الفصل الواحد والثلاثون

ظهور النغاس


وقبل ان يأمر السائق بأن يتحرك وجد الحج عمران يهتف له.

لو جاي مادد ايدك ليه بالخير حقيقي يا باشا يبقى احنا اللي لازم نرحب بيك ونعتزرلك كمان إننا فرضنا سوء النية من ناحيتك لأبنك،

تعالى يا باشا اتفضل اقعد مع ابنك واتكلم معاه براحتكم، لكن لو رافض طبعاً يبقى براحتك ونورتنا يا باشا.

رمقه فرج بطرف عينه وأشار للسائق بأن يتحرك وهو يوجه حديثه لصابر.

-أنا مش باشا يا حاج وابقى اسال صابر عني، دانا جايبها من تحت اوي،

وانت يا صابر لو مش عايز ترجع معايا بقى خلاص برحتك، بس بكره الصبح هستناك في الشركة تقعد معايا ونتكلم بهدوء.

صعد صابر إلى شقته بعد أن غادر والده بصحبة رجاله من الحي بأكمله،

ترك بابه مفتوحاً وجلس على أول مقعد قابله يفكر،

كانت هي قد ارتدت فستان فضفاض واسع، ولفت حجابها عليها، وتقدمت لتجلس على المقعد المقابل له وهمست.

-صابر.

-نعم يا مريم

-ليه خليته يمشي من غير ما تسمعه مش يمكن.....

-يمكن ايه

جهر بها صابر وهو يقف ينفض يديه الأثنان بعضهم البعض.

-فكراه جاي ياخدني في حضنه، هيقولي ارجعلي يا ابني انا ابوك اللي مالوش غيرك ،

دا واحد قتل مراته ولحد دلوقتي معتقد أنها كانت ست مش كويسة بس عشان شافها قاعدة مع ابن عمها،

وطول السنين دي بيعذب فيا بكلامه اللي زي السم ويقولي أمك خا.. طيه، انا أنجح في مدارس وابقى مهندس زي ما يتمنى وهو يقولي قتلت امك عشان خانتني،

ابنيله في مواقع وانجحله مشاريعه، وهو يقولي هكتب كل حاجة لحسن

عشان هو مش زيك وامه ماعملت اللي امك عملته مع انه عارف َمتأكد أنها هي اللي دبرت كل حاجة.

-تروحله عشان صلة الرحم يا صابر.

هكذا تحدثت الجدة وهتفت بها وهي تلج اليه داخل شقته تستند على عصاها.

وقفت مريم سريعاً، تسند جدتها من الجهة الأخرى، وتجلس ها تستريح وهي تستمع الي حديث حبيبها.

-قطعها يا تيتا صلة الرحم اللي بيني وبينه هو قطعها من زمان.

-ربك قال (وبالوالدين إحسانا).

-أحسنت كتير كان يضربني بالقلم، اديلة خدي التاني وعمري ما اتكلمت او اشتكيت بس خلاص بقى فاض بيا،

-معلش يا ولا يمكن لما بعدت عنه حس انك هتروح من ايده والضنى غالي يا بني مهما كان،

بص انت النهاردة هتكتب كتابك على البت الحلوة دي زي عمها ما قال، وبكره الصبح تروحله شركتكم دي، وتشوف نيته ايه من ناحيتك.

وهنا تدخل الحاج عمران في الحديث وهو يلج إليهم من الخارج و معه زوجته.

-إن جيت للحق يا صابر يا بني الرجل دا شايل هم كبير على قلبه بيخرجه كله في صورة عصبية وغضب، مع انه اكتر واحد تعبان فيكم.

جلس بجانبه وربت على قدمه عدة مرات وأكمل حديثه.

-بس انت واد حر وجدع رجل كده في نفسك وكفاية انك ماستحملتش الأهانة على بنت اخويا زي هي ما حكت ليا.

بهدوء شديد ازاح صابر يد عمران من على قدمه ثم أردف له.

-لو انت غيرت رأيك فيا، عشان شوفت الهيبة والعربيات وعرفت ان ابويا غني، وفاكر ان تحت القبة شيخ فلوس ابويا هي فلوسي،

يبقى موافقتك ماتلزمنيش، انا واحد كان كسب
ابوه ملايين من الدولارات، لكن جيبي انا ماكنش فيه غير خمسين جنيه،

كان يشغلني معاه بلقمتي ونومتي، ولما سيبتله البيت واشتغلت مع شريكه،

وقفت على رجلي لوحدي وجبت لبنت اخوك شقة تمليك عقدها بأسمها اهو اتفضل شوف
عشان تعرف انا شاريها اد ايه.

اعطي له العقد في يده، ثم أكمل.

-ابويا اللي انت فاكره جاي ياخدني في حضنه ويقولي ارجعلي يا بني،

جاي ياخدني عشان مصلحته، لوكان لقى حد يحافظ له على شغله ماكنش سأل فيا اصلاَ،

لو اخويا بيعرف يعمل اللي انا بعمله كان كتبله كل حاجة من زمان و خلص نفسه.

اغلق عمران ذلك العقد ومد يده له به،  ثم حاول الدفاع عن نفسه.

-إخص بقى انا اقولك انت واد جدع ورجل، وانت تظن فيا كده، طب يا عم الله يسامحك بس انا بدور على غنى ولا انا ناقصني هيبة والحمدلله،

انا كل اللي يهمني اني اطمن على بنت اخويا، ومداخلهاش وسط عيلة بياكلوا في بعض،

بس أدام انت بقى هتبقى بعيد وتحافظ عليها اقول لاء ليه.

احنى صابر رأسه بأسف فعلي مايبدو انه أهان الرجل دون أن يدري وهو لا يستحق ذلك.

وهنا تحدثت الجدة برزانة تريد أن ترجعه عن تلك الفكرة التي ترسخت داخل عقله.

-ليه بس يا بني بتفكر كده، انت تفكيرك ده بتظلم كل اللي حواليك،

ادي نفسك فرصة تهدي وتفكر يمكن لما تقعد لوحدك تكتشف انك انت اللي ظالم ابوك مش هو يا صابر،

بتقول ان اخوك مايعرفش يعمل اللي انت بتعمله ليه، يبقى عايزه يعتمد عليه ويسيبك ازاي،

بتقول انه حارمك ومش بيكافئك على تعبك معاه ماهو دا من خوفه لتسيبه لوحده زي ما بتهدده على طول، انت اصلاً اول ما جاتلك الفرصة عملت كده.

رجع برأسه للخلف واسندها على ظهر مقعد وهو يتنهد براحة.

-ومش هرجع له تاني خلاص بقى انا تعبت من المشاكل والحرب اللي انا فيها دي مش عايز منه حاجة وهقف على رجليا لوحدي من تاني.

وأخيراً ما تحدثت زوجة عمران وهي تضم مريم تحت ذراعها وهتفت بمرح.

-ما تهدى كده يا استاذ وتصلي على النبي، عليه افضل الصلاة والسلام، سيبك بقى من الفكر والحزن دا يا اخويا وحط ايدك في ايد عمك،

يوه انت مش قولت يا عمران ان كتب كتابه على مريم النهاردة هو في يا اخويا فرح من غير قراية فاتحة.

أعتدل صابر وانارت البسمة وجهه، وهو يضع يده في يد عمران الممدودة اليه وهو يشير لها بسعادة.

-على قولك يا ام مصطفى هات ايدك يا صابر واقري فاتحتك على مريم، زغرطي يا بت.

اطلقت زوجته الزغاريط بسعادة لها معلنة عن خطبتهم، لتعم الفرحة المكان وتعرف أخيراً طريقها الى قلب صابر

الذي علم أنه مهما وقع في مصائب لم يجد راحته وسعادته سوى معها هي فقط.

ولجت نور على ابنتها ليلى، وجدتها تبكي بشدة فجلست بجانبها تملس على شعراتها وتسئلها لما البكاء.

-مالك يا ليلى بتعيطي ليه يا حبيبتي، انتِ كنتي بتكلمي حد في الموبايل.

-ايوة يا مامي حسن كان يكلمني.

-حسن! هو قالك حاجة زعلتك.

-قالي ان صابر هيتجوز مريم النهاردة يا مامي.

-مريم مين ويتجاوز النهاردة ازاي اصلاً، هو مش كان معانا امبارح ماقلناش حاجة عن الكلام ده اصلاً.

-حسن قالي ان باباه عرف مكانه، قاعد في بيت مريم دي، وراحله عشان يرجعه البيت، بس هو رفض وقاله انه هيتجوز مريم النهاردة يا مامي.

-وانتي ايه اللي يزعلك بس في كده، انا مش فاهمة انتي بتعيطي ليه.

-عشان انا بحب صابر يا مامي مش بحب حسن دا، هو ليه فضل البنت دي عني، انا قولتله يا مامي إني بحبه بس هو رفض حبي دا وراح ليها هي.

ارتمت على صدر والدتها وزاد بكائها حرقة، لتقرر والدتها مساعدتها للتخلص من تلك الفكرة.

-حبيبتي صابر مش يعرفك بقاله كتير، واكيد هو بيحب البنت دي بقاله كتير عشان كدة فضلها عليكي مش اكتر.

وبعدين احنا جاين هنا عشان نعرفه حاجة معينة وناخد حقنا من اللي اذانا زمان، وهو لو حب يرجع معانا يبقى هيكون ليكي اكيد لكن فضل انه يقعد هنا هاسيبله الشركة ليه وابقى برضو كده اطمنا عليه يا ليلي.

-وأنا يا مامي انا اعمل ايه! دانا مش قادرة انساه لحظة مش عارفة افكر غير فيه هو بس.

-ليلى فهميني صابر لازم اعتبريه اخوكي من دلوقتي لحد ما يعرف الحقيقة، وساعتها بس هو اللي هيبقى صاحب القرار، مش انتِ وبعدين حسن بيحبك،
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي