الفصل الرابع والعشرين

صاحبي

الآن بدء العد التنازلي لها، فقد بدء يتحرك بسيارته وهو حدثها بمرح ويغويها بكل الطرق.

-فكري براحتك يا روحي وعلقيني في حبك كمان وكمان، وعلى اقل من مهلك في الرد أنا مش مستعجل خالص يا ليلي.

-اوه حسن وبعدين معاك أنا كده هاخد على الدلع ده، و لو كلمتني جد هزعل منك.

ضحك هو الآن ليخيرها حتى تزداد حيراتها..

-طب بقولك ايه انا خارج اسهر دلوقتي، ايه رأيك لو اعدي عليكي اخدك، وتيجي معايا.
َ
لقد دخل إليها من مكان ما تحب لتصمت قليلاً وتبدأ التفكير والمقارنة بينه وبين اخية،

حسن جرئ مثلها تماماً، يريد التقرب منها والتردد إليها في كل الأوقات.

صابر خجول من جهتها، دائماً ما شعرها بنفوره منها، ويريد الابتعاد عنها.

وهل يعقل أن ترفض عرض مثل هذا الأن، لتستمع إلي ملاطفته معها ثانيةً.

-هنرجع السكوت تاني يا قمري، ولا انت قررت التقل عليا يا جميل.

-لاء يا حسن أنا مش هاسكت، تعالي استناني عند في اللوبي بتاع الفندق وانا هنزل.

-تمام يا جميل وانا هقعد أستناكي انشالله حتى لحد بكره.

اغلقت معه الهاتف وهمت لتنفذ الاتفاق بينهم.

عاد صابر ومعه ديشا أخيراً، بعد أن ملأ عجلات السيارة بالهواء وأعادها إلى طبيعتها، توقفا أمام المنزل، ليترجل ديشا أولاً منها متباهياً بركوبه سيارة فارهة كهذه تحت نظرات أطفال الحي،

ليبدأ في اغاظتهم جميعاً وهو يعاونه في ركنة السيارة بصوت مرتفع.

-أرجع هتجيبك متخافش، ايوه كده الله ينور عليك يا عمو صابر، بس كدة حضن بقى على جانب اوى عشان ماحدش يقرب منها من الواغش اللي هنا.

ليهتف صابر من داخل السيارة.

يا عم أرجع انت من ورا العربية ابوس ايدك خليني اعرف اركنها، انا مش شايفك من وراها اصلاً.

ليتفاجأ ديشا بضحكات الأطفال وهم يشاورون عليه بأيديهم الصغيرة.

يزجره هو بعين غاضبة ثم ألتفت جهة الصغار وقد عزم أمره على العراك معهم.

-ايه مالكم بتضحكوا على ايه، عمركم ما شوفتو واحد خايف على صاحبه.

وها قد بدئت المعركة يا سادة، حيث تولى أحد الصغار الرد عليه، ويصيح مستهذئاً به.

-افشر علينا بقى، هو معقول راجل زي ده يا صاحبك انت يا عقلة الاصبع.

-انا عقلة صباع يلي مات.... انت مش شايفني وانا نازل من عربيته، وجابلي حاجات كتير حلوة كمان.

انتبه صابر عراكهم المضحك، لكنه خشي أن يضر أحدهما الآخر فذهب بإتجاه والده الجالس أمام البيت كعادته وقال.

-العيال بيتخانقوا مع بعض يا عم الحج، انت مش ها تحوشهم عن بعض ولا ايه.

بنظرة جانبية رفع رأسه قليلاً وأشار له بأن يجلس.

-اسحب الكرسي اللي جنبك دا وتعالى اقعد يا استاذ، لسه الضحك جاي ورا، خد من نصيبك حبه واقعد جانبي واتفرج.

يعقد صابر حاجبيه ويجلس بجانبه محاولاً ان يحرك جبل الثلج هذا قائلاً.

-ضحك ايه، العيال كده هيضربوا بعض.

-لاء مش هحوشهم اقعد بس، اصل الولا ديشا دا برضه واخدله نصيب من اسمه، أصله عامل زي الدبشة كده وعندي اي حد يكلمه، لازم يبقى عدوه في الأول وبعد كده يرجع في رأيه و يقول دا صاحبي.

-اه اخدت بالي انا من عنده ده، تصدق انه كان رافض فكرة سكني في البيت عندكم, لمجرد انه عرف بس اني زميل مريم في الشغل .

وعند ذكر اسمها ابتسم فرج له وقرر أن يوضح له امر صغيره ومحبته الفائقة لها.

-معلش اصلك ماتعرفش هو متعلق بيها اد ايه وبيحبها ازاي.

في حقيقة الأمر لقد انزعج صابر من حديث هذا الرجل, تربيته الغير سوية هذه للصغير

قد جعلته يعيش سن اكبر من سنه كما يقال, حتى أنه ذكره بوالده الذى كان دائم القسوة عليه حتى لا يتحدث كالاطفال ,بالطبع والده ليس مثل هذا الرجل في حبه وحنانه علي ابنه ,لكنهم يتوافقان سوياً عدم انشاء طفل سوي.

ليعاود الحديث معه بسؤاله.

-بصراحة انا اول مرة اشوف طفل بيحب بنت عمه اللي عمرها اضعاف عمره بالطريقة دى.

ليوضح له الحاج عامر لماذا يحبها هذا الصغير بهذه الطريقة، ولما هو يشجعه على هذا الحب.

-أصل عقبال ما نفرح بيك كده يا استاذ، انا من ساعة ما خلفته وانا عامله صاحبي بأخذ رأيه في كل حاجة حتى لو مش هعمل بيه،

وعندنا هنا في الحته الأفراح بتبقى كتير، وانا عندي عادة أي فرح احضره لازم أشيله على كتفي ويكون معايا فيه،

ليكتفي صابر بضحكة جانبية ويكمل هو..

-وطبعاً انت شغلت باله بالحته دي.

وهنا هاج الحج عمران وارتفع صوته قليلاً

-ليه هو حد قالك عليا انى رجل تافه للدرجة دي،

كل الحكاية إن الحكاية دي دخلت في دماغة، لما روحنا فرح في مرة والعروسة كانت صاحبة مريم وبرضه تبقى بنت عم العريس،
وكانوا البنات متجمعين وبيتكلموا على كده،

كل واحدة فيهم تقول انا فرحي علي ابن عمي يوم كذا ولازم تيجي وتحضري يا مريم، وردت واحدة عليها وقالت.

-يا خسارة يا مريم، مع انك جميلة لكن معنديش ابن عم عشان تتجوزيه، مريم زعلت وردت عليها وهي بتحضنه وتقولها

-ليه يا حبيبتي هو ديشا مش مالي عينك ولا ايه،
ما هو رجل قد الدنيا اهو، حبيبي وابن عمي كمان.

-ومن ساعتها وهو جاني و قالي أنا اللي هتجوز مريم أنا ابن عمها وأولا بيها من اي حد،

قولتله خلاص يا عم، أكبر انت بس بسرعه اجوزهالك.

ليزيد صابر من سؤاله له.

-طب ليه مثلاً محاولتش تفهمه إن كده غلط، وانها كبيرة عليه، وبكره هو لما يكبر هيقابل بنات كتير في حياته وانها ممكن في اي لحظة تتجوز دلوقتي.

-لو كنت قولتله كده وقتها كان هيعند أكتر وكل شوية يقعد يتخانق معانا عشانها، بصراحة اشتريت دماغي وقلت بكره لما تتجوز هيزعل شوية اه بس مسيره هيعقل تاني وكل ما يكبر هيفهم اكتر.

فهم صابر أخيراً معنى حديث هذا الرجل مع طفله، ثم صمت وحول وجهه إلى ديشا الذي كان قد تملك منه الغضب،

وأمسك حجراًَ كسلاح له ضد هؤلاء الأعداء، واستمع إلى شراسته ودفاعه عن نفسه وعن تلك السيارة.

-ولاااا بقولك ايه انت هتوجعلي دماغي، وديني اللي هيقرب من العربية هفتحلوا دما..

امين يا أبا انت وهو.

و بلحظة وجد الصغير نفسه مرفوع في الهواء وما يحمله يدغدغه بحركات لطيفة وهو ياخذ من يده تلك الحجره ويقول له بمرح.

-امين يا معلم ديشا، فاكر نفسك واحد من ولاد رزق ولا ايه.

كركر الصغير ويحاول أن يعتدل من على ذراعه قائلاً.

-عمو صابر حبيبي وصاحبي، شايفين بعنيكم ولا برضه لسه مش مصدقين، قولهم يا عم إن إحنا أصحاب.

ليهتف صابر محاولاً كتم ضحكته.

-طبعاً أصحاب وكل كلام ديشا مظبوط، ايه رأيكم بقى، ثم ألتفت به باتجاه المنزل وهو يراه يفعل للصغار حركات بيده ولسانه حتى اغتاظوا أكثر.

ليصيح له والده مأنباً ومهدداً.

-عارف يا ابن ال... لو حد عمل حاجة تاني للعربية، انا بقى اللى هعلقك، انا لما جبت
البضاعة ورجعت البيت جدتك هي اللي قالتلي على موضوع العجلة، مش عايزين نزعل الاستاذ مننا.

صعد به إلى الأعلى وهو يهتف لوالده.

-ماتقولش كده يا عمي عامر، دي عربيته ويعمل فيها اللي هو عاوزه.

ثم أكمل حديثه معه وهو ينزله على الدرج.

-يلا بقى يا أستاذ ادخل عند مريم اقعد معاها، عشان انا هدخل اشتغل شوية وبعدين هنزل تاني.

-هتاخدني معاك تاني؟

-اخدك معايا فين، هو انت عارف انا هاروح فين اصلاً.

-لاء معرفش بس عشان لو
عايز تعرف مكان تاني هنا في الحته اعرفه لك.

اه من هذا الطفل انه فعلاً ذكي أنت لماح، ولكم اعجبه الحوار معه جداً، انحني بجزعه له وريت على كتفه بحنان ثم نفي ما يقوله.

-لا يا سيدي انا مش رايح في مكان قريب من هنا أنا رايح شغلي.

امسك الطفل يده برجاء.

-طب خلاص هقعد معاك لحد ما تيجي تنزل، مش هضايقك ولا هعمل صوت.

هذه الجملة ارتحت قلبه واعدته جداً فهو ام يأخذ وقت كثير وتعلق الصغير به يومئ له بالموافقة.

-ماشي كلامك يا عم يلا بينا، بس الاول خبط على جدتك واعرفهم انك قاعد عندي.

دق ديشا باب جدته، بينما تركه هو و ولج إلى داخل شقته.

فتحت مريم له الباب، وعندما رأت حبيبها يتحرك داخل شقته اختبئت من عيونه خلف الباب وتحدثت مع مصطفى.

-ادخل يا ديشا، وأقفل الباب وراك.

ليتفاجأ هو بخوفها منه ويضحك عليها، ثم استمع إلى الصغير الذي أعطى بابها ظهره وقرر الولوج اليه.

-لاء انا مش هدخل عندك، أنا داخل اقعد مع صاحبي، بقولكم بس عشان لو عايزين حاجة ماتدري وش عليا.

تعجبت هي من حديثه معه، هل هذا الذي كان منذ قليل لا يطيق رؤيته الأن أصبح صاحبه ولا يطيق فراقه.


جري هو داخل شقته سريعاً، فتح زجاج النافذة المطلة على الشارع، وهتف لوالده حتى يراه الأطفال.

-بابا يا بابا.

-ايوا يا ديشا عايز حاجة.

-لأ مش عايز انا بس بقولك اني قاعد هنا عند عمو صابر صاحبي عشان لو عوزتي.

-تمام يا معلم ديشا لو عوزتك هنادي عليك وانت ماتضايقش عمك صابر بقى.

-حاضر يا بابا متخافش دا صاحبي بيحبني.

-أدخل بقى يا ديشا عشان خاطري لا تقع ولا حاجة.

كان هذا صوت صابر الذي كان ذاهباً إلى غرفة الطهي.

ليذهب هو خلفه سريعاً ويسأل.

-إنت بتعمل ايه يا عم.

-والله يا استاذ ديشا انا عايز أشرب فنجال قهوة وللأسف مش لاقي هنا حاجة اعمل بيها القهوة مش عارف بقى يظهر إني لازم اشتري حاجات كتير اوي.

ألتفت لي ترجل للخارج، ليجد ان الطفل قد ذهب من أمامه ولا يعلم أين ذهب ليسأل.

-الله هو راح فين الواد ده.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي