الفصل الخامس والعشرون

أفكار داهية

في الواقع لم يهتم لأمره كثيراً، فهو على كل حال طفل وله مطلق الحرية في التصرف، لابد أنه قد ذهب إلى شقة حبيبته مريم،
فقد ترك آالبابان مفتوحان،

حلس هو على الأريكة ووضع حاسوبه النقال على طاولة أمامه وبدء ينشغل بعمله.

وبعد مرور ما يقرب من عشر دقائق، وجده قد عاد أليه يحمل فنجال قهوة بين يديه ويهتف.

-قولتلك ماتخفيش بقى مش هيقع ولا حاجة، خد يا عمو صابر.

رفع صابر وجهه عن الحاسوب، ليراها تقف بالخارج وهو يمد له يده الفنجان.

بالله لما كل هذا الخوف مني يا من امتلكتي قلبي.

-ماكنش له لزوم تتعبي نفسك دي حتى من غير وش.

أعطته ظهرها ولم تهتم لما يقول، لتسمعه يقول.

-مريم.

توقفت مريم في الممر بين الشقتين لتسمعه يقول لها.

-أن هنزل كمان شويه، هروح اجهز حاجات للشركة عايزة حاجة من برة.

رفعت عيناها له وهزت رأسها يمينا ويساراً ولم تتحدث.

ليكمل هو.

-تفضلي زعلانة كدة كتير؟ طيب على العموم انا بدئت عمل اعلان على النت لطلب موظفين في جميع التخصصات، هحط الأساسيات واسيبلك اللاب توب مفتوح، هتقدرى تكملى ولا لاء.

-حاضر هاقدر طبعاً.

انتبه هو لصوتها و عاد مرة ثانية إلى داخل شقته، وهو مندهش من نفورها وبُعدها هذا.

-لاء خلاص بلاش، اصل انا واضح اني مزعلك اوي

فمش لازم اتعبك كمان.

نظرت اليه شزراَ، ثم اسرعت الخطى بإتجاه شقتها وهي تقول.

-خلاص يا صابر براحتك زي ما تحب.

تعجب هو من رضها ومن كم الفظاظة التي تحدثه بها ثم جلس مكانه يكمل ما بدأه من عمل.

-أنت بتعمل ايه.

هذا كان صوت الصغير الذي كاد أن ينساه، لكن التصاق به ورأسه التي احتلت شاشة الحاسوب قد ذكرته جيداً، ليجذب رأسه للخلف بضجر.

-وبعدين هنبتدى بقى شغل الحوارات اللي انا مش بحبه أنا مش قولت مش عايز قلق جانبي وانا بشتغل.

جلس الصغير بجانبه متصنعاً الهدوء.

-معملتش حاجة.

تنهد بصبراً وعاد إلى عمله، ليجد بكل سهولة يمد يده له بالهاتف تبعه قائلاً.

-ممكن تفتح لي دا.

ضم حاجبه له بريبة.

ليه دا تليفوني، عايزني افتحلك تليفوني تعمل بيه ايه وهو كل اللي عليه شغل وبس.

-افتح اليوتيوب اتفرج على الكرتون.

هكذا قالها بكل بساطة لتجحظ عين الآخر من شدة الدهشة.

-من علي تليفوني!

تمدد الصغير بجانبه و وضع رأسه على فخذه قائلاً.
-اه من على تليفونك يلا بقى عشان معطلكش اكتر من كده.

فتح له هاتفه رغماً عنه وتركه يعبث فيه كما يشاء.

وقرر ان ينتهي سريعاً وينهض قبل أن يطلب الصغير طلب اخر وهو ينبه.

-اتفضل يا ديشا بس مش عايزك تشغلني بقى ممكن.

-حاضر

ظل الصغير يعبث في هاتفه، وهو منشغل في عمله إلى ان وجده قد غفي على قدمه،

وما هذا الشعور الجديد عليه، هذه أول يتعامل مع طفل، بل ويعلم انه يجيد التعامل معه، أنه حقا يمتن له بكل الشكر والمحبة.

ها هو قد أنهى عمله ويريد ان يستعد الان الرحيل، لكن لا يريد إن يقلقه، أراح رأسه من علي قدمه، وقرر أن يرتدي ملابسه ثم يعود اليه

الآن هو يقف أمام بابها المفتوح، لكنه فضل أن يدق عليه دقة واحدة وفضل أن ينتظرها لتأتي إليه

لكن ما أتت هي جدتها، التي تفاجئت به يحمل ديشا الذهاب في نوم عميق على كتفه.

-تعالى يا صابر، يوه هو عملها معاك.

-اه نام وهو قاعد يلعب على موبايلي بس انا نازل دلوقتى وخوفت اسيبه نايم جوه لوحده يخاف.

-طب هاته عنك وروح مشوارك يا حبيبي.

لكنه أشفق عليها من حمل الصغير، فأردف لها بكل أدب.

-استأذنك ادخل انيمه ليكِ انا.

-كلك زوق يا حبيبي.

دلف بعدها وكاد أن يضع الصغير على الأريكة

ألا أن الصغير ابي وتعلق بعنقه واردف بنوم.

-لاءه خليني معاك، انا مش عايز انام هنا. ابتسم لجدته وربت على ظهره بحنان

-هاسيبك هنا شوية صغيرة مع مريم لحد ما اخلص شغلي و بعدها هرجع على طول وتبقى تيجي تقعد معايا.

وهنا ظهرت مريم في الأجواء، وقررت أن تفرض سيطرتها على الصغير إذ قالت.

-ديشا تعالى ليا أنا يا حبيبي، نام في حضني.

ليتركه الصغير فجائه، ويرتمي في حضنها، وحينها أخذته من على يده، حملته بين يديها ودلفت به إلى غرفتها دون أن تتحدث مع أحد.

ليلوم هو نفسه على ما فعله معها، كان يظن أنها ستفرح حين يبوح لها بعشقه، لكنه تفاجأ
انها تعاقبه بالخصام.

وعندها ترجل صابر منحنى الرأس باسف.

قاد سيارته وابتعد عن الحي قليلاً، ثم أمسك الهاتف ليتحدث معها، دق رقمها وانتظر قليلاً، وحين أجابت الأتصال هتف سريعاً

-كنت خايف احسن ماتروديش عليا، أنا أسف يا روحي، ماكنش قصدي ازعلك مني، بس بجد لما شوفت شعرك لأول مرة، زود جمالك اوي في عيني وحبيت اعرفك أد ايه أنا بحبك.

لم يتلقى منها رد لكنه استمع لصوت بكائها.

-بتعيطي ليه دلوقتي بس، بقولك بحبك يا مريم وشوقي ليك بيزيد كل يوم اكتر من اللي قبله.

-بكرة تسيبني وتقول عليا كلام مش كويس، وكله بسبب اللي انت عملته.

-أنا برضه تظني فيا كده يا مريم، ليه هو حد قالك عليا قليل الأصل عشان انسى وقفتك وكل اللي عملتيه عشاني.

-اللي انت عملته النهاردة باباك قاله عليا قدام الشركة بحالها، عايزني استنى لم اسمها منه تاني.

-قطع لس.. اي حد يقول عليكي كلمه وحشه يا مريم، والله يا حبيبتي من كتر شوقي ليكِ ما قدرت امسك نفسي، طب هو انا لو بفكر فيكي بطريقة وحشة كنت هاسيبك تخرجي برضه.

عضت على شفتها السفلية ثم أردفت له.

-إنت قليل الأدب يا صابر.

-أنا بحبك يا روح صابر، حقك عليا يا روحي ماتزعليش مني.

حاولت هي أن تهدئ وتغير مجرى الحديث،

-أنت رايح فين دلوقتي،ومتقوليش رايح شغل، اصلاً مفيش شغل دلوقتي.

-قوليلي أنك صارحتني، وانا اقولك رايح فين.

-خلاص بقى يا صابر ماتفتحش الموضوع دا تاني.
-خلاص يا قلبي بس متتعصبيش كده، أنا رايح التعاقد على تجهيزات الشركة الجديدة يا ستي.

وكان هذا ما ينقصه الآن غيرتها المفرطة، و احساسها الدائم بأنها أقل منه في المستوى المعيشي حتى لوكان يظن انه خسر كل شئ، هي دائماً تفكر عكس ذلك، لتهتف بارتباك.

- وطبعا هي هتكون معاك مش كده.


كان منها هذا السؤال، علم كيف تفكر الان بل و اعتاد على غيرتها عليه.

-لاء يا حياتي مش كده، أنا هاروح لوحدي والله واجيب لابوها فواتير بكل حاجة اشتريها، عشان خاطري انتِ بقى خلي في ثقة فيا شوية،

وابقى استنيني لحد اما ارجع، وانا هجبلك معايا حاجة حلوة اصالحك بيها.

-أنا هروح الشغل بكرة عادي يا صابر.

-شغل ايه الشغل لسه مش هيبدأ دلوقتي اعتبري نفسك في أجازة لحد الشركة ما تتفتح.

-أنا بتكلم على شغلي العادي في شركة باباك.

-نعمم وهو أنا مش قولت مافيش شغل هناك تاني.

أوضحت له فكرتها حتى يلين عقله ويتفهم عليها.

-أفهمني بس، أنا هاروح اليومين دول عشان ماحدش يصدق عليا الكلام الوحش ده، وكمان عشان اعرف ليك هو بيدبر ليك ايه، ولو في حاجة عرفتها، نقدر نلحقها بقى قبل ما توقع.


-بلاش يا مريم اسمعي كلامي، ابويا مش هايسيبك في حالك

-أبوك مش هيسبني في حالي فعلاً، بس لو سيبت الشركة من النهاردة، وبعدين انت ناسي ان عنواني عندهم وسهل اوي يتبلوا عليا ويجولي هنا، وساعتها هيقولوا اني انا اللي مشجعاك على فراق ابوك.

ليردف هو على الفور.

-أنا بحبك أوي يا مريم ربنا يخليكي ليا يا حبيبتي.



أما عند حسن.

ظل جالساً ينتظرها في اللوبي الخاص بالفندق إلى أن ظهرت أمامه هي بمكياچها الأوڨر، و ملابسها التي تفضح أكثر من أن تستر وإذا به تمد يدها له بالسلام وتقبله في وجهه هاتفة.

-هاي حسن.

-هاي يا قلب حسن، أخيراً القمر اتعطف ونزل ليا.

-اوه حسن أنت بجد كلامك حلو اوي
يريحني ويخليني حاسة اني أميرة بجد.

-تستهليها يا قلبي طبعاً، وهو يعني في قمر زيك في العالم كله يستاهل يتقاله الكلام الحلو ده.

ياله من غبي، يهمه الظاهر فقط، ولا يجري إلا وراء شهواته، وهذا ما تريده تلك الفاتنة الشيطانة، وإن كان أخوه جاد الطباع ولا يتجاوب معها،

فهذا الفتى اللعوب يسهل عليها لعبتها وإن لم تدخل بيت النغاس على يد صابر ستدخله وتتربع على عرشه على يد هذا الأبله،

حتى وإن كانت قد بدئت تشعر تجاه صابر بالحب ستزيد من دلالها على حسن لتقترب منه أيضاً.

-وبعدين معاك بقى يا حسن، انت قولت إنك جاى النهاردة عشان تخرجني، مش هنخرج بقى.

-اه اه طبعاً يلا بينا.

-طب تودينا على فين؟ اوعى تقولي اليخت تاني.

هذا الوقح بالفعل جرئ الطباع، غمز لها بطرف عينه وقال.

-إذا ماكنش اليخت عجبك الأماكن الحلوة كتير، شوفي عايزة تروحي فين، وانا اوديكي.

لتحاول أن تستفهم منه، فهو الأن يقول كلام عكس الناس ما حكى معها عبر الهاتف.

-أنت مش قولتلي انك توديني مكان حلو اوي النهاردة.

-بصراحه هي فسحه حلوه، بس للأسف أنا مش هقدر اروح هناك تاني.

-ليه هو ماله المكان ده؟

-مافيش يا ستي، كل الحكاية إن انا وشلتي بنحب لعب الورق، ولينا مكانا اللي بنروح نلعب فيه،

بس ابويا بقى يا ستي مش عاجبه الكلام ده، وقعد بقى يقولي حرام، وانت هتخسرني مالي ومش هكتبلك حاجة إلا لما تبطل لعب.

-وانت ايه اللي يخليك تقول، ما احنا هنروح ننبسط ونلعب من غير ما حد يعرف حاجة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي