الفصل الثامن

قناع المكر

-بصي أنا طبعاً مش عارف اشكرك ازاي على اللي عملتيه معايا النهاردة، بس أكيد برضه إنتي هتقدرى إني هنشغل جداً دلوقتي ومش عارف هاخلص إمتى لكن أنا عندي حل كويس.

رمقت حسن وهو يعود إليهم بطرف عيناها، لتسأله.

-حل إيه دا بقى.

ربت صابر على كتف أخيه مصرحاً.

-حسن احسن واحد ممكن ينفعك في موضوع الخروج ده، إسمحي ليه بقى انه يكون هو المرشد السياحي بتاعك النهاردة.

فرح حسن بحديث أخيه ورحب جداً بالفكرة.

-يا سلام تحت أمرها طبعاً بس يا ريت هي توافق.

كانت تريده هو لكن ما باليد حيلة، فهي على دراية كاملة أنه صادق الأن،

ولذلك وافقته الرأي ولملمت أشيائها سريعاً ما اتجهت نحوه مرة أخرى.

-أنا عارفة ومقدرة، عادي يا صابر مش مهم نخرج النهاردة الأيام جاية كتير.

تدخل حسن بينهم وكأنه يريد الهروب من جحيم العمل الذي سيغرق به صابر.

-لاء والله ما يحصل دانتي لازم تخرجي وتتفسحي، اظن يعني دي أقل حاجة نشكرك بيها على وقفتك معانا مش كده برضه يا صابر.

نفخت مريم وبوجه عابث نادته، موظف البورصة على التليفون يا باشمهندس.

أعطى صابر ليلى ظهره مشيراً إلى أخيه أن يتعجب في الرحيل معها.

-هو كده بالظبط، روحي معاه يا ليلي وانا هبقى اكلمك.

فتح المكالمة وقبل أن يبدأ الحديث معه، وجدها للمرة الثانية تطبع قبلة رقيقة على وجنته.

-أوك يا صابر هستنى مكالمتك، سلام
يا بيبي.

بردة فعل مفاجئة، وبعين جاحظة وضع يده على وجنته، و استدار نحو الباب ليشاهد طيفها وهي ترحل مع أخيه.

-رد بقى على التليفون اللي في ايدك.

تفاجأ بصوت الأخرى الصارخ في وجهه، ليلقي عليها بسؤاله.

-في إيه يا بنت انتي؟

هبت واقفة تاركة له مقعده، و ازداد صراخها.

-ولا في اي حاجة، ركز انت في الهانم اللي عمالة توزع بوس على خدودك دي، وسيب الدنيا تولع بقى،

إنت نسيت الناس اللي جمعتهم في غرفة الاجتماعات والموظف اللي على الانتظار دا.

رفع حاجبه الأيمن وهو يراها تترجل خارج مكتبه متعجباً من إنزعاجها ليهمس لنفسه متسائلاً.

-مالها دي؟

تركت ليلي سيارتها و اضطرت للجلوس في سيارة حسن، الذي كان فرحاً أكثر منها بكثير

لوجودها معه، وها قد حانت له الفرصة بأن يتقرب من تلك الجميلة يعرفها به أكثر

-تعرفي إني سعيد أوي عشان وافقتي إنك تخرجي معايا.

بكل تفاخر بنفسها، اجتازت كلماتها في جملة صغيرة.

-أكيد طبعاً دي حاجة طبيعية يا بيبي.

-يا سلام على الغرور، دا انتي مغرورة بقى وانا مش واخد بالي.

-لاء خالص بالعكس دا مش غرور، دي ثقه بالنفس، أنا يمكن مش بحب اتعامل مع حد غريب عني وعشان كده ناس كتير اخدت الإنطباع دا عني،

يعني اني بنت متكبرة ومغرورة.

أكد لها حسن مؤكداً لها انطباعه عنها من أول نظرة.

-أقول الحق ولا هتزعلي.

-لاء قول مش هزعل.

-في الحقيقة انا كان رايي فيكي إمبارح إنك بنت جميلة جداً وعندك ثقة في نفسك، بس صابر بقى هو اللي كان رأيه عكس كده.

ضمت حاجبيها منزعجة مما قاله.

-بقى كده! و يا ترى بقى صابر قال إيه عليا.

شعر أنه نجح في خطته، رغم انه لا يحمل اي ضغينة لأخيه، إلا أن هذه هي الطريقة المناسبة ليثقل من كفته عندها، حتى تميل رأسها نحوه.

-بصي هو من أول ما شافك قال إنك بنت متكبرة بصراحة، بس على فكرة صابر أصلاً مش بيحب يتعامل مع البنات كتير.

-إمم على كده بقى أنا لازم أغير فكرته دي عني خالص.

بحركة سريعة هز حسن رأسه بعلامة النفي.

-لا لا متشغلش بالك بيه، بصي حاولي ماتركزيش مع صابر غير في الشغل وبس لأنه هو الحاجة الوحيدة اللي بيعرف يتعامل كويس فيها.

تفاجئت بحديثه هذا عن اخيه، الغبي يظن بذلك أنه ينقص من شأن صابر عندها، لكنها فاجأته بردها عليه.

-معنى كلامك دا انه هو جد في شغله.

-فوق ما تتخيلي ومش في شغله بس دا في حياته كلها على فكره.

سخرت منه بضحكة رقيقة.

-وانت بقى يا حسن نظامك إيه.

-مالتي سيستم يا روحي.

كانت مزحة حقاً لطيفة جعلتها تضحك من قلبها، ثم هتفت بعين لامعة.

-لاء انا بتكلم بجد، أصلي شايفك مش مهتم لكل الخاسير اللي اتعرضت ليها الشركة، ولا حتى لخناقة باباك وأخوك النهاردة،

حتى مفكرتش إنك تفضل معاه وتشوف هيقدر يحل المشاكل دي ولا لاء.

ظل منصتاً لها جيداً حتى صمتت وتوقف هو بسيارته.

-إن كان على ابويا واخويا فهما على طول بيتخانقوا مع بعض كده، لكن أنا بقى أشغل دماغي بالهم دا كلو ليه؟ يا روحي أنا راجل بتاع إعلانات وتسويق،

ماليش في الحسابات ووجع القلب دا، أنا ليا أجمع شوية Models حلوين يعملوا اعلان حلو، التعاقد على حفلة أبعت دعوات لمستثمرين كبار بأسم النغاس الكبير،

لكن نزول موقع و مشاكل بورصة لا انسي مش بتاعتي دي.

نظرت اليه لبرهة، لم تعجبها سلبيته لكن على كل حال هي لازلت لم تعرف إذا كان صادقاً معها أم أنه يجاريها في الحديث فقط.

ثم عادت إلى وعيها متلفتة حولها بتساؤل.

-طب إنت وقفت هنا ليه؟

-عشان نبدء فسحتنا يا ليلى، وأول خروجة ليكي معايا هتكون هنا!

ليشير لها بيده على يمينه حتى تشاهد هي منظر بديع للنيل و الشمس النائمة على مياهه، ومجموعة من اليخوت الفارهة ترسي على جانبه.

لتجده يترجل من السيارة ويلتف نحو بابها
ليفتحه لها ينحني قليلاً بكل زوق.

-نورتي المكان كله يا ليلي.

بدورها ترجلت هي الأخرى من السيارة، وضعت يدي راحتها الرقيقه على راحة يده ليتمسك بها برقة ويجذبها إليه هامساً لها.

-أهلاً بيكي على يخت حسن النغاس.

هذا الجو الجميل فعلاً أنعش قلبها، جعلها تسير خلفه وهي متمسكة بيده،

صعدت على متن هذا اليخت وهي منبهرة بسمرة المياه، وجمال وهج الشمس الناعسة في أحضانها،

وسريعاً ما تركت يده وجرت نحو هذا السياج الحديدي وهي تضحك وتشلح حذائها ذو الكعب الرفيع العالي وتصرخ بمرح.

-نيل مصر الجميل

بليز يا حسن انا عايزة أتصور صور كتير اوي هنا.

ابتسم لها مؤيدها في الرأي.

-يا سلام دي لعبتي اديني بس دقيقتين ادور الموتور واغرقك صور بعد كده، وناخد سوى أحلى Sylvie كمان.

حقاً فكرته كانت رائعة ويبدو أن خطته التي رسمها ليوقعها تسير في طريقها الصحيح،

بدء اليخت يتحرك في وسط المياه، وهي تقف في مقدمته تنحني قليلاً، لتشاهده وهو يشق الماء ويسير بأريحية.

لتشعر بيد حسن وهي تلتف حول خصرها ليضمها إليه بجرئة، ويمد لها يساره بكأس صغير هاتفاً.

-كاسك يا ليلي.

التفت بين يده وحاولت فك حصاره بهدوء، دون جدوى فهمست وهي تسلط سهام عينيها في عيونه.

-أوه حسن إنت جرئ اوي

ليبتسم لها اللعين ويزيح وجه البراءة الذي يرتديه دائما ويقترب من أذنها بمكر.

-وانتِ اكتر واحده بتحبي تتعاملي بجرأه يا ليلي.

قربه الشديد من وجهها جعل قلبها ينتشي وشعرت بقشعريرة غريبة تسري في جسدها حين لمست راحتها صدره،

ليقدم على خطوة لم يعد لها بتاتاً، ويلتقط شفاهها الصغيرة داخل فمه في قبلة طويلة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي