الفصل السابع عشر

قلتها هكذا وبدون مقدمات او موشحات، فتفاجئت هي ونظرت إلي بدهشة وقالت: ماذا قلت؟ أعد علي ما قلته للتو.

فاعدت كلامي للمرة الثانية وقلت: هل تقبلين الزواج بي يا فتاة؟

فتبسمت ونظرت إلي نظرة سريعة من الأسفل للأعلى وقالت: انت تتزوجني؟ طبعاً_

فسعدت جدا بجوابها وكدت أطير من الفرح وقلت لها متى تريدين ان نبدأ اخبريني اين تسكنين انا جاهز فضحكت.

وقالت لي وهي تعبث بثيابها: سأتزوجك فقط إن مشيت زحفاً على الأرض عائدا نحو دراجتك.

فصدمت انا بما قالته ولم اصدق ما اسمعه فكررت عليها السؤال وقلت: ماذا؟ هل جننتي!
انا احدثك عن الزواج وانت عن ماذا تتحدثين!

علت ضحكتها لتجذب انظار الجميع إليها وتقدمت تلك الفتيات اللواتي كن برفقتها وتعالت ضحكاتهن و سخريتهن فكتمتُ غيظي.

وابتعدتُ عن المكان بعد ان اصبحتُ اضحوكتها و أضحوكة كل من سمعها وظللتُ مبتعداً عنها شهراً كاملاً وفي كل يوم أتذكر ذلك الموقف الذي وضعتني به.

وكنت أزداد كرهاً لها وبغضاً مع مرور الوقت وفي أحد الأيام كنت اقود دراجتي في الطريق لأتفاجأ بها تقطع الطريق صدفة بصحبة أحد الشباب

لم افكر كثيراً ولم أقلب الأمر في رأسي، خطر لي خاطر فداست على دواسة الوقود واندفعت نحوها بسرعة كالبرق لكي أقوم بصدمها.

وبالفعل فعلت ذلك وصدمتها بدراجتي واوقعها ارضاً متظاهراً انني فعلت ذلك عن غير قصد مني، وقعت هي على الأرض، وكانت السقطة قوية جعلتها تتزحلق عدة أمتار.

لكن الشاب لم يصبه أذى فاندفع نحوها ليتفقد حالها، فأوقفت دراجتي على الفور وعدت نحوها متظاهراً بانني اريد ان اتفقدها أيضا.

وقفت بجانبها لكي اراقبها وأشفي غليلي منها، كانت تتألم كثيراً وقد كسرت قدمها حتى التفت عظمة ساقها عكسياً. لم يحتمل ذلك الشاب الأمر فنهض يحاول ضربي وتوبيخي ولكنه كان ضعيفاً ويشبه الفتيات، فأمسكت الخوذة ورفعتها عن رأسي لترى هي وجهي.

وامسكت بذلك الشاب الاخرق ولكمته فارتمى بجانبها كالطفل الصغير، ثم جلست على صدره وأوسعته ضرباً حتى تورم وجهه وكأنه هو من صدمته الدراجة.

ونظرت في عينيها بعد أن انتهيت منه فعرفتني واصيبت بالذعر ولم تتكلم سوى بكلمة واحدة فقط أنت!؟

وعادت تتأوه من الالم فاجبتها والشماتة بادية على وجهي: نعم انه انا.

اخرجت مسدسي ووضعته في فم صديقها وهو مستسلم لا يتجرأ على الحركة.

ونظرت لها وقلت: ستدفعين ثمن ما فعلتي يا جميلتي فبدأت بالبكاء والصراخ وهي تترجاني وبدأ الناس يأتون إليّ ليروا ماذا حدث.

فاقتربت منها بعد أن نزعت مسدسي من فم عشيقها ولطمتها به على وجهها بقوة فقئت لها عينها ثم تركتها وانطلقت إلى دراجتي وقدتها مبتعداً عن المكان.

لا انكر انني كنت سعيداً بذلك المنظر ولكنني علمت في ما بعد انني اخطأت وبالغت في ردة فعلي، وأيقنت أنني سألقى جزاء ذلك الفعل يوماً ما.

واليوم ها انا اتلقى صفعة منك وضربة من أحد الرجال لأفقد بها عيني وترض قدمي وهذا هو جزائي العادل.

قالت ربا بصوت كئيب: اتعلم يا عزام لكل منا ماض سيء ولكن المهم هو المستقبل اليس كذلك ؟

نظرت إليها بتفائل وقلت: اجل هذا ما يقولونه في الكتب وعلينا ان نبعد الماضي عن مستقبلنا لنكون أفضل

ربا: ولكن ماذا عني ما زال ماضيّ يلاحقني أينما ذهبت وما أصابك كان له علاقة بماضي السيء يا عزام.

_لا يهم المهم فقط هو أن نحارب ولو حتى كان الحل هو الهروب من القدر فيجب أن نفعل.

_والان أخبريني عنك واكملي لي قصتك هيا فكلي شوق وفضول لسماعها ومعرفة ما أوصلك إلى هذا الحد.

ربا: سأحكي لك كل شيء ولكن ليس اليوم انظر الساعة الآن الواحدة ليلاً ولابد انك متعب سأتركك ترتاح قليلاً وغدا صباحاً اكمل لك قصتي.

_حسنا كما تريدين اذهبي انت الأخرى إلى غرفتك واخلدي إلى النوم هيا.

أجابت ربا بتسائل: ولكن ماذا عنك ماذا لو احتجت شيئاً ما ليلاً

_لا تقلقي استطيع تدبر امري هيا اذهبي ولا تنسي ان تقفلي الباب خلفك

نهضت وهي تقول: كما تريد، تصبح على خير يا عزام، لا تنسى ان احتجت إلى شيء فنادني لن اتأخر عليك، أنا نومي خفيف جدا وبهمسة واحد استيقظ فورا، اتفقنا؟

_أشرت لها بيدي وقلت: اتفقنا تصبحين على خير

مضت ربا إلى غرفتها وبقيت أنا احدق في السقف اتأمل في ماذا علي ان افعل وبدأت الأفكار تتسلل إلى ذأسي شيئاً فشيئاً و هل حقا سأكون بعين واحدة من الان فصاعداً!

احسست بالنعاس يباغتني وعيني تغلقان لوحدهما وبدأت استسلم للنوم.

فسمعت صوت ربا عائدة نحوي تحمل بيدها بطانية نظيفة وألقتها علي وغطتني جيدا وعادت إلى غرفتها.

أما ربا فقد دخلت لغرفتها تفكر كيف ستكون أيامها القادمة وهل كل أيامها القادمة على هذا المنوال!
هل سيظل زوجها و والدها يلاحقها إلى الابد ام ماذا.

كثير من الاسئلة تتبادر إلى ذهنها وتشغل تفكيرها ولذلك لم تستطع ان تخلد الى النوم ابداً بسبب التفكير الزائد في المستقبل وعذاب ضميرها.

فهي سبب للمشاكل التي حدثت اليوم ويجب عليها أن تعوض عن ما حصل بسببها، لقد كانت مشغولة البال كتثيراً بسبب المشكلة التي في حياتها والتي تعرضت اليها تقحم كل من يكون قريبا منها، سواء أرادت أم لم ترد حدوث ذلك.

أصبحت حياتي الآن في خطر مضاعف ولذلك كانت مشغولة التفكير عمّا سيحدث مستقبلاً، ثم بدأ شريط الذكرى يلامس جدران قلبها وبدأت تتذكر لحظاتها مع شقيقتها التوأم ريم.

من ذكرى ربا:

كانت ربا الطفلة التي تبلغ من العمر عشرة اعوام تجلس في زاوية غرفتها بحزن ووحدة، غارقة بين دموعها وحزنها البائس.

تتذكر توبيخ والدتها لها بعد ان أوقعت و كسرت زجاج نافذة منزلها بسبب كرتها التي كانت تلعب بها في رفقة ريم شقيقتها التوأم وشقيقها سعد.

فأثناء لعبهم ولهوهم في الكرة، كانت ربا متحمسة جداً من اجل ان تفوز وتحظى بالفوز على أشقائها ومن دون قصد رمت بالكرة على نافذة منزلهم مما أدى الى كسر الزجاج.

ولذلك وبختها والدتها بقسوة، وبعد ان جلست وبدأت تتناثر دموعها على وجنتيها وترتجف يداها الصغيرتان.

أقبلت اليها شقيقتها ريم وجلست في جانبها، تطبطب على مشاعرها المكسورة وتهدئ خوفها الذي طغى عليها بسبب توبيخ والدتها.

امسكت ريم بيد ربا برفق وبدأت تهدئها وتريح قلبها قائلةً لها.

ريم: لا تقلقي سوف تهدأ والدتنا، بالاضافة الى انها وبختك لانها كانت خائفة وقلقة عليك، من أجل أن لا تتعرضي للأذى ولذلك وبختك.

_من اجل ان تتعلمي من درسك وتبتعدي عن التهور حتى لو كان الحماس مسيطر عليكِ، لذلك عليكِ ان تبتسمي وتأكّدي على نفسك بأنكِ قد تعلمتي من درسك واجتزته بنجاح.

كانت ربا تنصت إليها بهدوء وتروّي فدائما ما كانت تستمع لكلام ريم وذلك بسبب اسلوبها الراجح في الشرح والفهم.

ثم أقبل شقيقها سعد واخذ بكف يدها ثم وضع لها بعض السكاكر من أجل أن تُسعد وتنسى توبيخ والدتها الذي اخافها وارعبها وجرح مشاعرها، ثم عادوا وعانقوا بعضهم البعض بحب ومودّة.

تلاشى شريط الذكرى من أمامها، ثم أمسكت بتلك الجريدة التي بسببها أصابها الشك والريبة وقالت: هذه ما جعلني أظلم عزام.

بدأت تنظر الى صورة شقيقتها وتوأمها، واستمرّت في النظر لصورة شقيقتها المراقبة لصورتها الشخصية ايضاً وبدأت تقرأ الخبر مراراً وتكراراً.

بينما كنت أنا لا ازال مستيقظاً أيضاً فأنا لم استطع الخلود الى النوم وذلك بسبب خوفي على ربا.

تارةً ما أنظر الى سقف المنزل وتارةً ما كنت أنظر الى الجدران والاثاث الغير مرتب ومنسق.

ثم عدت لأفكر في موضوع ربا، فلقد كنت خائفاً من ان يصيبها اي مكروه، فقد أصبحت اعتبر أن مسؤوليتها من مسؤوليتي ومن المستحيل أن أقبل في أن تُصاب بأي اذى، فأنا اعتبرها كأمانة في عنقي.

ثم بدأت أتذكر كلام مالك صديقي من جديد و بدأت افكر في طريقة اعتمد بها على نفسي بها بسبب فقدي لأحدى عيناي. فلم يكن لدي أمل بأنها ستُشفى أبداً بعد كلام مالك.

فلقد كان مالك يتكلم بطريقة مختلفة ذات تعابير ميؤوس منها دون ذرة او بصيص من الامل، و هكذا ظلّلت افكر وافكر في ما سيحدث في المستقبل وكيف سأتدبر امري وامر ربا.

بعد كل العناء و الكد الذي تعرضنا اليه، ثم عادت فكرة مخيفة تسكن عقلي الا وهي بأنه قد أصبح هذا المنزل خطراً علينا و خاصةً بعد أن تم اكتشاف المنزل، ثم بدأت بالتفكير مجدداً عن سبب معرفة اولئك الناس بمكان ربا.

فما هو اللغز يا ترى؟

يتبع.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي