الفصل الثلاثون

لم يكن يوماً بيتي

وضع المفتاح في الباب وكاد أن يدلف، الا انه وجد فتايات عمران يترجلون على الدرج ذاهبون إلى مدرستهم وخلفهم ديشا يلحق بهم بنعاس.

فهتفت الثلاث فتيات سوياً.

-صباح الخير يا أبية.

نظر في ساعة يده وجدها تمام السابعة، فأدرك أنهم ظلوا يتحدثون لمدة ثلاث ساعات او اكثر، ولكن الصغار ليس لهم ذنب في كل ما يحدث ليرد عليهم بأبتسامة.

-صباح الخير يا قمرات.

ثم وجد هذا الصغير الجميل يقفز له بمرح

-صباااح الخير يا صاحبي.

استقبله بين ذراعيه وهو يضحك رغماً عنه.

-أهلاً صباح الفل يا حبيب قلبي.

اكملوا الفتيات سيرهم للأسفل بينما خرج والدهم ينادي مصطفى بإنزعاج.

-واد انت انزل من على ايد الراجل ده
وتعالى هنا.

ليناظره مصطفى نفس الغضب.

-بطل انت زعيق يا عم انت، ملكش دعوة بصاحبي.

ربت صابر على ظهره وأنزله من على يده قائلاً له.

-يلا يا حبيبي عشان تلحق مدرستك مع اخواتك، ولما ترجع ابقى تعالى سلم عليا قبل ما امشي.

صعق الصغير من رده وجحظت عيناه مندهشاً.

-هتمشي ليه! لاء خليك معايا ماتمشيش مش احنا أصحاب وانت قولت هتجوز مريم.

نظر هو إلى هذا الرجل الذي تفاجئ بمعرفة الصغير بذلك الأمر وقال.

-ما انا هتجوزها يا ديشا، بس انا اشتريت شقة في مكان حلو اوي، و هاخد مريم ونسكن فيها.

يتعلق الصغير في عنقه هاتفاً.

-يعني كمان هتاخد مريم معاك، لاء ماتسبنيش انتو الاتنين خدوني معاكم.

ولكن حل ذراعيه الصغيرين وانزله من على ذراعه، بعث له في شعراته الناعمة وهو يهدئه.

-حاضر يا حبيبي مش هامشي يلا بقى عشان انت متتأخرش وتأخر اخواتك على المدرسة.

تركه الصغير وكله اسف، وبعين دامعة تخطى والده وجرى إليها يحتضنها.

-اوعي تمشي يا مريم، خليكي هنا انتي وعمو صابر عشان خاطري.

مازلت تبكي وتنتحب حبيب قد يرحل و عم ظالم قد يمنعها من الخروج والذهاب أليه.

اغلق هو باب شقته، وهو يستمع إلى توبيخ عمها لها، لكنه قد نفذت كل طاقته في الصبر، وأن عاد إليه حتماً سيفجر رأسه من شدة اللكمات التي سيقابله بها.

ولج إلى غرفة نومه وهو عازماً أمره أن يستريح قليلاً، القى بجسده على فراشه ومن شدة تعبه وألم رأسه غط في نوم عميق.

وبعد وقت لا يعرف مدته، أقلقه صوت صراخ، ونغزات في كتفه، كما أنه يستمع أيضاً إلى أصوات جماعية تاتيه من بعيد،

فتح عينيه بتثاقل ليلاحظ وقوفها أمامه بمنامتها الخاصة ذات البنطال الضيق و وكنزتها ذات الأكمام الطويلة،

وشعرها الطويل مفرود خلف ظهرها عيناها تزرف الدمع كأنها تريد الهروب من شئ ما.

انزعج من وقفتها واعتدل مرعوباً عليها.

-في ايه مالك.

صرخت من شدة رعبها وبدأت تجذبه بيديها من على الفراش..

-قوم بسرعة تعالى أما اهربك ابوك جيه تحت في الشارع ومعاه بودى جارد كتير وناس شايلين سلاح كده وعمي واقف متصدي ليه ورجالك الحته اتلمو هما كمان و واقفين معاه.

-اهدي شوية اتكلمي براحة، ابويا ايه اللي هايجيبه هنا.

-بقولك قوم اهرب يا صابر.

-اهرب ليه هو انا مجرم ولا عامل عاملة عشان اهرب اوعي كده من وشي خليني اشوف في ايه.

-استنى يا صابر بلاش تبص من الشباك لا يشوفك عشان خاطري.

نظر من النافذة بالفعل، وجد والده يقف يتناقش بهدوء مع عمها عمران الذي كان يقف يتصدى له ولأي أحد يحاول الهجوم على بيته،

فجري سريعاً نحو الخارج، حتى يقف هو أمامه ولا يتأذى أحداً بسببه.

العجيب أن العم عمران هاجم والده من اول ما لمست قدماه أرض الحي، وكأنه لم يتشاجر مع ولده في الصباح أو حتى أمره بالطرد من بيته

لكنه أخذ الموضوع تحدي حين بدء فرج حديثه بصيغة الأمر هاتفاً.

-بقولك ايه يا راجل انت، دي عربية ابني وانا مش جاي في شر انا واحد جاي ياخد ابنه معاه ويمشي،

فياريت بقى تقولى على مكانه بدل ما ادخل انا برجالتي افتش كل بيوت الحي دا بيت بيت.

وهنا أراد الحاج عمران ان يعلن له بأنه ليس بهين أيضاً، حيث هتف فيه.

-الله في سماه لو ماكنتش رجل كبير لا كنت دفنتك مطرح ما انت واقف،

بيوت الحي اللي انت عايز تدخلها دي هيتعشو بلحمك انت وشوية الأفيال اللي انت جايبهم معاك دول،

روح من هنا الله لا يسيئك، احنا مالناش في اللي بينك وبين ابنك عشان نتدخل فيه، بس صابر لو كان عايز ينزلك كان نزل من ساعة ما رجلك خطت هنا.

-أنا بتهددني ياراجل انت، أنا هعرفك انت بتتكلم مع مين.

ثم أشار لرجاله بأن يتحركوا داخل البيت.

وأشار أيضاً الحاج عمران لرجال الحي بأن يتأهبو للدفاع عن بيته وأوشكت المعركة على الاندلاع.

وقبل ان يسقط أحد جريحاً او قتيلاً ظهر صابر مقتسم الجميع متأهباً للعراك مع والده.

-ماحدش هنا ليه ذنب يموت بسببي، انا قصادك اهو يا فرج بيه عايز تقتلني زي ما قولتهالي بدل المرة الف مرة قبل كده اتفضل اقتلني.

ثم نظر الى يده الممسكة بسلاحه ورفعها حتى وضع سبابة المسدس على جبهته وصرخ فيه.

-مستني ايه ماتضرب يا ابويا اقتلني زي ما قتلتها موتني عشان تكون خلصت نفسك من عزيزة وابنها للأبد، اضررررب مستني ايه يا ابويا موتني واخلص وخلصني من عذابي بقى.

ضربة مدوية تلقاها صابر بالفعل، لكنها كانت على وجنته، ليندهش الجميع مما فعله هذا الرجل الذي وقف يصرخ في وجه ولده.

-مافيش أب بيقتل ضناه يا ابن عزيزة، انا ادعي عليك اه لكن انسف بأيدي اللي يقول أمين، يلا قدامي خلينا نمشي من هنا ولينا بيت نتكلم فيه.

وضع راحة يده على وجنته متحسساً موضع الألم، ثم هتف ساخراً.

بيتك عمره ما كان بيتي يا بابا عمري ما حسيت فيه بالدفا، طول عمري حاسس اني ضيف تقيل اوي فيه، دا بيت درية وابنها حسن يا بابا، عمره ما كان بيتي،

سامعني يا فرج يا نغاس، بيت النغاس مش بيتي.

إلى هذا الحد وكفى، تدخل الحج عمران في الحديث جاذباً صابر خلف ظهره قبل أن يحدث له شئ من شدة انفعاله وهتف في هذا الرجل الظالم.

-كفاية لحد كده يا باشا، اظن ان مفيش اي مجال للعراك دلوقتي،

ابنك رافض يرجع معاك ودا راجل عاقل وراشد، يعني مش عيل صغير هتاخده غصب عنه،

وصدقني انا واحد من الناس كنت يتعارك معاه ورافض جوازه من بنت اخويا، لكن بعد اللي شوفته دلوقتي وحكاه قدامي، انا بقولك وبقول لأهل الحي كله،

كتب كتاب مريم بنت اخويا على الباشمهندس صابر النهاردة والحتة كلها معزومة وانت كمان يا باشا حابب تشرفنا تعالي، مش حابب يبقى واجبك وصل.

-نظر فرج لأبنه نظرة غضب وركب سيارته الفارهة وهو يعلن له.

-خليك مصمم على عنادك يا صابر، بس ياريت تبقى تفتكر إن انا جيتلك لحد عندك مادد أيدي ليك وانت بغبائك عنادك رفضتها.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي