحانات وأريد أن أرتاح هذه الفترة قبل البدء في التجهيز للجامعة.

كانت والدتي بالفعل يساورها الشك بحدوث شيء غريب.

لذا سألتني بقلق:
- لمياء هل ثائر فعل لكي شيء؟!

- لا لم يحدث شيء أنه لطيف تجاهي.

ضحكت والدتي بشدة من هذه الكلمة الغريبة على مسامعها وقالت:
- من اللطيف "ثائر" أنتِ فعل طفلة بريئة.

- هذا شيء ليس بدي؟!
- لماذا؟!

- لأني أشبهك في ذلك يا والدتي العزيزة.
- ماذا أفعل بك أيتها المشاغبة.

ضمتني والدتي بسعادة وقالت:
- أن حدث شيء من "ثائر" يجب أن تخبرني على الفور ولا تخفي بشيء عني؟

- حسنا يا والدتي لا تقلقي أنا بخير أريد فقط أن أتعود على غرفتي الجديدة.

- حسنا أنا أثق أنك سوف تخبرني عندما يحدث معك شيء يحزنك.

- أحبك يا والدتي العزيزة.
- وأنا أحبك يا طفلتي الغالية.

بعد انتهائها من ضمي والاطمئنان عليا نهضت حتى تخرج من الغرفة وعندما فتحت باب غرفتي وجدت أمامها "ثائر" كان يقف بجوار الباب.

فسألته بحيرة:
- ماذا تفعل؟!
- لا شيء.

- لماذا تقف أمام الغرفة.
- كنت أتحدث في الهاتف.

رغم إنكاره ولكني شعرت أنه كان يستمع إلى حديثي مع والدتي لذا بعد ذهابها فتحت الباب وذهبت إلى غرفته التي كان بابها مفتوح على مصراعيه.

وسألته:
- ماذا تفعل؟!
- لا شيء.

- هل كنت تتنصت على حديثي مع والدتي في غرفتي؟!

- هل أنت مجنونة؟!

- ثائر هل شعر بالخوف من أن أشتكي إليها منك؟ لذا استمر في التنصت على حديثنا!

توتر وتركني وذهب، ولكني شعر عندها بوجود أمل في تطور علاقتنا ويقبلنا كجزء من العائلة ويزيل الحائط الذي وضعه بيننا من أول يوم إلتقينا به.

كان تمر الأيام بهدوء وبدون أحداث مثير حتى ظهرت نتيجة الثانوية العامة، كنت أجلس في الحديقة أتصفح هاتفي حتى جاء زوج والدتي.

وأخبرني:
- لمياء مبروك لقد ظهرت النتيجة وأنتِ ناجحتِ في الثانوية.

- حقا؟!
- نعم لقد دخلت على الموقع وبحثت عنها برقم جلوسك.

- ماذا عن الدراجات؟
- المجموع مئة في المئات.
- حقا؟!

- لم أكذب عليكِ ولكن أخبرني ما هي الكلية التي تتمنيها؟!
- أريد أن أدخل كلية طب.

- بهذا المجموع تستطع الدخول إلى الكلية التي تتمنيها لذلك لا تقلقي.

- شكرا لأنك بحثت عن نتيجتي.

- لا تشكرني أنت ابنتي وأنا سعيد لأنه أصبح لدي ابنة متفوقة مثلك.

أثناء التحدث مع زوج والدتي دخل "ثائر" وسأل:
- ما سبب هذه السعادة التي على وجوهكم؟

- ظهرت نتيجة لمياء وأنها من الأوائل المتفوقين في المحافظة.

- هذه الفتاة من المتفوقين كيف ذلك ووجها يرمز للغباء؟!

- توقف يا "ثائر" عن أهانت أختك الصغيرة.

عندما تحدث بهذه الطريقة شعرت باليأس للحظات حتى أخبره والده:
- لمياء الآن بسبب مجموعك سوف تحولي إلى جامعة طب القاهرة.

- لا لم تذهب إلى هناك التحقي بجامعة عين شمس.

لم أكن أعلم أن" ثائر" يدرس في طب القاهرة، ولكن عندما أخبرني بهذا شعرت بالإهانة رغم أني لم أكن أريد إذهب إلى نفس المكان الذي يذهب إليه.

ولكن اسلوبه الوقح جعلني أريد أن أعاند في كل ما يريده.

لذا حدقت به بكبرياء وسألته:
- لماذا؟!

- لأني لا أريد أن أراكِ في المنزل والجامعة.

- هل تكره رؤيتي إلى هذه الدرجة؟!
- نعم واكثر مما تتخيلين.

حينها أردت فعل أن أفعل شيء يجعله يثور من كثر الغضب:
- لا تقلق لم أذهب إلى نفس المكان الذي تذهب إليه.

حزن والده وأخبره:
- لماذا تفعل ذلك أريدها في نفس جامعتك حتى تنتبه إليها وتهتم بها في الجامعة؟

- وأنا لا أريد ذلك يا أبي لذا لا تجبرني حتى لا أترك المنزل وأذهب ولم أعود أبداً.

رغم أخبري له أني لم أذهب إلى جامعته؛ ولكن بداخلي كنت اتخذت قراري بالذهاب إلى نفس جامعته بسبب الفضول.

ولكن عندما هدد والده أنه سوف يترك المنزل إذا أجبره على ما يريد.

شعرت بالخوف للحظات من ذلك المتهور، ولكني تراجعت بعد لك وأخبرت نفسي أنه يهدد حتى يعاند والده كي لا يجبره على التعامل معي.

سافرت محافظة القليوبية حتى أسحب الملف الخاص، وبعد عودتي إلى القاهرة ثاني يوم جهزت أوراقي.

ذهبت إلى جامعة طب القاهرة وقدمت أوراق الالتحاق بالجامعة وكل ذلك في الكتمان حتى لا يعرف "ثائر" بما أقوم به ويحاول تعطيلي.

بعد فترة وافقت الجامعة على طلب الالتحاق وطلب حضوري الحفلة التي تقوم بها الجامعة للمتفوقين أول يوم دراسة.

في البداية كرمت الجامعة الدكاترة وطلاب الكلية المتفوقين وكان بينهم "ثائر"، كانت هذه هي المرة الأولى التي أعلم فيها أنه من الطلاب المتفوقين.

عندما نادى العميد على اسمي شعرت بالخوف الشديد، كنت أجلس في آخر صف من مقاعد المسرح لذلك لم يراني "ثائر" طول الاحتفال.

ولكن الآن أصبح اسمي على مسامع الجميع ويجب على الآن أن أذهب إلى المسرح حتى أستلم جائزة التكريم.

ذهبت إلى المسرح وأنا أرتعش خوفاً من رد فعل "ثائر" عندما يراني الذي كنت أخاف حدوثه بعد تسليمي الجائزة.

نظرت تجاهه وجدته ينظر إلي بغضب تاركً المسرح ويخرج.

ذهبت خلفه فور نزولي من المسرح وأوقفته وأخبرته:
- مرحبا ثائر.
- أنتِ كاذبة.

- لماذا تقول ذلك! هل أنت ليس سعيد لأننا معا في نفس الجامعة؟

- بالطبع لا! لقد أخبرتك من قبل أني لا أريد رؤيكِ في كل مكان؟

- لماذا تكرهني إلى هذه الدرجة؟!
- لأنك ابنة أمك.

- هل تكرهني لأن أمي تزوجت من والدك؟!
- نعم.

للحظات من الخوف لم أجد شيء أقوله حتى أهدئ قلبه المشتعل غاضباً، وعندها علمت أني فعلت خطأ كبير لم يجب على فعله.

لكنني أجبرت نفسي على الابتسامة وغيرت مسار الحديث وسألته:
- كنت أشعر بالسعادة عندما رأيت تكريمك على المسرح لم أكون أعلم أنك من المتفوقين.

- عنيدة.

بعد ذلك تركني دون أن يجيب على سؤالي وذهب، ولكن لا أعلم لماذا شعرت باليأس والحزن الشديد في هذا الوقت داخل قلبي.

لكن شعرت بوجود سر يخفيه "ثائر" عني لا يريد أن يتحدث عنه أمامي، وهذا السر يحفر في داخل قلبه كالثقب الأسود ويسحبه من النور إلى الظلمات والضياع.

ماذا أفعل مع هذا الشخص العنيد الذي لا أعلم لماذا يأخذني فضولي إليه، هذا الشخص الذي لا يريدني اقترب منه ويجعل كل محاولاتي تفشل.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي