الفصل الرابع والعشرون

_قلت لها وأنا أتأمل لحظات الشروق الأولى: سيكون هذا منزلك افعلي فيه ما تشائين، وابقي إلى ما شاء الله لن يزعجك احد وانت ضمن اسواره مادام لي قلب ينبض وعين تطرف.

أجابت ربا بنبرة حزينة: اسفة يا عزام لقد اصبحت مجرد مصدر للإزعاج و لجلب المشاكل ولا يصح أن ابقى هنا فهذا سوف يتسبب لك بأذى ومشاكل لا حصر لها.

حاولت النهوض وامسكت بعكازي وقلت لها: لا اريد ان اسمع هذه الجملة مرة اخرى هذا أولاً، وأما ثانياً

_فلست بأفضل منك حالاً انا ايضا لدي ما يشغل تفكيري ويشغل تفكير اعدائي بي.

وأما ثالثاً وهو الاهم حالياً فهيا حضري لنا شيئاً لنأكله احس ان معدتي تلكم نفسها من الجوع وتصرخ.

ربا: ولكن إلى أين أنت ذاهب لا يصح أن تمشي على قدمك اكثر لا يزال الجرح جديدا، تذكرت لقد رأيتك تمشي بعرج وتضع يدك على رأسك عندما دخلت إلى المنزل.

اخبرني ما الذي حدث لك خارجاً لقد خرجت من هنا صحيحاً معافى.

ضحكت ونظرت للسقف وقلت لها: لقد ركلتني إحدى الفتيات في الطريق واوقعتني ارضاً بعد ان طلبت رقم هاتفها.

أغمضت ربا أجفانها وأجبت بغيظ: يا لك من خفيف الظل الم تقل ان لا فتيات في المدينة هنا ومنذ متى ولديك هاتف!

دسست يدي بشعري اعبث به وقلت: وانت يا لك من صاحبة ذاكرة قوية وشديدة الملاحظة ايضاً، رأيتني أعرج ومع ذلك قمتي بضربي غدراً، هيا حضري لنا شيئاً للأكل.

مشيت مبتعداً عنها فلحقت بي وقالت: ألن تخبرني ما الذي حدث لك!

فأكملت طريقي ملوحاً بيدي وقلت: لم يحدث شيء كدت ادهس هرة فابتعدت عنها وتكسرت عظامي هذا كل مافي الامر يا ربا.

_وبالمناسبة سأعود بعد قليل لذلك لا تخرجي ريثما أعود اتفقنا؟

نادت ربا وقد شعرت بالضجر قائلةً: ولكن على الاقل دلني على اماكن الطعام في المنزل.

لم تكمل جملتها تلك إلا وأنا أصفع الباب خلفي معلنا خروجي من المنزل فقلت مستغربة من عجلتي: ءء اهٍ منه لقد خرج فعلاً،لقد ذهب و تركني لوحدي، حسناً علي ان احضر الطعام الان بمفردي.

توجهت ربا إلى المطبخ تنفض الغبار عن الرفوف والخزائن وتبحث عن أي شيء يؤكل لكي تطهوه من أجلنا
وجدت علبة من الفول وكيساً من الأرز وبعضاً من التوابل.

شمرت عن ذراعيها واشعلت النار بحذر كما تعلمت محاولة عدم التسبب بخنق نفسها وخنق الحي بأكمله وبدأت بالطهي محاولةً تذكر واسترجاع بعض ما علمتها والدتها من وصفات وفنون الطبخ.

فقد كان يجب على ربا ان تخدم المنزل لأن ريم في ذلك الوقت كانت الابنة المدللة والتي تهتم بدروسها على عكس ربا المستهترة والمتهورة.

وريثما ينضج الطعام حاولت ربا ترتيب ما يمكن ترتيبه من منزلها الجديد وجمعت بعض الاشياء المتهالكة لكي يتم رميها خارجاً فقد كثيراً من من الاثاث رث لا يصلح للاستعمال

وبعد كثير من الجد والتعب والمثابرة، انهت الترتيبات واحضرت ممسحةً ايضاً لمعت الأرضية بها وجملت ما استطاعت من غرفة الجلوس رتبت الأسرّة وبدلت البطانيات.

أنهت كل هذا بسرعة البرق وتوجهت إلى المطبخ جمعت كل شيء لا استعمال له ولا فائدة منه رمت به في سلة القمامة، ورتبت الرفوف ونفضت عنها الغبار.

حينها بدأ القدر بالغليان وإصدار صوت الصفير، تركت كل شيء وتوجهت إليها تتفقدها كان الطعام قد نضج.

فاحضرت الاطباق وسكبت طبقين من الأرز وزينتها ببعض الفول مع المرق وأخذتهم إلى غرفة المعيشة.

جلست تنتظر ولكنها لم تكن مرتاحة البال
كان يشغل بالها التفكير بهذا الشاب الذي دخلت حياته فجأةً، وصارت جزئاً لا يتجزأ منها.

حاولت طرد تلك الافكار من رأسها لكنها لم تنجح بذلك:
"طال غيابه"
"أين هو؟
"إلى أين ذهب"
"ترى هل قدمه تؤلمه الأن"
"كيف سيعود وهو لا يستطيع المشي جيداً"
لعله تعثر ولم يستطع العودة لعل قدمه_ لعل رأسه_ ربما_ ربما_

كانت كل تلك الأسئلة تدور في رأسها ولا تدعها تركز في شيء ابداً.

اعتصرت ربا رأسها وهي تحدث نفسها "يا إلهي ما هذا الضجيج برأسي" "لماذا لا اكف عن التفكير به!"
"هو ليس طفلاً صغيراً على كل حال لماذا عقلي منشغل به هكذا"

"هل هو ضميري يؤنبني لأنه تأذى بسببي"
"أم هو شيء آخر!"

وكأنها كانت تجادل نفسها بنفسها وهي تقول:
"لا ادري لا ادري"

" اهٍ من قلبي لم اعد استطيع الانتظار سأذهب اتفقده"

همست بذلك ربا بصوت خافت وهي تمسح على وجهها متهكمة

اطلت برأسها من النافذة قليلا بعد ان لفت وجهها بوشاح لي كنت قد نسيته قبل أن أخرج، فرأت ما جعلها تشرأب وتنتفض من مكانها، وهرعت مسرعة إلى الباب فتحته ووقفت خلفه.

كنتُ عائداً من البقالية متجهاً نحو المنزل فرأتني ربا ووقفت تنتظرني خلف الباب.

لوحت لي بيدها كي اسرع قليلاً بالمشي، فرأيتها والبسمة العريضة على وجهها حتى كادت تبدو أضراسها، شعرت بشيء غريب عندما رأيتها وتبسمت بقلبي قبل شفاهي.

كانت المرة الأولى التي ارى احداً ينتظر عودتي ويلوح لي مُرحباً بي، فشعرت بشيء غريب في داخلي لم ادري ما هو فقد مر وقت طويل لم احس بداخلي بأن احد ما يهتم لأمري.

وصلت إلى باب المنزل وأنا اتكئ على عكازٍ خشبي فاقتربت ربا مني وأمسكت بذراعي تسندني حتى أدخلتني إلى الغرفة وأجلسني على السرير.

وانهالت عليّ بكل سؤال خطر ببالها او لم يخطر حتى
شهقت و انفجرت كالبركان الغاضب:
أين كنت؟ لماذا تأخرت! لماذا خرجت!

اخبرني، لا تخفي عني هيا يا عزام.

قل أين كنت كل هذا الوقت يا عزام؟!

تبسمت وانا اشعر بالغرابة وشيء من الذهول مختلطين ببعضها ورفعت رأسي ونظرت لها مخرجاً من جيبي علبة صغيرة ومددت يدي كي تأخذها.

فأمسكتها من يدي وقالت: ما هذه يا عزام!
عدت ابحث بجيبي عن شيء ما افقده وقلت: افتحيها وستعلمين.

فتحت ربا العلبة فأخرجت منها هاتفاً صغيراً متواضع الطراز فتعجبت منه وقالت: ما هذا يا عزام!

حملت الأمر بسخرية وقلت: إنه هاتف جوال الم تري هاتفاً من قبل!

لقد ذهبت كي أحضر لك هاتفاً من البقالية هذا كل ما في الامر
لكن قدمي البائسة لا تعينني وتمشي بي ابطئ من طفل صغير يحبو.

أجابت ربا باستغراب: وما الذي سأفعله انا!

فقلت لها: ستتصلين بريم وتطمئنين عليها طبعاً ام تريدين ان تتركيها في الطرقات؟

ربا : تريد ان احضر ريم إلى هنا!؟
_و لم لا؟ مهما كان الوضع هنا سيئاً لن يكون أكثر سوئاً من الخارج اليس كذلك.


لفت نظري تغير شكل المنزل تغيرا ملفتا فقلت: ثم متى قمتِ بتنظيف المكان لم اتركك لأكثر من نصف ساعة!

ربا: نظفته وطهيت الطعام وأنت لازلت في الخارج ولم تكلف نفسك بأن تخبرني إلى أين أنت ذاهب حتى.

لم اكن استمع لما قالته في الجملة الأخيرة إلا أنني كنت انظر للمنزل كيف تبدل حاله وانقلب رأساً على عقب.

فبدأت ربا تردد قولها وهي تلوح بيديها: عزام؟ عزام_ أين ذهبت!

أجبتها عندما عدت من شرودي: انا هنا هنا لكنني كنت أتأمل الغرفة كيف أصبحت نظيفة هكذا فجأة.

تلك الارضية الخشبية لطالما كانت بيضاء اللون اليوم هي بنية و الزجاج لامع ونظيف انه شفاف ويمكن الرؤية من خلاله! وكل شيء مرتب لم اعتد على منزلي أن يكون نظيفاً بهذا الشكل.

ربا: احب الترتيب وتنسيق الأشياء لكنني لم اكن بحالة نفسية تسمح بذلك قبل اليوم فقلت في نفسي لم لا ابدأ من اليوم نعم البيت متسخ قليلا.



يتبع.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي