الفصل الثاني عشر

سمعت وقع الخطوات على الارض تنذر بقدوم احدهم فحاولت الوقوف فلم استطع زحفت على قدماي وصعدت بضعة درجات لاحتمي في السقفية الصغيرة فوق الغرفة واشرت بيدي لربا بأن تجد لها ملجأً خلف إحدى الارائك وجلست انتظر للحظات لعلهم يذهبون دون أن يجدونا.


امتثلت ربا لأوامري واختبأت خلف الاريكة ورمت على نفسها بضع بطانيات وهدأت لا تصدر صوتاً ولا حركة.

اقترب احدهم من باب الغرفة وهو يصرخ تعال إلى هنا يبدو انها في هذه الغرفة تعال تعال بدأ احدهم يضرب الباب بقدمه يريد كسره والدخول للغرفة كرر محاولته فلم يستطع فسمعت فجأة صوت اطلاق نار كثيف وتطاير الرصاص مخترقا الباب ليستقر بالجدار المقابل له.

ومن ثم قام الرجل بخلع الباب ودخل إلى الغرفة يحمل بندقية الية بيده وهو يتلفت يمنة ويسرا ويصرخ بأعلى صوته: " اخرجي من مكانك اعلم انك هنا اخرجي وإلا قتلتك هيا"


مددت رأسي أنظر إليه فعرفته كان احد صيادي الجوائز في المدينة امسكت مسدسي ووجهته ناحية قلب الرجل وبلحظة واحدة التفت هو إلي موجهاً سلاحه نحوي فأطلقت النار عليه قبل أن يطلق هو فاردته قتيلا بلحظة وعدت لداخل السقيفة استجمع قواي و احاول التركيز قدر الإمكان.


سمع الرجل الاخر صوت اطلاق النار فهب راكضاً إلى الغرفة ليجد صديقه مرماً على الأرض فانتظر للحظات خارج الغرفة واستعد للدخول.


كنت بانتظاره ليأتي وامسكت سلاحي مستعداً لكي يأتي فمد سلاحه ووجهه إلى الجهة اتواجد بها ومن دون أن يدخل وضغط على الزناد مطلقا النار عشوائياً في كل مكان وتراجعت للخلف واحتميت في السقيفة مختبأً بها للحظات.

ثم دخل إلى الغرفة بصمت يتلفت حوله فمددت سلاحي مستعدا وضغطت الزناد فانطلقت الرصاصة لتصيب الأرض ولم استطع التصويب بسبب اصابة عيني فانتبه إلي واحتمى فمددت يدي احاول الاطلاق مجدداً وضغطت على الزناد فسمعت ذلك الصوت " تك"اعدت الضغط " تك "

كاد قلبي يتوقف من التوتر نظرت إلى المسدس يا إلهي لقد كان خاليا من الرصاص
فعلمت أن نهايتي قد حانت وأن لا مفر من الموت هذه المرة أو أنه سيمسكني حياً.

فسمعت ذلك الرجل يقهقه انزل سلاحه والتفت ناحيتي وانا اراقبه من شق صغير في ارضية السقيفة الخشبية و قال وهو يضحك ويستهزئ: أعلم أنك هناك يا قطتي اخرجي ولن أؤذيك هيا.

فلزمت مكاني محافظا على صمتي لأسمعه ينادي مجدداً " اخرجي واعدك انني لن اؤذيك هيا"

فلم أرد بشيء عليه وانا افكر في طريقة أتخلص بها منه وانظر حولي لا أجد شيئا ادافع به عن نفسي


تقدم ذلك الرجل ببطء نحو الدرج وخطى باتجاهي فداس على جثة صاحبه وهو يضحك ويقول: واخيرا سأصبح ثرياً ستكونين انت اجمل هدية رأيتها في حياتي يا قطة.


وقف امام الدرج يريد الصعود إليّ ليصعد إليّ و لكن كان يبدو عليه الخوف والارتباك فتوقف للحظة وقال: اسمعي انا وانت هنا ما رأيك أن تخرجي من مكانك و نستطيع أن نكون ثنائياً رائعاً ستكونين سعيدة معي، ها ما رأيك.


طال مكوثي في الاعلى وعادت عيني للنزيف وقدمي احس انها اصبحت بحجم قدم الفيل ولم اعد استطيع الاحتمال اكثر فقام ذلك الرجل بصعود الدرج وانا احس بأن الموت يقترب مني رويدا رويدا.

فأمسكت مسدسي وقمت بتلقيمه لأخيفه فسمع صوت التلقيم ونجحت خطتي فخاف وتراجع للخلف قليلا ثم صرخ باعلى صوته: ساعد للخمسة وإن لم تخرجي فسوف اقتلك وبدأ العد.

_واحد، اثنان، ثلاثة، اربعة، اربعة اقول اربعة يا فتاة.


ومن ث صرخ قائلا: ابقي مكانك يا حمقاءحسنا كما تريدين، خمسة!

وفتح النار يرش الرصاص على أرضية السقيفة فهبت من مكاني وألقيت بنفسي عن الدرج وسقطت فوقه فوقعت انا وهو على الارض وأمسكت بعنقه احاول خنقه وأمسك هو ببندقيته ورفعها للأعلى وقام بضربي على ظهري بكعبها مرة بعد مرة حتى أفقدني القدرة على الحركة فسقطت ارضا وظهري يكاد ينكسر شعرت بأنه قد انشطر لنصفين.


فوقف هو ووضع قدمه على صدري ووجه البندقية إلى رأسي وصرخ: من انت يا هذا! أين هي الفتاة تكلم هيا.

فأجبته بصعوبة وأنا بالكاد استطيع الكلام: انت الذي دخلت لبيتي فمن أنت وماذا تريد؟

فرفع البندقية وامسكها بالعكس ووجه كعبها إلى صدري وضربني بها على صدري فسمعت بأذني صوت اضلاعي وهي تتكسر فانطبق صدري على بعضه ولم اعد استطيع التنفس وقلت بصوت منطفئ: لا لا أحد هنا سواي أيها الأحمق.

فنزل عن صدري وقال: لا تزال تكذب فلنرى إن كان كذبك سيمنع الرصاصة من ان تطفئ لك عينك الاخرى استعد.

واستعد هو للإطلاق فاغمضت عيني انتظر لحظة موتي ومر امامي شريط حياتي كاملاً بلحظات معدودة وبلمحة بصر سمعت صوتاً يأتي من الجهة الاخرى من الغرفة فرفع هو بندقيته ووجهها نحو مصدر الصوت لأتفاجأ بصوت اطلاق نار و رصاصة استقرت بيد ذلك الرجل فوقع سلاحه من يده ووقع الرجل ارضاً من خوفه.


فاستجمعت كل ما بقي بداخلي من قوة وانتفضت والقيت بجسدي المتثاقل فوقه واستللت الحربة من جعبته وغرستها بصدره لأنهي بها حياته و تخرج آخر أنفاسه من رئتيه،شهق تلك الشهقة وارتج بعدها ثم هدأ فعلمت انه قد نفق وفارق الحياة.

فخارت قواي ولم اعد استطيع ادارك ما يجري حولي ابداً واحسست بقلبي يتباطئ وانفاسي تتقطع شيئاً فشيئاً وانقلبت على ظهري وكل عظمة بجسمي تؤلمني وكل عضلة بجسمي تصرخ الماً ووجعاً.

والتفت برأسي ناحية المكان الذي اختبأت به ربا فرأيتها تقف جامدةً مرتبكة لا تتحرك فطمأن قلبي انها لا تزال بخير وأشرت لها بيدي أن تبقى مكانها.

تزايد الوجع في جسمي وضاق نفسي فبدأت بالسعال ومع كل مرة اسعل بها يخرج الدم من حلقي حتى فاض بالدم فمي فرأيتها تركض ناحيتي فجأة ووضعت يدها تحت رأسي ترفعه.

اُغمضت عيناي تلقائيا ولا ادري كم استمر الحال هكذا ثم فتحت عيناي لأجدني لازلت ملقى على الأرض وهي تضع رأسي على قدمها والدمع يقطر من مقلتيها ويتساقط على وجهي تبكي على ما اصابني بسببها.

حاولت أن أنهض او ارفع جسمي عن الارض فلم استطع فرفعت يدي وقلت لها بصوت مبحوح" اسنديني قليلا يا ربا اريد ان اقف"

وضعت يدي على كتفها واعانتني تقدمنا قليلاً بضع خطوات بكل صعوبة وبجهد بالغ والقيت نفسي على السرير لألتقط أنفاسي واشرت لها بيدي لكي تحضر لي من الدرج بعض الادوية والضمادات.


فقامت من مكانها على الفور وأحضرت كل ما وجدته أمامها من معقمات وضمادات وقطن لتلف بها جراحي.


كان قلبها رقيقا لدرجة انها لا تستطيع ان تلمس جرحاً بيدها واحسست بيدها ترتجف كلما لمست جرحاً وعينيها تغمض بدون ارادتها كلما رأتني اتألم.

مسحت لي عيني ونظفتها من الدماء بعد أن تورمت وتحول لونها للون الكحلي القاتم المائل للسواد واحضرت سكيناً وشقت لي البنطال قريباً من الركبة ومسحت الدم عن قدمي ولفت الجرح بالضمادات والقطن بعد ان عقمته واكملت تنظف وجهي ويداي من آثار الدم.

وجلست هي بجانبي صامتة بدون ان تتكلم بحرف واحد او تهمس حتى وبدأت تخيط لي رقعة لعيني انتزعت قماشتها من كم ثوبها الأسود اللون وربطت الرقعة بمطاطة صغيرة لتلف بها حول رأسي، ورفعت لي رأسي بيدها وضعتها على عيني مغلقة عليها ظناً منها انها ستشفى بعد فترة وجيزة.

كانت تحاول طيلة الوقت أن تتهرب من نظراتي وان تدع عيني ترى عينها لشعورها بالذنب جراء ما حدث لي بسببها.


سحبت يدها ببطئ بعد ان انزلت رأسي على الوسادة فتفاجئت بالدم على اصابعها ولم تعلم حتى من أين اتى فقد كان جسمي كله ينزف والجراحات تملأه بدون مبالغة.

فتكلمت ربا بعد صمت طويل و قالت بحزن شديد وصوت منكسر : إيهٍ يا عزام رأسك وشعرك مليء بالدماء انت تنزف من كل مكان في جسمك ماذا سنفعل!

كنت متعباً لدرجة انني لم اكن اريد الكلام حتى واكتفيت بجملة واحدة: اعلم لا عليكي.

قلتها وانا ازفر واتنهد واغمضت عيني الأخرى، اغمضت عيناي وانا شبه متيقن أنني لن افتح إحداهما بعد اليوم.

وقفت ربا عند رأسي تضم يديها لبعضهما وقالت: سأبحث لك عن شيء يخفف ألمك يا عزام لن اتأخر عليك

فحركت رأسي ببطء ناحيتها وقلت لها بصوت خافت: ابحثي بدرج المطبخ ستجدين اعشاباً وتوابل وإياك أن تخرجي من المنزل لأي سبب كان.

أجابت ربا بتوتر وقلق: حاضرة كما تريد سأعود بعد قليل.

ذهبت هي المطبخ مرتبكةً بينما كنت أراقب انا الجثتين المرميتين على الأرض وافكر كيف علما بوجودها هنا بل كيف سأخرجهما فربا بجسمها النحيل هذا لن تستطيع ان تحرك احد هذين اللوحين ولا حتى لمتر واحد على الأقل.

اسندت نفسي إلى الجدار وحاولت ان اجلس قليلا فلم أستطع اكتفيت بالتحديق لقدمي العاجزة عن الحركة وكلي شعور بالذل والمهانة.

لم اعتد ان اكون ضعيفاً مقعداً بهذا الشكل، هذه اول مرة تراني ربا اقاتل وقد سقطت أمام ناظريها كورقة توت ضعيفة.

عادت ربا تحمل بيدها ابريقاً وبعض برطمانات الأعشاب لا ادري اين وجدتهم في ظل الخراب الذي يملأ منزلي.


جلست هي بجانب المدفأة و اشعلت النار لتقوم بتحضير تلك الأعشاب وغليها جلست بجانبها مرتبكة بالكاد تعرف كيف تشعل النار كان الدخان يملأ المكان ويدخل بعينيها و هي تسعل و تعطس وعينيها تدمع.

علمت انها لم تقم بحياتها بإشعال نار من قبل ولا حتى اشعلت مدفأة تعمل على الحطب.


كان منظرها مضحكا كطفلة تحاول ان تساعد امها في الطبخ وترتيب المنزل على الرغم من أن ربا عمرها_

لا ادري كم عمرها اصلا ولا اعرف اي شيء عنها من الأساس كل ما اعرفه هو انها بحاجة للمساعدة ومد يد العون لها.

مضت بضعة دقائق وأنا أتأمل منظرها واشرد بتفكيري فرايتها وقفت من مكانها واحضرت بيدها ذلك الابريق وطبقاً صغيراً وملعقة.

جلست بجانبي وصبت الشراب بالصحن كي يبرد قليلاً و نظرت إلي وقالت: هل تستطيع ان تشرب ام اسقيك بالملعقة يا عزام؟

فأجبتها: بأنني اقدر ان اشرب ان شاء الله
فلاحظت هي انني اكابر فقط وانني فعليا لا طاقة لي بذلك وبالكاد أتنفس.

فأمسكت ملعقة بيدها وبدأت تسقيني مشروب تلك الاعشاب المسكنة للألم رشفت بضعة رشفات واكتفيت بذلك القدر فنهضت من جانبي ونظرت إلى تلك الجثث وقالت: ماذا سنفعل بهؤلاء يا عزام ؟

فكرت لبعض الوقت ثم قلت لها: يوجد جهاز لاسلكي أسفل الفراش اعطني اياه.


نهضت على الفور واستلته من الاسفل ثم اعطتني اياه.

امسكت اللاسلكي وشغلته وبحثت عن موجة محددة و ناديت على القبضة "من عزام واحد إلى الجذر ارسل إليَّ فراس حول"

وضعت القبضة بجانبي ورفعت جسدي واعتدلت جالساً.

فنظرت إليَّ ربا وقالت بتعجبٍ: عزام واحد؟ ما هذا ولماذا لديك لاسلكي؟

فأجبتها قائلاً: إنه عملي وهذا اسمي في العمل.

أجابت ربا بحيرة واستنكار: وهل تظن انني فهمت شيئاً الان بعد اجابتك هذه؟

مددت يدي ابحث عن علبة السجائر وأنا لا اجدها.

فقالت ربا مستفهمة باهتمام: خيرا؟ ماذا تريد لكي أحضره لك.

فقلت لها: سجائري أين هي! أنا لا أجده

تعجبت ربا وقالت باستنكار: سجائر! وأنت بهذه الحال تريد أن تدخن! هل انت جاد يا عزام؟

أعدت كلامي عليها وقلت: هات السجائر يا ربا ابحثي لي عنها بسرعة.

ربا: حسنا كما تريد لكن اهدأ فقط أنت

ذهبت تبحث عنها فلم تجدها فلمحت علبة في جيب أحد الرجال الملقين على الأرض فأشرت لها بأن تحضرها نظرت إلي بتعجب و قالت: انت اغرب شخص رأيته في حياتي.

تبسمت لها وقلت: اسمعوا من التي تتكلم عن الغرابة إنها ربا التي لا شيء فيها طبيعي.

هات هات العلبة البيضاء طعمها افضل هيا.

اقتربت ربا من احدى الجثث والخوف يبدو عليها واستلت العلبة من جيبه وعادت نحوي بسرعة وقالت لقد وقف شعر جسدي، وأنا فقط المسها كيف تستطيع ان تدخنها أنت وهي من جيب ميت!

أخرجت ربا سيجارة من العلبة ثم وضعتها بفمي واشعلتها قائلة: ستقتلك هذه يوماً ما.

صدر صوت من اللاسلكي يقول" هنا الجذر تلقيتك يا عزام تم"

تبسمت ونظرت للسقف وقلت: اتمنى ان يصل قبل ان اموت.

ربا: والآن من أين نبدأ ؟

تلفت حولي وقلت: اختاري انت لا فرق عندي.


يتبع.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي