الفصل الرابع

الجرأة طبعها

جحظت عينه من إيحائتها شبه الصريحة له، ليؤكد لها بجدية.

-عارفه كلامك دا لو بنت من بلدي هنا، فكرت بس بيه كان حصل لها إيه.

وضعت يدها على موضع قلبه، والتصقت به متخيلة بذلك أنها تستميله بهذه الطريقة الموحية.

-كان حصل ليها ايه يا صابر.

-كانت اتقتلت في ساعتها.

كلمته كانت كفيلة بأن تردها إلى الخلف، لتنتبه مع توقفها عن الرقص بأن الموسيقى قد صمتت أيضاً،

ثم وجدته قد تركها وذهب دون مراعاة لها ولمشاعرها.

لم يبالي بها او بأخيه الذي شعر من أول وهلة انه معجب بها، واتجه نحو صديقه الوحيد، وقف بجانبه َمرحباً به.

-أهلاً مراد اتأخرت ليه؟

ليجيبه صديقه متعجباً.

-أنا هنا من بدري، انت الي مظهرتش مع ابوك واخوك من وقت خروجهم وبداية الحفلة،

شكلك أصلاً بيقول إن في حاجة.

تنهد الأخر تنهيدة قصيرة لكنها حزينة، حرك المقعد الذي يقف بجانبه للخلف قليلاً وجلس عليه معطي الجميع ظهره وشرع في إشعال سيجاره ليدخنه يزفر هوائه بشراهة.

وهنا تحدث صديقه وهو يجلس بجواره منتبهاً لحالته.

-ابوك بردو!

ارتفع جانب شفاه العلوي، وارتسمت إبتسام صفراء على وجهه وهتف.

-جانبه أصدر قرار بإن الأدارة التنفيذية تتنقل لحسن وإني أكتفي بالأشراف الهندسي فقط لا غير.

-نعم

خرجت تلك الكلمة من فاه مراد بإندهاش وانزعاج قوي، ليكمل مستفهماً.

-إدارة المشروع أزاي يعني هو حسن مهندس زيك، ولا هو ابوك لازم يرازيك وخلاص.

لم يهتم لزمجرة صديقه، و التفت لصوت الموسيقى الصاخبة وبدأ يشاهد رقص أخيه والشباب والفتيات،

ومن ضمنهم تلك الفتاة الفاتنة التي تريد إن تقتحم قلبه بكل تبجح وجرئة.

-أخويا مش مهندس أه بس دلوعة عين مامته، لازم هو اللي يكون في الوجهه يا مراد.

وقعت عين مراد أيضاً على تلك الجميلة التي يرقص معها أخيه و تسائل.

-ودي مين الجميلة دي كمان.

-دي ليلي بنت مستر براد المستثمر الأجنبي.

لاحظ مراد حركاتها ونظراتها الموجهة لصديقه، ليلتفت اليه ويرى تشابك أعينهم سوياً.

-الله دا في نظرات اهو من تحت لتحت وتظبيط طب سيبتها لحسن يكمل معاها الرقص ليه، مش كنت كملت تعارف عشان تاخدوا على بعض بسرعة.

ضحك صابر هذه المرة ضحكة عالية بالفعل خرجت من القلب وأظهرت وسلامته

التي جعلتها تتوقف عن الرقص منجذبة إليه، و بخطوات مسرعة واتجهت نحوه وهو يكمل حديثه الصديقة.

-لأ ماتخفش إذا كان على الجميلة دي، فهي مش محتاجة وقت للتعارف، دي تاخد عليك كده على طول.

ليهتف مراد له وهو يلاحظ إقترابها.

-كده طب سيبني بقى اتعرف عليها عشان تاخد عليا.

ضم صابر حاجبيه مستاء لكلامه ليجدها وللمرة الثانية تجذب يده بجرأة.

-صابر بعدت ليه دي الموسيقى والأغاني دي حلوة خالص تعالى كمل رقص معانا.

إنتبه صابر لأخيه أيضاً الذي انضم إليهم لينفي ظنها به قائلاً.

-لاء ماليش أنا في الهيبرة دي، كفاية عليكي حسن هو بيحب الاغاني والموسيقى دي اوي.

ليؤكد حسن على كلام أخيه ممسكاً بيدها وقرر أن يبعدها عن اخيه.

-فعلاً صابر مالوش في الرقص دا، خليكى معايا انا يا بطة أنا ليا في كل حاجة انتي تحبيها.

نفضت يدها من يده وهتفت مسرعة.

-لاء خلاص أنا تعبت من كتر الرقص، ولو انت مش بتحب الرقص دا يا صابر اسمحلي أقعد معاكم انت وصاحبك.

ليرحب مراد بتلك الفكرة ويقف بكل أدب يجذب لها المقعد.

-بكل تأكيد اتفضلي طبعاً، ما تقعد يا حسن واقف ليه.

تراجع حسن للخلف خطوتان وهو يزجر أخيه بغلظة ويهتف له ساخراً.

-لا وعلى ايه بقى انا هروح اقعد مع أصحابي أنا كمان.

و بعد أن جلست بجانبه هتفت.

-صابر أنا أول مرة أجي مصر، ونفسي أشوفها واتفرج عليها كلها.

ظل يستمع إليها وهو مبتسم لصديقه، وكأنه يؤكد له حديثه السابق عنها، ثم أومئ برأسه عدة مرات وهتف.

-تشوفي مصر كلها بس مصر دي كبيرة أوي، متهيألي يعني مش هتقدرى تشوفيها كلها في أجازتك دي.

ظنت بحديثه معها بهذه الطريقة السلسة أنه قد مال أخيراً لها، فمالت هي بجسدها قليلاً بجانبه هامسة له بأغراء.

-مش مهم لو إنت اللي هتخرجني هفضل معاك هنا ومش هزهق.

تراجع هو منزعجاً من تبجحها الزائد هذا، وإذا به يقف من جانبها هاتفاً.

-لا والله أنا أسف مش فاضي، شوفيلك
مرشد سياحي يفسحك وعلى فكرة لو طلبتي من حسن هيرحب بالفكرة جداً، عن اذنك هاجيب حاجة اشربها اجبلك معايا.

كورت قبضتها و وضعتها أسفل وجنتها متأففة، و بحزن قائلة.

-لاء مش عايزة حاجة.

كل هذا كان يحدث أمام مراد الجالس معهم على نفس الطاولة وكأنه غير موجود، ليتحدث أخيراً بعد أن رحل صديقه.

-ماتزعليش كده هو دمه مش تقيل بس كل مشكلته أنه جاد في طبعه شوية وبيحب شغله أكتر من أي حاجة.

انتبهت أخيراً له، ضمت حاجبيها بعدم فهم وسألته.

-إنت مين؟

مد يده لها بالسلام وهتف.

-مهندس مراد الزيني صديق صابر وبشتغل معاه في نفس المشروع.

و بعيداً عنهم وقف حسن وعلامات الغيظ تحتل وجهه، ليجد والدته تأتي بجانبه مسائلة.

-مالك واقف كدة متمسمر في الأرض، سيبت البنت ليه و واقف تتفرج عليهم من بعيد.

نفض يده لها بعلامة اللا مبالاة وا؛ شاح وجهه للجهة الأخرى قائلاً.

-اعملها ايه تاني ما هي بعد ما هدت حيلي من الرقص، راحت ليه عشان يكمل هو ولما قالها انه مالوش في الرقص ده، قال ظهر عليها التعب فجائة وقعدت جانبه.

ونغزاته والدته في جانبه قائلة.

-وماقعدتش معاهم ليه يا خايب، بقى انا بحاول اعليك عليه في كل حاجة وانت تسيبله البنت كده بسهولة.

وهنا تفهم معنى حديث اخيه معه ليقول لها بريبة.

-يبقى انتي اللي قولتي لبابا يخليني انا المدير التنفيذي للمشروع.

لتهتف بتكبر.

-طبعاً أنا، والغبي فاهم إن أبوه عمل كده عشان بيكرهه، بس وحياتك عندي لهفضل
ورا ابوه لحد ما أخرجه من القصر دا شحات.

تفاجئ حسن بكم الغل الهائل التي تكمنه والدته لأخيه، وهذا ما أغضبه وجعله ينفعل عليها.

-ليه دا كله يا ماما، مين قالك اني انا هسمحلك تعملي في اخويا كده، مين قالك اني أصلاً عايز اخد مكانه في الشغل،

أنتي عارفة صابر شايل عني تعب شغل قد ايه.

تعجبت والدته مما تلفظ به، كادت أن تفقد أعصابها وهي تناظر بغضب لكنها تمسكت بأخر لحظة لتزمجر فيه والوجوم حليفها.

-إنت عايز تجنني يا واد إنت، حاول تتعب وتبين نفسك لأبوك شوية يا اخويا بدل ما هو مش قادر يستغنى عن صابر كده،

وإسمع بقى اما اقولك، البت دي ما تروحش من إيدك أنا عرفت من مامتها انهم ناوين يستقروا هنا في مصر وأديك شايف ابوها يحتكم على ايه،

يلا يا حبيبي حرك نفسك بقى وأظهر لها، بدل ما هي لزقة المحروس اخوك وعمالة تلف وراه كده.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي