الفصل السادس عشر

اصطنعت ضحكة أحاول طرد شكه عني وقلت له: لا تتحامق يا رجل من سيكون معي فحتى صقر لم يعلم بالأمر

رد مالك ببعض الريبة: اممم سنرى ذلك لاحقاً ولكن اخشى يا عزام انك لن ترى بعينك مجدداً!

صدمت عندما سمعت تلك الكلمة تخرج من فمه وجف ريقي فعدت اسأله: هل انت جاد في ما تقوله، لا أظنني سمعتك جيداً.

كرر مالك كلامه بجدية وقال: كما سمعت، عينك متضررة جدا وربما لن تتمكن من أن ترى بها بعد الأن خصوصا ونحن هنا لا إمكانيات طبيةٍ لدينا كما تعلم.

تأكدت مما سمعته و كان قبل ذلك بالنسبة لي وهماً، عاد مالك واغمض لي عيني وغطاها بالرقعة القماشية وقال: ماذا تريد مني ان افعل الان؟

أجبته ببعض الشرود: لا ادري يا مالك كنت اظنك ستعالجها أو تجد حلا لها، لم أتوقع أنها قد تلفت تماماً بهذه السرعة.

أجاب مالك ببعض التمني والرجاء: تعلم يا عزام انني اتمنى لو كان بمقدوري فعل ذلك ولكن ليس باليد حيلة مع الأسف، لقد تأذت الشبكية وكذلك البؤبؤ تضرر بشكل كبير.

قلت له وأنا أحاول أن أستجدي الأمل يائسا: وقدمي ما هو حالها ايضا؟ هل هي سيئة أيضا؟

أجاب مالك مهوناً الأمر علي: في الواقع قدمك قد تعرضت لرض خفيف يومين او ثلاث ان شاء الله وستكون كما كانت في السابق، الحمد لله سلمها الله لك.

ثم أردف قائلا:قل لي يا عزام، هل تريد مني ان اطلب نقلك إلى مكان آخر خارج المدينة؟


فأجابته على الفور حازماً: لا_ لا يا مالك فصقر قد قطع شوطاً كبيراً في مهمتنا ولا اريد للامر ان يفسد بسببي سأحاول ان اتأقلم على وضعي الجديد لا تقلق.

مد مالك يده إلى جيبه وأخرج مبلغا كبيرا من المال وقال: إذا خذ هذا المبلغ ربما ستحتاجه في الأيام القادمة.

ثم أخرج بعض الأدوية من حقيبته التي كانت معه وقال: وعليك أن لا تنسى تناول هذه الادوية اتفقنا؟ إنها مهمة جدا كي تستعيد لياقة رجلك بسرعة.

خفضت رأسي ملمحا بالقبول وقلت: حسنا يا صديقي اتفقنا.

قال مالك وهو يلملم أشياءه: أنا سأذهب الآن ولو احتجت لشيء فلا تتردد في طلبي

ساعدته في جمع أغراضه وأنا أقول:كما تريد يا صديقي، اذهب أنت بأمان الله واحذر أن تلمس السور انه مكهرب.

نهض مالك وصافحني وهو يقول: حسناً بأمان الله، السلام عليكم.

خرج مالك وانطلق مبتعداً عن المنزل فناديت ربا لتأتي إليّ، فسمعتها تغلق باب غرفتها وتأتي نحوي.


قالت ربا على الفور تسأل: من هذا الذي كان هنا يا عزام؟

اجبتها قائلا: انه صديقي مالك ويعمل في كطبيب متنقل بين الشباب.

ربا باستغراب واستنكار: طبيب وشباب؟ اشرح لي أنا لم أفهم شيئاً أبدا.

أجبتها وأنا أعيد ترتيب بطانياتي وأقول: ربما لاحقاً سأفعل والان اقترب الليل هل لا تزالين تريدن اكمال قصتك لي؟

أجابت ربا بحيرة: بالنسبة لي لا مشكلة لدي، ولكن انت هل تستطيع أن تبقى مستيقظا أراك قد تعبت تعباً شديداً مما حدث لك اليوم.

فقلت لها: لا، انا بخير لا تقلقي ولكن عيني تؤلمني قليلاً.

تقدمت ربا والآسف يعتري ملامحها وقالت: اسفة يا عزام كل هذا بسببي، لا أدري كيف سأكفر عن فعلتي تلك، أنا حقاً أشعر بالخزي منك ومن تصرفاتي اتجاهك.

تبسمت في وجهها وقلت: لا عليك، ما حصل ليس بسببك، بل هذا هو القدر يأتي بما نحب وما لا نحب.

قالت ربا متسائلة: القدر و ما هو القدر! أظن أن هذه أول مرة أسمع فيها هذه الكلمة، لم تمر علي من قبل.

فأجبتها: القدر يا ربا هو كل شيء يحصل في حياتنا يكون معلوماً ومكتوباً من قبل عند الله.

ربا: اتعلم لقد قرأت منذ زمن عبارة لم افهمها في ذلك الوقت كانت تقول "القدر هي فتاة تزوجت و هي تعلم انها ليست عذراء فكان الزوج في حالة سكر ليلة العرس.

ارتسمت على شفاهي ابتسامة وأجبتها وأنا أحدق في الفراغ: أجل هذا هو القدر ولذلك نحن نفر منه إليه فلا مناص لنا عن رؤية ما هو مكتوب ومقدر علينا جميعاً لكن المهم في الموضوع أن نرضى بما حصل ونتعلم منه ونعد العدة للمستقبل.

ربا: اخبرتني ان صديقك يعمل طبيباً ولم تخبرني ما قاله لك عن عينك! الم يخبرك متى سوف تشفى؟

فأجبتها وأنا أخفي عنها لكي لا تحزن: بلى اخبرني وقال انها ستشفى عندما يأتي يومها المقدر لها وحتى ذلك الحين سأظل بعين واحدة.

شهقت ربا ووضعت يدها على فمها وقالت: يا إلهي هل_ هل هذا يعني!

ارتفع حاجبي عندما شهقت مستغربا من ردة فعلها وقلت: أجل هذا يعني انني فقدت عيني مؤقتا وليس دائما.

وضعت يديها على عينيها وبدأت بالبكاء تعصر بأصابعها الغيرة مقلتي عينيها وهي تقول: أنت تحاول إخفاء الأمر عني، قل الحقيقة قال لك أنها لن تشفى أليس كذلك!

وأكملت البكاء وهي تقول: اسفة يا عزام انا السبب يا لي من فتاة سيئة كنت انت تحميني وكنت انا اتسبب لك بالمشاكل والالم وكدت اتسبب بمقتلك وها انت تفقد عينك بسببي.

كان الأمر صعبا عليها فزادت بالبكاء حتى اجهشت وابتل خديها وامسكت يدي و قالت وهي تبكي: هيا اقتص مني خذ حقك وهذه عيني هيا انا لن اسامح نفسي طيلة حياتي.

شدت يدي ونزعتها من بين يديها ولم اتكلم بحرف واحد.

عادت للبكاء ورمت برأسها بجانبي على السرير فحاولت تهدأتها بأي طريقة ووجدت نفسي اقول لها: انا استحق ما حدث هذا هو جزائي العادل.

رفعت رأسها وقالت : ولكن_ ولكنك لم تؤذني وكنت لي كأخي تحميني وترد الشر عني وأنقذت حياتي، لولاك لكنت الآن في عداد الأموات، أنا أعلم أنك تقول ذلك كي تخفف عني؛ أعلم.

_لا لست أقول ذلك كذباً، بل حقيقة واسمعي إن شئت لما سوف أقوله الأن.

_اسمعي يا ربا لا أحد قال أنه يجب على شخص أن يسترد حقه!

أنا أعرف أن علي ذنوبا وأخطائاً ثقيلة وكنت أعلم أنها لن تمر بسلام هكذا بل ستقطص مني، لقد ظلمت فتاة في الماضي وها انا اليوم ادفع ثمن غلطتي، لقد كنت أنتظر هذا اليوم منذ زمن بعيد.


أتعلمين يا ربا كل منا له وجه مظلم يخفيه عن الاخرين، أذكر أنني قبل زمن ليس بالبعيد كنت لا أزال أقيم في مدينة أخرى وكنت قد اعجبت بتلك الفتاة.

وكنت اتقصد ان اذهب إلى حيث جامعتها لأنتظرها خارجاً لعلي احظى ببضع نظرات لها بقيت على هذه الحال شهراً كاملاً اذهب كل يوم واجلس على احد المقاعد امام الجامعة منتظراً اياها.

يوماً بعد يوم بدأت احس انني انجر لحبها رغماً عني وكنت إن تغيبت يوماً واحدا عنها ولم ارها فيه احسست ان شيئاً ما ينقصني.

فبدأت احاول التحدث معها تارة امثل انني اسأل عن معيد او طالب وتارة ابحث عن صديق وهكذا.

لقد كانت فتاة جميلة جدا تشد لها الانظار لا يستطيع شاب إن مرت من امامه ان لا ينظر لها وهو مذهول من جمالها.

مع ذلك كانت لا يبدو عليها انها من تكلم اللواتي يظهر عليهن الغرور والتعجرف ولكنها كغيرها من الفتيات لا تقبل ان يكلمها اي شاب هكذا بكل بساطة يجب عليه ان يسعى خلفها ويكسب ودها.

اذكر انني في يوم ما وقفت بجانب دراجتي النارية انتظر خروجها عند انتهاء الدوام فوجدتها تقف بين عدة فتيات من صديقاتها فاقتربت منهن واستأذنتها لأتكلم معها على انفراد فقبلت.

وقفت امامها بكل جرأة وقلت "هل تقبلين الزواج بي؟


يتبع.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي