الفصل العشرون

حب جنوني

كان يصعد الدرج وهو يحمل حقيبة ملابسه بيده، وإذا به يقف امامها يلقى حقيبته من يده لها، وهم ليتخطها محاولاً اقتحام شقة جدتها، حتى ينال من هذا الجرو الصغير.

لتؤكد هي على حجابها بيد وتصده باليد الأخرى بتساؤل!

-حصل ايه بس يا صابر؟

ثم التفتت الي مصطفى الصغير وهتفت.

-عملت له ايه بس يا ديشا، انت لحقت تتعرف عليه وتعرفه بيك وبعمايلك يا مصطفى!

ليصيح صابر بجمود.

-أيوة عمايله ايه هي عمايله بقى يا هانم، اصلاً الواد ده مش بالعاني من ساعة ما دخلت بيتكم، وعايز أعرف أنا عملت إيه عشان يعاملني كده!

ترجلت جدتهم أثر ذلك الصوت، وأمسكت حفيدها الصغير من طرف أذنه هاتفة.

-تعالى يا صابر ادخل وقولي عملك ايه ابن ال... وانا اربيه وأدبه ليك.

كان بالفعل منفعلاً من داخله يكفيه ما هو فيه، وما كان ينقصه هذا الصغير حتى يزيد الطين بلاء.

زج حبيبته بعنف من أمامه، و دلف إلى جدتها ليسقط في جعبتها مكيال همومه.

-بصي يا تيتا الحاجه، انا واحد شايل فوق دماغه هم يكفي جبل، فأكيد يعني مش هستحمل عقل العيال كمان عشان اقعد افهم وحايل.

-بس ماتقولش عيال بس، وديني لو قولتها تاني لكون نازل مكسر ليك ازاز عربيتك المرة دي.

كان هذا حديث الفتى الصغير، الذي أراد إظهار عدائه له في العلن أمام الجميع.

لتهتف جدته وهي تخبط رأسه من الخلف.

-اسكت يا مضروب هو كان عملك حاجة عشان تاذيه يا وش الاذى انت.

-ايوة عمل مش البيه جاي وفرحان بنفسه اوي عشان ياخد مريم مني! وديني لطفشه من البيت.

أعلنها الصغير واضحة، مما جعل الجميع يتلجم في مكانه...

الجدة تقف مندهشة.

صابر يقف جاحظ العينين ولا يحيد نظراته عن هذا الشيطان الصغير.

أما مريم فقد اقتظ وجهها باللون الاحمر وتحول جسدها إلى وهج من نار من شدة الخجل.

لتحاول الجدة ان تزيل هذا الاحراج عن الجميع قائلة بصوت متحشرج.

-كلام ايه اللي بتقوله دا بس يا ابو لسان طويل انت، ماتخدش على كلامه يا ابنى دا

حتة عيل هتعمل عقلك بعقله.

انتفض الصغير من اسفل يد جدته وصرخ.

-برضه هتقولى عليا عيل، طب وربنا من راجع عنه وقابلوا بقى اللي هيحصل كل يوم ، يا انا يا انت يا ابو عربية لحد ما اطفشك من هنا، وانتِ ماحدش هياخدك منى اتفضلى بقى ادخلى اوضتك ماتقفيش قدام الراجل ده.

بالله ماذا تفعل الان وقد اوشكت قدميها على التخلي عنها وتسقطها، في الحقيقة قد أعطاها الحل الان

لم تعطى لعقلها حق التفكير، لتجري من امامه الى غرفتها، ويسير الصغير خلفها مبتسماً له ولانتصاره عليه.

ضحك صابر رغما عنه ، ولكنه قرر ان يميل هذا الصغير نحو كفته حتى يتجنب مقالبه السخيفة.

وبيد واحدة امسك به وحمله على ذرعه واتجه به نحو جدته مطمئناً له.

-تعالى متخفش مني انا مش هعملك حاجة، وإن كان على عجلة العربية يا سيدي، هاخدك دلوقتي ونروح نعملها سوى ، وكمان هجبلك حاجات حلوة كتير،

بس الاول قولي بقى جيبت الكلام اللي انت قولته ده منين.

تفاخر الصغير بنفسه وانزلق من على ذراعه جالسا بجانب جدته ثم هتف فيه بتكبر.

-لاء يا سيدي شكرا مش عايز منك حاجة وبعدين مريم اصلا مابتخبيش عني حاجة، بس يكون في علمك انا قولتلها اني مش موافق.

-طب ليه بس يا ديشا وانا اللي بقول انا وانت هنبقى اصحاب.

قالها صابر مفتعلا الاستياء والحزن، ليناظره الآخر كرجل كبير منفضا يده في وجهه.

-عايزني اوافق علي انك تاخدها مني انت عب.. يا استاذ.

ضحكت جدته على حديثه الرجولي ، ليتلقى منها الضربة الثانية خلف رأسه.

-يوه جاتك ايه يا دي الواد والنبي كلامك عسل.

انتفض الصغير من جانبها مسرعا وهو يهتف ويجري نحو غرفة مريم .

-بطلي ضرب بقى يا تيتا، قليتي قيمتي قصاد الناس يا شيخة.

سريعا ما دلف الي غرفتها واغلق الباب من خلفه، لتنطق هي محاولة عدم احراجه .

-معلش اصله متعلق بمريم اوى ومن كتر حبه فيها مش بيبطل خناق مع ابوه عشانها ' ومتهيئله أن كل الناس عايزة تاخدها منه.

-بس انا فعلا بحبها يا تيتا.

كان يظن انها ستتصنع عدم المعرفة أو ربما تهاجمه على ما قاله لكنها فاجئته بردها عليه.

-طب ما انا عارفة يا واد، انا بنت ابني متربية يا حبيبي ومابتعملش حاجة في الدرا من ورايا .

ليزيح ستار الكذب من بينهم، ويعلن لها عن ما ينوي فعله من أجل حفيدتها.

-طلاما انتي عارفة كل حاجة انا كمان مش هخبي حاجة عليكي.

بصراحة بقى انا فعلا بحب حفيدتك و طبعا اتفقت انا وهي على الجواز، بس اكيد هي برضه حكت ليكي على ظروفي، وانا غصب عني لازم استنى شوية لحد ما ابنى نفسى من اول وجديد.

بكل حنان تمسكت يده وربتت عليها مؤكدة.

-ربنا يردلك ضالتك يا حبيبي ماتقلقش مريم جدعة وطيبة وهتلاقيها في ضهرك دايماً، واقفة معاك وايديها دايماً في ايدك.

ابتسم على مدحها لحفيدتها وترابط تلك العائلة برغم جحود رجلهم الوحيد، الا انهم يبدو عليهم تبادل المحبة بين الكبير والصغير!

الصغير لقد غفل عن أمره فهتف بتذكر.

-لكن مصطفى دا واضح انه مركز معايا اوي، و بيحب مريم اوي ومش هيسبها بالساهل.

ضحكت الجدة متذكرة حديث مصطفى معه

لتهدئة رابتة على يده.

-ماتقلقش زمان مريم بتظبطه جوه وهيطلع دلوقتي يقولك يلا نروح نغير العجلة.

-مسا الخير يا اما!

ومن تكون تلك الغريبة التي تقف تسد الباب ببدنها السمين أيضاً.

-مسا النور يا ام سمر جاية من بره ولا خارجة الساعة دي.

هتفت بها الجدة لزوجة ولدها عامر معرفة إياها لصابر وقد دلفت ومن خلفها ثلاث فتيات أصغر من مريم.

-رياحة لأمي ابص عليها، واشوفها لو
محتاجة حاجة، الا يطلع مين الافندي.

لتجريبها في الحديث لكن دون أن تخبرها بشيء.

-دا الباشمهندس صابر جارنا الجديد اللي سكن في شقة مريم

ودي مرات عمك عامر يا صابر، والتلات قمرات الصغيرين دول يبقوا بناته، الكبيره دي في اعدادي اسمها سمر الوسطانية في ابتدائي اسمها سلمى،

اما آخر العنقود العسل كله ام شعر احمر دي لسه في سنة تانية.

وقف بكل ادب منحنى الرأس ليذهب من وسطهم.

-طب عن اذنكم انا بقى هدخل أفضى شنطة هدومي.

-لو النبي ما يحصل خليك يا استاذ احنا ماشيين كدة كدة، اومال فين ديشا يا اما.

لتجيب سؤالها بأمر على الفور.

-ديشا قاعد جوه مع مريم، سيبيه معاها وروحي شوفي طريقك انتي وابقى سلمي على امك.

-حاضر يا اما يلا سلام عليكو نورت بيتنا يا أستاذ.

رحلت أخيراً وأخذت معها الفتيات، لتهمس له الجدة.

-يلا قوم دخل شنطة هدومك الشقة وغير كدة وخد راحتك تعالى اتغدى معانا، دي مريم نفسها في الأكل حلو خالص.

سعد جداً بحديثه معها، وشعر أيضاً بالأرتياح بتقبلها وضعه مع حفيدتها ولكنه فضل أن يؤكد عليها.

-انا وعدت مريم وباكد ليكِ انتِ كمان وعدي، ان شاء الله السنة دي مش هتنتهي إلا وأنا جايب لمريم شقة تمليك في أحسن حتة وتكون هي منورها بإذن الله.
اطمئنت هي لحديثه الرجولي وهمست.

-من كلام مريم معايا عنك، عرفت انك رجل وقد كلمتك، لكن كمان خوفت عليكم انتو الاتنين وخصوصاً لما رجعت من الشغل النهاردة وعلامات البكى ليه ثابتة على خدودها.

حزن من أجلها وأغلق عينه بشدة ألماً على ما سببه لها من حزن.

-أنا عارف إنها كانت هتتأذي بسببي من ابويا، و عشان كده قررت اني أخدها معايا الشركة الجديدة، و اوعدك ان اللي حصل النهاردة ده مش هيتكرر ليها تاني، طول ما هي معايا.

-وانت هتسيب حقك كده بسهولة، يضيع منك، اَبوك ظالمك ماشي، بس احنا اتعلمنا زمان ان لكل ظالم نهاية.

-وابويا كتب نهايته بأيده، لما سلم حسن اخويا كل حاجة، مع انه عارف انه هيضيعها بس هو اتحداني وانا قبلت التحدي.

تنهد السيدة العجوز بصبر وهمست، تبات نار تصبح رماد يا حبيبي، اعقلها انت وسيبها على ربنا، دا ربك خلاف الظنون يا حبيبي.

ًوقفَ من جانبها ومد يده في جيب بنطاله، وأخرج منه المال، ثم أردفت وهو يمد يده لها به.

-دول التلات الاف اللي مريم اديتهم خالها، ومعاهم كمان الالف اللي طلبه للايجار، مع اني مش عارف هو بياخدهم ليه مش المفروض دي تبقى فلوسها هي.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي