الفصل التاسع عشر

فلمعت في رأسي فكرة فجأة واسرعت نحو غرفتي واخذت بعض المجوهرات والذهب وعدت نحو الرجلين حاولت الخروج مجدداً فلم استطع فأعطيت أحدهما بعض المجوهرات والحلي فسمح لي على أن اعود بعد أقل من ساعة فوافقت.

أما الاخر فقد كان من النوع الذي لا يغريه المال بل شهواته وملذاته فقط وكنت على استعداد على ان اموت وانا ادافع عن نفسي ضد أي شخص يفكر في الاعتداء علي.

فأعطيت الحارس الاول المزيد من المال واخبرته بأن يمنع عني صديقه وإن فعل فله المزيد عندما اعود.

وبالفعل نجحت خطتي وقدت سيارتي متوجهة إلى حيث اتفقنا انا وريم عند أحد الجسور الخشبية على ضفة النهر.

وصلت إلى المكان المحدد وبقيت انتظرها لبعض الوقت فرأيتها قادمة من بعيد تتلفت بكل الاتجاهات فلوحت لها بيدي لكي تراني.

وبالفعل اسرعت بخطواتها متجهة نحوي فتعجبت منها وقد اخفت جزئاً كبيرا من وجهها عبر لف الحجاب بطريقة جديدة عليها وقد وضعت نظارات سوداء كبيرة على عينيها.

فسألتها عن الأمر فلم تجبني واكتفت بنزع النظارات فلاحظت اثار اصابع يد على وجهها وشهقتُ واضعة كفي على فمي وقلت لها: اهذا من فعل أبي؟!

هزت ريم برأسها للأسفل تومئ وقالت: نعم مع الأسف، ولكن كيف استطعت الهرب!

فحكيت لها عن ما فعلت كي أخرج من المنزل فقالت ريم: جيد الان المهم يجب ان نذهب هيا بنا
فسألتها إلى اين فقالت يجب أن نذهب إلى المنزل و نحتمي به ريثما نجد حلاً جذرياً لقصة وننهي هذا الجنون برمته.

فوافقتها وانا في نفسي اقول ان الذي سلمني لذلك الرجل في أول مرة سيسلمني له في كل مرة ولكن على كل حال لا سبيل لي سوى بيت اهلي ويفترض ان يكونوا هم درعي واماني وملاذي.

وبالفعل قدت سيارتي متوجهةً إلى منزلنا و وصلنا بعد دقائق معدودة إلى المنزل وقفت امام الباب وشعرت ولأول مرة منذ زمن طويل بطمأنينة تسري في أنحاء جسدي وهدأ روعي وظننت انني اصبحت في مأمنٍ من همام.

فتحت ريم الباب ودخلت هي وتبعتها انا ببطء وحذر لتخرج امي من غرفتها لكي تنظر من هو صاحب صوت هذه الخطوات فرأتني وتلاقت عيني بعينها ورأيت وجهها الذي قد مر عليّ وقت طويل لم اره إلا بصور الهاتف فقط.

في غمضة جفن فقط تخيلت انها ستركض لتضمني لصدرها وتعانقني وهي تبكي لحالي وتندب_
ولكن حدث عكس ما كنت اتخيل تماماً، لقد كانت صدمة كبيرة جدا بالنسبة لي يا عزام.


_ماذا ما الذي حصل يا ربا؟ اكملي!

ارتسم على وجه ربا الحزن والإحباط فتنهدت وقالت: اعذرني يا عزام لازلت حتى اللحظة لا اصدق ماذا حدث حينها.

_مهما كان تكلمي فأنت هنا وبمأمن عن العالم كله وانت معي

ربا: حسناً سأخبرك لقد _لقد طردتني أمي من المنزل يا عزام.

_طردتك امك! هل يعقل هذا بعد كل ما مررتي به تقوم بطردك بل ان تحميك و تساعدك!
ربا: هذا ما حدث مع الاسف.


سقطت سيجارتي على الأرض وأنا أستمع لربا وهي تحكي قصتها، رأيت الدمع في مقلتيها قد تجمع وفاض والغصة تغرغر في حنجرتها ولم تعد ربا تستطيع الإكمال أكثر

فقلت لها: لا تقلقي يا ربا انا عزام وليس اي شخص اخر ربما حصلت امور سيئة بيننا لكن كان هذا بسبب الظروف السيئة لا أكثر.

وهذا المنزل على تواضعه منزلك تستطيعين طردي منه والبقاء لوحدك إن اردتِ.

ربا: لا ادري كيف اشكرك يا عزام انا موقنة بأن الله لا يترك عبداً بمفرده يبدو انك انت العون الذي اختاره الله لي من فوق السموات.

_سأكون كذلك حتى لو اضطررت بأن أخاطر في حياتي من اجلك فسوف تفعل وإن اجبرت على ان اكون المدافع الوحيد عنك فلن اتوانى عن فعل كل ما بوسعي لأدافع عنك الاذى.

ربا: شكراً لك لكنني لن اقبل بأن اؤذيك اكثر من ذلك انا لن انسى ما فعلته انا بك وفعله الذين كان يلاحقونني ايضا بسببي.

انا احكي لك فقط لأنني اشعر بأن قلبي سيتوقف من كثرة الضغط و الهم الذي يعتريه، اتعلم اشعر بأنني سأختنق يا عزام.

شعرت أنا الأخر بغصة وقشعريرة وأنا أقول في نفسي: أكاد اجن كيف لعائلة أن ترمي ابنتها بذلك الشكل و بكل بساطة بين أيدي الغرباء ليدنسوا شرفها وينتهكوا حرمتها.

_لم اكن اتصور ان اماً يمكنها فعل هذا ببنتها وبهذه البساطة.

ربا: أمي فعلت اكثر من ذلك يا عزام فلا تتعجب.

_اكثر من ذلك! وماذا فعلت ايضا؟

ربا: سأحكي لك كل شيء.

أتعلمين هذه هي الحياة يا ربا واعتقادنا أن الحياة ستعاملنا بعدل لأننا أناس طيبون هو ذات الاعتقاد للشخص الذي يظن أن السبع لن يأكله لأنه نباتي.

ربا: انت لا تعلم كيف كان شعوري عندما رأيت ردة فعل امي العكسية لقد كانت تماما عكس ما اتوقع
تبدلت ملامحي فجأةً دون سابق إنذار.

تحطمت آمالي وأمنياتي وتبددت ضحكتي برؤية امي وتحولت لدمعة تحرق اجفاني.

وقفت حاملة حظي السيء الذي يبدو أنه لا زال يلازمني حتى هذه اللحظة.

هنت عليهم وكأنني لم اكن شيئاً بالنسبة لهم وكأنهم لم ينجبوا ابنة اسمها ربا في يوم من الايام.

وأظلمت الدنيا بأسرها امامي وتمنيت أن لو انتحرت يومها وارتحت من هذا كله، اصبح قلبي يتيماً بائساً موجَعاً مربكاً.

واحسست بالخجل من نفسي كيف كنت اقنعها انهم لازالوا يحبونني وأنهم على استعداد للتضحية لأجلي.

بمجرد ان سمعت امي تقول "ماذا تفعلين هنا عودي إلى منزل زوجك وإياك والعودة إلى هنا"

كانت عبارة قاسية جدا على قلبي.

دفقت عيناي دمعها وارتجفت شفتاي وتلعثمت لم استطع نطق أي شيء.

عقلي لم يكن يستوعب ما يجري قلت بصوت خافت: و لكن يا أمي انا_

صرخت بكل حدة وجفاء "بدون لكن هيا اذهبي من هنا وعودي إلى منزل زوجك"

قررت حمل ما تبقى من كرامتي واستدرت دون ان انطق بكلمة اخرى كان بيني وبين باب المنزل بضع خطوات فقط لكنني احسست أنها مسافات واميال شعرت بالخجل من نفسي فها أنا أطرد أمام نفسي من المنزل الذي تربيت به.

لطالما احسست انني لست من اهله ولكن هذا كثير عليّ كثير جداً لم استطع تحمل المزيد من الاهانات وكسر الخاطر.

مشيت متجهة نحو الباب فأحسست بيد احدهم تمسك بمعصمي من الخلف،

لم التفت لم اجرؤ على ان اضع عيني بعين احد بعد الذي حدث يومها أحسست فعلا انني بلا أي قيمة تذكر.

فسمعت ريم تقول وهي غاضبة: إن رحلت ربا فسوف ارحل معها وأعدك أنك لن تري وجهي مجدداً.

فتوقفت لبرهة أحاول استيعاب ما تقوله ريم،

ظلت امي صامتة ولم تتكلم بحرف،

فعادت ريم لتشد على يدي وتسحبني وتعيدني إلى الداخل وهي تقول: فلتنسوا أن لديكم ابنتين، إن خرجت ربا من هذا الباب فوالله لن أنام في هذا المنزل ليلة أخرى بعد الأن.

لم تجبها أمي بشيء فشدت ريم على يدي وأدخلتني معها إلى غرفتنا القديمة وتوجهت بي إلى الداخل واغلقت باب الغرفة،

اجلستني، ومن ثم نظرت إلي وكنت في حالة صدمة منعتني حتى من البكاء كنت اشهق شهقات قصيرة بفزع وكأنني امضيت يوماً كاملا ابكي.

فاقتربت مني وحضنتني واضعة رأسي على كتفها تحاول لملمة جراحي ومداواتها وهي تقول: لا تقلقي سأكون من اليوم فصاعداً معك ولن ادع مكروهاً يصيبك مهما حدث.

أجبتها بصوت متقطع متحشرج: لا اريد لا اريد ان يبقى معي أحد ولم اعد اريد هذا المنزل اريد العودة إلى الشوارع و الازقة فهي أرحم من الذين من حولي.

ابعدتها عني وصرت ابكي وانادي باللاشعور: لطالما كنت أنت الفتاة الصالحة وانا السيئة العاقة المكروهة.

يكفيني ما رأيت منكم اعلم انكم لا تحبونني ولا تريدون رؤيتي سأرحل، نعم سأرحل ولن تروا وجهي ابداً بعد اليوم.

لم اكمل كلامي حتى بدأت ريم بالبكاء والقت بنفسها تضمني وتتأسف وتعتذر لما حدث في الأيام الماضية.

لكنني كنت قد اتخذت قراري فأمسكت يديها وانزلتهم عن كتفي وقلت لها: ابقي كما انت ولا تخسري والديك بسبب فتاة مثلي، كنت ولازلت غير مهمة لأحد لا اريد توريطك بمشاكل معي.

الشيء الوحيد الذي يجعلني أشعر بالرضا هو ان لا احد يحبني ولن اتسبب لاحد بالحزن أو بدمعة مهما حدث لي.

حملت حقيبتي وهممت بالخروج فاستوقفتني ريم وقالت: إلى أين يا اختي اين ستذهبين؟!

فأجبتها وأنا امسح دمعي واشد عزمي: هذه اول مرة اسمعك تقولين اختي، لقد ظننت انني لست من العائلة ذاتها ربما وجدني ابوك مرمية امام مسجد او في دور ايتام.

ولكنني سأذهب إلى الجحيم إلى الغابات إلى أي مكان غير هذا المكان فأي مكان غير هذا سيكون ارحم لي وارفق لحالي.

خرجت من الغرفة وتوجهت نحو باب الشقة فتحت الباب لأجد أمامي أكبر كوابيسي كان ينتظرني عند الباب "انه ابي وبرفقته همام زوجي"

وقفت وقد تجمد الدم في عروقي لم اكن اتخيل انه سيجدني هذه السرعة وأين! في أكثر مكان أمنٍ لي كنت اظنه على وجه المعمورة.

تراجعت بضع خطواتٍ إلى الوراء فارتطمت بأحدهم فنظرت خلفي لأرى أمي تقف خلفي وبيدها هاتف محمول كانت قد اتصلت بوالدي وزوجي لكي يأتوا ويأخذوني من هنا.

وضعت يداها على كتفاي وقدمتني نحو الباب وهي تتبسم وتقول: هذه زوجتك يا همام كانت تزورني وقد انتهت زيارتها.

فتبسم همام قائلاً: ارجو ان تكون قد استمتعت بوقتها جيداً.

مد يده لكي يأخذني معه وانا احاول الافلات من بين يدي امي وانادي ابي: ارجوك يا ابي ارجوك، لا اريد العودة.

فيرد ابي عليّ بكل بساطة: انه زوجك ولا مكان لك سوى منزله هيا اذهبي هيا.

امسك الفرد بيدي وهو يوزع الابتسامات على الحاضرين وبدأ يشدني نحوه.

كان جسمي نحيلٌ وهزيلٌ لم استطع مقاومته،
تمنيت في تلك اللحظة ان اموت او ان تنشق الارض من اسفل قدماي وتبتلعني وتخلصني مما يجري.

رأيت ريم تقف وتراقب ما يجري من بعيد وتبكي واقتربت مني تريد ان تودعني فضمتني وهي تبكي وهمست في أذني وقالت: أعدك أنني سأخلصك من عذابك هذا.

ايقنت حينها انني ذاهبة للموت لا محالة وأنه يومي الأخير في هذه الدنيا.

خرجت مع همام من المنزل وتوجهنا الى السيارة كنت ارجوه واتوسل إليه كي يتركني وهو يرفض ويشد على معصمي اكثر حتى كاد يكسر.

وفتح باب السيارة ودفعني دفعاً إلى الداخل والقى بي ثم اقفل الباب وصعد بجانبي.

اشعل المحرك ونظر إلي ووضع يده على وجهي بطريقة مقززة وقال: أرجو أن تكوني استمتعتي بنزهتك القصيرة تلك لأنها ستكون الاخيرة.

اختفت تلك البسمات المصطنعة عن وجهه وظهر الشر بين عينيه وبدأت اشعر بالخوف مما سيحدث لي بعد ذلك.

قاد السيارة متوجهاً نحو المنزل وامضى الطريق وهو يتوعد لي بالويل والعذاب الشديد.

وصلنا إلى المنزل مجددا ونزل من السيارة، امسك بيدي يشدني خلفه رغماً عني.

أحسست أنني مجرد نعجة تساق إلى الذبح دون أن يلتفت لها الجزار حتى.

فتح باب الشقة وأدخلني أمامه فكان أول ما رأيت هو وجه ملك تقف في استقبالي واضعةً يديها على صدرها وتتبسم.

فجأة وبدون سابق انذار احسست بقدم تدفعني على ظهري فارتميت ارضاً وارتطم وجهي بالبلاط وبدأ الدم ينزف من انفي.

سمعته يقول بسخرية: استلمي يا ملك كما وعدتك هاهي بين يديك كلها لك وحدك.


يتبع.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي