الفصل الثامن

.وقفت خلف الباب لبعض الوقت متردداً افكر فيما سيكون بعد الأن وأنا أقول في نفسي: هل أدخل! أم أبقى في الخارج؟ وإن دخلت ماذا سأقول بعد ذلك؟ أنا فاشل في الكلام اللطيف حد الغباء.

قررت وحسمت الخيار، وطرقت الباب مرة تلو الاخرى حتى ردت عليّ هي مناديةً من الداخل: ماذا تريد يا عزام!

اقتربت من الباب وناديتها: ربا، لقد حضرت فنجاناً من القهوة افتحي الباب و خذيه من يدي.

أجابتني قائلةً: لا أريد شكراً لك.

كررت النداء غير أبه بما قالته فردت عليَّ: ادخل، فالباب ليس مقفلاً،

فتحت الباب و دخلت بخطوات هادئة فوجدها تجلس على السرير بجانب النافذة وتكور نفسها كأنها كرة من القطن.

مددت يدي لكي اعطيها الفنجان فأشارت بوجهها لكي اضعه على الطاولة بجانبها.

فعلت ما أرادت وهممت بالخروج ثم توقفت لوهلة و نظرت ناحيتها وخرج من فمي اسمها رغماً عن نصفي الذي يصارعني وقلت لها: ربا هل انتِ_

وتوقفت بعدها ولم أكمل ما اردت قوله
التفتت إليَّ وقالت ببرود: ماذا! ماذا هناك؟

ابتلعت ريقي وحاولت ان اجد شيئاً ما لأقوله غير ما يدور في خاطري وقلت لها: هل أنت مريضة؟ لماذا انقلب حالك هكذا!

أجابتني بصوت هادئ: لا لست مريضة أنا بخير، شكرا لك.

عدت وكررت سؤالي: إذا ما بك؟
ربا: اعذرني، أنا لا ادري ماذا اقول، ولكنني أحتاج البقاء بمفردي قليلاً،

وقبل أن أخرج أضافت جملة أخيرة وقالت: شكراً على القهوة.

ابتسمت لها ورميت مفاتيح المنزل في حجرها وقلت: هي كما تحبين، من دون سكر.

امسكت المفاتيح ونظرت إليَّ وقالت: ما هذه؟

اجبتها وانا ممسك مقبض الباب انوي الخروج: هذه مفاتيح المنزل ولقد نسيت ايهم يفتح هذا الباب ابحثي عنه واحتفظي به ستكون هذه غرفتك من الان فصاعداً.

حدقت إلى المفاتيح ومن ثم حدقت نحوي وقالت : شكرا لك عزام، أتعلم أنا لا أدري ماذا كان سيحدث لي لو أنني لم ألتقي بك في تلك الليلة.

عدت والتفت إليها وخفضت صوتي مجيباً: هذا واجبي لا تقلقي أنا ذاهب إلى الخارج لبعض الوقت لدي بعض الأمور كي أنجزها، حاولي ان لا تصدري صوتاً او ان يراك احد اتفقنا؟

هزت برأسها مجيبةً بالقبول وقالت: اتفقنا عندما تعود سأخبرك بكل ما تريد معرفته عني، إن شئت طبعاً.

أومأتُ لها موافقاً فهذا جل ما يشغل تفكيري حاليا وهممت بالخروج.

فهتفت على عجل وقالت: سأناديك "عزام" إن كان ليس لديك مانع طبعا.

خرجت و اغلقت باب حجرتها متوجهاً إلى باب المنزل اخرجت دراجتي النارية ووضعت سلاحي على خصري واشعلت المحرك.

ومن ثم قدتها متوجهاً نحو منزل صديق لي في الطرف الآخر من المدينة.

قدت الدراجة لمدة ساعة تقريباً فوصلت إلى وجهتي متعباً وظمئاناً، أوقفت الدراجة في فناء المنزل ونزلت منها وتوجهت إلى الباب الخلفي.

صديقي هذا يعشق التخفي والتمويه وحذر جداً بالنسبة لهذه الأمور وقد ترك الباب الأمامي مفتوحاً ومفخخاً أيضاً من أجل الغرباء.

لمسة واحدة على المقبض وسيكون القادم في عداد الأموات، وأما المنزل فهو طابق أرضي فوقه ثلاثة طوابق كلها مدمرة وقد تراكم حطامها فوق المنزل تماماً فيظن من يراه لأول وهلة أن البيت مهجور فارغ تماماً.


طرقت الباب على عدد الطرقات التي كنا قد اتفقنا عليها سابقاً،ففتح لي ومد رأسه إلى الخارج ينظر من الطارق، فمددتُ يدي مصافحاً له وقلت: مرحباً صقر كيف حالك يا صديقي.

استبشر بقدومي وتهلل وجهه ومد يده وصافحني وشدني نحو الداخل على الفور.

تهلل وجهه ورحب بي ترحيبا حارا وقال: اهلا اهلا بصديقي القديم كيف حالك يا عزام!

وضعت يدي على كتفه ومشيت بصحبته نحو الداخل وأنا أجيبه: الحمد لله بخير حال ولكن اسقني رشفة ماء قبل ان يقتلني الظمئ، لقد تعبت وأنا أقود دراجتي إليك.

ضحك وقال: تعال ادخل إلى المطبخ وضعت الزجاجة على فمي فلم ابقي على قطرة ماء فيها.

ضحكت وأنا اقول: اااه الحمد لله لقد كاد يقتلني العطش، والأن اخبرني انت ما اخبارك يا ؟ لقد مضى وقت طويل على آخر مرة التقيتك فيها

صقر: إنها جيدة جدا، كل شيء على ما يرام، تفضل ادخل ادخل يا رجل.

وقفت بالممر و نظرت له مستغرباً: ادخل؟
إلى أين إنه الجدار يا صديقي.

ضحك صقر ونظر إليّ بخبث وقال: سنرى إلى اين.

وضع يده على الجدار متحسساً احدى قطع الطوب وامسك بها ومن ثم سحبها من مكانها ليظهر خلفها مقبض باب مخفي خلفها.

فتحه فإذا هو مدخل لقبو تحت الأرض فشعرت بالذهول ونظرت إليه بدهشة وقلت: منذ متى وهذا القبو هنا؟ أنا لم أراه من قبل

فأجابني صقر بابتسامة صفراوية خبيثة قائلاً: لطالما كان هنا ولكنك كالعادة لا تفتش عن ما يخفى عليك يا صديقي، ادخل فلدينا عمل مهم.

انحنيت قليلاً وخفضت كامل جسمي ودخلت امامه في ذلك السرداب الضيق المعتم كانت رائحة الرطوبة مزعجة وكلما نزلنا درجة نحو الأسفل ازداد ضيق النفس والبرودة والرطوبة.

إلى أن رأيت ضوء إنارة خافتة فأسرعت نحوها بخطواتي فكانت المفاجئة لقد كانت غرفة كاملة محفورة تحت الأرض ذات انارة وتمديد كهربائي ومنامة صغيرة.

تلفت حولي ارقب كل شيء مندهشاً بكل ما ارى
فأحسست به يضع كفه على كتفي ويتكئ عليَّ قائلاً: ما رأيك يا صديقي هل اعجبتك؟

اخرجت سيجارتي واشعلتها وتقدمت نحو تلك الطاولة الكبيرة الشبيهة بالتي توضع في مكاتب الدولة ونظرت إليه وقلت له: جميلة جميلة جداً لكن_ ألا تبالغ قليلاً؟

نظر إليّ بجدية وقال: هذه هي تحفتي الفنية ولا مبالغة فيها طبعا، ما رأيك شخص يريد أن ينفذ عملية اغتيال لحاكم المقاطعة الفدرالية ألا يجدر به أن يجهز غرفة كهذه للحالات الطارئة؟

اخرجت سيجارتي من فمي ووقفت ممسكاً ببعض الصور التي وجدتها على المكتب أحدق بها وقلت له: بلا، يجدر بك ذلك.

صقر: وأنت؟ ألا يجدر بك مثله؟


ضحكت وقلت: أنا أترك كل شيء على ما هو عليه والحياة هي من تغير كيفما يحلو لها، وعندما يضطر الأمر فبيتك بيتي،

صقر: إذا تعال واسكن معي هنا، لماذا تنتظر حتى يحصل خطب ما؟ لا امان في المكان الذي تسكن انت فيه يا صديقي.


نظرت إليه وقلت: ربما لاحقا ولكن ليس الأن.

اقتربت نحو واريته الصور متجاهلاً ما قاله لي وقلت له: أي هؤلاء الذين في الصور هو الحاكم ؟

وضع اصبعه على إحدى الصور واشار إلى رجل ذو بشرة بيضاء اشقر الشعر ظاهر عليه الترف والبلاهة نوعاً ما وقال: الحاكم لمقاطعة الجنوب "الفريد"

تعجبت من شكله الأنيق وأعدت السؤال على صقر: هذا؟ هذا الطفل المدلل هو الحاكم؟

صقر: لازلت تغتر بالمظاهر كعادتك هذا الطفل المدلل قد دمر كل ما تراه من حولك وقتل مئات الاف من البشر بدم بارد وكان احد المسؤولين عن تقسيم البلاد.

صقر: هل لازالت مصراً على وصفه بالطفل المدلل!
مشيت نحو الجدار انظر لكل تلك الصور المعلقة عليه والجرائد والدبابيس الملونة.

التفت نحو و قلت له: اشعر انني في احد مكاتب التحقيقات لجهاز الاستخبارات ما كل هذه الصور؟ لقد جمعت صور أكثر مما رأيت في كل عمري

صقر: بما أنك متعجب مما قمت أنا به فأستنتج انك لم تقم بشيء من هذا في منزلك طيلة الأيام الماضية.

ضحكت ضحكة قوية حتى بدأت بالسعال ورميت سيجارتي على الأرض ودستها بقدمي ووضعت يداي في جيبي قائلاً: اعلم انني لست من النوع الذي يعجبك، انا اعمل ببساطة واقود بتلقائية اكره الخطط ولا أحب كثرة الحسابات.

صقر: تقصد أنك أهوج اندفاعي عاطفي منتقم متهور؟ ولكن لا تقلق هذا ما يعجبني بك أستطيع الاعتماد عليك في أوقات الجنون واللاعقلانية يا صديقي، ولكن لم تخبرني ما سبب زيارتك؟

فأجبته: لا ادري هل هذا مدح أم هو ذم، ولكن لا سبب للزيارة احببت ان اطمئن عليك وعلى امور العملية فقط فلربما يقتلك رجال العصابات وانا لا علم لي.

قهقه و ضحك قائلاً: يقتلونني! وهذه لماذا احملها طيلة الوقت؟

وفتح بيده إحدى الخزانات ليخرج من داخلها بندقية من نوع "كلاشنكوف"

اسرعت نحوه وقلت له: ارنيها ما هذا!

نظر صقر مستغرباً: ماذا بك! الم ترى بندقية في حياتك؟

انتزعتها من بين يديه وأنا أقول:ايها الاحمق بلا رأيت، وهذا أحد الأمور التي أتفوق بها عليك؛ خبرتي وشغفي في السلاح، ولكن من أين سرقتها! انا لم اكن اراها إلا مع الجثث المتفحمة على خطوط الجبهات.

صقر: وانت قلتها، من إحدى الجثث يا صديقي
اتعلم لقد انتزعتها من بين يدي ضابط ميت لقد كان ممسكاً بها بقوة وقد يبست ذراعاه عليها واصبحت جثته كالصخر.

_لقد اجبرني ان اكسر له يداه لكي انتزعها من بينهما، هل اعجبتك؟ يمكنك أخذه إن أردت.

ضحكت وانا اتأملها واجرب طريقة الإطلاق بها
وقلت له بسخرية: أيها اللص العنيف لم اكن اعلم انك تسرق من الموتى ايضاً.

نظر إلي وقال: و هل كان ذلك الضابط يلعب البولينغ قبل موته! لا اظن ذلك.

_على كل حال خذها فأنت بحاجة لسلاح ايضاً.

اطلت النظر إليها وقد اعجبتني ولكن قلت له رافضاً عرضه: اتعلم يا لقد اعجبتني حقا ولكن لا استطيع تركك اعزلاً من دون سلاح.

صقر: لا تقلق لدي غيرها خذها وخذ كيساً من الرصاص ايضاً، هل تريد شيئاً اخر!

ضحكت وانفرجت شفتاي بابتسامة عريضة وقلت له: ما كان عليك أن تسألني تعرف انني شخص قليل الذوق كثير الطلب.

ضحك صقر وهو يقول: لا تقلق قل لي ماذا تريد؟

خفضت صوتي قليلا و قلت له بتردد: اريد مسدساً صغير الحجم يشبه الذين يحملهم الضباط في المعارك ودرعاً واقياً.

استغرب من كلامي و نظر إليّ بتعجب و قال: مسدس صغير و درع؟ لماذا هذه الاشياء؟

ارتبكت قليلاً ولم ادري بما اجيبه.

صقر: لم اكن اعلم انك مهتم بحماية نفسك لهذا الحد على كل حال لا تقلق لدي في الخزانة ما تريد ايضاً خذ ما تريد انها لك.

نظرت إلى الخزانة فكان فيها مسدس رائع الشكل ظاهر عليه أنه من نوع فاخر بلونٍ فضي لامع وبيت جلدي يوضع فيه واخترت درعاً واقياً ومن ثم اغلقت الخزانة.



يتبع.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي