الفصل الثالث عشر اشتاق إليك

مر الأربعة سنوات ببطء شديد؛ غياب "ثائر" جعل أيامي روتينية، أصبح كل يوم يمر يؤلمني أكثر من اليوم الذي يسبقه.

هذا الغياب يجعلني أتساءل دائما "هل أصبحت ماضي غير هام داخل قلبه! هل لم يتذكرني أبداً خلال الأربعة سنوات الماضية؟ "

خلال غيابه تخرجت بامتياز من الكلية وبدأت العمل داخل مشفى الجامعة، ومنذ سفره لم يهاتف والده أو يتواصل معه أبداً.


أقفل رقم هاتفه وأصبح الوصول إليه مستحيل، ولكن هذه الأيام أصبحت صحة والده سيئة جداً.

لذا طلبني وأخبرني:
- لمياء أريد منك خدمة.

- ماذا تريد أخبرني؟!
- أريد رؤيته.

- من؟!
- الابن العاق.

- هل تقصد ثائر؟

- نعم لقد اشتقت إليه بشدة وأريد رؤيته قبل موتي.

- لا تتحدث هكذا سوف تكون بخير قريباً اذا التزمت بالعلاج.

- أريد رؤية ابني مرة أخرى.

- سوف أحاول التواصل مع السفارة حتى توصله رسالة منك.

- أريد منك السفر إليه وجلبه من هذا البلد المهجورة؟

- تريد مني الذهاب إليه؟
- نعم.

- ولكن.
- لا تقلقي سوف اجهز كل شيء.

- ليس هذا ما يقلقني.
- ما الذي يقلقك؟

- هل تعتقد أنه سوف يستمع إلي ويعود معي؟!

- أخبريه أن والده يريد رؤيته قبل موته.

- لا تتحدث هكذا سوف تكون بخير قريباً.
- أذا هل سوف تذهبين لجلب هذا العاق؟!

- نعم سوف أذهب لإعادته إلى المنزل.

جهز زوج والدتي كل الإجراءات اللازمة للسفر؛ ودعت والدتي وزوجها وصعدت الطائر إلى "الجبل الأسود" وهي دولة نامية تقع على بحر الأدرياتيكي في جنوب شرق أوروبا.

عند وصولي وجدت شخص من السفارة يستقبلني في المطار.

ذلك الشخص اسمه "سامي أحمد" وعند رؤية ذلك الشخص وجدته غير طبيعي، وكان يظهر على ملامحه القلق والتوتر في البداية لم أهتم.

ولكن اقتربت منه وسألته:
- هل أنت سامي؟

- نعم معك مسؤول العلاقات الداخلية.

- أنا لمياء طبيبة.
- تشرفت بلقائك.

ساعدني في التقاط الحقيبة وإنهاء إجراءات الدخول وبعد صعودنا السيارة أخبر السائق:
- لنذهب إلى السفارة.

فجئت من هذا الأمر لذا سألته:
- لماذا نذهب إلى السفارة؟!

- هناك أمر يريد السكرتير العام التحدث معك عنه.

- ما هو هذا الأمر! هل هو هام؟
- سوف تعرفين عندما تصلين الى هناك.

كان الموقف مقلق ومحير لذا انتظرت حتى نصل وأكتشف ما الأمر ولكني كنت أشعر بداخلي أن هذا الموضوع متصل بـ "ثائر" وهناك شيء كبير مرعب.

بعد وصولي السفارة أدخلوني مكتب كبير انتظرت بداخله لمدة ساعتين حتى جاء السكرتير العام وذلك الأمر أغضبني بشدة.

لذا فقدت أعصابي وثارت وأخبرته:
- هل من الاحترام ترك مواطنة صالحة تنتظر لوقت طويل فور وصول من سفرية مرهقة؟!

- أعتذر عن ذلك.
- لا يهمني اعتذارك أخبرني بما يحدث؟

توتر السكرتير العام وقال:
- أنا السكرتير العام واسمي عادل حامد.

- تشرفت بحضرتك، معك لمياء الوكيل طبيبة تخصص جراحة عامة.

- تشرفت بك.

- والآن أجابني هل ثائر بخير؟
- في الحقيقة لا أعلم.

- ماذا تعني؟!

- في الحقيقة لقد أختفى الطبيب ثائر حمدان السعداوي.

- ما معنى ذلك! كيف أختفى؟

- منذ شهر تقريباً أختفى ولم نجد أثر على وجوده في داخل الدولة.

- هل خرج من الدولة؟!

- لا نعمل ولكن الأوراق تخبرنا أنه مازال داخل الدولة ولكن وجوده مازال مجهول.

- كيف ذلك؟ وماذا تفعل الحكومة لم تجده حتى الآن!

- الحكومة وكل موارد السفارة تبحث عن الطبيب منذ شهر مضى.

- لماذا لم توصل هذه الأخبار إلى مصر ومنزلنا؟!

- لقد منعت السفار الإبلاغ حتى لا ينتشر الخبر من أجل العلاقات الدبلوماسية لأن الطبيب جاء من أجل عمل خيري وموطني.

- وماذا سأفعل الآن؟!

- عودي إلى القاهرة انتظري الأخبار الجديدة.

- أنت تمزح لم أعود حتى أجد ثائر.

- إذا انتظري في الفندق حتى يظهر جديد؟

- لم يحدث ذلك أريد الذهاب إلى البلدة التي كان يعمل بها؟

- ولكن ذلك من الممكن أن يكون خطر على حياتك؟

- لم أهتم أرسلني الآن.
- ذلك غير ممكن.

- أذا سوف أظهر في الصحف وسائل التواصل وأخبر الجميع عما يحدث.

- حسنا سوف أرسلك ولكن سوف يكون معك شخص من السفارة يهتم بك.

- حسنا موافقة.

- أذهبي إلى الفندق الآن وغداً صباح سوف ينظرك السيارة والشخص الذي سيذهب معك.

ترك مكتب السكرتير العام والقلق والرعب يقتلني خوفا من خسارة "ثائر" إلى الأبد بهذا الشكل.

عند دخولي غرفة الفندق شعرت بالإرهاق والتعب، وسقطت في النوم العميق ولم أستيقظ حتى شروق الشمس.

بعد تناول الإفطار داخل الغرفة؛ جاءتني مكالمة من الاستقبال تخبرني:
- سيدتي يوجود شخص ينتظرك في الاستقبال.

بعد نزولي وجدته "سامي" مسئول العلاقات الداخلية ينتظرني وينهي معاملات حجز الفندق.

ويخبر خادم الفندق:
- بإمكانك وضع الحقائب في السيارة بالخارج.

نظر إلي وقال:
- أنتظر حتى أنتهي من الأوراق في السيارة.

بعد ذلك أخذني إلى ميناء صغير، ركبنا سفينة صغيرة تشبه المعدية حتى تأخذنا إلى البلدة التي يمكث بها "ثائر".

وقفت طول الرحلة على سطح السفينة أشاهد منظر المياه الزرقاء الصافية أتذكر أخر أوقات قضيتها مع "ثائر" أخر ذكرى سيئة كانت مع هذا الشخص المغرور.

ولكن أكثر ذكري تضغط على قلبي هي عندما ظهر في أحلامي منذ شهر يسألني:
- لمياء لماذا تخليت عني بسهولة؟ لماذا خدعتني وذهبتي لشخص أخر!

جاء هذا الحلم في نفس التوقيت الذي أختفي به وبسبب هذا الحلم كلما أتذكره تدمع عيني حزناً وقهراً.

وأتساءل "هل سوف يكون بخير ما الذي يحدث مع ثائر ولماذا أختفي هكذا"

وصلنا نزل صغير داخل البلدة الصغير ووضعت حقائبي.

ذهبت بعد ذلك مع سامي إلى المستوصف الذي كان يعمل ويمكث به "ثائر" حتى نبحث عن أخبار تدلنا عن مكان وجوده.

قابلتنا امرأة شابة جميلة ألمانية الجنسية هي ممرضة وكانت قريبة من "ثائر" كما أخبرنا الجميع.

وعند رؤيتي سألتني:
- هل أنتي لمياء؟!

تساءلت كيف علمت اسمي:
- نعم أنا لمياء، ولكن من أنتي؟

- أنا أليس.

أقترب منها "سامي" وسألها:
- أخبرني يا أليس متى آخر مرة رأيت بها الطبيب ثائر؟

- كان يوم أخفته.
- كيف ذلك؟!

- كان نائم داخل غرفتي خرجت للحظات أجلب العشاء ولكن عند عودتي كان أختفى.

عندما قالت أن "ثائر" كان داخل غرفتها قبل اختفائه علمت أنها حبيبته.

ولكن كيف استطاع فعل ذلك، كيف وجد عشيقة جديد يعيش معها وأنا لم أستطع نسيانه حتى الآن كيف استطاع فعل ذلك.

بعد تركنا "سامي" يذهب حتى يبحث في اختفائه مع باقي السكان اقتربت من "أليس" وسألتها:
- هل أنتي عشيقة ثائر؟

ضحكت بسخريه وقالت:
- وهل أنتي اخته الشريرة التي تحاول الاستيلاء عليه كما فعلت والدتك مع والده؟!

غضبت للحظات وسألت نفسي:
- كيف له أن يخبرها عن سر شخصي كهذا؟!

وعندما تحدثت هكذا جلب الحزن لقلبي بسبب هذا الحقير.

"كيف له أن يخبرها بهذه الأكاذيب هل حقا يراني هكذا شخص حقير إلي هذه الدرجة"

ولكني قررت بإرجاع إلى بلاده لا يهم كل ذلك الآن، كل ما يهمني في هذا الوقت هو إيجاد واسترجاع ذلك المغرور المتكبر حتى أعود به إلى والده المريض.

لذا أمسكت بذراعها اترجها:
- أليس هل يمكنك أخبرني بكل شيء حدث مع ثائر خلال الأربعة الأعوام الماضية؟!

- حسنا سوف أخبرك بكل شيء من البداية حتى النهاية.

بدأت "أليس" بإخلاص في سرد قصة حياة "ثائر" على الجزيرة خلال الأربعةاعوام، بدأ بسرد من أول لقاء بينهم.

كنت أستمع بكل فضول وإصرار في معرفة كيف عاش حياته في هذه الجزيرة الصغيرة الفقيرة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي