الفصل الخامس

ربا: قبل أن أخبرك من أكون ومن أين
أخبرني أنت أولا؛ لماذا لم تقتلني بعد أن صعقت عند السور؟

تفاجئت بالسؤال ونظرت لها مستغرباً وقلت: هل حقاً تسألين؟ وما هذا السؤال اصلا، حقاً إنك غريبة انتِ.

أجابت ربا وهي تمسح عن فمها أثار الطعم بعد أن كانت تأكل بنهم وكأنها قد مضى عليها أيام عدة من دون أن تأكل شيئاً: لا تقلق الجميع يقولون أنني غريبة لست الأول، ولكن اخبرني لماذا لم تفعل؟

نظرت إليها وقلت لها: لقد قمت بذلك فعلا وجهت المسدس هكذا " وقمت بتمثيل ذلك أمامها " وعينت المسدس إلى منتصف رأسك كما أعين على تلك المزهرية واطلقت ولكن لم تخرج الرصاصة تماما هكذا.

قمت بالضغط على الزناد لتخرج رصاصة تحطم المزهرية إلى غبار! استغربت من الرصاصة كيف أطلقت ناحية المزهرية الآن على الرغم من أنها ذاتها لم ترضى الخروج قبل قليل على رأس تلك الفتاة.

نظرت إلى تلك الفتاة نظرة تعجب واستغراب وقلت لها: أرأيت أنت لديك حظ جميل يحميكي أو ربما تعويذة ما إلا أنك تجلبين الخراب معك ايضا، انظري لقد جعلتني اخسر مزهريتي المفضلة.

نظرت ربا أليَّ وقالت: تريد أن تقنعني أنك حاولت قتلي لكن لم ينفع ذلك صح؟


اومأتُ برأسي مجيباً بنعم.

ربا: كما تريد يا عزام، والان اخبرني أين وجدتني ولماذا لم تتركني في أول مرة وفي ثاني مرة؟

حدقت بمسدسي و أنا أعد الرصاصات المتبقية و قلت لها: في المرة الأولى ظننتك هاربة من إحدى العصابات لهذا حملتك معي.

أما هذه المرة فقد تأكدت من ذلك لأنك لم تقتليني ببساطة بل وكان الباب مفوحاً ولا أدري ما الذي جعلك تمسكين بالسور من الأساس.

وكما اخبرتك رأيتك تركضين ليلا ووقعت على الارض في الشارع الرئيسي من هناك حملتك إلى منزلي ولا تسأليني لماذا لأنني حتى انا لا اعلم لماذا ساعدتك هل تفهمين قصدي؟

أجابت ربا بحيرة وتعجب: لا لا افهم ذلك فلا يبدو عليك أنك من الذين يصنعون المعروف بلا مقابل.

اسمعيني يا عزيزتي انا لا اصنع المعروف ابداً هذه الايام لأنني لا أعرف أحداً ممن يستحقون ذلك وأما قضية المقابل فلا شأن لي بها.

عدلت جلستي وأنا أقول: ثم ما الذي سوف آخذه منك مثلا؟ مال؟ أنا لست بحاجة إليه فهو لم يعد يفيد بشيء ابداً.

ردت ربا علي بسؤال جاد لأول مرة: اخبرني ما الذي تريده مني فقط؟


نظرت إليها ولم ادري بماذا أجيبها قلت في نفسي لو قلت لها لا اريد شيئاً سوف تذهب من هذه الساعة وتخرج من هنا ولا اظنها ستحيا يوماً واحداً فقط في الخارج بمفردها.

وإن قلت لها أريد شيئاً ما ربما ستصدق ذلك حقاً، يا ترى ماذا علي أن اجيبها الأن؟

فعادت وكررت سؤالها عليَّ للمرة الثانية.

فنظرت في عينيها أحاول قراءة ما تريدان مني أن اقوله لهما فلم استطع كانتا هادئتين لا يعلوهما رغبة ولا امنية ولا حتى هدف.


ابعدت ناظريَّ عنها وقلت لها لم افكر بعد في ما اريده منك انت الان بالنسبة لي روح بشرية فقط ربما مع الوقت ستتحولين لكومة ذهب او ربما تكونين صديقةً.

وضعت خديها بين قبضتيها وقالت: هذا يعني أنك لن تدعني اذهب أليس كذلك؟

سارعت بدون تردد بالجواب وأنا أصيح دون ان انتبه لنفسي" لا طبعا لن اسمح بذلك هل تظنين أن الخارج أمن! لو رآك أحد رجال العصابات لكنتِ _لكنتِ لا اريد ان اكمل

فنظرت هي ناحيتي بتعجب وقالت هل هذا يعني أنك خائف عليّ؟

ارتبكت قليلاً ثم اجبتها ب: لا ولكن لربما كنت ذات نفع في المستقبل، ثم يبدو انك نسيتي انك مدينة لي بحياتك ايتها الفتاة.

وقفت من مكانها وقالت: ولكنني لا املك مالاً ولا ذهباً ولا أي شيء

ضاق صدري من هذا الحوار الذي يشتتني فأردت أن أنهيه بسرعة فقلت لها: لست انت من يحدد ماذا اريد منك وما لا أريد هل تفهمين ذلك؟

ضيقت أجفاني بضجر وأنا أحدق في وجهها الساخر وقلت: وكفي عن اسئلتك هذه انا حتى الآن لا أعلم من أين أتيت وأنت تريدين أن تعلمي كل شيء.

رفعت سبابتها محذرة لي وقالت: ولكن إياك أن تفكر بشيء خارج عن هذا فلست من فتيات الشارع هل تفهم؟

وقفت من مكاني بعد أن ضقت ذرعاً بها وقلت لها: وانت اياك تخاطبيني بصفتي رجلاً عديم الشرف كي لا اقص لسانك واطعمك اياه مع البيض غداً.


_كان يجب أن تعلمي لا مأرب لي بما تفكرين به منذ أول ساعة فتحت عينيك بها ووجدتي نفسك لم تمس شعرة منك.

ووليت غاضباً بوجهي عنها نحو الخارج.

رميت مفتاح الباب خلفي وخرجت اتمشى قليلاً علني أجد بقالية أو كشكاً اشتري منه ما يؤكل، صادفت أمامي رجلاً يوزع الجرائد ويلصق الملصقات على الجدران أينما اتجه.


شدني الفضول لأرى ما بتلك الجرائد، فليس من العادة أن تكون كثيرة ومتوفرة بذلك العدد.

ارتديت لثامي و غطيت وجهي وابتعت واحدة منها دون انظر لما بداخلها وتركتها لكي اقرأها في المنزل.


ومضيت أكمل دربي فرأيت بقالية مفتوحةً في أخر الشارع وأمامها جمع من الناس غفير فأسرعت أحث الخطى ناحيتها قاصداً اياها لعلني أجد بها مما يسكت جوعي وقفت أمامها فإذا بالجميع قد التفوا حول رجل واحد.

كان يقرأ الجريدة بصوت عالٍ ويسمع الحاضرين وكان مما تنامى لمسمعي بعض العبارات قليلة يقول في أخرها أن جائزة من يعيدها في هذا الشهر وهي حيةٌ مئة الف قطعة ذهبية، ومن يعيدها بعد شهر من اليوم فله ثلث الجائزة.


ضج الجميع بكلمات محددة وقد علا صوتهم وهم يقولون "فتاة"

ويقول قائلهم "أسمعت مئة الف"
"لكنهم يريدونها حية"
"هذا صعب"

وآخر يقول ويرد عليه"ومن يكترث لحياتها فلنقتلها ونتقاسم المئة الفاً إلى ثلاثين ألفاً بيننا"

وأخر يرد عليه يظن نفسه ذكياً ويقول "لابد أنهم أهلها أو زوجها بالطبع سيريدونها حية يا غبي"


وأقبحهم ذاك الذي أخذ يفكر بابتزاز من يلاحقها ليأخذ مال الجائزة ضعفين، يبدو أنه كان يريد أن يجرم بحق المجرم.

لم اكترث كثيراً لما يثار من حولي فأحنيت رأسي ودخلت إلى داخل تلك التي تسمى بقالية نظرت إلى الرفوف فلم ارى سوى القنابل والأسلحة مع بعض علب الفول السوداني خجولة بين كل ذلك الكم من الاسلحة والذخائر.


اشتريت ما وجدت أمامي من طعام وعدت أدراجي إلى المنزل طرقت الباب فلم اسمع جواباً عدت وطرقت الباب مرة بعد مرة فلم اسمع جواباً.

فخُيِّلَ إلي أنها خرجت في غيابي وربما رحلت تراجعت إلى الخلف خطوتين وركلت الباب بكل قوتي فانخلع القفل وارتمى ارضا وصُفع الباب بالحائط فكاد يتكسر.

تقدمت إلى الداخل ببطء ومن ثم نظرت في أرجاء الغرفة والصالة، في المطبخ فلم أرى احداً.

فقلت في نفسي مؤكد لابد وأنها هربت عندما تركتها لوحدها.

يتبع.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي