الفصل الثامن عشر

وأخيراً مضت تلك الليلة ببطئ شديد وثقل مقيت، قضاها كل واحد منا يفكر فيما هو قادم في المستقبل ويراجع في ما مضى من أيامه.

اما ربا فقد استيقظت منذ الصباح الباكر وقامت بتحضير بعض الاعشاب الطبية لكي تساعدني على الشفاء كما امر فراس ومن ثم حضرت طعام الفطور وأتت به إلى الغرفة.

أما انا فقد كنت جالسا أمام للمدفأة استمع لها وهي تحدثني عن أيامها الاولى لزواجها من ذلك الشاب المدلل في تلك الغترة كانت ريم قد بدأت تنتفض في وجه ذلك الزواج الجائر وتبدي اعتراضها عليه بشكل واضح.

أكملت ربا تحكي لي حكايتها وتقول:

مضى الأسبوع الأول من زواجنا والأمور تتحول من سيئ إلى أسوء ومع هذا لم يكن أحد يعلم بما يجري معي إطلاقاً، كنت على ضيق نفس من عائلتي وأشعر بأنهم خذلوني عندما قبلوا بتزويجي لهذا الرجل.

قررت أن أواجه كل شيء وحدي وعاهدت نفسي على أن لا اطلب المساعدة من أحد مهما كان السبب، وبالفعل بدأت الأمور تنحدر نحو الأسوء شيئاً فشيئاً.

بدأ الأمر عندما علما أن زوجي كان يذهب لينام مع عشيقته ويفضل ذلك على البقاء معي ولم اكن اعلم السبب حينها ثم تطور الأمر إلى أن أعفى الخدم من العمل داخل القصر وتركني اعمل فيه لوحدي فقط وأقوم بخدمته وخدمة عشيقته.

ثم تدرج الأمر إلى أن أصبحت هي المسؤولة عن المنزل وأنا مجرد خادمة تابعة لها وتملي علي كل ما تريد وأنا مجبرة على التنفيذ.

وحتى أنني جربت أن أرفض مرة واتشاجر معها مرة ولكن في نهاية المطاف كان المصير واحداً، ضرب مبرح من قبل زوجي واستهزاء بي وجعل عشيقته تفعل كل ما يحلوا لها والتهديد والوعيد إن عصيت لها أمراً.

أذكر أنه في مرة من المرات رن هاتفي وكنت مستلقية متعبة على الفراش فمددت يدي وتناولته، نظرت إليه وكان المتصل هو أختي ريم، كان الأمر غريبا وغير متوقع بالنسبة لي.

كانت تلك أول مرة تتصل بي ريم منذ أن تزوجت، فتحت الخط وأجبتها قائلة: أهلا ريم، كيف حالك؟

أجابتني قائلة: أنا بخير شكرا لك.

ريم: كنت في الجامعة وخرجت قبل قليل فقلت في نفسي لم لا نخرج أنا وأنت لنجلس في إحدى الكافتيريات؟

أجبتها ببعض الارتباك: إنه أمر جميل حقاً ولكن زوجي لا يرضى أن أخرج من دون أن أخذ إذنه.

استغربت ريم من كلامي وقالت محاولة تغيير المشروع: لا بأس، ذلك لإنه يخاف عليك، هل تريدين أن أتي إليك في المنزل؟

أجبتها وقد شعرت بسعادة غامرة: أجل بالطبع سوف أكون سعيدة بقدومك.

أغلقت الهاتف ووضعتها على صدري وأنا أنظر الأعلى، لقد كان شعورا جميلا أن يزورني أحد من عائلتي، لقد مضى وقت طويل على أخر مرة رأيت أحدهم فيها.

نسيت أن أخبرك أنهم لم يزوروني من أول يوم تزوجت فيه ولم يتصلوا بي حتى.

ولكن بعد لحظات ذهبت الفرحة وأتى الهم وقلت في نفسي "ترى هل سوف أتمكن من إدخالها بدون مشاكل!"

"وماذا ستكون ردة فعلها إن رأت تلك الفتاة الساقطة!"

بل ماذا عن وجهي ويدي وجسمي الذي أمتلئ بالكدمات والجروح!"

لم أجد حلا سوى الجلوس والدعاء بأن تمر هذه الزيارة على خير.

لم تمضي نصف ساعة سمعت صوت بوق سيارة يأتي من الخارج وكانت هي ريم أختي قد وصلت بالفعل.

كانت ريم قد قادت سيارتها الخاصة حتى وصلت إلى الموقع الذي أعطيتها إياه وقد وقفت أمام بوابة القصر الخارجية تنتظر أن يسمح لها الحرس بالدخول، كنت أراقب ما يجري من النافذة وما هي إلا لحظات حتى أتى الحارس مهرولا وقال: هناك فتاة تطلب الدخول وتقول أنها أختك، هل أسمح لها!

أمرته بالسماح لها فدخلت ونزلت أنا إلى الطابق السفلي انتظرها عند باب الشقة، وصلت ريم بوجها المشرق المتهلل الباسم وكنت أنا أنتظرها بوجهي الباسم حزناً الدامع شوقاً الشاحب كئابة وألما.

ما إن رأيتها حتى أسرعت أجري نحوها فاتحة ذراعاي واستقبلتني هي بحضنها وعانقتني بقوة وحرارة، أه كم كنت بحاجة لذلك العناق حينها.

أفلتها من حضني وأمسكتها من كتفيها وقلت لها بحزن وعيناي تدمعان: لقد أشتقت لك حقاً يا أختي.

مدت يدها تمسح بإبهامها الدموع عن خدي وهي تقول: لا تجعليني أبكي أنا الأخرى يا عزيزتي.

أمسكت بيدها وأدخلتها معي واتجهنا مباشرة نحو غرفة النوم الخاصة بي، هناك جلسنا وكان اول ما سألتني عنه عن لون وجهي الشاحب فقالت: مالي أراك شاحبة الوجه ومتعبة إلى هذا الحد.

لم أشأ أن اخبرها ولكنها سرعان ما رأت علامات الضرب والكدمات ولاحظت أن هناك شيئاً يحصل معي.

وبعد كثير من الالحاح من ريم أخبرتها بحقيقة ما يجري معي وكتمت عنها ما كان يتعلق بأمر أيمن لعلني أستر على نفسي ما تبقى من ما كان مخبئاً.

لم تطل زيارة ريم تلك يومها وشعرت بالغضب الشديد والندم البالغ بسبب ما يحصل مع، لم تنتظر حتى تجهز القهوة فنضت من مكانها غاضبة والدم يغلي في عروقها وقالت بغضب: أنا سوف أضع حدا لهذه المهزلة التي تحدث هنا.

لم تمد تصل إلى الباب حتى أتت ملك ووقفت بالباب وقفة غرور واستعلاء وقالت وهي تتمايل بنبرة مستهزئة: من هذه يا ربا؟

نظرت ريم إلي وقالت: من تكون هذه أيضا؟

أجبت بصوت خافت: إنها ملك صديقة زوجي تسكن معنا.

قهقهت ملك ساخرة وقالت: اسكن معكم؟ ومن أنتم يا عزيزتي؟

لم تتحمل ريم كلامها ولم يرق لها كل ما سمعته فذهبت إليها بسرعة ودفعتها خارج الباب وقالت صارخة: لا تتدخلين بين الأختين أيتها العفيفة!

أغلقت الباب في وجهها ثم التفتت إليّ وقالت: لم تخبريني أن لديه عشيقة أيضا!

نظرت إلى الأرض بحزن وقلت: إنها تسكن هنا من قبل أن آتي حتى، وصارت هي السيدة وأنا الخادمة أيضا.

كانت تلك القشة التي قسمت ظهر البعير بالنسبة لريم، لم تحتمل أن تستمع أكثر فحملت حقيبتها وقالت: رتبي أغراضك سأعود أنا وأبي كي نأخذك من هذه المهزلة.

خرجت من الغرفة ولحقت بها على عجل ولكن ريم مضت متجهة نحو سياراها أشعلت المحرك وانطلقت عائدة نحو المنزل.

رجعت إلى غرفتي وبينما أنا في الطريق اعترضت طريقي ملك، وجدتها تقف في وسط الصالة تضع يديها على خصرها وتطرق بكعب حذائها الطويل على الأرض.

نظرت إليها نظرة كره وقلت لها: كيف تسمحين لنفسك بالدخول علي وأنا مع أختي! ثم ما هذه الطريقة التي تكلمت بها مع أختي!

اقتربت مني وقالت وهي تبتسم ببلاهة وسخف: عزيزتي أنا هنا المسؤولة وانت لا شيء أنت مجرد خادمة وإن لم يعجبك الأمر فيمكننا أن نرى من المحقة عندما يأتي حبيبي في المساء.

علمت أنها تلمح إلى أنها سوف تشتكي له فتركتها وشأنها وذهبت إلى غرفتي وأنا أقول في نفسي: لن يطول الأمر حتى المساء، وسيأتي أبي لكي ينقذني منكم بعد قليل وسنرى من هي الرخيصة حينها.

أما ريم فكانت قد وصلت إلى البيت ولكسن الحظ كان أبي في المنزل حينها، طلبت منه ومن أمي أن يجلسا ويستمعا لما ستقوله.

جلس أبي وأمي وبدأت ريم تقص عليهما ما رأته وسمعته وبعد طويل شرح طلبت من أبي أن ينهي هذا الزواج لكي تنتهي هذه المأساة.

كانت ريم تتأمل كثيرا في والدي وأنه سيفعل ما سوف تشير عليه بحكم أنه لم يرفض لها طلبا من قبل أبداً، كانت أمي في ذلك اليوم مندهشة بما تسمع وربما كانت أقرب لعدم التصديق.

أما أبي فقد كان أمره غريبا وكأنه كان على علم بكل شيء ولكنه أخفى ذلك ثم لم يلق بالاً لما قالته ريم وكأنه لا شيء ومحظ ترهات.

ولكن ريم لم تستسلم وظلت تحاول إقناع والدي بالأمر وبعد كثير من الجدال الذي دار بين ريم وابي اشتد غضب ابي كثيراً فصفع ريم على وجهها غاضبا وأوقع ابي ريم على الأرض وخرج من المنزل غاضباً بعد الذي جرى.

ونهضت ريم تضع يدها على خدها وتكفكف دموعها ونظرت لأمي دون أن تتكلم بشيء تنظر لردة فعلها
فعلمت ان امي ايضا متفقة مع رأي والدي فذهبت مسرعة لغرفتها واقفلت الباب على نفسها.

عودة_

لذلك يا عزام حتى أنا نفسي لا زلت حتى هذه اللحظة لا أصدق أن ما جرى كان حقيقة وليس خيالاً.

كنت قد تأثرت كثيرا بما قالته ربا فقلت متسائلاً: أخبريني يا ربا الم تكوني على علم بالسبب الذي جعل والدك يقبل تزويجك لهذا الشخص السيء؟

ربا: في ذلك الوقت، لا لم يكن لدي علم وريم لم تكن تعلم بذلك، اذكر انها اتصلت بي يومها وأخبرتني بما جرى بينها و بين والدي وأنها في غرفتها والباب مقفل عليها من الداخل.

اتعلم يا عزام لقد حزنت لمصابها مع انها كانت اول صفعة تتلقاها في حياتها على عكسي أنا فقد بقيت اتلقى الصفعات طوال عمري ولم اجدها يوماً تسأل لماذا تم ضربي او ما السبب الذي اتلقى هذه المعاملة السيئة.

_اكملي اكملي يا ربا ماذا حدث بعد ذلك

ربا: حسنا أسمع إذاً.

بقيت أنتظر في ذلك اليوم عودة أبي وانقاذه لي حتى المساء، حتى أنني بقيت بلا طعام ولا شراب وأنتظر وكنت متيقنة تماماً من أنه سوف يأتي لا محالة.

ولك أن تتخيل كم كانت خيبتي عندما سمعت باب غرفتي يفتح وإذ بي أرى تلك الشمطاء وحبيبها الأرعن ممسكاً بحزامه الجلدي يقفان عند عتبة الباب وهي تشير ناحيتي وتقول: أرايت إنها تجهز نفسها للهرب.

ما جرى بعد ذلك لن أقوله لإن ذكره يؤلمني ولكن تخيل أن تضع وحشاً كاسراً في قفص وتضع أمامه فريسة مقيدة.

أذكر أنني استيقظت في صباح اليوم التالي وكنت في حالة يرثى لها، كان قد حطم كل عظمة من عظام جسدي ولم يوفر شبراً واحداً حتى.

يومها اتصلت بي ريم واخبرتني بكل شيء حصل معها وكانت تبكي كلما ذكرت أنها لم تستطع أن تقذني كما وعدت بكائاً شديداً، وسألتني عن حالي فأخبرتها أنني تعرضت للضرب والاهانة من زوجي امام ملك عشيقته.

أحسست أنها تشتعل غضباً وحنقاً مما يجري فاتفقت انا وهي ان نلتقي غداً خارج المنزل كي نخطط لأمر يجعلني أهرب من براثن ذلك الوحش الذي يسمي نفسه زوجي.

مضى ذلك اليوم وانا حابسة نفسي في غرفتي وحل الليل وانا انتظر اشراقة الشمس بفارغ الصبر وعلى أحر من الجمر.

ومع اشراقة الشمس الأولى نهضت من فراشي اجمع بعض لوازمي واغراضي مستعدة للخروج بمجرد أن يبتعد همام عن المنزل.

وبالفعل رأيته من النافذة يخرج ويركب سيارته فأسرعت احمل بعض الأشياء وخرجت مسرعة من المنزل فتفاجئت برجلين يقفان أمام باب الشقة.

كان كل واحد منهما بحجم الجدار الاسمنتي حاولت المرور من بينهما لكن احدهما منعني واستوقفني قائلاً: السيد همام اعطى اوامر بعدم السماح لأحد بالدخول أو الخروج.

حاولت أن أقنعهما بشتى الطرق فلم استطع وعدت للداخل افكر في طريقة للهرب من المنزل ولكن لا سبيل لذلك فالشقة محاطة بسور عالٍ ولا سبيل للخروج سوى من خلال الباب.




يتبع.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي