الفصل الثالث عشر

فقلت لها: لا فرق أبدأي من حيث تشائين أنت

ربا: حسناً سأبدأ ولكن ربما ليس بالتسلسل ولكن لا تقلق سأخبرك بكل شيء.

همهمت وقلت: حسنا سنرى ذلك والأن،هات ما عندك وبالتفصيل وبدون لف ودوران اتفقنا؟

ربا: ولكن هل سنتكلم وهاتان الجثتان هنا! أحس بأن رائحتها بدأت تفوح في المكان إنها مقززة، علاوة عن شكلهما المقرف.

اجبتها وانا امسك سيجارتي الجديدة: لا تقلقي عمار سيأتي بعد قليل ويخرجهم من هنا على الأغلب هو في طريقه إلينا الآن.

أجابت ربا باستغراب: ومن هو عمار هذا؟

فقلت لها ممازحاً: هل بدأنا بالاسئلة؟ لازال الوقت باكراً على ذلك أظن، وأذكر أنك أنت من يجب أن يتكلم الأن وليس أنا، أليس كذلك؟

ربا: حسناً حسناً، أنا سوف أبدأ ولكن أنت أبقى مرتاحا ولا تغضب فقط.

قلت لها: جميل جدا، إذا ابدأي فأنا هنا عملي ان استمع اليكِ حالياً.

ربا: اصبحت تعرف ان اسمي ربا عمري عشرون عاماً وانا من مدينة البستان الشمالي وإليك ما لا تعرفه عني الأن.

_بدأت قصتي عندما كنت في الخامسة عشر من العمر نشأت في عائلة محافظة نوعاً ما متكتمة على الإناث في العائلة لدرجة ربما مبالغ فيها قليلاً، أو هكذا كنت أظن أنا في ذلك الوقت.

وكان لي شقيقة واحدة فقط وهي تلك التي رأيتها في الجريدة اسمها ريم كنت انا وهي دائما كالنار والماء كالصيف والشتاء كالحب والحرب على الرغم من أننا توأم لكننا لا نتفق على شيء في أي وقت ولأي أبداً لم يصدف في عمري أن وافقتها أو هي وافقتني على أمر من الأمور.


توقفت ربا عن الكلام ونظرت إلي وقالت باستنكار: مالي اراك رفعت حاجبيك يا عزام انتظر وسترى الاسوء، اجل لا تستغرب كنا توأماً في الشكل وأما الاطباع فقد كنا على النقيض تماماً وكأن كل واحدة عاشت في بيئة مختلفة عن الأخرى.

_ولطالما كنت اسمع ابي وامي يمدحونها ويصفونها بالياقوتة المكنونة والدرة الغالية وغير ذلك من الأوصاف والمدائح التي كانت تنهال عليها ليلاً نهارا وليس من والدي فقط بل من الجمع، الجميع بلا استثناء.

ويبدو أنها كانت توافق هواهم في كل شيء تقريبا في اللباس في تخصصها بالدراسة في النوم في الأكل في كل شيء لا تخرج عن رأي والداي لها وكأنها خلقت كما ارادوا هم، وعلى عكسي تماماً فأنا وبكل فخر اقولها كنت انا العيب الوحيد في العائلة، هذا ما كان الجميع يشعرني به دائماً وفي أي وقت ولأي سبب.

لطالما كنت أنا التي تخطئ وريم هي المصيبة في كل شيء، وكأنها معصومة من الزلل وأما أنا فكنت معجونة من الأخطاء لا من الطين كباقي الناس.

لم أسمع والداي أو أحد من عائلتنا يمدحني على شيء قمت به في حياتي البتة فلا يعقل أنني لم أفعل خيرا قط في حياتي.

ولكن هذا ما كان يحصل لا مديح بل ذن وتهكم ورفض في أي شيء ولأي سبب وفي أي يوم في حياتي الكئيبة هذه، كان هذا هو حالي وصدقني أنني لا أبالغ ولا أحتاج أن أفعل ذلك فلن ينفعني في شيء.

ومع مرور الأيام كبرنا ودخلنا الجامعة واختارت ريم التخصص بالطب كما اراد والدي، اما أنا فاخترت أن أكون فنانة مشهورة رسامة عازفة أي شي المهم أن اكون في مجال ما في الفن.

فقط اردت ان اسمع صوت تصفيق لي وجمهورا يشجعني هذا كل ما كان يدور في رأسي وكالعادة لم يعجب ابي هذا الأمر ابداً فخيرني بين فصلي من الدراسة أو تغيير التخصص.

وبعد طويل جدال ومناقشات بل ووصل الأمر لمنعي من الخروج من المنزل تنازلت عن ما اريد واحلم به وأجبرت على تغيير التخصص الذي اخترته في بادئ الأمر.

ولكنني اشترط ان اكمل عامي ذاك فقد كان قد بقي على نهايته بضعة أشهر فقط ووافق أبي على ذلك مع كثير من التحفظ والقلق والتعليمات، وفي تلك الأشهر القليلة انقلبت حياتي رأساً على عقب وحدث ما أدى لوصولي اليك الان وجلوسي هنا.

بدأت قصتي عندما تعرفت على شاب في المدرسة وكان اسمه أيمن، أيمن عبد الله، كانت معرفتي به مصادفة غريبة من نوعها وزادت الغرابة يوماً بعد، فقد كان يشبهني كثيرا في اهتماماتي ويحب كل ما احب ويشجعني على اكمال طريقي.

كان طالبا في معهد الفنون ايضاً إلا انه اقدم مني بعام واحد ومع ذلك ظل يشجعني ويمنيني أن أجتهد واكمل دراستي وبعدما أتخرج سيفخر بي والداي.

يوما بعد يوم وشهراً بعد شهر أصبحنا أقرب لبعضنا البعض وبدأت الايام تمضي والشهور حتى قضيت معه ثلاثة شهور كاملة احسست انني وجدت توأمي الحقيقي فيها.

كم تمنيت لو كان اخي او اختي كنت ساذجة بالتفكير طفلة بالتمني اردت فقط شخصاً اقضي وقتي معه بدون ان يفسد عليّ يومي بانتقاداته ونصائحه الغبية كانت تلك الأيام هي أسعد أيام حياتي كلها، لم أذق في حياتي طعم السعادة إلا في تلك الأيام، وطبعا ذلك الشعور ذهب ولم يعد لدي الأن منه شيء أبدا.

بدأت اراقبه كيف يسير وكيف يشرب وكيف يتحرك كنت اراقب كل حركة يقوم بها واقلدها فبت اضع الكحل على عيناي و أضع حول معصمي سوار جلدي واخر من الفضة.


حذاء عسكري ضخم والعلكة لا تفارق فمي ثم بدأت البس الضيق اصبحت اقصر من طول القمصان وارتدي التيشيرتات الضيقة الرقيقة واما حجابي فقد كان يناجي ربه حيث لم يبقى منه سوى قطعة قماش بالكاد تصل لأذني.

تطور الأمر وبدأت اتعلم التدخين من أيمن، ومن ثم اغاني الراب وبدأت اختياراتي تتسم السواد بكل ما ارتدي بل حتى بكل ما استخدم من جوال وغرفة وغيره، كان ذوقي الوحيد الذي لا يتبدل هو ذوق أيمن.

كنت اغوص يوماً بعد يوم في تلك الدوامة المظلمة ووالدي يزدادان خوفاً عليّ من نفسي فقد كنت اكبر عدو لنفسي وأنا استسلمت في بداية الطريق.

المهم امضيت عاماً كاملاً على ذلك الحال ثم انتهى العام الدراسي وبالرسوب طبعاً كما كان الجميع يتوقع ذلك فلم أعرف معنى الدراسة والاجتهاد يوماً واحداً حتى منذ أن عرفت أيمن، ولكن ذلك لم ليزعجني أبداً بل على العكس تماماًصارت كل الأمور لدي سواء.

كانت المشاكل تتفاقم بيني وبين عائلتي وبالاخص شقيقتي ريم كانت تنهاني عن كل ما اريد واحب، بينما كنت أنا أسير خلف رغباتي فقط.

يوماً بعد يوم اصبحت متعلقة بأيمن اكثر وبدأ الحب يصبح ملموساً بيننا سهر وسينما وحفلات بالاضافة لبعض ما كان يعتبره اهلي ممنوعاً وكنت أراه أنا حرية شخصية وهو في الحقيقة عين الغلط.

وطبعا كل هذا بدون علم اهلي كنت اخفي امر أيمن تماماً عنهم، متظاهرة بأنني كنت انام عند إحدى صديقاتي مثلا أو أن لدي دروساً إضافية.

ولحسن الحظ كنت قد تعرفت على بعض الفتيات من اصحاب السوء كما يسمونهم اهلي حتى ريم لم تكن على علم بما كنت أفعل إلا أشياء قليلة مما تلاحظه هي عليّ بحكم اننا كنا في غرفة واحدة.


عشت اجمل ايام حياتي حينها وبدأت احلامي تتحقق شيئاً فشيئاً إلى أن أتى ذلك اليوم.

تقدم لخطبتي احد الشباب الذين كانوا يرونني في الحي فوافق ابي مباشرة على تزويجي اياه بدون تردد او تفكير حتى ظنا منه أنني سوف ينصلح حالي إن أصبح لدي اسرة وعائلة اهتم بها.

وفي احد الايام دخل ابي لغرفتي واجلسني بجانبه يخبرني ان الشاب قادم مع أهله غداً لخطبتي وعليّ الاستعداد لملاقاتهم نزل الخبر على قلبي كالصاعقة.

كيف سأرفض وأنا في عائلة من الطراز التقليدي لا يوجد فيها رأي حتى للفتاة ويجب عليها أن تقبل بأي شخص يتقدم لخطبتها أياً كان ما دام أن والدها وافق وينتهي الأمر.

حاولت الرفض والتهرب متحججة انني صغيرة وانني اخاف ولكن لم تلقى تبريراتي اي جدوى أو مكان للسماع لدى والدي.

امسكت يده اقبلها وارجوه ان لا يفعل ولكنه كان مصراً على هذا وقد اتخذ القرار وانتهى الأمر بالنسبة له.

كان ذلك أسوء شيء يمكن أن يحصل لي على الإطلاق، لم أتخيل أن شيئاً يمكن أن يحصل أسوء منه،

بت ليلتي وانا ابكي وانتحب حتى جفت دموعي ولم أنم حتى لحظة واحدة، كنت خائفة مما سيحدث غداً حينما يأتي الشاب إلينا ومعه أهله.

انقضت الليلة وانزاح الظلام لتشرق عليّ شمس ذاك اليوم المشئوم جافى النوم عيناي وهجرني النعاس وكنت قد قضيت ليلتي بأكملها افكر في حل لهذه المصيبة التي حلت بي.


انتظرت حتى خرج والدي من البيت واسرعت اهرول إلى امي اقبل قدميها ارجوها أن تتوسط لي عند أبي كي لا يزوجني لذلك الشاب لكنها لم تستطع مساعدتي.

فكما هو معلوم في عائلاتنا لا سلطة للام ابدا وهي تأتي تبعا للزوج وقرارها من قراره خاصة في الأمور الكبيرة كالزواج.


هرعت لاختي ريم لأترجاها كي تكلم والداي من اجلي فكلمتها مسموعة لديهم وهي الفتاة الصالحة المدللة وكل ما تريده يكون تحت يدها باسرع وقت.

جلست بجانبها ابكي واترجاها لكن لم ينفع الامر كانت مقتنعة أنني إذا بقيت عزباء فسوف ازداد ضلالاً وتيهاً.


لم اجد امامي سوى خيار واحد فقط جففت دموعي أمسكت بهاتفي وصعدت إلى السطح لأتصل بأيمن وأخبره بما يحصل، حاولت مرة بعد مرة وانا اعاود الاتصال وأيمن لا يرد ففقدت الامل وسلمت امري لله وجلست انتظر حدوث ما كنت أخشاه

فجأة رن هاتفي وكان أيمن هو المتصل فزعت من مكاني وفتحت الخط وأجبت بلهفة وقلق: الو أيمن اين انت انقذني انا اضيع، عليك أن تنقذني مما انا فيه.

رد عليّ أيمن بكل برودة اعصاب وهدوء قائلا: وماذا هناك لماذا انت مذعورة هكذا!

أجبته وأنا انتحب ابكي: ابي ابي يريد ان يزوجني يا أيمن اليوم سيأتي الشاب مع اهله! وقد اتفقوا على كل شيء، حاولت منعه لكنني لم استطع فعل ذلك، أبي مقتنع تماماً به ولا يرى بديلا عنه أبداًز

صمت أيمن للحظات وقال لي بعد صمته كلمات لا ازال اذكرهن بالحرف قال: وماذا في الأمر!

تجمدت الدمعات في عيني ولم أعد أدري ماذا يحدث فقلت له: ماذا تعني!

رد أيمن قائلا: اعني ان لا مشكلة تزوجي، أليس هذا مستقبل كل فتاة؟
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي