الفصل الخامس عشر

كان أخي يعمل ضابطاً في الجيش ويشغل منصب قائد قطاع على إحدى الجبهات المشتعلة لكنه كان يغيب عن المنزل اشهراً عدة ومن ثم يأتي لزيارتنا لبضعة أيام.

في تلك الفترة صادف أنه قد غاب فترة طويلة عنا ومع الأسف فهو لم يعد إلينا بل فقط اتانا خبر انه قتل على إحدى الجبهات واستشهد وهو يدافع عن الوطن.


نعود لصلب الموضوع، حضر الضيوف والعريس المبجل بمقدمتهم وجلسنا لبعض الوقت.

أغاظني ذلك كثيرا ولكنني لم أستطع أن أكتم غيضي، صحيح أني كتمت ألمي ووجعي برؤية شاب يلمس يدي متبسماً بكل بلاهة وسخف وهو يراني عابسة الوجه متجهمة الملامح.

حاولت إهانته بشتى الطرق وهو ينظر لي بكل حب وبراءة حاولت وحاولت أن اجعله ينفر مني إلا انه لم يفعل فضقت ذرعاً به فنهضت من مكاني فجأة واضعة يدي على فمي واسرعت نحو الحمام لتلحق بي امي وتصرخ "ربا ما بك ربا"

تظاهرت بالاعياء وقلت لها انني اشعر بالدوار ولا طاقة لي بإكمال الحفلة فعادت امي لتطمئن الحضور عني ولتنتهي السهرة بتلك الحادثة.

إنصرفت لغرفتي بعدها وأنا أمشي وأتمايل هكذا وهكذا وجسدي منهك ومتثاقل، تبقت خطوات قليلة وأصل، ثلاثون خطوة، عشرون.

إنها عشرة الأن، أحسست أن كل خطوة بميل أصابني وهن وتعب في جسدي كاملا، وصلت أخيرا، دخلت لغرفتي وجلست اريح رأسي قبل جسدي المتعب.

و سأختصر عليك يا عزام باقي مشاهد حياتي الكئيبة من شجار مع الأهل ومحاولات لفسخ الخطوبة عن طريق المحاكم ولكن لا فائدة.

إلا أنني بدأت الاحظ ان خطيبي بدأت تتغير معاملته معي.

فمنذ أن تمت خطبتي وأنا أرى نظرات الإشمئزاز منه، رغم كل الملابس الفاخرة والمجوهرات التي قدمها في ذلك اليوم إلا أنني أحسست أن هناك شيء خاطئ.

وكأنه كان مرغماً على الزواج مني، ووالدته كانت سعيدة بي جدا.

كانت تخبرني أنني ابنتها التي لم تنجبها وان احتجت أي شيء ستقدمه لي على طبق من ذهب.

كنت اتظاهر بأن كلامها يسعدني كثيرا لكنه لم يكن يخفي حقيقة أن ابنها لم يكن يريد هذا الزواج، وتأكدت ليلة دخلتنا انه لا يريدني.

فبعد أنتهى حفل الزفاف وعاد كل شخص إلى منزله ذهبنا إلى منزلنا بحكم العادة، وجلسنا لبعض الوقت دون أن يتكلم أحد منا بشيء.

ولكن وبعد طول انتظار فاجأني بكلامه حين قال لي بالحرف الواحد:

" أسمعي كلامي هذا جيدا، أنا لا أراك كزوجة وأشعر بالقرف منك، وبالمناسبة لا يوجد شيء جميل بك يا فتاة"

" يا خسارة هذا الثوب فيكي فهو يحتاج لفتاة رشيقة ناعملة وليس لجسم أشبه بالبرميل لا يعرف وجهه من قفاه، فهو لا يليق بجسم ممتلئ كهذا وبشرتك المتعبة المبقعة هذه كأنها لم ترى الشمس يوماً، وتحمل ألف ألف هم من هموم الدنيا.


"وحتى لا أطيل عليك فأنا لن أقترب منك ولو تطلب ذلك موتي او موتك لا أبالي، لن ألمس هذا الجسد المتمثل أمامي مهما كان"


"زواجنا هذا سيستمر لمدة سنة واحدة فقط وبعدها سأطلقك وتذهبين في حال سبيلك ولا أريد أن أراك بعدها"

"وخلال هذه الفترة أنا أعدك يا ابنة المال لن ينقصك شيء ولن تعودي لوالدتك او والدك الأمين مذلولة أو مهانة إن التزمت الصمت ولكن عليك أن تعلمي أن لا كلام ولا لمس ولا مشاعر سخيفة"


ربا: وهذا ما أخبرني به ليلة زفافنا فجأة وبدون سابق إنذار أو حتى توقع مني لذلك.

"انا لم اكن احبه ولا اطيق ان يقترب مني في الأساس كنت اكره أنفاسه حتى، لكن كلماته كانت جارحة تشبه تماماً كلمات ذلك الغادر أيمن"

وبمجرد ان خطر ببالي ذكر أيمن اشتعل جسمي ناراً حارة ولهيباً ووقفت منتفضة وقلت له: اسمع انا ايضا لا اريدك ويجب ان تعلم ان ابي قد غصبني على الزواج بك، وما كنت لأوافق على الزواج منك حتى لو كنت أخر رجل على هذا الكوكب، هل تفهم!

" وعلى الرغم مما تدعيه فقد بقيت أنت كل تلك الفترة ترى معاملتي لك ونظرات الكره في عيني ومع ذلك بقيت انت جالسا على صدري تكتم نفسي ولم تتحرك رجولتك لتبعدك أو توقف هذه المهزلة"

"فيا لك من رجل شهم ولكن اريد ان اعلم لماذا انت بقيت مصراً على البقاء معي رغم انك لا تريدني وانا لا اريدك على حد ما تدعيه، ولا تقلق فأنا رأيت علامات الكره والاشمئزاز في عينك بعد حفل الخطوبة بأيام قليلة"


نهض فجأة عن الفراش وابتعد عني ونظر في عيني نظرة اخافتني بل وملأت قلبي رعباً وقال وهو يفك أزرار قميصه: احقاً تظنين انني لا اعلم بعلاقتك مع أيمن!

سمعته يقول تلك الكلمات وكدت يغمى عليّ تسارعت نبضات قلبي وبدأ يخفق بشدة وتلعثمت فلم يخرج من فمي اي حرف.

عاد واقترب مني ووضع يده على خدي يمررها ببطء وخسة قائلاً: ترى كم قبل أيمن هذا الخد من قبل!

فارتجف جسمي و زاد توتري و قلت له: كيف؟ كيف عرفت بأمر أيمن!

فأجابني بكل برودة أعصاب قائلا: و هل تظنيني كوالدك المعتوه!

"لن اكذب واقول انني غضبت عندما سمعته يشتم والدي بل لم احس بأنه يشتمه أصلا"

عاد وأكمل كلامه: لم اكن اعلم بعلاقتك به ولكن كنت استغرب من تصرفاتك واعذرك لأنني كنت احمقاً لقد احببتك.

"نعم احببت الفتاة الخطأ لقد اخبرني احدهم بقصتك انت وأيمن ومنذ أن علمت سقطت من عيني ولكن كان قد فات الأوان واتفقت انا ووالدك"

ختم كلامه قائلا: والآن أريد أن أسألك سؤالا: متى ستلتقين بأيمن؟ أخبريني يا زوجتي العزيزة!

فأردت أن أرد له الصاع صاعين ولم أعطه جوابا يومها، دخلت الحمام مباشرة وأطلقت العنان لدموعي، لم أرد أن أبكي أمامه واتركه يرى ضعفي وانكساري ولكن علمت سوف أعالج نفسي من هذا الكابوس.

لم أنم طوال الليل، وكيف لي ان افعل بعد أن علم بماضيّ مع أيمن وبدأ يستفزني وبعد ان أقدم بما يسمى زوجي على جرح أنوثتي.

تمنيت فقط لو كانت لي أم حتى تجبر بخاطري بكلماتها أو اب بالقرب مني أعود له حتى أرتمي بأحضانه.

بعد خروجنا من الفندق توجهنا مباشرة إلى المنزل الذي سنعيش فيه وهناك كانت تنتظرني أسوأ أيام حياتي.

أمسكني من اليد التي توجعني لم يكن يعرف معاناتي مع أيمن وبعد أن عرف بدأ يبتزني بكل لحظة بكل فرصة يصر على أن يهينني.


وصلنا إلى المنزل وكانت اول مصيبة تدق برأسي، رأيت فتاة تتمشى بأرجاء المنزل وكانت ترتدي ثوباً قصيراً لا يكاد يصل إلى الركبة.

نظرت له مندهشة لما رأيت وقلت له من هذه!

فأجابني بكل وقاحة و ثقة بالنفس "عشيقة" كانت هذه الفتاة تحمل هذه الصفة الغريبة لرجل متزوج قبل عدة أيام.

وعلمت بعد ذلك أنه كان على علاقة كاملة محرمة معها وبنفس الوقت كان يستشرف علي ويبتزني.

وأما عشيقته كانت تتصرف في البيت بأريحية و كأنها سيدته وهي الزوجة الحقيقية بينما كانت انا من يفترض أن تقوم بذلك الدور معها، لم يتوقف هنا بل جعلني أعمل كخادمة أغسل ملابسهما أنظف البيت واطبخ.

لم أكن أملك القوة للدفاع عن نفسي، فلا مكان لي لأذهب إليه واحتمي به فأنا فتاة مكروهة من أهلها منبوذة في المجتمع والتي لم تكمل تعليمها حتى وتحتاج لمن يعيلها في كل ساعة.

بقيت على هذا الحال إلى أن أتى اليوم الذي غير مجرى كل شيء.

توقفت ربا عن الحديث عند هذا الحد.

قاطع حديثي انا وربا صوت الباب يقرع ففزعت من مكانها ترتجف خائفة وارادت التحرك فأمسكتها من طرف ردائها ومنعتها من التحرك وظننت انه صاحبي مالك قد حضر.

اشرت لها أن تختبئ بالداخل ريثما يذهب هو من هنا.

دخلت ربا واختبأت في الداخل وصرخت انا على مالك.

فسمع صوتي ولبا النداء فدخل يتلفت حوله ينادي: علبد يا عزام اين انت!

فناديت عليه ليدخل إلي في الغرفة.

اتبع اتجاه صوتي ودخل إلي فوجد أمامه جثتين و الدم يثعب منهما اكمل طريقه.

والتفت لليسار فرآني متمدداً على الفراش والضماد يلف رأسي وقدمي فهرع نحوي يسأل عن حالي: عزام ماذا بك يا رجل ما الذي حدث لك!

فأشرت له بيدي ان توقف مكانك فتوقف ولم يتقدم اكثر و قلت له وأنا أمازحه: أخرج هذين من هنا والقي بهما في أحد الابنية و من ثم تعال لنكمل.

فضحك مالك وقهقه وقال: كما تريد انتظرني دقيقة.

انحنى وامسك بأحدهما من قدميه و اخذ يشده نحو الخارج.

"مالك شاب في العشرين من عمره لاعب كمال اجسام و طبيب جراح مخضرم لكن من دون شهادات تعلم كل شيء في المشافي الميدانية"

"اسمر البشرة اصلع الرأس ذو لحية كثيفة و مظهر مهيب يدب الخوف في قلب من يقف أمامه من اول لحظة و لكنه رغم كل ذلك هو صديقي من ايام الدراسة وذو قلب رقيق ايضاً"

انهى مالك سحب الشابين وعاد إلي قائلاً: من هؤلاء؟ ولماذا هم لا يزالون ملقون على الأرض هكذا؟

فأجبته وأنا أحاول تحريك رقبتي وثني عضلاتي المتحجرة: تعال اجلس واكشف على عيني وسأخبرك بكل شيء.

بدأ يجري فحوصاته الطبية ريثما احكي له عن بعض ما جرى كاتماً أمر الفتاة تماماً.

فك مالك الضمادات وقام بقطب بعض الجروح ورتب كامل الأمر حتى وصل إلى عيني امسك الرقعة ونزعها عن عيني وقال: ما الذي حدث لعينك يا عزام؟

فأجبته والألم بدأ يعود إلي: لا أدري لقد لكمني أحدهم عليها.

مالك: ليست هذه اعراض لكمة عادية يبدو أن اليد التي لكمتك كانت ملوثة.

عينك بحالة سيئة وقد جرح البؤبؤ من الداخل
انظر لازالت تقطر دماً حتى اللحظة.

عاد وامسك تلك الرقعة بيده متعجباً وقال: من الذي صنع هذه لك يا عزام؟

فأجبته على الفور انني وجدتها في المنزل مرمية في احد الادراج.

مالك: اشك بأنك فعلا قد داويت جرحك لوحدك لابد ان هناك من ساعدك.

حاولت تغيير الحوار قليلا وجره نحو منحنى آخر.


يتبع.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي