الفصل الثاني والعشرون

ربا: اتعلم يا عزام لا اظن ان فتاة مثلي في الدنيا قد تعرضت لنصف ما تعرضت له أنا من الضغوط والخوف لقد عشت الفترة التي يفترض أن تكون هي طفولتي كغريبة في عائلتي.

وفي فترة الشباب كنت فيها كأنني ارتكب كل محرمات الكون مجتمعة، وأما زواجي وخطوبتي ويا لها من ايام رائعة كنت الاسيرة في منزلي.

_اعلم ان من اسوء الاشياء لدى الفتاة العفيفة ان تساوم على شرفها وقلبها معاً ولكن من منا قد كانت الدنيا تعامله بعدل وإنصاف؟ أجبني يا عزام أجبني!

_كلنا يا ربا قد تعرضنا لأزمات ومواقف عصيبة بعضها اجتزناه وبعضها لا، ولكن في النهاية كل شيء يمضي ولا سرور يبقى ولا حزن يبقى.

ربا: وهذا ما فعلته ملك بي كأنها تقول لي ستجبرني على تشويه سمعتك بيدك وإن لم تفعلي فسوف الوثك واجعلك تشيعين ذلك بين الناس بمحض ارادتك وتقبلك تخيل يا عزام كل هذا وانا ليس لي احد في الدنيا أعود إليه كي ألوذ بركنه الأمن.

انا لا اعلم ما السبب الذي يدفع الناس للتعدي على الآخرين بدون سبب ولا هدف، لقد تعبت يا عزام، تعبت.

_شعرت بالأسى لحال تلك الفتاة، ربا كان ظاهرٌ عليها انها ارق من ان تتحمل كل هذا لوحدها وان تجابه الحياة بمفردها، فكان لزاماً عليّ ان اكون انا سندها الجديد وترسها الذي تحتمي به،

ونسيت حتى انني اتألم لجراحي وكدماتي فقلت لها مواسياً: كلنا مررنا بأشياء كهذه احياناً يجبر الانسان على ان يتقبل الاهانة بل ويبدأ هو بأن يتحمل الأذى ليحمي غيره حتى من نفسه، هذا ما يسمى بالتضحية يا ربا.

ربا: ولكنني كنت أنا الضحية والأضحية للجميع وبدا ان الناس كلها تحل مشاكلها بموتي أو اختفائي.

فقلت لها وأنا أشعر بألمها حقاً: كملي لي ماذا حدث بعد ذلك؟

ربا: كما تريد ولكن تحمل ما سوف اقوله وارجو ان لا تحاول ان اشرح لك اكثر.

اذكر انني في تلك الليلة تواصلت مع ريم ارى ما هو حالها، فأخبرتني ريم انها تنوي الحضور لمنزلي لتخرجني منه فمنعتها لأنني لا استطيع حمايتها من شرور من حولي.

لم اكمل كلامي حتى سمعت احدهم يدير المفتاح بقفل الباب ويفتحه خبأت الهاتف بعد ان اغلقته وجلست مستعدةً لرؤية من يريد الدخول ظناً مني انه زوجي المبجل مثلاً جاء لينظر حالي او يتفقدني إن كنت لا أزال على قيد الحياة.

تفاجئت برؤية ملك تفتح الباب وتدخل إلى الحجرة وعلى وجهها ابتسامة غريبة وملامح وجهها تشير إلى شر وسوء فعل ستقدم عليه.

شعرت بالخوف قليلا منها ووقفت احاول ان استجمع قوتي لكي ابقى صلبة بوجهها وقلت بغضب: ماذا تريدين مني لماذا عدتِ إلى هنا؟

تبسمت ابتسامة صفراوية قذرة ونظرت إلى الخارج بطرف عينيها وقالت: لست انا من اريد بل هو_

أشارت بأصبعها ليدخل أسوأ مخاوفي واكبر كوابيسي، رأيت قدم رجل تتخطى عتبة الباب ويدخل ذلك الرجل ملثماً إلى الغرفة ونظر إليّ بدون أن يتكلم بشيء.

فنظرت مستنكرة مما ارى وصرخت بأعلى صوتي على ملك فقلت: أخرجوا من هنا ايها الاوغاد أيها الحثالة!

فتوسعت ابتسامتها وقالت ضاحكة: أنا سأخرج طبعاً ولكنه سيبقى معك واشارت لذلك الرجل حينها لم اكن اعرف من هو وماذا يريد كنت اظن انه قادم لضربي أو ربما قتلي حتى.

لكن حدث الذي هو أسوأ من ذلك خرجت هي من الغرفة وأغلقت الباب خلفها ولكن بقي ذلك الرجل بالغرفة.

وبدأ يفك لثامه على مهل وقلبي يخفق ويطرق بشدة حتى كاد ينخلع من مكانه فأمسكت إحدى التحف النحاسية الموجودة على الطاولة بجانبي وبدأت استعد للقادم.

سقط اللثام عن وجهه فكان هو_

كان أيمن ذاته تخيل يا عزام اتت به من السجن لتضلني وتشوه سمعتي امام الناس اكثر واكثر، انا لم اكن اعلم ان هناك قلوباً كالحجارة بقسوتها.

لكنني كنت مستعدة كما اخبرتك للموت دون أن امس بأذى ظل أيمن واقفاً مكانه لا يتكلم فصرخت عليه غاضبة: اخرج من هنا قبل أن أقتلك أيها الوغد.

فارتعد خائفاً من صوتي وتمتم بصوت مرتجف وقال متلعثما: انا انا اسف يا ربا فقط اسمعيني_

عدت اصرخ عليه واهدده وأقول: اياك ان تلفظ اسمي ايها القذر وإلا كانت اخر كلمة لك في حياتك اتفهم!

رد أيمن بارتباك وخوف: ربا ارجوك دعيني فقط اوضح لك.

فصرخت غاضبة منه: لا توضح شيئاً واغرب عن وجهي أيها الغادر الناكث للوعد هيا.

ظل واقفاً مكانه فمدت يدي على الطاولة ليقع تحت يدي هرماً زجاجياً ثقيل الوزن بحجم كرة الغولف ذو زوايا مدببةً وحادة ورميت بها بأقصى قوتي عليه فارتطمت برأسه وبدأ الدم يثعب منه كالنهر.


وضع يده على جرحه و توجه نحو الباب مرعوباً وفتحه يريد الهروب لكن الحارس منعه من فعل ذلك وكانت ملك تقف بالخارج فأشارت للحارس أن يأخذه ويبعده من هنا.

دخلت ملك وقالت: لقد افسدت الامر وألان انت لا تتركين لي خياراً سوى الخيار الصعب لذلك يجب ان تتحملي يا صغيرتي.

ومن ثم عادت لتخرج من الغرفة فانقضضت عليها ممسكة بشعرها وشدتها نحو الداخل وبدأت بضربها في مختلف مناطق جسمها بكل ما أوتيت من قوة وهي تصرخ وتحاول الإفلات من يدي.

حتى دخل احد الحراس وأمسكني من يداي ورفعني عن الارض وألقى بي على الأرض كأنني علبة عصير فارغة بين يديه.

وخرجت ملك مهرولة من الغرفة وتبعها ذلك الحارس وأقفلت الباب خلفها.

بقيت أنا في الغرفة التفت من حولي وابحث عن طريقة للهروب، كنت فزعة جدا ولم يعد لدي قدرة على التفكير أو حساب العواقب، كل ما كان يهمني أن أهرج من ذلك المكان مهما كلف الأمر وبأي طريقة كانت.

تلقت حولي وبحثت فوقعت عيني على ارجوحة صغيرة ذات مظلة قماشية فوقها قابعة أسفل الشرفة.


لن تصدق يا عزام انني ظننت لوهلة أنني في فيلم سينمائي كالذي نشاهده في دور السينما.

بمجرد أن رأيت تلك الارجوحة عدت للغرفة ابحث عن شيء يساعدني على النزول من الطابق الثاني عبر الشرفة.

وجدت بعض الأقمشة في الخزانة فقمت بربطها مع بعضها وارتديت ملابسي وتجهزت للحظة التي ينام الجميع لأقفز فيها واهرب.

لم افكر في أين سأذهب او من سيوصلني كل ما خطر ببالي هو أنني يجب أن افر مبتعدة من هنا بأقرب وقت.

انتظرت ساعة تقريباً وعزمت أمري وجدت سكين فواكه فأخذتها احتياطاً وربطت الأقمشة ببعضها وتدليت نزولاً إلى الأرجوحة كان الأمر صعباً وشبح السقوط يحوم حولي إلى أنني نجحت في الهبوط على الارجوحة.

كانت الحديقة فارغة ولا أحد فيها نزلت من على الأرجوحة لأتسلق إحدى الشجيرات القريبة من الحائط فسمعت احدهم يتكلم من خلف الجدار.

مددت رأسي قليلاً لأرى رجلاً يقف حارساً للمكان لسوء الحظ.

نزلت من على الشجرة وتسللت إلى اخرى واستطعت ان اتسلق غيرها وكان الطرف الآخر من الجدار فارغاً مظلماً.

صعدت على الجدار واخذت شهيقاً عميقاً مستعدةً للقفز عليه وما إن وقفت حتى سمعت احدهم يصرخ "لص" "أنه لص" امسكوا به.

شعرت بفزع شديد فتعثرت و القيت بنفسي على الطرف المقابل للجدار وأصبحت خارج المزرعة.

نهضت احاول الاستعداد للركض فإذا بضوء كشاف يسلط عليّ، لم اركض بضع خطوات حتى احسست بأحدهم يمسكني من شعري.

يتبع.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي