الفصل السابع

أمر صعب

تفاجئ النغاس الكبير برد هذا الرجل الأجنبي، ولما لا وهو معروف عن الأجانب أنهم جادين جداً في طباعهم وعملهم،

وعلى ما يبدو أن النغاس الصغير قد تفوق على أبيه هذه المرة، لذلك أنهى المكالمة معه
وأغلق الهاتف، مد يده لها به وظل صامتاً.

فاجئته هي بردها الماكر إذ قالت وهي تبتسم له.

-البورصة العالمية خسارتها النهاردة كانت على العالم كله يا أنكل فرج، وأظن إنت مش عايز تخسر المشروع كمان.

جملة واحدة ثقلت لسانه، لكنه تفوه بها حتى لا يضيق صدره أكثر من ذلك.

-أنا في حياتي ما خسرتش زي النهاردة، وكله بسبب صابر.

إندهشت من إجابته العدائية، و كرهه الظاهر لولده الكبير جعل رأسها يتخبط لذلك قادها فضولها بأن تسأله.

-اسفة يا أنكل لو كنت بتدخل بينكم، بس في الحقيقة أنا شايفة إن صابر مالوش ذنب في الحكاية دي.

ملامح وجه فرج لا تنذر بأي خير لذا قرر حسن التدخل أخيراً.

-أكيد طبعاً يا ليلي، بابا مايقصدش أنه يظلم صابر مافيش اب يعني بيكره إبنه ويظلمه هو بس عشان عصبي شوية دلوقتي بيقول كده.

تصنعت عدم الأهتمام، قررت أن تنهي الأمر برمته.

-تمام دي حاجة تخصكم، على العموم إحنا تشرفنا بمعرفتكم يا أنكل، وفي الحقيقة أنا ماكنتش أحب إننا نفض الشراكة ما بينا لكن معلش بقى مافيش نصيب زي ماتقول عندكم.

مدت يدها له بالسلام وهي تقف من على مقعدها وتستعد للرحيل، ليتفاجأ بدق رقيق على الباب، وبعدها دلفت منه مريم بهدوء

تقدمت نحو مكتب النغاس الكبير ومن داخلها

ترتجف من الخوف، حين رأت وجهه الوحشي أصبحت كقطعة من الزجاج إذا زجها أحدهم للخلف ستسقط وتتهشم.

وعندما توقفت أمامه مباشرةً، هتف فيها برعونة.

-سايبة مكتبك وجاية لحد هنا ليه يا أنسة.

خرجت الكلمات من ثغرها متقطعة بصوتٍ خفيض أجابته وهي تضع تلك الورقة أمامه على مكتبه.

-أسفة يا فندم، بس الباشمهندس صابر كلفني أجيب لحضرتك الورقة دي.

بكل عنف مد يده وأمسك تلك الورقة متمعناً فيها بنظره، ليهب منفعلاً يزجر جميع من حوله ثم أتجه نحو الخارج وهو محتفظ بتلك الورقة داخل قبضته صائحاً.

-إبن ال... بيتحداني باعتلي إستقالته، فاكرنى هسيبك بالساهل كده يا صابر.

جرى الجميع من خلفه، وبدأت ليلي تحث حسن علي التدخل بينهم وأن ينهي هذا الاشتباك.

-إنت هاتسيبهم يفضلوا يتخانقوا كده يا حسن مش هيبقى ليك أي دور.

وهنا أتضح لها أمره وقلة حيلته، ذلك الأبلة لا يقوى على إتخاذ أي قرار من نفسه، ولابد أن يأخذ الأمر لينفذه

-أدخل يا حسن واقف مع أخوك، متخليش باباك يقسى عليه أكتر من كده.

كخادم مطيع أومأ لها برأسه وسبقهم ليلحق بأبيه، و تجنبت مريم النظر إليها ثم أتجهت نحو مكتبها،

برغم هذا الحقد الذي تملك منها عليها وعلى هيئتها المتبرجة، لكنها الأن ممتنة لها بما تفعله من أجل مديرها وحبيبها صابر.

فتح الباب على مصراعيه عنوة وظهرمن خارجه النغاس الكبير، وإذا به يقسم تلك الورقة إلى شطرين ويهتف بغضب وهو يدلف إليه.

-بتمسكني من إيدي اللي بتوجعني يا صابر، باعتلي أستقالتك وعايز تسيب الشركة،

شايف المركب بتغرق قولت تنجي نفسك وتهرب منها بدل ما تحاول تصلحها يا صابر.

كان يلملم أشياءه داخل صندوق كبير، وصديقه يقف بجواره يحاول أن يناحيه عن هذا القرار دون فائدة.

لم يتحدث او يحاول الرد عليه، ليقرر مراد التدخل بينهم.

-فرج بيه أرجوك إهدى، صابر أكيد أخد قرار غلط وكلنا ضده فيه، لكن لازم تديله مساحة يحاول يعيد تفكيره ويهدى هو كمان.

هاج فرج من شدة الإنفعال وصاح في الجميع.

-مفيش مساحة ولا ز.. أحنا هنخسر كل حاجة لو الباشا ماتعدلش وشاف شغله.

وأخيراً ما تخلى عن صمته وثار بقوة هاتفاً.

-صابر صابر صابر هو أنت ماخلفتش غير صابر، اللي يسافر يتعاقد على الصفقات صابر،


اللي ينزل المواقع ويشتغل بإيده مع المهندسين والعمال صابر،

واللي يتابع الأمور المالية ويقعد بالساعات يحل في الخسارة صابر

واللى بيتهان ويضرب بالقلم قصاد الموظفين اللي تحت إيده بردو صابر مش كده يا بابا


ولا لاء دي كمان مش من حقي إني أقولها دي بتاعت حسن بس هو أحق مني بيها

أنا آسف ليك يا فرج بيه وإذا كنت بترفض الاستقالة، يبقى أعتبرني من دلوقتي منقطع عن العمل وهستنى منك جواب الرفد.

أقترب منه بهدوء تام، أمسك ذراعية بقوة وهمس بصوتٍ مثل فحيح الأفعى.

-أنا أرفدك من الدنيا بحالها بطلقة واحدة من مسدسي قبل ما تلوي دراعي يا أبن عزيزة،

ثم تركه من بين يديه معطي له ظهره متجهاً للخارج وبعلو صوته هتف.

-إعمل حسابك مفيش مرواح على البيت قبل ما تشوف حل في كم الخساير اللي خسرناها
النهاردة.

ذهب فرج النغاس من أمام الجميع، دون أن يعلموا ماذا قال له، ليلقي صابر بجسده على الاريكة بحزن جم

نغزت ليلي حسن في كتفه وأشارت له بأن يتجه نحوه، ليفعل ما أمرته به و وقف أمام أخيه.

-صابر.

كان الأخر يفرك وجهه براحتي يده، لينصت لأخيه برهة ثم رفع وجهه له مجيباً

-نعم يا حسن.

-عشان خاطري ماتمشيش، أنا مش هعرف أشيل الحِمل دا كله لوحدي من غيرك.

إنزعج صابر من حديث أخيه الأعوج وثار مرة أخرى.

-وهو انت بتشيل معايا حاجة عشان تشيلها لوحدك، ما هو أنا على طول اللي شايل يا أخويا.

حاول حسن أن يلطف هذا الجو الممتلئ بالمشاحنات بمزحة لطيفه ليهتف قائلاً.

-طب يا سيدي ربنا يخليك وتشيل، عقبال ماتشيل عيالي.

إنزعج صابر أكثر وكاد أن يقف ويبرحه ضرباً، ليكتفي بأن يركله في ساقه بعنف.

-يا أخي أمشي بقى.

وإذا به تفاجأ بتلك الجميلة تجلس بجواره ملتصقة به وتطبع على وجنتها قبله رقيقة هامسة له.

-طب لو قولتلك عشان خاطري، بصراحة بقى بابي أخد خبر بالموضوع كله وقرر إنك لو مشيت إحنا هنفض الشراكة ومش هنتمم المشروع،

ثم همست له برقة

أنا وعدتك إن هجبلك باباك لحد عندك وحصل، ودلوقتي بقى انا عايزة أكمل المشروع دا معاك إنت يا صابر.

رقتها الفائقة هذه جعلته يتراجع عن قراره وهو كالمسحور، لتبتسم له وهي ترى تعبيرات وجهه قد تبدلت للراحة بعض الشئ.

وقف من جوارها وبدأ في مباشرة عمله وهو يأمر أخيه.

-حسن أجمعلي رؤساء أقسام الحسابات الشئون المالية في أوضة الأجتماعات.

ثم أشار لمريم بجدية.

-مريم فوراً دلوقتي تقعدي مكاني وتتابعي على اللابتوب البورصة وصفحة الأسهم، اه وأطلبي لي الموظف المسئول عن أسهم شركتنا على موبايلي.

سريعاً ما أطاع حسن أمره، وأتجهت مريم نحو مكتبه بوجه متهجم، وقال مراد بمزاح.

-وأنا هاعمل إيه يا باشمهندس.

إنتبه صابر له، وأمره بجدية.

-إنت هنا بتعمل إيه أصلاً، على مكتبك يا باشمهندس يلاا.

زجره مراد وهو يرحل مناديه بلقبه الذي دائماً ما يناديه به.

-وغد.

أراحت ليلي ظهرها على الأريكة، و أبتسمت له وقالت.

-وأنا هقعد أستناك لحد ما تخلص شغلك، وبعد كده نبقى نخرج سوى عشان تفسحني وتفرجني على البلد زي ما أتفقنا.

إستند براحة يده اليمنى على مكتبه، و وضع اليسرى على خصره وهو ينظر لها بلمعة في عينه، لا ينكر أنه حقاً ممتناً لها، لكنه بالفعل سينشغل اليوم ولا مجال للتنزه.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي