الفصل الخامس والعشرون

ربا: احب الترتيب وتنسيق الاشياء لكنني لم اكن بحالة نفسية تسمح بذلك قبل اليوم فقلت في نفسي لم لا ابدأ من اليوم نعم البيت متسخ قليلا ولكن مع بعض الجهد يمكننا إصلاح الأمر.

شممت رائحة جميلة لم اشتم مثلها منذ زمن طويل ويبدو انها رائحة الطهي والتوابل الشهية فكاد لعابي يسيل فقد كنت جائعاً لدرجة كبيرة تجعل بطني تقرقر من الجوع.

فقلت لها بنهم: ربا؟ ثم ما هذه الرائحة الجميلة يا فتاة؟ أشتم رائحة طعام زكي فواح التوابل.

أجابت ربا ببعض الخجل وبعض التفاخر: لقد قمت بتحضير الأرز والفول ارجو ان يعجبك.

فقلت لها: طبعا سيعجبني تبدو رائحته شهية ما رأيك أن نأكل ونؤجل الكلام إلى وقت آخر؟

هزت برأسها وأسرعت كي تحضر كوبين من الماء ثم عادت، وجلستُ على مائدة الطعام المتواضعة متشاطراً اياها مع ربا، كانت مائدة الطعام مرتبة ومنسّقة بشكل جميل جداً.

لقد وضعت اكواب من الماء بشكل مثالي، فلقد وضعت لكل منا كوب ماء من جهته المقابلة، وكانت قد وضعت الطبق الرئيسي في وسط مائدة الطعام.

الا وهو الارز بالفول، و وضعت امام كل شخص منا طبق فارغ ووضعت مناديل مصفدة بطريقة جميلة ومرتبة و وضعت فوق كل منديل ملعقة خاصة لكل شخص منا.

بدا عليها أنها تهوى التفاصيل الصغيرة وتهتم بها.

لأول مرة ارى مائدة الطعام براقة دون غبار يعلوها، لأول مرة أشعر بأنني اعيش في منزل حقاً، لقد كانت رائحة المنزل محمّلة بالنظافة على الرغم من ندرة وشح مواد التنظيف.

فقد كانت تقريباً اخر همي ولا وقت لها واعتبرها من الكماليات في المنزل.

ثم بدأنا في تناول الطعام الذي قامت بطهوه ربا، فلقد وضعت أول لقمة في فمي، وكان يبدو لذيذاً جداً وكأن أمي من قامت في طهوه، كنتُ أتناول لقمة تلو اللقمة دون ان امضغ حتى.

"اكول نهم" هذا ما قالته ربا لي وهي تراني انهي طبقي بلمح البصر وأعود لكي اسرق بعض اللقيمات من طبقها متسللاً.

كنت كأنني لم آكل منذ زمن بعيد، لا أدري كيف استطاعت ان تقوم في كل هذا الانجاز بمدة وجيزة لا تتعدى الساعة فقط ربما لو نويت فعل ذلك لاستغرق مني الأمر نصف اليوم على أقل تقدير مثلا.

لقد كانت بارعة بالفعل، اما ربا فلقد كانت تتناول طعامها ببطئ وهدوء، " كما تفعل الفتيات او هكذا ظننت انا في البداية.

لكنها كانت شاردة الذهن فقط، لقد كانت تبدو مشغولة البال والفكر، قاطعتُ حاجز الصمت عندما طرحتُ عليها سؤالاً وانا اقول واخاطبها.

_اذاً كيف قمتِ في إعداد هذا الطعام الرائع؟

ربا: هل أعجبكَ حقاً؟ أم مجرد مواساة قل ولا تخشى شيئاً يا عزام.

_لا لقد اعجبني انه لذيذ حقاً، فلقد مرّ وقت طويل على تناولي لمثل هذه الوجبات الرائعة.

ربا: بالهناء والعافية يا عزام.

_هل سوف تقومين بتعليمي وصفة هذا الطبق فلقد نال اعجابي بالفعل

ربا: بالطبع، متى ما شئت.

_شكراً لك سلفاً.


ثم ضحكت وبدأت في اكمال تناولها لطعامها، اما انا فلقد كنتُ قد شبعت بعد ان انهيتُ طبقي من الطعام الخاص بي وسرقت نصف طبقها وانا الهيها بالكلام.

فلا زالتُ اصابتي تؤثر علي لازلتُ أتألم، ولذلك لو لم أكن اتألم، كان في امكاني ان اتناول أكثر وأكثر فلقد اشتقتُ لمثل هذه الأطعمة والوجبات.

وبعد ان انهيت طبقي، قلت "الحمدلله" واشعلت سيجارتي ولبثتُ مليّاً كي أنهض من على المائدة، الا أن ربا بدأت تقول لي وهي تخاطبني.

ربا: هل شبعت حقاً!

_بالطبع وإلا لما كنتُ قد نهضت.

ربا: اذاً وانا شبعت.

_لكنكِ لم تكملي طبقك من الطعام الخاص بكِ بعد!

ربا: اعلمُ ذلك، لكنني لا يمكنني أن أتناول الطعام في مفردي

_حسناً اذاً سوف ابقى على جلستي هذه حتى تنهين طبقك لكنني قلت لربما تزعجك رائحة التدخين.

ربا: لا عليك اكمل فقد تعودت على مثل هذه الروائح.

بدأت تهز في راسها ايجاباً كالأطفال، وكانها لا زالت طفلة ذو السبع اعوام، و بقيت انظر اليها اثناء تناولها للطعام، لقد كانت تتناول طعامها في بطئ شديد وحركات منمقة وكأنها معتادة على ذلك.

كانت تأكل كالهرة، كانت تضع في معلقتها القليل فقط وتضع تلك اللقمة في فمها الصغير ليمتلأ بالطعام، شعرتُ وكأنني أملك حضانة خاصة بالأطفال الصغار.

ثم توقفت فجأة عن تناول الطعام تفاجئتُ من توقفها عن الطعام بشكل فجائي ولذلك طرحتُ عليها سؤالاً و كنتُ انتظر ان تجيبني.

_ما بك يا ربا لماذا توقفت عن تناول الطعام؟

ربا: لقد وضعتُ الكثير من الملح في طبقي وذلك لأنك كنتَ تنظر وتتمعن بي أثناء تناولي للطعام.

_حسناً لن أنظر اليك ، سوف أوجه في نظري نحو تلك الهرة
ضحكت ربا وقالت: حسناً اذا.

فقلت مشاكساً إياها: على فكرة الطعام كله مالح.

أجابت ربا وقد احمر وجهها: حقاً!

فضحكت وقلت لها: لا أنا أمزح فقط، انه جيد، بل رائع.

مجدداً شعرتُ وكأنها طفلة حقاً بحجم أكبر بقليل ، وبدأتُ أوجه في نظري نحو الهرة التي كانت تجلس على الارض من جهتي، لكنها كانت بعيدة قليلاً، وفجأة قالت لي وهي توجه في حديثها تخاطبني.

ربا: يمكنك أن تنظر الآن فلقد شبعت.

ثم نظرت واذ بربا لم تكمل طبقها الخاص في طعامها، ثم قلتُ لها مُخاطِباً ايّاها وموجهاً في سؤالي لها.

_لكنكِ لم تكملي طبقك من الطعام الخاص بك!
ربا: لقد شبعت لذلك لم اتمكن من اكماله، لكنني سوف اقوم في تغليفه وسوف اعود الى تناوله من جديد عندما أشعر بالجوع.

فقلت لها: حسناً اذاً بالهناء والعافية.

ربا: شكراً لك، وأنت أيضا.

فقلت لها: لا بل أنا من علي ان اقوم في تقديم شكري لك فلقد استمتعتُ كثيراً في تناول الطعام الذي اعدته سلمت يداكِ.

ربا: هذا من لُطفك بالصحة والعافية يا عزام.

ثم نهضت وبدأت في توظيب وترتيب مائدة الطعام بعد أن قامت في مسحها وتنظيفها جيداً لتعود براقة من جديد.

أما أنا فقد قمتُ من مكاني بصعوبة بالغة وذهبت وجلست في مكان آخر بعيد عن المائدة، ثم اقتربت مني الهرة وجلست في جانبي وبالقرب مني.

وأما ربا فلقد توجهت نحو المطبخ وبدأت في غسل وتنظيف الأطباق والحوائج الأخرى ، ثم قامت في تجفيف كل الأطباق التي قامت في تنظيفها وغسلها بالماء عبر قطعة نظيفة خصصتها للتجفيف.

وبعد أن انتهت عادت الى الغرفة التي أجلس بها، بعد أن قامت في صنع كوبان من الشاي اقتربت و قدمت كوب من الشاي لي، وبدأنا في شرب الشاي معاً.

ربا: عندي سؤال.

_تفضلي ما هو سؤالك!

ربا: كيف يمكنني الاعتياد مثلك على الحياة وحيدة دون ان تشعر بالفقد؟

فقلت لها مجيباً: لا انصحك في مثل هذه الحياة.

ربا: لكنك مضطر على عيش مثل هذه الحياة.

صحيح فلقد تأقلمت على وضعي هذا.

ربا: وهل انتَ سعيد بهذا؟ أعني ألا تشعر بشيء ما ينقصك في حياتك!

_لا اعلم ربما أشعر بذلك ولكنني لا أهتم لا ابدا.

ربا: هل كل الرجال هكذا! أعني لا يشعرون بفقدان احبابهم!

_طبعا لا ليسوا كذلك وإلا لما رأينا القصائد والروايات والأشعار عن الحب والفقد والفراق.

ربا: إذا ما الذي يجعلك تختلف عن البقية هكذا!

_سأحكي لك قصة قصيرة ربما يصبح الأمر لديك مفهوماً اكثر.

ربا: اتشوق لذلك هات ما عندك.

يتبع.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي