على حافة الهاوية

عكرمة`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2023-12-29ضع على الرف
  • 101.2K

    إكتمل التحديث (كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول

أهلا بك في روايتي على حافة الهاوية اتمنى أن تنال أعجابك لنبدأ.


قبل عدة أعوام شبت حرب عالميةٌ طاحنة خاضتها الدول الكبرى في العالم وكانت البداية كما في العادة للدول الصغيرة والمستعمرات ومن ثم تطور الأمر وتوسعت الرقعة حتى امتدت وشملت كل شبر على وجه الأرض.

لم يدخر أي طرف في الحرب شيئاً وجرب الجميع كل ما في جعبته من أساليب خبيثة وأسلحة دمار شامل وخطط لم تكن لتخطر على قلب بشر.

استمرت الحرب الطاحنة عقداً من الزمان حولت العالم بأكمله إلى رفات وأجهزت على عشرات بل مئات الملايين من البشر.

لم يسلم فيها حجر ولا مدر ولم تبقي على إنسان أو حيوان، لقد مسحت كل شيء تصادفه أمامها عن الوجود.

أسلحة نووية وقنابل ذرية وبيلوجية وجرثومية، كل تلك الأسلحة حولت العالم إلى ما يشبه مختبراً لتجربة كل ما كان ينجح في تصميمه شياطين الإنس.

صارت الحياة معدومة في قارات بأكملها وتحولت دول برمتها إلى كوم من الركام، وانخفض تعداد سكان العالم إلى العشر.

بعد أن قتل الكثير منهم قصفاً أو تجويعاً أو حتى بالأمراض والعاهات التي أصابت الناس نتيجة الكمية الهائلة من الغازات والانبعاثات من الإشعاعات النووية.

تغير وجه العالم الذي نعرفه وتحول إلى أسوء مما تتخيل، ولم يبقى سوى بقع جغرافية صغيرة فقط تصلح للعيش.

تلك التي استطاعت حكوماتها حمايتها من الدمار والخراب، تمثلت تلك البقع على شكل مدن أشبه ما تكون بمنطقة عسكرية يعيش فيها المسؤولين والساسة وكبار قادة الدول.

في موطني أنا بقيت مدينة واحدة فقط تصلح للعيش من بين خمس وعشرين مدينة عملاقة.

كلها تبخرت بمن فيها وأحيلت إلى رماد بعد أن كانت مزدهرة عامرة تضج بالحياة وتغص بالناس.

أما أنا فكنت ممن حالفهم الحظ واستطاعوا النجاة بحياتهم بعد أن فر من استطاع من أماكن القصف واستقر بنا الحال في العاصمة.

العاصمة حيث تتجمع قوات الحكومة وتتمركز القيادات والرؤساء بالإضافة لمن تبقى من الرعية البسطاء.

الناس أشبه بالعبيد أو المساجين لا يجرؤ أي أحد بالنطق بأي حرف ضد الحكومة أو الحرب وإلا سيكون مصيره كمصير من سبقه الموت أو التعذيب الوحشي في المعتقلات.



أما أنا فلا أنكر انني كما تقولون عنه مجرم أو ربما قاطع طريق أو حتى لص، لكن هذا ليس ما تسميني به الحكومة بل أنا على حد زعمهم خارج عن القانون.

وذلك لا يهمني بصراحة كل ما أعلمه أنني مسجونٌ في هذه المدينة المدمرة في سجن المركزي للعاصمة.

السجن هو منزلي الثالث بعد أن دمر الأول حيث عشت وترعرعت وصارت الشوارع والأبنية المهدمة والأزقة هي منزلي الثاني.

لا أكاد أخرج منه حتى يعيدونني فيه ولكن كان هذا من الماضي، أما الأن فقد صار الأمر أكثر جديةً والوضع الراهن يتطلب الجدية والحزم والقسوة.

صدري فيه قلبان اثنان ولن أستغرب إن شعرت يا صديقي أنني بعقلين ايضاً هذا وارد ايضا، ما مررت به يقتضي أن أكون بحال أسوء من ما تشعر به، والقادم سيعلمك بذلك.

بدأ كل شيء برصاصة واحدة طائشة وانتهى بي الأمر كمجرم ملاحق يملك إحدى أكبر الجوائز المعروضة ثمناً لرأسي حياً أو ميتاً، والغريب في الأمر هو وجود تلك الفتاة التي تجعلني مرغماً على العيش أكثر وأكثر.

لا أعرف من هي أو من أين أتت، بل وتكرهني وأكرهها بل وحاولت قتلي تلك المعتوهة الخرقاء، ولكن لا شيء كما يبدو عليه في هذه المدينة.

اضطررت أن أفر من العاصمة بعد أن ضيقت الحكومة علي الخناق وحفاظاً على حياة من أحب كان لزاماً عليّ أن أتوارى عن الأنظار لبعض الوقت.

تناثر الناس وتشتتوا فمثلي كثير بين مطلوب للأمن أو فقير لم يستطع على العيش في العاصمة.

وكان الملجأ الأخر هو بعض ما سلم من المباني في المدن التي تحيط بالعاصمة وتشكل لها حزامها الأمني.

وكان نصيبي أن أحيا في هذه المدينة المتهالكة التي هي أشبه بما يسمى كومة حطام.

ولكن لا بأس مر على وجودي هنا قرابة العشرة أشهر واستطعت أن اتأقلم على العيش فيها.

اخترت لي منزلاً وقمت بإعادة تهيئته للعيش، ومع مرور الوقت أصبحت أحس بأن تلك الخرابة هي منزلي وكومة الخردة التي أسميها دراجة نارية هي صديقتي، وأسلحتي هي عائلتي التي تدافع عني، واستغنيت عن ما عدا ذلك كله.

في إحدى الليالي الشتوية و بينما كنت عائداً من إحدى سهراتي المعتادة مع صاحبي، كانت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل وكان الجو ممطراً بغزارة والرعد والبرق لا يكادان يهدأن.

أضطررت للتوقف قليلاً بعد أن أصاب دراجتي النارية عطلاً ما وتوقف الضوء عن العمل، فركنتها على جنب الطريق ونزلت أتفحص الأمر.

كان الشارع فارغاً ولا أحد سواي فيه وما إن انتهيت من إصلاح الدراجة وإذا بي أرى من بعيد شخصاً يركض متجها نحوي! ظننت أنه معتوه ما أو أحد المخمورين السكارى.

كالعادة هم يملأون هذه المدينة المهجورة وصاروا هم سكانها وصارت هي مرتعاً لهم ومكاناً مناسباً لترويج وبيع الممنوعات.

وصارت تعج بهم بعدما فر أهلها منها وسيطرت عليها عصابات الإجرام والمافيات والقتلة المأجورين وبائعي الأعضاء وزد على ذلك ما شئت من حثالات المجتمع.

بالاضافة أيضاً لبعض الهاربين من هذه الحكومة المقيتة ولكن هؤلاء قلة على كل حال فلا يحيى في هذه المدينة إلا من كان على استعداد للموت في كل لحظة.

لم ألقي لذلك القادم بالاً وصعدت على دراجتي ووضعت يدي على دواسة البنزين وانطلقت مسرعاً قبل أن يصل ذلك الرجل إلي، أخرجت مسدسي وصوبت ناحية رأسه.

كنت أريد قتله كي لا يتسبب لي بالمتاعب واختصر الطريق على نفسي فالساعة الواحدة بعد منتصف الليل ولا وقت لأضيعه معه.

فكما تجري العادة سيبدأ الأمر بجدال عقيم ومن ثم يتحول إلى عراك ينتهي بموت أحدنا أو على الأقل سرقة ممتلكاته وتركه مرمياً على الأرض محطمة عظامه.

وخاصة في مثل هذا الجو السيء، لكنه كان يترنح يمنة ويسرة ومن الصعب إصابته وأنا أقود، فأعدت المسدس إلى مكانه.

وسحبت من الصندوق الذي خلفي بدلاً منه عصا غليظة كنت أضعها دائما بدراجتي تحسبا لأي طارئ فالمدينة لم تعد امنة ولا مكان للنوايا الحسنة الأن.

استمر ذلك القادم نحوي بالركض مسرعاً وهو يترنح ويتمايل وعندما أردت أن أسدد له ضربة على رأسه زلت قدمه فجأة في إحدى برك الماء الراكدة وسقط على الأرض من تلقاء نفسه.

علت ضحكاتي من ذلك المنظر الغريب وقررت أن أكمل طريقي، في الحقيقة كانت سقطة قويةً أحسست بجمجمته ترتطم بالأرض وتتهشم من قوة السقطة عظام جمجمته ووصل الصوت إلى مسامعي.


هدأت السرعة قليلاً ومررت بجانبه انظر اليه فوجدته مغشياً عليه ملقاً على الأرض دون أي حراك فقلت في نفسي "لابد وأنه يلفظ أنفاسه الأخيرة"

شيء ما شدني إليه على غير العادة ولا أدري ما هو، أوقفت الدراجة على طرف الطريق واقتربت منه لكي أنظر إليه، كان الجسم هزيلاً وقصيراً ولم يوحي بأنه رجل حتى،

علاوة على أن يكون رجلا خطيراً او ما شابه ذلك فكل من كنت أراهم ضخام الجثة ويبدو عليهم الرجولة، أما هذا فيبدو أنه شاب في مقتبل العمر.

انحنيت فوقه ببطء لكي أدقق النظر فرأيت شعراً ذهبي اللون منساباً على الارض يسبح في مياه المطر،

حدثتني نفسي وأنا متافجئ مما رأيت بقولها: يا إلهي إنها فتاة! هل هذه فتاة أم أنه يخيل لي ذلك!

يتبع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي