الفصل الواحد والثلاثون

لم يخطر ببالها ان تنظر إلى اسفل الغطاء لتتحقق
فحاولتُ ان اهدء من روعها خوفاً عليها ونهضت مسرعاً وكشفت الغطاء.

فخافت واغمضت عينيها ثم فتحت اصبعين فقط ونظرت لترى قدمي فكانت كما هي.

تفاجئت وفتحت عينيها الاثنتين وتأملت جيداً فلم تجد شيئاً قد قطع ونظرت إلى وجهي فرأت البسمة الماكرة مرسومة عليه فوقفت غاضبة.

ووضعت يديها على خصرها وجمعت شفتيها وقالت بكل حنق: كاد قلبي يتوقف خوفاً عليك وأنت بالك مشغول في المزاح والتهريج يا لك من مزعج وثقيل الظل ايضا يا عزام!

ضحكت انا وعدلت جلستي فكانت ربا لا تزال جالسةً على طرف الفراش فدفعتها بقدمي واوقعتها على الأرض فضحكت ربا ونهضت وقالت: هكذا إذا لقد اخطأت حين ابقيت لك عينك الاخرى، وبدأت تضربني بما تجده أمامها من وسائد.

وبدأت ضحكاتنا تتعالى والمرح يسود المكان
ثم هدأنا وقالت لي: اخبرني ماذا فعل هذا الرجل ومن هو!

فقلت لها:انه مالك صديقي و قد اتى ليتفقد حالي فقط، ويقول انه اخبرني بقدومه لكنني لا اذكر ذلك.

ربا: وماذا قال لك؟

_لا شيء فقط قام ببعض الأشياء وذهب.

ربا: اذا خذ قسطاً من الراحة يبدو عليك الارهاق.

قلها قبل أن تذهب: انتظري انت لماذا اتيت تتجسسين علي؟

ربا: لا لسبب ولكن خشيت ان يحدث لك مكروه ما فأنت لم تخبرني بمن اتى، وقد كنت خائفا عندما طرق الباب فأردت ان اطمئن عليك.

فقلت لها وقد ارتفع حاجبي: خائف؟ من قال انني كنت خائفاً؟ لقد_ لقد كنت حذرا فقط

نظرت ربا إلي بخبث وقالت: اجل اجل حذر نعم، والآن اخلد إلى النوم ايها الحذر سأكمل التنظيف لوحدي.

فقلت لها: بالمناسبة كاد امرنا يكشف بسبب التنظيف وكاد مالك يحس بوجودك.

ربا: وماذا في الامر اليس صديقك وهو شخص طيب!

_بلا ولكن لا ادري لم ارد ان يعلم بوجودك فقط.

ربا: لا تقلق لن يفعل والان هيا خذ قسطا من الراحة.

أمسكت ببطانيتي وأنا أقول: اتمنى ذلك وانت تصرفي كما تشائين.

ثم استلقيت لأنام قليلا وذهبت ربا تنظف ما تبقى من المنزل.

كل ذلك يحدث وكان مالك خلف النافذة يراقب من احد الزوايا متخفياً ما يدور في منزلي وانتظر حتى تعرف على الفتاة جيداً وحفظ شكلها ثم ابتعد عن المنزل منسحباً دون أن يشعر أحد بوجوده.

مضى مالك عائدا لمنزله و لا يشغل باله إلا ما رآه من امر عجيب، وبعد نصف ساعة من المشي وصل مالك الى منزله وهو يفكر بتلك الفتاة التي رأها في البيت، يحدث نفسه.

"لم اعهد على عزام أفعال كهذه، هو الشخص الوحيد الذي لا اتخيل ان يدخل فتاة الى بيته؟ من تكون تلك الفتاة؟ ومن اين اتت؟ ترى ما الذي يجري هل نسيت عزام الشروط التي وافق عليها عندما بدأ مهتمه؟!

حتى انني كدت انسى بأن هناك فتيات على هذا الكوكب لكن هذه الفتاة ذكرتني، يجب ان اعلم ما يفعله عزام لا استطيع ان ابقى هكذا متحيراً"

من جانب آخر ابتسم مالك ابتسامة خبيثة وقال بصوت مرتفع: يا له من محظوظ، تلك الفتاة تمتلك من الجمال الكثير ويبدو انها مرحة ايضا_


نهضت من أمامي ومشت فسألتها: إلى اين انت ذاهبة!

نظرت إلى ولم تجب، واتجهت نحو المطبخ، و في نفسها شعور بالذنب، بسبب ما حل على رأسي منذ أن دخلت بيتي، وانا اعاني من الآلام والإصابات.

كانت تفتح الدروج باحثة عن شي تحضر منه طعاما لنا وهي تعلم انني لست جائعا ، ولم اطلب منها الطعام لكنها تريد أن تخفف من ثقل الذنب الذي عشش في قلبها وتنسينا بعض المشاكل بتغيير نمط الحياة قليلا لا أكثر.

واخيرا وجدت كيسا في احدى الزوايا بداخله عدس ووجدت بعض الخضار التي كنت قد أحضرتها قبل يومين.

بدأت بصنع الشوربة، و لم تجد شي اخر لتطهوه معها ، و انا لا ازال جالسا في الغرفة مددا قدماي أدخن سيجارتي التي تجعلني أنسى بعضاً من الألم والهم ايضا واستمع لطرق الاطباق في المطبخ.

"لم أتعود على سمع صوت ليس انا مصدره في هذا المنزل الكئيب فقد اعتادت أذناي على هذا وعلى العيش وحيداً.

يعود الى رأسي ذلك المشهد و كيف اوقعتها فأضحك بدون أن أشعر و أحدق بالسقف لأفكر "كيف تشجعت و مازحتها على الرغم من أنها ليست من النوع الذي يقبل المزاح من ايّ كان"

ثم خطر في بالي عندما قيدته على الكرسي وفعلت بي ما فعلت و بهذا تغيب عني تلك الابتسامة و ينعقد حاجبي و تبدء نفسي تحدثني "أليس كان الأولى أن تدافع عن نفسك لترد هيبتك امامها بدل أن تعفو عنها و تجعلها لا تشعر بهيبة تجاهك!

سرحت في ذكرياتي كثيراً ومضى الوقت بدون ان يشعر ، وأما ما قطع شريط افكاري فقد كان صوت الطبق الذي وضعته ربا على الطاولة أمامي.

والحزن واضح على وجهها، شعورها بالذنب يفوق قدرتها على الإخفاء والتظاهر بالطبيعية.

نظرت إليها، لم انطق بكلمة بل كنت أتأمل عيناها الغارقتين بالدموع، بعد صمت دام دقائق سألتها: هل ستتكلمين أم أن لسانك تناولته تلك القطة!

بتلك الكلمة فرت الدموع من عيني ربا، وكأنهم تحرروا من سجن حبسوا فيه طويا، خفت فلم اكن اعلم ما يدور في رأس تلك الفتاة المتخبطة في مشاعرها.

جلست بجانبي ممسكة بالطبق الذي اعدته لي، وهي تقول: تناول هذه ستفيدك بالتأكيد_

رددت على ما قالته: سأتناولها لكن بعد ان تخبريني ما سبب هذه الدموع المفاجئة؟!

مسحت وجهها، وهي تخفي دموعها التي سالت على وجنتيها الحمراوين، قالت لي: لقد اتخذت القرار_

ضحكت مستهزءاً بما تقوله: وعن أي قرار تتكلمين! بل ومن متى تأخذين قراراتك أنت لوحدك!

حدقت بي بطريقة واضحة فهمت منها انها تتكلم بجدية ولا وقت لإطلاق النكات والمزاح.

صمت لتكمل حديثها فقالت: انا ادرك تماما ان وجودي هنا يعرضك للمزيد من المصائب والاذى، وأنت شخص شهم، لا تستحق ما نلته مني حتى الان، لذا ان سأغادر البيت، بعد ان اطمئن عليك وبعد أن اتأكد من جراحك شفيت تماما..

_ومن الذي طلب منك ان تقرري هذا؟

ربا: لست معتادة ان اكون ضيفةً ثقيلة على قلب احد.

_اممم اسمعي انت لازلت تظنيني من أولئك الذين يخططون لألف عام قادمة.

نظرت ربا بطريقة غريبة وكأنها لم تفهم حرفاً واحداً حتى.

فقلت لها: اسمعي انا هنا لأداء مهمة خطيرة نسبة نجاحها ضئيلة ونسبة موتي هي تماماً كنسبة اللذة بطعامك هذا لذلك لا تفكري بأشياء غريبة كهذه.

هذا لا يعني انني لن أعيدك أو أنني سأحتجزك ولكن ايضا لن اسمح لك بالخروج من هنا على هواك ومزاجك المتقلب الغريب هذا.

ربا: لست صغيرة يا عزام اعلم ماذا عليّ فعله تماماً
_انتظري لحظة.

قمت من مكاني وامسكت ازرار قميصي وفككتها و خلعته بسرعة ورميته على الارض

شعرت حنى بالخجل عندما رأتني افعل ذلك وادارت وجهها وقالت: ارتد ثيابك يا عزام و ارجو ان لا تعيد امراً كهذا من فضلك.

فقلت لها: لحظة أنت لم تستوعبي مرادي اصلا.

ادرت ظهري لها وقلت انظري لظهري للحظة فقط على الاقل
فاستجابت ربا لما قلته لها و نظرت، فرأت تلك الندوب والكدمات وآثار الجروح على ظهري الكثيرة جداً.

فقلت لها: هل رأيتِ!

لم تجب ربا بكلام ابدا واكتفت بكلمة واحدة "اممم"

فقلت لها: هذا جميل اذاً.

تناولت القميص وعدت لعقد ازراره و اغلاقها وقلت: والان اظنك فهمت قصدي من خلع القميص، اسمعي يا فتاة انا امضيت ربحاً وفيراً من الزمان في السجن وما لا يقل عن أربع سنوات في الجبهات.

فليست اول مرة أتعرض للخطر ولن تكون اخر مرة ايضا
فإياك أن تشعريني أنني الطفل الذي عاش بحضن والديه فأنا لم اعرف معنى ان يكون لي اب وفقدت امي في اجمل فترات عمري وتحول من ربيع الشباب لخريف الكهولة.

ربا: لا شأن لي بذلك يا عزام عندما تعود ريم سوف ارحل انا وهي ولن نبقى هنا اكثر.

_كما تريدين إذا احضري اختك لكي ترحلي من هنا عندما تشائين.

ربا: انا من عائلة محافظة ولو علم والدي بأنني أسكن مع شاب واشاطره المنزل لوحدنا فقط والمصيبة انني لا ازال على ذمة ذلك الرجل فلن تكون ردة فعل والدي حين إذٍ اقل من ان يوسعني ضرباً او ربما سيقتلني.

ربا: حسناً انا ذاهبة لغرفتي سأحاول ان اتصل بريم او اي شخص كي ننهي هذا الموضوع الجنوني.

_اسمعي لقد احضرت لك درعاً واقياً و مسدساً صغيراً هل تعلمين كيف تستخدميه.

ربا: لا ليس لدي خبرة باستعمال الاسلحة ولكن يجب ان اخذ ذلك المسدس فهو لي ومن حقي.

فقلت متعجبا: من حقك! و لم ذلك!

ربا : قلت لك هذا المسدس المحفور على قبضته حرف الجيم هو مسدس اخي المتوفى.

_هل تظنين ان لا يوجد مسدس كهذا سوى اخوك المتوفى!

ربا : لا انا لا اظن هذا ولكن الطريقة التي حفرت بها اول حرف من اسمي لا أحد سيخطر على باله ان ينقش مثلها سوى اخي سعد.

_حسنا لنفرض ان المسدس لأخوكِ، هل تعرفين كيف تستعملينه؟

ربا: اعرف قليلا قد كان اخي يعلمني لكنني لا اعرف كيف أصوب مع الاسف.

_واضح انك لا تعرفين التصويب جيداً قد أخطأت هدفك مرتين، انا وذلك الرجل، ولكن عندي لك عرض صغير سأعلمك التصويب ريثما نتمكن من إيجاد ريم وبعدها يمكنك الذهاب.

ربا: حسنا سأكون شاكرة لك ولكن ما رأيك أن تحتسي الشوربة فقد بردت.

_سأفعل ولكن بعد ان تحضري ملعقة لك أو سأتركها للقطة.

ربا : لا تفعل ارجوك لقد أمضيت نصف ساعة بطهيها من اجلك.

_احضري ملعقة هيا اذاً.

ربا: كما تريد ايها العنيد.

ذهبت ربا إلى المطبخ واحضرت ملعقتها وعادت والقطة تمشي خلفها تتسلل بين اقدامها.

نظرت ربا إلى القطة وقالت: انظر إليها ما الطفها يبدو انها جائعة.

_اجل يبدو ذلك عليها، تعالي اجلسي بجانبي.


جلسنا نتناول الطعام ففكرت قليلاً ثم نظرت لربا فرأيتها تأكل بتمهل وروية و بالكاد فمها الصغير يتسع للملعقة التي لم تضع فيها أكثر من بضع قطرات من الشوربة.

_ربا ما رأيك غداً أن نذهب للبحث عن ريم في المكان الذي افترقتما فيه؟

ربا: لا بأس ولكن_

_كفي عن قول لكن، غدا سنبدأ التحري عن مكانها وساصطحبك لمكان فارغ للتدريب على استعمال السلاح اتفقنا؟

ربا: اتفقنا.

_حسنا ستجدين ملابسي في الغرفة المجاورة لغرفتك انتقي ما تشائين منها سيكون علينا أن نخفيك عن الناس جيداً كي لا نتعرض للمتاعب.

انتهت الشوربة بعد ذلك الحوار ونهضت ربا فناولتها الطبق لتأخذه معها ولمست يدي يدها خطأً فاحمرت وجنتيها وارتبكت كثيراً ولم تدري ما تصنع فخفضت رأسها واسرعت نحو المطبخ.

فناديتها وهي ذاهبة: ربا احضري بطانيتك و نامي هنا هذه الليلة ستكون ليلة مثلجة بامتياز و باردة جداً.

ربا: ها وكيف عرفت ذلك؟

_الامر بسيط أولاً الندى يملأ زجاج النوافذ وثانياً السماء ممتلئة بالنجوم وهذا يدل على أن الليلة ستكون تقريبا درجة الحرارة متجمدة.

ربا: جميل لديك معلومات غريبة ولكن هذا لن يجعلني انام هنا فليس من عادتي فعل هذا.

_إذا سأنام انا بالداخل وانت هنا وهذا قرار نهائي.

ربا: حسنا انتظر انتظر سأحل الموضوع انا.

ذهبت ربا للداخل وعادت محضرة معها قماشة كبيرة بيضاء جعلتها كالجدار الفاصل وقمست الغرفة لقسمين بيني وبينها واشعلت المدفأة واستلقت بفراشها وعم الهدوء في المكان.

فقلت لها بصوت هادئ: ربا!

فردت ربا عليّ: نعم يا عزام؟

_هل انت مستعدة لظرف يجعلك تصبحين ارملة؟
سكتت ربا و لم تجبني على سؤالي.

فأعدت كلامي بصيغة اخرى وقلت: ماذا لو مات زوجك هل ستعودين إلى أهلك؟

ربا: لا ادري يا عزام فلم يعد لي مكان أذهب إليه ولا من يساعدني على العيش فلا اظن اهلي سيستقبلوني بعد هروبي من منزل زوجي.

قلت مواسياً إياها: لا اظنهم يعلمون ما كان يفعله همام بك لو علموا لجعلوكي تنفصلين عنه منذ فترة طويلة.

ربا: احس ان هناك دافعاً خفيا يجعل ابي يصر على بقائي مع همام رغم كل ما رأوا من همجيته ووحشيته.

إنه فعلا وحش ولا يملك من بشريته سوى جلده البشري الذي يتخفى به فقط ويجعله ادمياً يسير بين البشر.

_هذا ما اظنه انا ايضا لابد من شيء أجبرهم على القبول بهمام.

ربا: مهما كان هذا السبب فهو لن يكون مسوغاً ابدا لإرغامي على الزواج من رجل لا اريده ولا يريدني.

ربا: ولكن ماذا تقصد بأنني سأصبح ارملة؟

_انا هنا لقتل همام وتبديد حكمه الطاغي على الناس
ربا: أحقا تتكلم يا عزام؟!

_وهل هناك مزاح في أمور كهذه!

ربا: لا اظن ولكن لماذا تريد قتله؟

_بكل بساطة لكي يعود الناس إلى بيوتهم التي هجرهم منها وتعود الامور إلى سابق عهدها

يتبع.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي