الفصل الثالث والعشرون

لم اركض سوى بضع خطوات حتى احسست بيد أحدهم يمسكني من شعري ويشدني للخلف بكل عنف فالتفت فكان هو همام ارتبكت ولم ادري ماذا افعل.

صعقت عندما رأيته وشعرت بأن نهايتي قد حانت، حرصت على أن لا أصرخ كي لا يأتي المزيد من الرجال وحينها سيكون الوضع أشد سوءاً، جذبني نحوه وشدني وسمعته يقول بغيظ شديد "لن تهربي مني أيتها الخائنة سوف القنك درساً لن تنسيه أبداً"

لف يده الأخرى حول عنقي وأحكم قبضته عليّ وهو يقول "إلى أين أنت ذاهبة يا جميلة؟ إلى عشيقك أيمن! أم أنك عثرت على واحد جديد"

بدأت أشعر بالاختناق ولكن لا سبيل للإفلات من يديه قال وهو يحاول جري إلى الخلف "سأذيقك معنى ان تحبي شخصا ثم يغدر بك، سأذيقك كأس المر الذي أذقتيني إياه عندما أحببتك"

شعرت بالخوف الشديد ولم ادري ماذا افعل دفعته عني بشتى الوسائل ولكن لا فائدة كانت يدها تكاك تقتلع شعري، فتذكرت تلك السكين التي وضعتها على خصري.

امسكتها بسرعتها وسحبتها من معطفي، ورفعت يدي وبكل قوتي غرزتها في ذراعه بكل ما أوتيت من قوة.

فصرخ هو متألماً وأفلت شعري فعدت وسحبت السكين وغرزتها في كتفه مجدداً ونهضت احاول الإسراع في الهروب وبدأت بالركض بأقصى سرعة.

ركضت حتى انقطع نفسي وكان هو يركض ويحاول اللحاق بي، لاح لي ضوء سيارة قادمة من بعيد، ظننتها سيارة لأتباعه، فتوقفت أمامي تلك سيارة ولم أكن اعرفها، تفاديتها واكملت الجري ولكن شخصا خرج منها وبدأ يلوح لي بيديه، نظرت إليها فإذا هي ريم، جريت نحوها وعادت ريم إلى الداخل، على الفور اشارت إليّ بالصعود دون مقدمات.

صعدت في السيارة على الفور وقلبي يخفق بجنون يكاد ينفجر، وكالريح ضغطت ريم على دواسة البنزين وانطلقت السيارة بلمح البصر، قادت ريم السيارة بسرعة جنونية لا تصدق.

استطعنا الابتعاد عنهم بعض الشيء ولم أعد ارى أضواء المنزل، كنت أنظر إلى الخلف وأحاول التشبث بكرسي السيارة بينما كانت ريم تحاول المناورة وتخطي السيارات واحدة تلوى الأخرى.



استطعت أن أهدأ قليلاً والتقط أنفاسي قليلا، نظر إلى ريم باستغراب وسألتها عن سبب مجيئها الغير متوقع ذلك، فأخبرتني أنها كانت قد أتت لتساعدني على الهروب وكانت قد أعدت خطة لذلك أقل جنونا.

لم تكد تنهي كلامها حتى سمعنا فجأة رشقة رصاص ترتطم بزجاج السيارة مخترقة الزجاج الخلفي وصوت تحطم زجاج مخيف.

فأصابنا الذعر وانحنينا للأسفل بدون ان نشعر وغطينا رؤوسنا بأيدينا، ففقدت ريم السيطرة على السيارة وصارت تتمايل وتلوح في الطريق يمنة ويسرة، صعدت السيارة على الرصيف وصار من المستحيل تفادي الأمر وصراخنا يملأ الشارع وارتطمت السيارة اخيرا بأحد الجدران على جانب الطريق.

توقفت الدنيا من حولي للحظة وحاولت استيعاب ما يجري من حولي، كان صوت الطنين في أذناي لا يحتمل وبوق السيارة يصدح بصوته والدخان يملأ السيارة ويعج حولها، تحطمت السيارة وصارت كومة من الخردة.

ولولا أن للسيارة وسادات هواء حمتنا لكنا متنا من ساعتها، أمسكت بمقبض الباب وحاولت فتحه لكنه كان عالقا، ضربت الباب بكتفي عدة مرة ففتح ونزلت من السيارة وأنا أتمايل كأنني ثملة.

كانت الدنيا تدور في رأسي ولا أكاد استوعب ما يجري حولي كان الدوار يجعلني أرى أي شيء يتحرك، تذكرت ريم تلفت حولي مسرعةً، وتوجهت إلى ريم فوجدتها عالقة وقد اقفل عليها باب السيارة.

حاولت فتح الباب لكننا كان قد تهشم ومتروس بالجدار، حاولت فتح الباب الخلفي وقمت بسحبها إلى المقعد الخلفي ومن ثم نزلنا من السيارة، كانت هي الأخرى تشعر بالدوار والغثيان.

في لحظات معدودة، سمعت صوت السيارة التي كانت تلاحقنا تقترب من المكان بسرعة جنونية فأمسكت بيد ريم أسرعنا نركض في الأزقة أنا وهي إلى أن وصلنا إلى حي كانت نهايته مغلقة.

وعلى الفور رميت نفسي في احد الابنية المهجورة لأختبئ به قبل أن يصلوا وأما ريم فقد استطاعت الاكمال عبر احد الفتح الضيقة في الجدار.

أشارت بيدها كي ألحق بها فخرجت من بين الأنقاض كي أكمل ولكن صوت الرجال والضوء الذي كان بيدهم كان قد وصل إلى الزقاق ذاته ولو خرجت لرأوني على الفور.

نظرت إليها وهي خلف الجدار وتلاقت عيني بعينها حاولت الخروج لكن الرجال اقتربوا أكثر من المكان فلم أستطع، عدت واختبأت وأنا أنظر إليها بقلب محترق، دمعت عيني وأحسست أنني أفقد روحي.

اقترب الرجال أكثر فلوحت ريم لي بيدها وغابت عن ناظري بين المباني الأخرى وكانت تلك أخر مرة أراها فيها.

في تلك اللحظة افترقنا ذهبت هي تكمل طريقها وانا انتظرت لبضع دقائق ريثما يهدأ الوضع قليلاً لعلني ألحق بها.

وبالفعل سمعت صوت سيارة أخرى تقترب من المكان، نزل منها بعض الرجال وتجمعوا أمام ذلك الجدار وبدأوا يتشاورون فيما بينهم فاختار عدد منهم عبور الجدار وعاد البقية أدراجهم ليبحثوا في مكان آخر.

وحينما سمعت صوت محركات السيارات تشتعل تجهزت للذهاب، انتظرت حتى يبتعدوا قليلا ثم خرجت أجري من مكاني وأكملت طريقي اد في الشوارع أحاول الابتعاد قدر الإمكان.

كان الضوء قد بدأ يبزغ في السماء والفجر يطلع فخفت ان يراني احدهم ويمسك بي، احتميت على سطح مبنى عالٍ لازال قيد الإنشاء.

لم أتحرك من مكاني ذاك وبقيت في مكاني أنتظر حتى يعود ويحل المساء مرة أخرى، وبقيت ما يقارب الخمسة عشر ساعة منتظرةً في مكاني، كان التجول في النهار خطرا فلم تكن تخلو ساعة من سيارة دورية تابعة للشرطة تجول الشوارع.

فقدت حقيبتي وهاتفي ولم يعد لدي أي شيء يساعدني على البقاء، لا مال ولا طعام ولا ماء ولا أي شيء أبداً،في ذلك الوقت ذهبت النشوة و الخوف و اتاني التفكير المنطقي: ماذا بعد ان اهرب!!

افترقت عن ريم ولا استطيع التواصل معها ولا مال لدي ولا حتى أي شيء لكي اقايضه لكنني شعرت بأنني أفلت من قبضة همام وملك وهذا نصف الهدف.

شعرت بالبرد والجوع والخوف كنت اسمع اصوات الكلاب تنبح في كل مكان حولي والرجال يملأون الشوارع فخفت أن يراني أحدهم.

فقد كان ظاهراً عليّ انني لست من هذا المكان واظنك انتبهت للباسي الرث أليس كذلك يا عزام؟

_اجل رأيتك يومها بلباس خاص بالرجال ايضا استغربت منك وظننت أنك هاربة من سجن أو ما شابه ذلك.

ضحكت ربا وهي تقول: اجل لقد ارتديت ذلك المعطف الذي وجدته ملقى في احد الشقق لأخفي أنني فتاة وارتديت بعض الاشياء الاضافية لكي ابدو انني ضخمة قليلاً.

_لحظة هل تعنين انني التقيت بك في ذات اليوم!؟

ربا: اجل، كنت قد انتظرت قليلاً وخرجت ابحث عن مدرسة أو مكان اجد فيه مساعدة ما.

فسمعت في حينها مصادفة صوت الأذان يأتي من مسجد قريب فقلت في نفسي أذهب إلى هناك لعلني اجد من يساعدني من اهل الخير.

تظاهرت بأنني رجل ودخلت إلى باحة ذلك المسجد المتواضع وأنتظرت حتى خرج جميع المصلين ودخلت بعد ذلك.

فوجدت الإمام يجلس في المحراب ممسكاً مصحفه الشريف فاقتربت منه على وجل وأنا خجلة من الحالة الكارثية التي يرثى لها، تظاهرت بأنني رجل وغيرت نبرة صوتي محاولة إخفاء صوتي الحقيقي، وسألته إن كان يملك هاتفا؟

علم الرجل على الفور انني من نبرة صوتي الظاهر منها أنها مجرد تمثيل انني فتاة رغم انني حاولت تثخين صوتي قدر الإمكان وعدم اظهار حقيقتي.


فوقف في مكانه وقال مستغرباً: هل انت فتاة!
لم أجد مجالا للكذب فالحقيقة مكشوفة للعيان فأجبته: اجل يا عم وأريد أن _

قاطعني عن الكلام وقال لي لحظة لا تكملي و طلب مني الانتظار قليلاً وذهب هو فعاد ومعه زوجته فاصطحبتني معها لبيتها.

وقفت بجانب زوجها وقالت: تعالي معي يا ابنتي.

لم استطع أن أرفض وأحسست أنهم ليسوا أشراراً فذهبت معها ودخلنا إلى منزلهم وبدأت تسألني عن حالتي و عن السبب الذي جعلني على تلك الحال فحكيت لها شيئاً مختصراً من حكايتي.

فرأيتها قد حزنت لحالي وعرضت عليّ البقاء عندهم ريثما ارتاح قليلاً واجد لي مكاناً التجء إليه.

طلبت منهم هاتفاً فاتصلت بأهلي اول الأمر فرد أبي عليّ وبمجرد ان سمع صوتي بدأ بالصراخ والتوعد لي وارادني ان اعود للمنزل فاقفلت الخط مباشرة.

واتصلت بهاتف ريم رن بعض الشيء ومن ثم رد عليَّ احدهم وعندما تكلمت اخذ زوجي الهاتف فسمعت صوته وبمجرد ان سمع صوتي ايضا بدأ يشتمني ويسبني فلم ادري ماذا افعل غير البكاء.

وكان آخر ما قال انه قد أمسك بريم وهي لديه الآن ويريدني ان اعود وبالمقابل سوف يفرج عن اختي، كان ذلك أسوء خبر يمكن أن أسمعه في ذلك الوقت.

حاولت أن أتماسك ولكنني لم أستطع فنفجرت بالبكاء والنحيب وتلك المرأة الطيبة تحاول أن تخفف عني بقدر ما تستطيع.

بقيت حتى المساء فسمعت صوت سيارة عليها مكبر صوتي ينادي بالشوارع ان هناك مجرمة فارة من السجن وهناك جائزة مالية لمن يعيدها.

حينها بدأ الخوف يسري في جسدي ولم اعد استطيع الجلوس اكثر وقررت الابتعاد عن المكان اكثر، انتظرت قليلا حتى فرغت الشوارع من المارة قليلاً.

ودعت المرأة زوجة الامام وقد كانت تدعو لي و قد ساعدتني كثيراً في الحقيقة، خرجت من منزلها ليلاً اترقب وأمشي على حذر دون ان الفت النظر إليّ على أنني فتاة.

ولسخافة حظي اتذكر انني صادفت مجموعة من الكلاب وبدأوا بالنباح عليّ وكان الجو ماطراً فلم أجد نفسي إلا مضطرة للركض بأقصى سرعتي فارةً من مجموعة الكلاب وبعدها اذكر انني انزلقت فقط.

ومن ثم فتحت عيني فوجدت نفسي في غرفتك متفاجئة بكل ما ارى من حولي.

وهذا كل ما حصل معي يا عزام اطلت عليك اعتذر و لكنني احببت ان اخبرك بالتفاصيل كي لا تسيء الظن بي او تظن انني كنت مختارة لما حصل لي يا عزام.

شعرتُ بالأسى لحالها وحزنت جدا عليها: عزيزتي ربا لم أفكر بلحظة واحدة بأنه يمكن لفتاة مثلك او تفعل شيئاً كهذا بمحض ارادتها ولكنني كنت متعجباً جداً من حالك الغريب.

ربا: حتى أنا لا أزال أتعجب من مما يدور حولي ولكن كما قلت يا عزام أنه القدر.

أومأت برأسي وقلت موافقاً: صحيح انه القدر.

ضحكت قليلا وأخفيت ضحكتي عن ربا حتى لا تراني.

لكن ربا لاحظت فتسائلت: ما الذي يضحكك يا عزام؟

لم أرد أن أخبرها في البداية فقلت: لا لا شيء يا عزيزتي.

ألحت ربا علي بالسؤال مرة أخرى وقالت: بلى هناك شيء ما يضحكك اخبرني.

نفيت ذلك وقلت: أخبرتك لا شيء ولكن عندما رأيتك تركضين ليلتها ظننتك رجلاً مخموراً.

لم اتوقع ابداً ان تكوني فتاة تفر من مجموعة كلاب شاردة، اااه صحيح تذكرت لقد رأيتك تقعين على الارض والدم يثعب من رأسك، كيف حال رأسك الآن هل لازال يؤلمك؟

أجابت ربا ببعض الحيرة: بصراحة لا ادري إن كان قد شفي، اتصدق انا نسيت جرحي عندما رأيت جراحك وما اصبت به ولكن اظن انه لا يوجد عندي نزيف ابداً

_اتمنى ذلك ارجو ان يكون قد التأم.

ربا: انظر يا عزام الشمس تشرق ما أجمل منظرها لقد مر وقت طويل لم ارى اشراقة الشمس و انا بمكان آمن مثل اليوم.

يتبع.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي