الفصل الثاني

صفقة مضمونة

فتح حسن باب المكتب، و دلف بأبنته إليهم في هدوء تام،

جلست هي بجانب أبيها الذي قرر ان يتباهى بها قليلاً ويعرفها لجميع الحضور ، واتجه هو ليجلس بجانب أخيه هامساً له.

-بت أتمه قوي بس حلوة قوي و واثقة من نفسها بطريقة تغيظك يا جدع.

ليوافقه صابر الرأي ساخراً.

-ما هو واضح من طريقة مدح أبوها فيها، دا من ساعة ما قعد،

وهو عمال يلاوع أبوك بالكلام و مش عايز يفتح كلام في المشروع قبل هي ما تدخل.

-معقولة رجل أعمال كبير و مشهور في كل الدول العربية الأجنبية، مش عارف ياخد قرار في مشروع زي ده من غير ما ياخد رأي بنته فيه.

-هنشوف دلوقتي مين فيهم صاحب القرار

أسند صابر رسغيه على المنضدة مستعداً لأنهاء وصلة الضحك اللزج هذه، وإجبار الجميع على التحدث في العمل ممسكاً بهذا الملف الموضوع أمامه.

-بما إن الأنسة تبقى مديرة أعمال ساعتك يا ريت تقولنا انطباعها، وإذا كانت كونت رأي عن المشروع بتاعنا.

من أول كلمة تحدث بها، علمت أنه جاد الطباع عكس أخيه الذي يبدو كتابع له، فقررت أن تشاكسه و تتلاعب معه بالكلمات.

-اكيد طبعاً كونت رأي لكن أظن إن رأيي مش هيعجب حد هنا.

رمق صابر أبيه بنظرة جانبية، ليرى في عينه إشارة بمعنى استمر في حديثك وجاريها في القول،

لكنه قرر بذلك بدء التقليل من شأنها بصفتها الأنثى الوحيدة الجالسة وسط الرجال.

-اياً كان رأيك أكيد يهمنا كلنا نعرفه،

ليكمل بسخرية.

-بس عالله مايكونش لون الرسم الهندسي هو اللي مش عجبك وعايزنا نغيره بلون المناكير اللي في ايديك مثلاً.

علت ضحكات جميع الرجال بالغرفة حتى أبيها ضحك معهم دون أن يفهم مقصد هذا اللئيم من مزحته معها،

و ظلت هي صامتة ثابتة تنظر في عينيه بتحفز إلى أن صمت الجميع.

فأنزلت عينيها من عليه وهمست في أذن أبيها ببعض الكلمات الغير مسموعة لهم، ثم فتحت الملف الموضوع أمامها،

وأخرجت منه ورقة وفعلت لأبيها مثلما فعلت تماماً ثم هتفت وهي تقرء تلك الورقة.

-لاء خالص على فكرة، انا أخر حاجة تهمني في أي مشروع هي ألوان الرسم الهندسي،

لكن اللي يهمني بجد هو أنكم طلبتم اننا ندخل شركا في مشروع الميزانية المالية بتاعته عالية شوية،

وأظن إن مليار دولار مبلغ مش قليل عشان نرميه كده بسهولة،

إحنا عشان نحط أيدينا في مشروع زي ده لازم نكون واثقين ماية فى الماية أنه هيدخلنا منه أرباح الضعف.

على الرغم من إنزعاج صابر من ردها، لكنها أثبتت وجودها وسط الجميع وحازت على إعجاب فرج النغاس،

الذي قرر أخيراً أن يتدخل في الحديث.

-أوافقك الرأي يا بنتي، ودا نفس رايي أنا وأولادي بالظبط، وأظن إن كل الموجودين موافقين على الرأي دا.

لتلتفت هي إليه قائلة.

-معنى كلام حضرتك إنك ضامن المكسب اللي هيجي من ورا المشروع دا.

وهنا تدخل حسن قائلاً.

-أكيد طبعاً، إحنا هنبني مدينة سكنية لصفوة المجتمع، يعني اللي معاه هو اللي هيشتري.

لتسخر منه هي بالقول هذه المرة.

-اسمحلي احنا كده مش هنبيع ولا هنحقق نص اللي صرفناه، أظن إن بلادكم من البلاد الموضوعة على خط الفقر،

وصفوة المجتمع دول ما يعادل ربع المجتمع بتاعكم.

طفح الكيل به الآن وكاد أن يخرج عن سيطرته إذ هتف غازي قائلاً بإنزعاج.

-أظن التسويق دا يخصنا إحنا ولو إنتِ متخوفة من العملية كلها تقدري تنسحبي وماتكمليش.

-صابر

نطق بها والده ليصمته بطريقة حاسمة، ليشير إلى حسن بأن يتدخل فأطاعه على الفور قائلاً.

-بصي يا أنسة (ليلي) بصفتي مدير التسويق والدعاية والاعلان، احب اطمنك واقولك ماتخفيش أكيد احنا مش هنعتمد على البيع في بلدنا بس،

بالعكس إحنا هنسوق المشروع في الدول العربية والأجنبية أكثر من تسويقه هنا،

وأحب اقولك برضو إن إحنا بدأنا في دا وبالفعل جتلنا عروض شراء من قبل ما نحط طوبة واحدة في المشروع ودا واضح عندك في الملف.

أومأت له وظلت تقلب في الأوراق مده ليست بقصيرة وهي تختلس النظرات لذلك الذي تراجع للخلف و أسند ظهره على مقعده وبدى على وجهه الوجوم.

وبعد بضع الدقائق التي مرت علي الجميع كالساعات الطويلة، وجدوها قد أومأت لأبيها مقدمة له قلم تعبيراً عن موافقتها.

وأخيراً ما ابتسم السيد براد وهتف.

-نحن نوافق على شراكتنا لهذا المشروع واتمنى ان يكون الربح وفير للجميع.

صفق جميع الحضور إلأ هو ظل محافظاً على صمته ليخرجه والده من شرنقته هذه هاتفاً.

-هات العقود عشان نمضيها يا صابر.

إنتبه لأبيه الذي دائماً ما يقلل من شأنه، و لكنه ليس له أي حيلة إلا أن يطيع الأمر،

فأوقف متجهاً نحو مكتب ابيه وانتشل العقود من عليه بإنفعال،

ثم اتجه نحوهم و وضع أمام كل منهم عقده،

ووقف خلف أبيه منتظراً انتهائهم.

أما هي فشعرت بإنزعاجه، فاضطرت أن تقف هي الأخرى خلف أبيها و مدت يدها له لتحاول تهنئته.

-مبروك ليكم مستر صابر

بأبتسامة متصنعة رد لها التحية وهو يضغط على راحة يدها بقوة.

-مبروك ليكم انتو كمان.

عندما شعرت بضغط يده إنتشلت يدها سريعاً و بدئت تفركها لتريح ألمها قليلاً وضمت حاجبيها وهي تنظر له بغلظة.

على الرغم من ذلك ظهرت بعض الصور التي التقطها لهم المصورين بعكس الحقيقة تماماً، فابدو كما لو كانوا صديقان منذ زمن بعيد.

وعندما أنتبه صابر للتصوير أشار لأخيه الذي كان يباشر المصورين بنفسه، بأن يتقدم نحوهم ليظهر معهم في بعض الصور.

بعد مرور وقت وجيز فتح صابر باب المكتب ليترجل جميع من بالغرفة، و وقف فرج النغاس وسط أبنائه معلناً للجمع الغفير عن نجاح الصفقة وبدء الحفل.

ومع بدء الحفل بالطبع من يريده الأب أن يظهر في الواجهة الآن،

أكيد سيكون الفتى المدلل ليجهر بصوته الضاحك له قائلاً.

-يلا يا حسن أفتتح الرقص مع أميرتنا الجميلة لي لي.

ليضحك حسن ويتقدم نحوها هاتفاً.

-اكيد طبعاً يا بابا احنا كلنا تحت أمر
ليلي، دي الحفلة كلها معمولة عشانها النهاردة.

التفتت إلى والدها فأومئ لها على الفور، فسارت معه على مضض وهي ترمق هذا الذي كان يقف منحنى الرأس قليلاً يستمع إلى همسات أبيه له.

دلف معه غرفة المكتب مرة ثانية و هو مستعد لكل توبيخه المعتادة له.

-ايه يا صابر بيه فاكر نفسك مين عشان تضيع من إيدي صفقة زي دي.

زفر صابر أنفاسه الحارقة لكل من حوله وهتف.

-لاء طبعاً يا بابا ماكنتش هسمح إن حاجة زي دي تحصل، أكيد مش بعد التعب اللي تعبته دا كله، اضيع من ايدينا مشروع زي ده بسهولة كده.

-واللي حصل من شوية ده تسميه ايه، اسمع لو مش هتقدر تتحكم في أعصابك وتحسن اسلوبك مع البنت دي بالذات في الكلام،

يبقى تسيب الإدارة التنفيذية لاخوك، على الاقل هو لبق ويعرف يتصرف في الأمور اللي زي دي كويس.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي