الفصل الثاني عشر

جريمة قتل

في تمام الثانية صباحاً وجد من يدق بابه
ويدلف عليه غرفته بل وينير ضوئها ليزعجه من نومه بإصرار.

-صابر انت نمت ولا ايه، لاء بقولك ايه قوم فوقلي كده دانا عندى كلام كتير اوي عايز اقوله لك.

فتح عينه نصف فتحة ليري من هذا المتطفل اللعين، وبعد أن رأه تمسك بوسادته الصغيرة و وضعها على رأسه قائلاً بنعاس.

-إنت شرفت يا حسن باشا، اطلع برا يلا وسيبني انام.

رفع تلك الوسادة من على وجه أخيه وإذا به يهتف بسعادة.

-لا تنام ايه قوم والنبي يا صابر، خليني احكيلك انا كنت فين وعملت ايه مع القمر ليلي.

انتبه لما قاله اخيه، أعتدل من رقدته متيقنا معنى حديثه ثم هتف فيه بضجر.

-عملت ايه يا حسن أوعى تكون...

عقد حسن حاجبيه من انزعاج اخيه ثم قرر أن يوضح له حقيقة الأمر.

-لاء اطمن ماوصلتهاش للدرجة دي، ثم ضحك وألقى له بعض الكلمات الموحية بالمعنى.

-ولو انها كانت مرحبة اوي بقبلاتي وهمساتي، بس مسكت نفسي في آخر لحظة بصراحة.

انزعج صابر من حديثه عن تلك المستهترة، يعلم أنها من عالم أخر غير عالمهم، و لها نشأتها الخاصة بها، لكنه لا يؤيد تلك الحرية المفرطة التي تجني من خلفها دائماً المصائب.

-و ياترى بقى الكلام دا كان فين يا حسن باشا.

-على اليخت بتاعى طبعاً فى وسط النيل والجو الجميل.

-طب ياريت بقى ما تتعمقش اوي في اللعب مع البنت دي اولاً لأنها مش سهلة، ثانياً لأن ابوها مش هيرحمك لو بنته جرالها حاجة.

-يا عم صلى هما دول عندهم الكلام دا، ثم مين قالك من الأساس إن هي لسة بنت!

انفزع صابر من جلسته، هب واقفاً من على فراشه متمسكاً بتلابيب أخيه صارخاً في وجهه.

-إنت مش بتقول انك ما قربت ليها اكتر من كده يا حسن.

-الله مالك بتزعق فيا كده ليه، ايوا ما قربتش ليها بس هي من طريقتها وجرأتها معايا خليتني افكر كده.

هدء من روعته وترك اخوه من بين يديه نافضاً اياه بعيداً عنه.

-إنت شارب!

-اه شربت انا وهي ومكنتش عايز افوق، بس مش عارف ايه اللي خلاني اجيلك واحكيلك مع اني عارف ان كلامي مش هيعجبك يا اخي.

ابتسم له وقرر ان يعود إلى فراشه وهو يشير إليه بسبابته.

-عشان عارف اني هخاف عليك يا حي... يلا اطفي النور واتكل على اوضتك ياڨلانتينو.

قرر حسن أزعاجه وإذا به يلقى بجسده بجانبه وهو يمازحه.

-طب ما تخليني نايم جنبك هنا، انا اساسا مش قادر اتحرك يا صابر.

بنطرة من قدمه القى به أرضاً وهو يسخر منه.

-ليه فاكرني ليلي انا كمان ولا ايه، امشي اطلع برة يلاا.

ضحك حسن علي حركة اخيه وتصنع الألم قائلاً له وهو يرحل من الغرفة.

-كده ماشي يا عم، بس متنتظرش مني اني اجيلك الشركة بكره بقى تصبح على خير يا اخويا.

أغلق الباب عليه ليعتدل في رقدته وهو يفكر ويقارن بين الاثنتين، ثم وبخ نفسه قائلاً.

-إنت حمار يلاا بتقارن مين بمين، ايش جاب لجاب اصلاً.

قرر أن يعود إلى نومه، لكن قد غفاه النوم، ظل يفكر بتلك القصيرة الجميلة، إلى أن شعر بمقبض بابه وهو ينفتح مرة أخرى، فقرر أن يصطنع النوم.

ومن يريد أن يعكر عليه حتى صفو نومه إلا هو والده، لكنه لم يفعل شيئاً فقط وضع له مبلغ من المال على مقدمة الكمود الخاص به وظل ينظر اليه في صمت قليلاً ثم رحل عن الغرفة بأكملها.

فتح عينه التي أطرفت دمعة وهمس لنفسه.

-ماكنتش عايزهم قد ما كنت عايزك تغطيني يا بابا، كلمة واحدة منك كانت ريحت قلبي أكتر من مال الدنيا كله يا فرج بيه.

فرك وجهه بيديه وقرر ان يغفو قليلاً دون فائدة قد جفاه النوم فهمس مترجياً.

-فينك يا مريم تبعديهم عني وتقفلي عليا وتسيبني ارتاح براحتي، يا رب النهار يطلع بسرعة عشان اجيلك يا حبيبتي.

عاد النغاس الكبير إلى فراشه وتمدد عليه بجانبها، تلك الحية اللعوب التي تتلون بكل الألوان وتأكل من على كل الموائد يسمعها تسخر منه وهي معطياه ظهرها.

-برضه نفذت اللي في دماغك وروحت اديته فلوس، اسمحلي بقى يا فرج انت كده بدلعه اوي.

نام هو الآخر معطيها ظهره، متأففاً مما تقوله.

-بدلعه! مالكيش دعوة بابني يا درية، ما تدخليش اوضته من وراه تاخدي فلوسه انتي فاهمة.

بكل تبجح اجابت عليه.

-و اسيبهم ليه اذا كنت انت بتدخل تحطله بالعشرة والعشرين الف، البيه بيتنمرض عليهم ويرفض يقرب منهم، ابنك دا عيل جاحد يا فرج،تل يأما ياخد كل حاجة يأما يغضب على الفلوس اللي بتسبهاله.

اغمض عينيه بقوة محاولاً أن يكتم غيظه منها حتى لا يقوم ويدق عنقها بيده.

ثم صخب عليها قائلاً.

-بقى هو ابني انا اللي جاحد، قولتلك نامي يا درية قبل ما اقوم انا واخد روحك في أيدي قبل ما تقومي من رقدتك نامي.

تعلمه جيداً حين ينزعج بهذه الطريقة يتحول إلى وحش ثائر لا يقوى احد عن ردعه،

في الواقع هي الوحيدة الإداري بذلك الوحش، بل هي من ربته بداخله وباتت توسوس له مثل الشياطين عندما كانت الصديقة الوحيدة لزوجته الأولى.

هي من تعرف كل الأحداث السابقة، بل هي السبب الرئيسي فيها حين تدخلت بين الزوج وزوجته وبدئت تغرس أغصان الشك في قلب

وتفتعل صديقتها المكائد حتى وقعتها في شباك الاتهام.

جذبت الغطاء على وجهها وافتعلت النوم دون أي حركة لتتركه يتذكر ما لم ينساه لحظة واحدة في حياته كلها.

عزيزة! حبيبته نعم كان يعشقه جداً، كانت رفيقة دربه في صباه، من عانت معه ألم الفقر وعندما ابتسمت الحياة لهم، وبدء يحصد الأموال كانت مكافئته لها هي قتلها وإغماس يده في دمائها.

عزيزة صاحبة الجمال الرباني والنعومة الفائقة، كل قسوته عليها كانت بسبب جمالها،

ولكم أراد أن ينتشلها ويخبئها من أعين الجميع رجال ونساء قتلتها غيرته عليها و وسوسة تلك الشيطانة في أذنه.

فكرة ان يراها فوق سطح المنزل مع صديقه أشعلت النار في الهشيم.

لتعود إليه تلك الذكرى الأليمة وهو قادم من عمله

كانت درية تتغنج هبوطاً على الدرج، و حين لمحته بدأت تنظر لأعلى ثَ تعاود النظر إليه بحركات مرتجفة.

-يوه انت رجعت يا فرج حمدلله على سلامتك يا اخويا.

-الله يسلمك يا ست درية، بقولك اي ماشوفتش عزيزة لسه مرجعتش.

-ها عزيزة لا لاء ابداً ابداً وانا اشوفها فين بس.

ارتاب فرج في نظرتها واسرع في خطاه للأعلى.

-مالك بتتلفتي حواليكي كده ليه في ايه على السطح مش عايزانى اشوفه.

وافتعلت التصدي له وهي تتلجلج في كلماتها.

مافيش حاجه يا اخويا يعنى هيكون مين اللي فوق بس.

صعد الدرجات سريعاً وهو ساحباً سلاحه، ليجدها تجلس مع ابن عمها على سطح المنزل، وبدون أي تفكير أطلق من سلاحه رصاصة استقرت في جبين الرجل،

ثم تقدم منها وهي تصرخ وتلطم صدره بيديها.

-عملت ايه حرام عليك دا كان..

أمسكها من خصال شعرها وسحلها خلفه هبوطاً للأسفل وهو يهتف فيها.

-بقالك يومين هربانة من البيت وجيبالي عشيقك وجاية لحد هنا عشان تاكليها لي يا خا.. طية.

استقرت الرصاصة الثانية في صدرها لتلقى حتفها وينظر هو في عين ابنه الصغير صابر بجمود
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي