الفصل السادس

خطر في بالي فورا ان اصرخ عليها لربما تكون مختبئة في مكان ما أو ما شابه ذلك.

صرخت بأعلى صوتي وانا اتجول في المنزل حجرة حجرة وأنا أقول وأنادي:

"ربا اين انت! هل انت هنا؟
" ربا ان كنت تسمعين صوتي فردي علي!

لم اجد جواباً ولا صوت أحد ابداً عدا عن مواء تلك الهرة تتمسح بين رجلاي بعد أن اشتمت رائحة الطعام الطازج.

نظرت إليها بعد أن كدت ادوس عليها سهواً ثم وضعت الاكياس على الرف ودسست الجريدة تحت ابطي وانحنيت احمل تلك الهرة المسكينة معي.

بدأت اكلمها بصوت عالٍ ظناً مني انه لا احد غيري في المنزل بعد أن هربت تلك الفتاة وقلت لها ممازحاً اياها: ستكونين طبقاً شهياً من الارز و اللحم المشوي.

قهقهت وانا اتجول بالمطبخ بحثاً عن السكين لأحضر الطعام وانا اغني إحدى الأغنيات القديمة التي لا تزال عالقة في ذهني.


لقد اعتدت على العيش وحيداً بمفردي وبالتالي دائماً ما اتكلم بصوت عالٍ

بدأت القطة تزعجني وتربكني في عملي وهي تتحرك حولي بعد أن أنزلتها فقمت بحملها من ذيلها من إحدى قوائمها مخيفاً اياها وانا أمازحها وانا اقهقه واقول مخاطباً القطة:

_استعد أيها الجندي الهمام بالتضحية بنفسك مقابل ان احيا، حولت صوتي لصوت رقيق وأنا أقول وأمازحها اسف يا اميرتي لابد لي من التهمك اليوم، لم يعد هناك ما يؤكل في هذه المدينة البائسة وأنا أتضور من الجوع وأمعائي تكاد تتقطع.

ثم سمعت صوت طرق وضجيج يأتي من من جهة الحمام.

استغربت من الصوت القادم لعلمي ان لا احد سواي في المنزل، أو هكذا كنت أظن.

فظننت ان احدهم قد تسلل للمنزل بقصد السرقة كما حصل معي قبل عدة أيام.

استليت مسدسي واقتربت من باب الحمام بخفة وأسندت ظهري إلى الحائط استمع إلى داخل الحمام فأحسست حركة ما بداخله قلقمت المسدس ووضعت فوهته على الباب كي اطلق النار.

تكلمت بصوت هادئ محذراً للذي يتواجد في الداخل: أحذرك هذا أول وأخر إنذار لك، اخرج قبل ان اجعل منك مصفاة زيت هيا يا عزيزي.

فجأة سمعت صوتاً من الداخل يشبه صوت ربا وهي تقول: "يا ويلي سيقتلني و بالحمام ايضاً"

تراجعت خطوة للخلف وتنهدت بارتياح بعد أن علمت من بالداخل وقلت في نفسي "إنها تلك الفتاة الغريبة الأطوار، ولا أحد غيرها، من الذي سيختبئ في الحمام غير غريبة الأطوار تلك"

طرقت الباب وناديت عليها قائلا بغضب: ما الذي تخالين نفسك تفعلينه يا فتاة! لماذا لم تردي على سؤالي عندما ناديت أول مرة ها؟

لم اسمع منها جواباً أيضا، فمسحت وجهي وانا اشعر بالضجر من حركاتها الغريبة وتصرفاتها الأشد غرابة.

فقمت بالنداء مجدداً عليها: هااي انت، أنا اعلم أنك بالداخل ايتها القصيرة اخرجي اخرجي، لا داعي للإختباء أكثر بعد الأن.

فردت هي بنبرة حادة قائلة: ماذا تريد مني أيها الوقح؟ ألم تعلم أن هناك شيئاً أسمه خصوصية مثلا!

تفاجئت بكلامها رافعاً حاجباي واجبتها باستنكار: هذا منزلي إن كنت نسيتي ذلك، هل علي أن أذكرك أم ماذا؟

فردت هي من خلف الباب: انتظر حتى اخرج ايها الحقير الوقح، ثم تكلم معي، ألا ترى أنني في الحمام!


قاطعت كلامها وناديتها قائلاً: ولماذا لم تقولي أنك تريدين الاستحمام مثلا؟ هل تخافين أن افترسك! على كل حال انتظري انت ولا تخرجي انا سوف أحضر لك بعض الملابس الجديدة لا تخرجي حتى أعود.

خرجت من المنزل من فوري وتلفت من حولي فوقعت عيني على أحد الابنية ظاهر عليه انه بحال جيدة لم يتعرض للحرق او للسلب توجهت إلى البناء وضربت الباب بقدمي ليخلع بسهولة فاتحاً امامي الطريق.

دخلت إلى الشقة افتش بداخلها عن ما يمكن لها أن تلبسه ربا بدلا من ثيابها المهترئة تلك.

بحثت في إحدى الخزانات لاتعثر بخزانة نسائية مملوئة بالثياب من كل الاشكال والالوان تماماً كما كنت أريد.

فكما يعلم الجميع هنا لا نساء في المدينة أو هذا ما كنت انا اظنه قبل عدة أيام من الآن، ويبدو أن ظني هذا سكون خاطئاً مع مرور الأيام.


فتحت ذراعي على اتساعهما وقمت بحمل كل ما استطيع بين ذراعي فوسعت الخزانة كلها ولم أبقي بها شيئاً.

عدت إلى المنزل اقهقه من فرحتي مسرعاً بخطواتي، دخلت الشقة وانا اصرخ وانادي خشية أن تكون خرجت من الحمام: ربا! أنا عدت، أين أنت!.

تقدمت إلى غرفة المعيشة وانا لا اكاد ارى امامي من كثرة ما حملت من الثياب فأحسست أنني ارتطمت بشيء صغير نسبياً مقارنة مع حجمي ثم سمعت صوت السقطة على الأرض.

انفتلت لأرى ماذا يوجد أمامي وإذا بي أراها واقعة على الأرض تحك رأسها و هي عابسة الوجه.

كان منظرها مضحكا جداً وهي تجلس بتلك الطريقة مبللة أشبه بقطة صغيرة مبللة.


نظرت إليها عن كثب احاول كتم ضحكاتي وقلت لها: اسف يا قصيرة اعتذر عن هذا لم اكن استطيع اراكي من كومة الملابس هذه.

ردت عليَّ بحنق ونكد: لماذا لا تنظر امامك؟ هل أنت معتاد على أن تضرب الناس وتتنمر عليهم أيضا؟

نهضت هي ووقفت امامي ثم قالت وهي تضع يديها على خصرها: من اخبرك ان اسمي قصيرة ها!

ومن ثم أردفت قائلة بانزعاج: أيها الشاب الطويل ثم من طلب منك ان تحضر لي شيئاً؟ أنا لا أحتاج إلى أي شيء منك، ثم من أين سرقت هذه الثياب! لابد وأن لها أصحاب يملكونها.

نظرت إليها و هي واقفة أمامي فلم استطع ان اكتم ضحكاتي، بل انفجرت بالضحك حتى افلت كل ما بين يداي من ملابس وكدت اقع ارضاً.

وهي لا تزال واقفة امامي مستغربة من ضحكي ذاك، عقدت جبينها ووضعت يديها على خصرها وقالت: لماذا تضحك هكذا ها؟ ما الذي يضحكك إلى هذا الحد؟

مسحت دمعة عيني واخذت نفساً عميقاً بعد أن كاد قلبي يتوقف من شدة الضحك وقلت لها: انت؛ اجل انت ما جعلني اضحك هكذا لماذا أنت منزعجة بهذا الشكل.

فارتسمت على وجهها تعابير السخط والانزعاج واردفت قائلة بعد أن كورت شفتيها و مدتهما إلى الامام: انا لا اسمح لك ان تضحك هكذا ثم ما المضحك فيّ أنا لا أفهم!

انحنيت لكي اجمع الملابس عن الارض وقلت لها بدون أن أنظر إليها: لا شيء لا شيء، لا تشغلي بالك.

اعادت التكلم بتلك النبرة الطفولية عاقدة يديها على صدرها و قالت: لن ادعك حتى تخبرني ما المضحك في امري ثم لا تتكلم معي بهذه النبرة المتجاهلة إنها توترني وتعبث باعصابي أكثر.

اكملت جمع الملابس وقلت لها: بصراحة مظهرك مضحك وانتي ترتدين هذا الزي العربي ما يسمونه بالكلابية او الثوب لا ادري أياً كان اسمه.

_في الحقيقة هو جميل ويليق بك ولكنه طويل عليك وواسع جداً أيضاً.

شهقت هي بانزعاج وقالت: هكذا إذا تضحك على شكلي يا لك من سفيه مغفل، ثم وما ادراك انت بالموضة ايها المتخلف!

قاطعتها قبل أن تكمل وقلت لها: تكملين غداً هيا مدي يديكي الأن خذي هذه الملابس.

فرفضت ذلك وهزت برأسها لليمين والشمال مشيرة بالرفض وقالت: أنا لست لصة مثلك، لن ألبس ثياب أحد غريب دون أذنه.

اعدت عليها الأمر: مدي يديكي يا فتاة.


يتبع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي