الفصل الثاني والثلاثون

ربا: ولكن انا لا علم لي كثيرا مما يحصل في البلاد من حروب فلقد كنت شبه مسجونة في المنزل ولا اسمع الاخبار إلا عن طريق زوجي همام وأنا حينها لم اكن اعلم انه يعمل لدى الاحتلال حتى، لقد كنت أظنه أحد رجال العصابات والمروجين للمنوعات فقط.


فأجبتها قائلا: لا مشكلة سأتكلم أنا و لنبدأ الآن.

_إذا سأشرح لك باختصار ما يحدث وما حدث ايضا، انت تعلمين ان بلادنا تعرضت لاحتلال خارجي وقد كادت البلاد تسقط في يد المحتلين.

لولا أن الشعب قد استطاع تكوين بعض الحركات المقاومة من الأهالي و الجنود المتبقين من الجيش الوطني المدمر، صحيح!

ربا: اجل هذا الشيء أعلمه قد كنت اسمع هذا من أخي سعد وأبي كان يقول ان اخي كان قائداً لإحدى المجموعات المقاومة وكان افراد عائلتنا و الجيران يعرفون ذلك أيضا و كان لأخي شعبية كبيرة و لكن قبل أن تسقط مدينتنا في يد المحتلين.

أما بعد سقوطها فأصبحنا نخفي هويته ولا ندع أحدا يذكره بين الناس لا بخير ولا بشر أيضا.

_جميل وعندما تشكلت هذه المجموعات استطاعت تحرير بعض المدن من الغزاة كحال هذه المدينة التي اسكن انا فيها.

واستطاع الاحتلال ان يظل مسيطرا على بعض المدن كحال مدينتك انت التي يسكن اهلك فيها وهمام ايضا.

وهنا جاء دور الاعيب المحتلين وخبثهم لكي يبتلعو المناطق الخارجة عن سيطرتهم ويضموها لهم ولكن من دون أن نشعر نحن بذلك.

فقاموا بتنصيب حاكم فدرالي لكل مقاطعة تحت حكمهم واعطوه الصلاحيات المطلقة في الحكم والتوسع على حساب الشعوب مقابل أن يحفظ لهم هيبتهم وأن لا يحرك ساكنا إلا بعلمهم.

ربا: افهم منك ان زوجي كان احد هؤلاء الذين يساعدون المحتلين!

_تقريبا أجل فقد نصب نفسه حاكما لمقاطعة المدينة الشمالية مدينتكم واستطاع بمكره ان يقنع الناس انه حاكم مستقل عن قوة الاحتلال وأن بيده الخير والشر فاستمال الناس بالترغيب والترهيب.

وهذا احد الاسباب التي جعلت والدك ينخدع به, فهمام كذاب منافق لا يعلمه إلا قلة قليلة من الناس فقط.

وبالذات الوقت بدأ هو بالتخطيط للتوسع في مدينتنا المدينة، الشرقية للعاصمة كي يجعل العاصمة تحت سيطرته هو.

فما كان من الناس إلا أن قاومت المحتلين ونجحوا بالفعل بذلك لولا ان همام حاكم المقاطعة الشمالية غدر بهم وبدأ بالهجوم على المدينة هو ايضا من جبهة اخرى.

لم يستطع الأهالي في ذلك الوقت التحمل اكثر فوقعوا بين المطرقة والسندان وكانت نيران الحمم تصب فوق رؤوسهم من كل حدب وصوب.

وسقطت المدينة تحت يد الاحتلال وباتت في حكمهم واستطاع همام ضمها لملكه بعد أن دمرها وأصبحت اثراً بعد عين وتحولت لأطلال مهجورة ومحترقة لا أكثر.

خاليةً من كل حياة والموت يحوم حولها ويخطف أهلها في كل لحظة
لم يستطع الناس التحمل أكثر فقد كان الفقر والحاجة تضرب بالناس من جهة والعنف والسرقات من جهة والانفلات الامني والفساد والقوانين الجائرة من جهة اخرى.


ففرت العائلات ولم يبقى إلا قطاع الطرق والمجرمين وصيادي الجوائز فقط هنا.

ربا: لكن لماذا بقيت هنا انت! لماذا لم تغادر حين غادر الناس وعائلاتهم؟

_انت قلتيها "عائلاتهم" وانا ليس لي عائلة احميها و لا منزل آوي إليه كما اخبرتك انفاً.

ففضلت البقاء هنا والبقاء كعنصر متخفٍ يعمل لصالح المقاومة في هذه المدينة.

ربا: إذا أنت لست هنا للجلوس فقط.

_لا ليس للجلوس والتسكع كما تظنين، بل انا هنا بمهمة رسمية وسرية ايضا.

ربا: ومهمتك هي ان تقتل همام أليس كذلك!

_اجل وقد تعرفت على صقر وهو صديقي يسكن على بعد بضعة شوارع من هنا واتفقنا على العمل سوية لتحقيق هذا الهدف.

ربا: وهل صقر هذا كان طالب جامعة مثلك؟

_لا على العكس تماماً هو يعمل تاجر سلاح وهذه مهنة والده أيضا.

ربا: تقصد ان ذاك المسدس قد اشتريته منه؟

_تقريبا نعم والذي اظن انه مسدس أخيك أليس كذلك؟

ربا: انه مسدس اخي رحمه الله وأنا لا أستطيع فهم كيف وصل لأيديكم ان كنتم تعملون مع المقاومة.

انا ايضا لا افهم ذلك ولكن صقر اخبرني انه انتزع المسدس من جثة متفحمة لضابط كبير في قوات همام وهذا ما يثير استغرابي اين هو اخوكي وكيف وصل المسدس إلى ضابط في الاحتلال.

ربا: لا ادري لكننا دفنا اخي قبل فترة طويلة جدا، ربما فقده في إحدى المعارك!

فقلت لها والشكوك بدأت تحوم في رأسي: و هل رأيتم جثته!

ربا: لا لم نفعل لأنه مات وهو في صفوف المقاومة وكنا نحن في المناطق المحتلة فلم يكن يستطيع القدوم للمنزل إلا متخفياً وعندما توفي أخي ذهب أبي إلى همام وطلب منه ان يسمح لنا بترك جثته تدخل إلى هنا.

ولكن يومها حصل شيء غريب جدا لا ادري ما هو لكن والدي قد بدأ سعيداً بوصول الجثة وايضا لم يسمح لنا برؤيته أبدا قال إنه كان مشوهاً.

_اتعنين انك لم تري جثة اخاكِ؟

ربا: نعم انا لم اراها كذلك امي، ابي فقط هو من رأها وكان زوجي يعلم بالأمر أيضا.

_اخبريني ماهو اسم اخاكِ!

ربا: اسمه سعد.

لفظت الأسم مرات عديدة أحاول تذكر إن كنت سمعت هذا الأسم من قبل: سعد؟ لم اسمع باسمه و انت تقولين انه كان قائد مجموعة مقاومة و يبدو لي ان هناك لعبة ما في هذا الموضوع.

ربا: لا ادري كان الامر غريبا حتى إن أبي زوجني للهمام في تلك الأوقات وعندما أخبرته عن ما يفعله همام بي من ضرب واهانات وعن تجاوزاته الدينئة كان يصمت ويقبل بأي شيء يفعله همام من دون أن ترف له عين حتى.

_هذا أغرب شيء سمعته في حياتي رجل متدين وغني لديه وولد مقاوم يقوم بتزويج ابنته لرجل عديم الاخلاق وعديم الرجولة وفوق كل هذا هو أيضا يعمل في قوات المحتلين ويحكم الناس بالنار والحديد.

بل ويسعى لنهب اموال زوجته على علمها وعلم والدها والجميع يسكتون؛ وبعد هذا يسمح هذا الرجل عديم المروءة لجثة شاب من كبار المقاومة أن تدخل إلى مدينته ويسكت.


_لا لا هناك شيء غريب جدا ويجب ان اعلم ما هو.

ربا: اتعلم انا ايضا اتسائل عن السبب الذي يجعل ابي يجتمع برجل ك همام.

في البداية ظننت أن أبي يريد أن يبعدني عن أيمن وعن الطرق السيئة ولكن بعد ان هربت أصبح لدي إشارات استفهام كبيرة حول همام وحول والدي.


قلت لها بعد أن أحسست أن القضية تزداد تعقيداً: نامي انت وغدا انا ساحاول ايجاد جواب عن لكل هذه الأشياء الجنونية.

ربا: أنا متعبة حقاً، سوف أنام، تصبح على خير يا عزام

_تصبحين على خير.

عادت ربا لترفع رأسها من تحت البطانية وهي تقول: لا تنسى ان احتجت لشيء فايقظني اياك ان تتحرك من مكانك.

_حاضر يا دكتورة حاضر احلاماً سعيدة.

غطت ربا في نوم عميق وبقيت أفكر في ما سمعته من ربا وأحاول إيجاد طريقة للتقرب من همام هذا و التجسس عليه.

أما مالك فقد كان في منزله جالساً يفكر فيما سيفعله بتلك الفتاة التي رأها.

فخطر بباله صقر وأرى أن يرى ان كان لديه علم بتلك الفتاة ايضا ام لا، امسك جهازه اللاسلكي وأراد أن يتواصل مع صقر فخطر بباله أن ربما سيستمع لهم أحد عن طريق الصدفة.


أفلت اللاسلكي وعاد لمكانه وامسك الجريدة يقرأ ما بها من أخبار جديدة لربما يرى شيئاً عن همام.

فوجئ بما رآه وصدم حتى فتح فاه مندهشاً بما يرى "اعلان عن فتاتين مطلوبتين للعدالة وإحداهما بجائزة خمسين ألف قطعة ذهبية"

كان رقماً ضخما ويعتبر ثروة هائلة فعلم ان لا يمكن لأحد ان يعرض شيئاً كهذا إلا ان كان هو الحاكم بذاته.


لفت نظره صورة الفتاة الموضوعة اسفل الاعلان كان وجهاً مألوفاً بالنسبة لمالك وفكر لبضعة دقائق عن هوية هذه الفتاة وعن المكان الذي رأى فيه تلك الصورة.

ثم لمعت بباله تلك الفكرة المفاجئة له "إنها هي إنها تلك الفتاة التي رأها بصحبة عزام تضحك وتفرح وتمرح"

عاد وتمدد على الفراش وهو يضحك والابتسامة الصفراء على وجهه بعد ان ظن انه علم السبب الذي جعل عزام يضع هذه الفتاة لديه وذلك لكسب المال.

دس يده في شعره يحاول إيجاد طريقة يأخذ الفتاة ويجعلها تحت سيطرته لينتفع هو بالمال.

ندب حظه وشعر بحسد شديد وقال في نفسه عزام الشاب ذو القلب الطيب وعديم الخبرة في التصرف في مثل هذه المواقف، قد ضحك له الحظ والقى بين يديه تلك الفتاة وهو الان على بعد خطوات من أن يكون من أثرى أثرياء المدينة.

لن يلزم عزام عملا كثيرا كان يكفيه أن يقوم فقط بتسليم الفتاة وبعدها سيحصل على ذلك الكم الكبير من المال.

لم يجد مالك اي حل او طريقة يحتال بها ليحصل على الفتاة ويقوم هو بتسليمها بنفسه سوى ان يقوم بالتهديد بإفشاء سر العملية أو ربما عن طريق آخر اكثر شراً.

في ذلك القصر الكبير كانت ملك تجلس على ارجوحتها بجانب المسبح وبجانبها طبقا مما لذ وطاب من الفواكه تنتظر عودة همام وهي تخفي أنها سعيدة من داخلها بسبب هروب ربا.

وخلو المنزل لها وحدها ولكن لم تكن تصرح بهذا خوفاً من همام لما رأته من غضبه الشديد وتتظاهر بأنها غاضبة وتريد من ربا ان تعود إلى المنزل لتنتقم منها شر انتقام.

سمعت صوت سيارة تقف امام المنزل خارج سور القصر
فنهضت من مكانها وعلمت انه همام قد عاد إلى المنزل وبالفعل ماهي إلا دقائق وفتحت البوابة الكبيرة لتدخل السيارة التي تقل زوجها إلى داخل السور.

نزل السائق منها مسرعاً وفتح باب السيارة لينزل منها همام ملفوف الذراع بالضماد الطبي ومشى مسرعاً نحو الشقة والغضب باد عليه من خطواته السريعة.

فلحقت به ملك وتبعته إلى الشقة لتنظر ما اخر الاخبار عن ربا.

دخل همام إلى الشقة وارتمى على اريكة وهو يزفر بشدة ويضرب كل ما يراه أمامه ويصرخ على الخادمة ويصرخ على أي شخص يراه والغضب باد عليه.

شعرت ملك ببعض الخوف فذهبت للمطبخ وعادت تحمل كوباً من عصير البرتقال.

وقفت امام همام وانحنت إليه واضعة يديها على ركبتيّ همام قائلة: تفضل يا حبيبي وهدء من غضبك قليلاً لا تتعب نفسك بسبب تلك الفتاة الحقيرة.

امسك همام الكوب ووضعه على فمه فارتشفه برشفة واحدة ورمى الكأس على الطاولة، امسك سيجارته واشعلها.

فانحنت ملك أكثر وجثت على قدميها أمام همام قائلة: ما بك يا روحي أخبرني ما الذي حدث لك؟

همام بغضب شديد: تلك الفتاة الوقحة كأنها ملح وذاب في الأرض لم يعد لها أثر في هذه المدينة ولا حتى في المدينة الاخرى لم اترك رجل عصابات ولا قاطع طريق إلا وعرضت عليه مبلغاً مالياً لقاء ان يبحث عنها ويعيدها لي رغماً عن أنفها.

تخيلي يا ملك المدينة كلها تبحث عنها وهي لم تظهر في أي شارع من الشوارع حتى!

لم يرى احد ظلها، تمنيت لو ان احدهم يحضر لي فتاة تشبهها ويريد ان يخدعني.

تصوري ان المدينة الاخرى ليس فيها نساء حتى! لا افهم كيف استطاعت تلك الفتاة ان تتخفى بهذه البراعة!

ملك: لا تقلق يا حبيبي سوف تقع في شراك أحدهم أنا متأكدة من ذلك ولكن أخشى أن تكون قد تعرفت على قاطع طريق واعطته مبلغا ماليا لكي يقوم بحمايتها.

همام: ايعقل هذا!

ملك: ولم لا فلربما سرقت شيئا من مالك وهي الآن تدفع لتحمي نفسها.

همام: تلك الفتاة اللئيمة غدا سأرفع المكافئة للضعف للقبض عليها مع بعض الامتيازات لمن يعيدها وبعدها سنرى كيف ستحمي نفسها مني.

ملك: هذا همام الذي اعرفه طمأني كيف هو جرحك!

همام : جرحي لن يبرأ قبل اسكب من دمائها على الأرض التي ادوسها بحذائي وبعدها سنرى كيف ستهرب مرة اخرى.

انا لا ازال حتى اللحظة اجهل كيف تمكنت من الهرب وهي لا تعرف أي شيء عن المكان حتى انها لا تعرف أين كانت موجودة بالأصل.

ملك: لا بد انها ريم اختها هي من ساعدتها على الهروب والفرار من هنا ولكن هيهات هيهات فأنت ورائها يا حبيبي ولن يفلت شيء منك وانت تريده.

زفر همام غاضبا: أجل ريم _ تلك الفتاة القوية الشخصية المثقفة تظن أنها تعيش في رواية ما أو قصة خيالية وتستطيع ان تجابهني.

أقسم أنني سأجعلها تندم على اللحظة التي قررت أن تساعد اختها على الهروب، حسابها سيكون عسيراً جدا.

واما والدها ذاك العجوز الخرف أقسم أنني ساجعله يندم على، عدم فعل ما أمرته به، سأفني هذه العائلة البائدة عن بكرة ابيها.

نهضت ملك وجلست بجانب همام تعبث بكتفيه وتقوم بعمل مساج خفيف له وسعادتها لا توصف بما كانت تسمع من همام من وعيد بالويل والثبور لعائلة ربا.

اقتربت ملك من أذن همام وقالت: ما الذي طلبته من والد ربا يا همام؟

همام: سأخبرك عندما يجين الامر والان كفي عن العبث بكتفي اريد ان انام باكرا اليوم انا متعب جدا ولدي عمل كثير لأقوم به غدا.

يتبع.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي