الفصل الثاني والعشرون

حية خبيثة

بدفعة قوية من يده، قذف هذا الهاتف من يده, استدار بغضب ودب يده بقوة على مكتبه وهتف بصوت وحشي.

-زود في غلطاتك كمان يا صابر, بكرة فلوسك تخلص وتجيلي راكع علي ركبك.

دفعت درية باب غرفة مكتبه على مصراعيه اثر سماعها من الخارج صوت التكسير القوي, وصوته المرعب ايضاً.


-ايه صوت التكسير ده انت بتتخانق مع مين اصلاً يا فرج, مافيش حد معاك حتى في المكتب.

وجد نفسه يجلس على مقعده خلف مكتبه بكل هدوء, و رمقها بنظرة ساخرة واردف لها.

-البيه بيتحداني عايز يثبتلي انه مش هامه كل اللي عملته فيه النهاردة,لا وايه دا كمان مش بيرد على تليفوني.

جلست على المقعد في مقابلته ,وضعت قدم فوق الاخرى بتكبر.

-وانت فاكره هيرد عليك ما اكيد زعلان على حاله والخسارة اللي خسرها النهاردة, اكيد عرف اللي جراله من ناسه في الشركة و قاعد بيفكر ازاي يرضيك,

بس انا بقى لو منك كنت سجلت الورق بعد ما المحامين كتبوه على طول,انا عارفة بس انت ماسجلتوش ليه وحرقت قلبه على كل حاجة.

غبية تلك المرأة لم تفهم هذا الوحش ذو العقل الشيطاني طيلة مدة زواجها , هل كانت تعتقد أنه رجل ضعيف الشخصية حتى يسلم ذقنه وماله بسهولة لها ولولدها,لقد افتعل هذه الكذبة حتى يعيده إليه, لكنه خذله للمرة المليون يعلمه أنه يحمل نفس طباعه.

-فاكراني اهب..عشان اسجل املاكي لابنك النهاردة ,واصحي الصبح الاقيه بايعهم علي ترابيزات القمار .

هذا الداهية قد طعنها في مقتل الان, وقفت جاحظة العينين متاهبة للعراك معه ,لتصرخ في وجهه بحزم .

-ابني دلوقتي بقى ابني مش دا حبيبك ونور عينك اللي دايماً بتدلع جايبله الفيلا والعربية الآخر موديل واليخت،

مش دا اللي انت عامله حساب مفتوح يسحب منه زي ما هو عايز من فلوسك، جاي دلوقتي بتقولي ابنك،

كنت بتفرح ليه من الاول وتقول قدام الشركة كلها انك هتكتب له كل حاجة.

كل سخطها ورعونته في الحديث معه ذهبوا هباء حين سخر منها بكلمة واحدة.

-مايخصكيش يا درية.

تفاجئت برده الهادئ عليها، بل وعادت جالسة في مكانها بذهول حين أكمل.

-انت مالك أصلاً إذا كتبت لابني الصغير كل حاجة ولا حتى إذا حرمت أبني الكبير وماكتبتلوش اي حاجة،

دي حاجة تخصني أنا وولادي بس يا درية، ومتنسيش نفسك في الكلام معايا تاني خليكي فاكرة دايماً ان انتي عايشة هنا بس عشان خاطر حسن مش عشان حاجة تانية.

لم تظن لحظة واحدة أن يأتي عليها الوقت وتسمع منه هذا الحديث، إذا قالت بإندهاش.

-إنت اتجننت يا فرج، بتقولي انا الكلام ده،

دا انت ناقص تقولي اعيش معاك بلقمتي وارضى بيها كمان، نسيت كل حاجة حلوة كانت بينا، نسيت أنا عملت ايه عشانك،

لاء بقى افتكر كويس يا فرح بيه، مين اللي رضيت بيك ورضيت تعيش معاك وانت ايدك غرقانة بالدم.

إلى هنا وطفح الكيل، هجم عليها الوحش الذي كان يحاول بشتى الطرق السيطرة على ثورته، لكنها أرادت أن تأخذ نصيبها من غضبه الأن.

إذ هجم عليها وبقبضته ضغط على فمها بقوة حتى كادت ان تختنق وتلفظ أنفاسها.

-انا كام مرة انبه عليك واقولك ماتجيبيش سيرة الموضوع ده قدامي انتِ ايه مبتفهميش، ولا عزيزة وحشتك وعايزة تروحيلها.

نفض يده بقوة من على وجهها، ثم نظر اليها بازدراء وهي تسعل وتحاول أن تلتقط أنفاسها تملأ رئتيها بالهواء وهي تجري للخارج من أمامه.

-لاء انت خلاص مابقتش طبيعي، انت اتجننت يا فرج اتجننت، خلاص يا فرج بقيت رجل مجنون وسادي القتل بقى أسهل من الكلام عندك.

ضحك ضحكة ساخرة على فزعها منه، ثم جلس مكانه مرة أخرى يتذكر الماضي ويهمس.

-يا ريتني كنت موتك انتي كمان ساعتها وخلصت يا شيخة.

جريمة القتل كانت بشعة بمعنى الكلمة،

ولكن ما هذا الهدوء الذي يحسد عليه هذا الرجل،

لقد قتل اثنان بدون وجه حق، ونسى عقاب ربه على قتل النفس.

كل ما فعله هو أنه وقف بجمود أمام جثتها، ليجد يد ناعمة رقيقة تربت على يده وتهمس له بخبث.

- اقعد يا فرج وفكر هتعمل ايه في المصيبة دي قبل ما الدنيا تتقلب علينا.

اي عقل واي تفكير تريد أن يركز به، هو الأن يقف المغيب ذهنياً،

كطفل صغير في مبدأ عمره لا يفعل شئ سوى الاستماع لحديثه والسير خلفها فقط، لتنبهه قائلة.

-إنت لسه ماسك المسدس في ايدك، حط المسدس دا هنا.

أشارت له على طاولة جانبية، ليتركه عليها ولم تلمسه هي.

ثم قالت بكل برود أمرة له.

-شيل جثة عزيزة وحطها على سريرها وسيبهالي واطلع هات جثة ابن عمها هنا يلا.

بدء يعي قليلاً ما تريد فعله، يسألها ببرود.

-َعايزة تعملي ايه يا درية دلوقتي البوليس هيجي ويعرف كل حاجة.

لمعت عيناها بمكر وأمسكت يده بحنان ثم قالت له بخبث.

-ماهو لما البوليس هيجي هيعرف ان فيه جريمة قتل حصلت اه،

وانك قتلت اتنين صحيح، بس احنا مش هنخليهم يعرفوا غير اللي احنا عايزنهم يعرفوه، و وحياتك انت ما خليك تتحبس ليلة واحدة بسبب ال.... دي.

ها هي الأن تبخ السم في أذنه وتتلون مثل الأفعى تلتف حول عنقه بنعومة ليصبح في النهاية فريسة سهلة المنال بكل إرادته لها.

حمل جثة عزيزة بين يديه، ولم يتألم قلبه او حتى يرهبه هول المنظر، ثم تركها في الفراش وصعد ليأتي بالقتيل الثاني.

وبعد أن حملة بصعوبة تامة وهبط به الدرجات، ثم دلف به اليها و صدم بعد أن رأي ما فعلته بزوجته.

-ايه اللي انتي عملتيه دا، قلتيها هدومها ليه؟

كانت منهمكة في خلعها ملابسها، وعندما هتف من خلفها بهذه الكلمات، قالت بلا مبالة.

-هاته نايمه هنا وقلعه هدومه هو كمان.

يلا جرئتها ألا تهاب بشاعة المنظر، الا تشعر بالضيق حتى من أجل صديقتها، اذا كان هو من فعلها بدء يشعر بالندم،

يريد أن تعود وتتركه كما تشاء ولا كان مسها بأي سوء ليتسائل بصوت هادئ.

-ليه دا كله!

اقتربت منه وعاونته في وضع جثمان هذا الرجل في الفراش، ثم بدأت تحل أزرار قميصه وهي تشرح لفرج خطتها اللعينة.

-عشان بعد ما هتقلعة هو كمان هدومه، هتطلب البوليس اللي هيجي يشوفهم في الوضع ده،

هتبان قضية شرف وانت مش هتاخد فيهم ساعة واحده حبس، وانا هاروح امسح أثر الدم من كل حتة برة.

اه من تلك الحية الخبيثة رسمت الخطة بالكامل واوقعته في الشباك دون أن يعي ذلك، رغَماً عنه اطاع أمرها فعل كل ما أمرته به

وبالأخير غطى وجه الرجل والتف ليغطي وجهها هي الأخرى، لكنه إنهار من شدة البكاء.

بالفعل حضرت الشرطه بعد أن تلقت بلاغاً من مجهول بسماع دوي طلقات نارية تصدح من هذا البيت.

وشاهدت كل شئ رسمته درية بأتقان حتى أنها ظهرت لهم ما يجي أن يروه فقط، وأخفت عن أعينهم كل شئ يدينه.

مما جعل تلك القضية يحصل فيها الجاني على حكم البراءة قبل حتى أن يقف في قفص الإتهام او يبث فيها قاضي.

وهكذا أيضاً أصبح فرج النغاس بكل جبروته، عبداً ليلاً لتلك الحية الخبيثة.

عاد من ذاكرته وهو يستمع إلى صوت حسن، الذي كان يقف أمامه ويبدو أنه مر علي ثباته هذا وقت طويل.

-بابا انت سامعني!

-إنت رجعت امتى عرفت حاجة عن أخوك؟

يالا العجب انه يفكر في أخيه، بل ويسأله هو عنه.

-لاء طبعاً معرفتش حاجة، انا بقولك انت عملت لي ايه في موضوع ليلي.

ويصرخ في وجهه قائلاً.

-هو انا عشان قولتلك الصبح هجوزك ليلي، تيجي دلوقتي تسألني عملتلي ايه!

متوقع مني ايه يا حسن باشا، اني اكون روحت اتفقت مع ابوها مثلاً.

احتلت ملامح الاندهاش وجه حسن، حيث قال بانزعاج.

-انت بتزعقلي ليه دلوقتي، انا بسألك مجرد سؤال عندك إجابة قولها معندكش خلاص مش عايز منك حاجة.

-اطلع على اوضتك يا حسن.

هكذا كان رد الأب عليه، ليسخر حسن قائلاً.

-بس كده اطلع على اوضتي وكده بقي
الدنيا هتتحل طب انا بقى مش طالع ومش قاعد ليك انا كمان في البيت خليك بقى قاعد لوحدك.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي