الفصل العاشر

طفلة بريئة

أبتسم على حديثها الرقيق، وسخر منها قائلاً.

-طب انا هبات هنا، ها هتباتي معايا بقى.

خجلت من كلمته واحمرت وجنتيها جداً ثم أحنت رأسها وأطرفت أهدابها هامسة.

-مش هزعل منك يا باشمهندس، عشان عارفة انك بتهزر مع أني حاسة إنك لسة زعلان.

تنهد بصبر وتمعن النظر في وجهها.

-ماتخديش في بالك، المهم ايه اللي انتِ جايباه دا.

فتحت له علب الطعام، وكورت قبضتها أسفل وجنتها وقالت بضجر.

-طلبتلك أكل إنت مأكلتش حاجة من الصبح، وطول النهار بتشتغل و...

ثم عادت للبكاء مرة أخرى.

كان جائع بالفعل، وحين فتحت العلب أمامه بدء يأكل بشراهه إلى أن تفاجئ ببكائها.

-طب بتعيطي ليه دلوقتي مانتي كنتي ماشية كويس.

اجهشت بالبكاء بصوت مرتفع وصرخت بطفولة وهي تفعل حركات غريبة بيدها.

-عشان انت زعلان وانا مش قادرة اعملك حاجة تفرحك وتنسيك زعلك ده.

وإذا به يمسك يديها وينزلهم برفق محاولاً تهدئتها.

-بس يا ماما اهدي يا مريم، مين قالك كده مانتي عاملة حاجة تبسطني اهو، انا فعلاً جعان وفرحان جداً إنك آخرتي نفسك عشاني وبتفكري في راحتي.

بدئت تهدء بالفعل ورفعت يدها في وجهه مرة أخرى.

-بجد يعني انا عملت حاجة كويسة قدرت انسيك زعلك بيها.

كأب حنون يحنو على طفلته، ابتسم لها وردد قائلاً.

-طبعاً يا ميرو بصي احنا هنقعد ناكل دلوقتي انا وانتي، ما انتي اكيد برضه ماكلتيش وجعانة زيي.

بظهر راحتها شرعت في تجفيف عبرتها مثل الأطفال، وإذا بها تأخذ شطيرة من دائرة البيتزا وتعطيها له قائلة.

-اه والله ما اكلتش حاجة بص انا جيبت اتنين بيتزا خد انت اللي بالفراخ دي وسيبلي المارجريتا عشان بحبها.

نظر إلى يدها ثم أعادها إلى مكانها وبدل العلب امامها وهو ينفي ما قالته.

-مين قالك تقسمي كده انشاء الله، مانا كمان بحب المارجريتا، خدي انتي اللي بالفراخ وسيبهالي.

-يا سلام يا أخويا يعني انا اجيب الأتنين وانت تختار بمزاجك لاء ماليش دعوه انا هاخد بتاعتي.

اخذت العلبه من امامه وكادت ان تفتحها إلا أن يداه سبقتها وأغلق العلبه ثم جذبها اليه.

-اولاً انا اللي هاكلها عشان تتعاقبي على انك مأخدتش رايي فين ع الاكل اللي
هاكله يا هانم

ثانياً بقى مش عشان انتي اللي دافعة هتزليني، ماتنسيش مين اللي بيصرفلك المكافئات اخر كل شهر يا حلوه ها.

رمقته بغيظ وإذا بها تفتح العلبة الآخرى بحركة ماكرة قالت.

-خدها بس مش هديلك بقى من ساندوتشات الشاورما دي.

حاول أن يلقى نظرة داخل الحقيبة الورقية ويسأل.

-دي شاورما فراخ ولا لحمة.

قطمت قطمة من الساندوتش بتلذذ.

-اممم شاورمة لحمة بس ايه خطيرة.

تلك الشيطانة الصغيرة انتصرت عليه، ليفكر في عقد صفقة سريعة بينهم حتى لا يخرج خاسر.

-طب بصي احنا هانعقد deil مع بعض،

انتِ تاخدي نص المارجريتا مرحبا وانا النص التاني والشاورما برضه بالنص ايه رأيك.

عقدت حاجبيها ونظرت الي علبة البيتزا الاخرى مسائلة.

-الله طب والبيتزا التانية هنعمل فيها ايه.

-عادي خديها معاكي اديها لاخواتك او لأي حد.

-ماشي بس على فكرة انا وحيدة ماعنديش اخوات.

-جذب الطعام من يدها بلهفة وهتف.

-ايه دا بجد طب معلش ربنا يديكي اخوات كتير هاتي بقى انا جعان.

أصبحت الساعة التاسعة مساء وهم مازالو جالسون يأكلون ويمرحون معاً إلى أن عم الصمت بينهم وتبادلوا النظرات سوياً ليمرح معها قائلاً.

-ياه تعرفي اني بقالي كتير اوي مأكلتش مع حد ولا اكلت اصلاً بنفس مفتوحة كده.

-ليه مابتكلش في بيتكم.

ردها على كلامه خرج بتلقائية، رغم أنه كان فاظاً ومحرجاً له، لتتلقى رأسها ضربة خفيفة من يده وهي مازلت تلك الطعام داخل فمها
المنمق.

-احترمي نفسك بقى.

وضعت يدها خلف رأسها نظرت له
بضجر.

-أي وانا قولت ايه.

-شكلك حلو وانتي تاكلي زي الأطفال كده، بس انجزي بقى عشان انتِ اتأخرتي اوي.

كانت سعيدة بجلوسها معه حقاً ولا تريد تركه.

-مش بعرف أكل بسرعة، هو انت صحيح هتبات هنا.

تركها جالسة وحدها واتجه الي سترته المعلقة على المشجب ليرتديها وهو يوضح لها الأمر.

-اه هبات هنا بس الأول هاوصلك لحد بيتك وارجع تاني مش هينفع اسيبك تروحي لوحدك في الوقت دا.

عاد إلى وجهها الوجوم وبدئت تجمع بقايا الطعام وتنظف المكان.

-ممكن اسالك سؤال.

-اسألي.

-لما انت مش مرتاح في العيشة مع باباك، ليه ماتقعدش في اي شقة من شقق المشاريع بتاعت الشركة.

استند بجزعه السفلي على ظهر مكتبه واوصد ذراعيه على صدره مفاجئها بالرد.

-لأني ببساطة ماملكش تمن اقل شقة في اي مشروع من المشاريع دي يا مريم.

كادت روحها ان تفارق جسدها من شدة السعال وهي جاحظة العينين مندهشة مما قاله.

جري سريعاً إليها يناولها كوب الماء ويسقيها بيده وهو مذعور عليها.

-اوعي تموتي يخرب بيتك.

ضغطت على يده وهو يسقيه الى ان افرغت الكوب بأكمله داخل جوفها وبعدها تركته مستفهمة.

-بتقول ايه! بقى الباشمهندس صابر النغاس ابن الميليدر فرج النغاس، مايملكش شقة صغيرة ولا حتى تمنها، دا انت ابوك حوت من حيتان البلد يا عم.

-الله يخرب بيت لسانك يا شيخة هو انا مش مالي عينك والمفروض تحترمي ان انا مديرك برضه يا بت انتِ، ولا يعني عشان اكلنا مع بعض خلاص.

نفضت يدها بطريقة هوجاء وجلست تفكر

-اقعد على جانب بقى اما اشوف لك حل مانا مش هينفع اسيبك هنا.

رفع حاجبه الأيمن متعجباً من طريقتها معه واذا به يقترب منها.

-اخدتي عليا انتِ اوي يا مريم، بس اقولك على حاجة انا اللي عملت في نفسي كده.

ثم قبض على حجابها من الخلف واوقفها عنوة قائلاً.

-ادامي يا اختي اما اروحك.

نفضت يدها من عليه بخجل وجرت من تحت ذراعه رافضة فكرة قربه منها.

-ابعد ايدك لو سمحت يا باشمهندس، وماتحاولش تقرب مني كدة تاني، انا مش زي اي حد يجي في بالك ومتشكرة اوي على التوصيلة انا هاطلب أوبر.

انتبه صابر لحديثها الشرس هذا، و وقف مندهش من تفكيرها السيئ به، ثم تذكر على ما ترمي به من تلميحات،

ليلحق بها قبل ان ترحل وأمسكها من عضدها بغضب وضغط على زر المصعد حتى انفتح بابه أمامهم ليزجها بداخله ويلحق بها بتعصب.

-أياكي تفكري فيا الظن ده تاني، وأنتِ اصلاً مش زي اي حد بالنسبة لي، اتفضلي بقى ادامي قولتلك انا اللي هاروحك بلا أوبر بلا ز..

أحنت رأسها ولأول مرة تشعر بالخوف منه.

-اصلاً مش هاقدر اركب معاك عربيتك وتوصلني لحد البيت، وكمان عايز تدخل حتتنا بعربيتك دي.

توقف المصعد في جراچ الشركة وخرج منه وهو يقبض على يدها ويزجها داخل سيارته بعنف.

-اديكي ركبتي يا اختي، وهوصلك عربيتي، خلينا بقى نشوف هيحصل ايه حتتكم دي.

-لاء والنبي يا صابر بلاش عشان سمعتي، انت ماتعرفش اصلاً ممكن يجرلي ايه لما انت تمشي وتسيبني، دا إن عرفت تخرج اصلاً.

اندهش من خوفها الغير مبرر، و صعق اكتر حين وجدها تزيل الألقاب بينهم.

-صابر!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي