الفصل السابع والعشرين

بداية الخصام

وضعت راحة يدها على وجنتها تتحسس موضع الضربة، سقطت العبرات من عينيها رغماً عنها وهمست بحزن.

-أنا عُمر ما حد ضربني ولا كلمني بالطريقة المهنية دي.

لم يرق قلبه لها ولا حتى أشفق عليها، بل جلس على مقعده وإمسك ورقة دون عليها شيئاً ما ثم اقترب منها هاتفاً بغضب وهو يضعها في يدها.

-اتفضلي استقالتي في ايدك أها ابقى اديها لأبوكي وانتِ بتعيطي ليه وتقوليلي على البي عملته.

ثم أعطى لها ظهره وكاد ان يترجل من الباب.

-للدرجة دي بتحبها!

هكذا كان ردها، وعندما أدرك مدى الخطئ الذي أوقع نفسه فيه، حاول أن يعدل الأمر
حتى لا يفقد وظيفته ينتصر عليه والدة.

-عايزة تسميه حب سميه، لكن أنا ومريم أصدقاء قبل أي حاجة تانية وبنحترم بعض جداً.

-لكن أنا بحبك!

تفاجأ هو بردها هذا وتعجب منه، ضم حاجبيه وهمس لها.

-بتحبيني ايه، إذا كنا مانعرفش بعض الا من كام يوم بس. وانا ماوعدتكيش بحاجة.

للمرة الثانية تقترب منه لكنه هذه المرة لم يزجرها، وقفت أمامه مباشرة والعبرات تنهمر من عينيها كشلال يسدل مياهه على وجنتيها.

-أنا أسفة لو كنت زعلتك، بس بجد أنا بحبك، من ساعة ما شوفتك وانا مشدودة ليك، عدم اهتمامك بيا ونفورك مني دا حاجة مختلفة بالنسبة لي،

أنا كل الشباب اللي بقابلهم في حياتي هما اللي بيتقربو مني، وبيتمنوا بس اني أشاور لأي حد فيهم، لكن انت حاجة مختلفة بالنسبة لي، انت رجل في تصرفاتك اوي،

ماحولتش تقرب مني عشان اي غرض، وحياتي عندك يا صابر ماترفضش حبي ليك خليك مع مريم، بس برضه ماتسيبنيش وصدقني مش هتعرف حاجة بالعكس دانا اعملها كويس أوي.

بهدوء أعصاب يحسد عليه زجها ليجلس على الاريكة الجلدية التي تتوسط غرفة المكتب.

-اللي بتطلبيه دا اسمه خيانة وانا مش خاين يا ليلى، مانكرش انك بنت جميلة واي حد ممكن انه يتشد ليكي زي ما بتقولي، لكن أنا لاء!

ودا مش تقليل منك ولا حاجة بس أنا إنسان طول عمري جاد في حياتي، وانتِ طبعك غير
طبعي خالص يا ليلي.

أحنت رأسها بحزن وجلست بجانبه منحنية الرأس وهمست.

-يعني برضه مفيش فايدة، بترفض حبي ليك يا صابر، طب بص بلاش تفكر كده دلوقتي، خلينا الأول بقى أصحاب أو حتى اعتبرني اختك الصغيرة وسيب الايام هي اللي تثبتلك حبي ليك.

كمحاولة لتهدئتها فقط ليس إلا أمسك يدها وأردف سائلاً.

-ممكن تبطلي عياط وتخلينا نتكلم بهدوء شوية، هسألك سؤال وعايزك ترضى عليا بصراحة.

أكتفت بإيمائة من راسها لتسمعه يقول.

-إنتِ مش كنتِ مع حسن على اليخت بتاعه، وحصل بينكم حاجة.

انتفضت تتراجع للخلف ونفت حديثه بخجل وكذب هاتفة.

-لاء محاصلش حاجة صدقني كل الحكاية ان احنا شربنا مع بعض كاسين وقعدنا شوية نرقص ونفرفش، و بعدين هو...

صمتت ولم تتحدث، لينزعج هو من حديثها، ويسخر منها معلقاً.

-هو ايه بقى؟ بصي بقى يا ليلى اولاً عندنا احنا هنا اللي انتِ بتطلبيه مني دا حرام، ليه لأنك كنت مع اخويا،

ثانياً انا ماقبلش افكر في واحدة لمسها شاب قبلي، خليكي مع حسن هو معجب بيكِ وعايزك وان كان عليا يا ستي هعتبرك زي اختي بس.

حديثه معها أشعرها بالأهانة اكثر، لكنها فضلت الصمت، ثم جائتها فكرة خبيثة مثلها تماماً، ثم رددت له متصنعة الحزن.

-طب هما الأخوات مش بيحضنو بعض عادي.

ليبتسم لها علي تحديثها الحزين ثم فتح لها ذراعيه بحنان.

-اه طبعاً بس يقبلوا من بعض النصيحة كمان.

ارتمت بين ذراعيه وهي تحاول تجفيف عبرتها بيديها مثل الأطفال ليضع ابهامه على وجنتها ليجفف لها هو عبراتها.

خلاص بقى بطلي عياط.

-بداية الشقى بق.....

كانت هذه مريم التي فتحت الباب دون أن تدقه ورأت هذا المنظر الذي ترجمت معناه داخل رأسها بطريقتها الخاصة.

انتفض صابر رغماً عنه منزعجاً لأنه يعلم عقلية حبيبته جيداً.

وقف من جانب ليلى، وحاول تبرير الموقف، لكنها لم تعطيه اي فرصة لذلك.

-مريم ليلي بس كانت مضايقة من حاجة وانا كنت بحاول أهديها.

-الموظفين بدئو يحضرو، حضرتك تحب ارتبهم وتستقبل دخولهم دلوقتي ولا استنى شوية لحد حضرتك ما تفضى.

يعلم أن كل تبريرات الدنيا إذا أتى بها لها الأن لن تغفر او تعطي نفسها فرصة حتى للتفكير أو الفهم فهتف فيها بغضب.

-ابدئي الشغل يا أنسة و خليلي المهندسين كل واحد بالسي ڨي بتاعه الأول.

أومأت له برأسها و ترجلت مرة أخرى، لتقترب ليلى منه بخبث هاتفة.

-أنا هاقعد استقبل الموظفين معاك هنا.

لكنه رفض بجدية وهتف لها.

-لاء طبعاً انتِ هاتروحي على مكتبك وهتستقبلي الموظفين اللي مقدمين السكرتارية والعلاقات العامة، يلا يا أنسة انتِ كمان على شغلك.

فتحت الباب وهي اتجهت نحو غرفت مكتبها وهي تضحك ضحكة ركيعة وصلت إلى إذن تلك الجالسة خلف مكتبها وكأنها جالسة على فوهة البركان.

بدء العمل بجد ونشاط، و بت الحركة في الشركة بأكملها وحضر أيضاً السيد براد وقد اعجبه جداً تأسيس صابر الفخم لها،

كما اعجبه هدوء تلك الفتاة البسيطة ذات الرداء الفضفاض والتي لا يظهر منها سوى وجهها الجميل فقط تباشر عملها بهدوء واجتهاد أمام مكتب مديرها صابر،

وبعد استقبال صابر له، وأخذه في جولة في الشركة بأكملها توقف أمام مكتبها وابتسم لها قائلاً.

-ما أسمك يا فتاة.

بخجلها المعهود أحنت رأسها و بصوت خفيض همست.

-مريم.

-أوه أيضاً تعلمي انك تشبهها جيداً.

ضمت حاجبيها بعدم فهم، ثم رددت.

-شبه مين يا فندم.

-السيدة مريم ألم تلاحظي التشابه بينكم في اي صورة من الصور التي تخيلوها لها.

فرحت مريم بتشبيه هذا الرجل لها، ومن لا تتمنى ان تشبه هذا التشبيه الجميل، لتهتف له.

-أشكرك سيدي هذا الحديث اسعدني جداً.

مد يده لها لتسلم وطالت مسكته ليها، وهو ينظر لها بجرئة.

-أنتِ فتاة رقيقة وجميلة تستحقي ان تستمعي إلى مدحك في جمالك وتفرحي به.

كل هذا كان تحت نظرات صابر الذي كان يقف كاثور اوشك على ان يطيح كل من يقف أمامه،

وهو يستمع إلى مغازلة حبيبته، ولا يقوى ان يرد هذا العجوز عنها، لكنه لن يصمت أكثر من ذلك، نفض يدها من يد العجوز بشدة حتى أن الرجل لاحظ زمجرته هذه ونظر إليه بريبة.

-هل حدث شئ خاطئ يا سابر.

كان ينظر إليها بغضب عارم، وعندما تحدث الرجل انتبه له وبعين زائغة اجابه.

-ها لا يا سيدي لم يحدث شئ، فقط اريدك ان تتفضل معي للداخل حتى ترى فيلات الموظفين الجداد.

بهزة رأس منه أعطى له الموافقة وتقدمه في الدخول لينظر اليها هو بغيظ، ويهمس لها بتوعد.

-حاضر لينا عربية هتلمني انا وانتِ واحنا مروحين إما وريتك.

كأنه هواء لا تراه إمامها، لم تلتفت أليه او حتى تعطيه اي إشارة بخوفها منه،

ثم جلست على مقعدها تباشر عملها، لتشعره أنها لم تهتم لأمره.

وهنا شعر هو بالضيق من تصرفها هذا، يعلم أن طريقتها هذه تعبيراً منها عن غيرتها ، لكنها أصبحت عديمة الثقة به وبأفعاله، فقرر أن يريها المعنى الحقيقي لعدم الأهتمام.

تركها وولج إلى داخل المكتب لينهي هذا اليوم الطويل المكلل بالتعب.

و بالداخل عند السيد براد كان الحديث يدور بينهم كالتالي.

-سمعت أنك ذهبت إلى الموقع في السباح يا سابر.

-نعم سيد برا، لقد ذهبت إلى هناك، حتى أباشر العمل فيه، وأرى مدى تقدم العمال فيه.

-و علمت أيضأً انك تشاجرت مع رجال الأمن، الذين بعثهم والدك ليأخذوك اليه.

-والدي علم بوجودي هناك منذ لحظة وصولي أليه.

شك الرجل في حديثه، وايقن أنه لابد أن يكون حدث بينهم شئ.

-لماذا يبدو لي أنك على خلاف مع والدك ولا تريد أن تخبر أحد بذلك.

بعلامة السخرية ضحك صابر.

ََََ-العالم كله يعلم أنني دائم الخلاف مع والدي.

-ولماذا الخلاف بينكم إذا كنت مهندس ذكي، تباشر له كل اعماله بإتقان.

فكر صابر قليلا وبرغم أن والده، دائم التقليل من شأنه لكن هو لا يحب أن يسئ احد لوالده مهما فعل به.

-وهذا هو مصدر الخلاف سيدي براد، والدي لا يريد أن يكون لي عمل خاص، و يريدني ان ادير عمل مجموعة شركاته فقط.

لمعت عين هذا الرجل بمكر شعر به صابر في حديثه.

-أظن انه ليس معه حق في ذلك أن كان يريد ذلك فلابد أن يعوضك على الأقل بأن تملك شركة واحد من هذه الشركات وإلا يكون وأنا أسف لقول ذلك أب ظالم.

تنهد صابر بحزن، فقد قال هذا الرجل الكلمة الحقيقية الوحيدة التي تصف والده بالحقيقة الكاملة.

ليستمع إلى باقي حديث الرجل معه.

-إذاً دعني أن أتدخل بينك وبين والدك لأحل لك هذه المسكلة سابر.

لينفي صابر على وجه السرعة.

-لاء إياك أن تفعل ذلك.

سيدي دع الأمور تسير بيني وبين والدي بشكل طبيعي أرجوك، فهو لا يحب أن يتدخل احد بينه بين أبنائه.

-لكن لابد أنه سيحضر حفل افتتاح فرع شركتنا هنا.

-اعلم ذلك جيداً سيدي، لكن ارجوك دع الأمور تسير علي طبيعتها، وحين يأتي موعد الحفل يحلها الله وحده من عنده.


ها قد انتهى الدوام، كان رأسه يكاد ان ينفجر من شدة الصداع،

ويتدور جوعاً أيضاً، يعرف جيداً انها غاضبة وهو أيضاً غاضب منها وان كانت هي فسرت شيئاً داخل رأسها غيرتها الجنونية عليه،

فسيرها هو أن غيرته عليها قاتلة،

لقد طال الوقت وهو ينتظرها بالداخل، كان يظن انها ستفعل مثل المرة السابقة و تأتي اليه بالطعام.

لكن هذا لم يحدث، فجمع اشيائه وقرر أن يأخذها ويعودا إلى البيت سوياً.

وكانت مفاجئة بالنسبة له عندم رأئ مكتبها فارغاً ولا يوجد أحد به،

عصت مريم أمره وذهبت وحدها إلى المنزل، فإجتاح الغضب وجهه وجعله أحمر من شدة الغضب.

وبعد ان ذهب من الشركة، قاد سيارته بسرعة فائقة إلى أن وجدها تسير على قدمها إلى أول الطريق.

و بحركة جنونية كاد أن يصدمها وهو يوقف السيارة بعنف بجانبها.

ثم أنه ترجل منها وامسك بيد تلك التي هربت الدماء من وجهها من شدة الخوف.

وباشارة من يدة دون أن يتحدث جعلها تستقل السيارة من شدة خوفها منه.


وبعد ان استقل هو أيضاً بجانبها واسرع في القيادة صرخت برعب هذه المرة من سرعته إذ قالت.

-وقف العربية حرام عليك بقى انت عايز مني ايه.

-بس بقى اخرسي مش عايز اسمع صوتك ده انا هعرفك ازاي ماتسمعيش كلامي، هووريكي ازاي تشغلي دماغك الناشفه دي وعندي معايا تاني.

-إنت مالك ومالي، انت لاخويا ولا خطيبي
عشان تكلمني كده وشغلك دا كمان مش عايزاه، ومش هاجي تاني عشان ترتاح وتريحني بقى.


لولا ذلك الحزام المقيدة به، لكان اطاح بها خارج السيارة عبر هذا الزجاج الأمامي، حتى أنها وضعت راحتي يدها على وجهها لتختبئ خلفهم من هول الصدمة.

وأخيراً توقفت السيارة، لم يحاول النظر أليها، ولا حتى تهدئة روعتها وقرر ان يريها غضبه وشعرها بفاجعة ما فعلته.

-دا الرجل العجوز حلي في عينك بقى!


بأول الأمر لم تتفهم مقصده لكنها حين رتبت الكلمات في عقلها، وعلمت ما يدور برأسه صرخت وهي تفتح باب السيارة.

-إنت واحد سا.. فل وانا مش عايزة اعرفك تاني.

كادت أن تترجل من السيارة إلا أنه أبى، وأعاده مكانها مرة أخرى ثم عاد يإمرها بعين جامدة.

-حسك عينك الراجل دا يحاول يمسك ايدك تاني، ولو شوفتك بتضحكي معاه هو او غيره
هتبقى ليلتك سودة.

-سيب أيدي يا صابر.

-لاء مش هسيبها، ولازم تفهمي انك بتاعتي، برضاكي غصب عنك انتي بتاعتي.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي