الفصل السادس عشر

انشطر قلبه

هذا هو ثالث مبنى يأتي اليه وهي معه، وقد بدا عليه الملل والأستياء كما أنه أصبح يتأفف وينظر في ساعته من الحين إلى الأخر حتى لاحظت هي ذلك وهتفت.

-واضح أنك عندك معاد تاني يا صابر، وشكلك خايف تتأخر عليه.

رمقها بنظرة غائرة ثم ألتفت لهذا المبنى المشيد ليكون مبنى إداري وأردف لها بانزعاج.

-بصراحة اه، انا لسه ورايا حاجات كتير هعملها، وانتي مش عجبك ولا عمارة من العماير اللي فرجتك عليهم،

مع أن الأولى كانت على النيل، والثانية كانت في منطقة جديدة وهادية، ومع ذلك رفضتي الاتنين،

اتفضلي بقى قوليلي رأيك في دي كمان عشان اخلص.

ما كان منها إلا أنها قالت.

-واضح إن حسن كان عنده حق.

ضم حاجبيه بريبة في حديثها عن أخيه، وعلى ما يبدو أنه قد أساء الادب في حقه معها.

-وياترى بقى حسن كان عنده حق في أيه، هو قالك حاجة عني.

هزت كتفيها له متصنعة الدلال.

-بصراحة يعني هو قال عليك انك شخصية معقدة، و جاد اوى فى طبعك، وكمان مش بتحب تتعامل مع البنات.

أومأ لها بالموافقة ثم ضحك ساخراً.

-على فكرة حسن كلامه صح، ماقلش حاجة غلط يا ليلى.

مدت خطواتها تسبقه داخل المبنى وهي تهتف بتلاعب.

-بس انا بقى بحب اللعب ومش بحب اكون جاد مع اصحابي، و تقريباً كده أنا حابة نكون انا وانت أصحاب يا صابر.

قالت كلماتها الأخيرة بتلاعب، يتنهد هو بغيض من جرئتها.

-وبعدين بقى في المصيبة دي، ايه يا بنت
الأجانب مش كفاية عليكي حسن ولا إيه.

دلف خلفها ليراها وهي تتفقد المكان الذي ايقن جيداً انها لا تهتم برؤيته كثيراً،
على قدر من أنها تريد تعطيله المكوث معه أطول وقت ممكن، فتسأل بغضب.

-ها يا ليلي ممكن بقى تقوليلى ايه رايك في المكان.

اقتربت منه بتغنج، وشعر بأنها تريد استدراجه لشئ يبغضه هو.

-هقولك رأيي لو قولتلي انت هتروح فين بعد ما تسيبني.

-دي حاجة ماتخصكيش على فكرة.

قال كلمته هذه محاولاً إحراجها ونزول يدها التي استقرت فوق كتفه مبتعداً عنها.

رفعت حاجبيها الأيمن وبكل تبجح قالت.

-وليه المعاملة دي بس دانا لسه كنت بقولك عايزين نبقى اصحاب انا وانت، و على فكرة بقى أنا اللي هنفعك في شغلك مع بابي مش مجهودك خالص.

كان معه كل الحق عندما قال أنها ليست بفتاة ذات عقل بسيط، كلامها كان يحمل نبرة التهديد له،

وعليه أن يتوخى الحذر من تلك اللعينة والتعامل معها بمكر مثلما تفعل حتى لا يخسر كل شئ قبل أن يبدأ من الأساس.

-ما هو عشان نبقى أصحاب لازم تقدري تفرقي بين وقت الشغل و وقت اللعب، واحنا حالياً عايزين ننجز في تجهيز مقر الشركة بتاعتكم عشان نلتفت للمشروع

و نفضى ونلعب ونخرج براحتنا ، لكن انتي بقى عايزة تلعبي وتأخري كل حاجه براحتك خلينا قاعدين.

يبدو أن حديثه قد أعجبها، وبدئت تفكر في الأمر بطريقته، لتؤكد له.

-بالعكس صدقني احنا فعلاً لو بقينا أصحاب هنعمل احسن مشاريع مع بعض.

هذه هي المرة الأولى التي يؤيدها الرأي فيها.

-كده انتِ تعجبيني، ممكن بقى تقوليلى رايك عشان نبدأ شغل بجد.

أكدت له رأيها وهي تضحك.

-اول عمارة على النيل هي انسب واحدة لمقر الشركة يا صابر.

زفر أنفاسه أخيراً واذا به يدفعها للخارج بيديه هاتفاً.

-أقول ايه عليكي يا شيخة، حسبي الله ونعم الوكيل.

جرت من أمامه وهي تضحك على ضجره، لتستقل مكانها على المقعد الجانبي المقعد السائق، ويقود هو السيارة بضجر.

وداخل السيارة قرر أن يطلب منها ذلك الطلب الذي تردد كثيراً في طلبه.

-بقولك إيه يا ليلى، ممكن ماتقوليش لحسن او اي حد من عيلتي اني يعني بدير لباباكي شغله هنا.

وكأنها وأمسكت عليه غلطة، وبالطبع لم تمررها مرور الكرام بالساهل هكذا، اصطنعت التعجب وتسائلت.

-ليه يعني يا صابر هي دي حاجة تزعل اخوك؟

-مش هي على أخويا يا ليلى، بس لو الخبر وصل لأبويا هو اللي هيزعل وزي ما انتِ عارفة يعني إحنا بقينا تقريباً طول الوقت بنتخانق.

-اه قولتلي خلاص زي ما تحب، اصلاً اخوك مش بيحب يتكلم في حاجة تخص الشغل خالص.

وهنا قرر أن يتلاعب بها هو الإخر ليوضح لها أنه على دراية كاملة بما دار بينها وبين اخوه بالأمس، ليغمز لها بطرف عينه موحياً لها.

-انتِ تقوليلي على حسن ولعبه، يارب بس تكوني انتِ اتبسطي معاه في خروجة امبارح.

تهجم وجهها فجأة واحتل الصمت السيارة إلى أن أعادها مرة ثانية إلى الفندق الذين يقيمون فيه.

الساعة الآن الخامسة مساءً، ها هو يقف على الطريق الجانبي للشركة، ينتظر قدوم حبيبته إليه، وهو يتحدث عبر الهاتف مع صديقه.

-تمام يا مراد انا شوفتك وانت خارج عربيتك، اسبقني انت بس على الكافية بتاعنا وانا هاجيب مريم واحصلك.

أغلق الهاتف معه وهو يراها تسير بوجهٍ عابث وعينان منتفختان، و وجنتيها مكتظتان بحمرة الدماء وكأن أحدهم قد ابرحها ضرباً عليهم.

انشطر قلبه الي شطرين حين شاهدها هكذا، وعندما ولجت بجانبه في السيارة، فتح لها ذراعيه لترتمي في حضنه وهو يتسائل بذعر عليها.

-في ايه مالك بس يا عمري.

وكأنها الآن تأمن بين ذراعي والدها، أجهشت بالبكاء وبشهقات متقطعة همست بكلمات غير مطمئنة.

-انت سبتني لوحدي ومشيت ليه، أنا مش هاقدر أكمل في الشغل من غيرك، مش هقدر اسمع كل الاهانات دي منه كل يوم، أنا هسيب الشغل يا صابر.

بشدة اعصابه أغلق على جسدها بإحكام ثم طمئنها قائلاً.

-خلاص يا روحي سيبيه ولا تزعلي نفسك، وانا كفيل بيكي وبأي حاجة تحتاجيها،

بس عرفيني وقوليلي عمل فيكي ايه الظلم دا.

من شدة ضغط ذراعيه عليها شعرت بحقيقة وضعها، زجته متأوها بخجل، لينتفض مبتعداً عنها.

-مافيش يا صابر معملش حاجة.

-كده برضه يا مريم بتخبي عليا.

أحنت رأسها بحزن وأردف بإستلام.

-اخبي عليك ايه بس، هو انت ناقص هم يعني، وبعدين ما انت عارف طريقة أبوك في الشغل، هي يعني طريقته دي جديدة عليا، انا بس اللي كان مهون عليا وجودك جانبي.

أدار محرك السيارة بغيظ من والده، فقد طفح به الكيل منه وانتهى الأمر، عليه الأن أن يطوي صفحته ويبتعد عنه كل البعد عنه ولا يترك له اثراً من رائحته، حتى حبيبته سيأخذها معه.

-خلاص يا مريم مش مهم يا حبيبتي، ان كان على الشغل انا هاخدك معايا في الشركة الجديدة، وحتى لو مش عايزة تشتغلي خالص،
بلاش يا قلبي خليكي في البيت وانا ربنا يقدرني عشان اسعدك.

لتهتف سريعاً.

-لاء أنا هشتغل معاك، ماهو مش معقول أسيبك تروح تشغل سكرتيرة جديدة تقعد تحب فيك وترميني انا بعد كده يا اخويا.

سخر من غيرتها التي لا يمكن أن يكون هذا أوانها هاتفاً.

-لا اطمني يا اختي، انا اصلاً قلبي ما يعرفش يحب غيرك، المهم دلوقتي قوليلي احنا لما نروح بيتكم عمك دا ها يقابلني عادي ولا هيعمل ايه.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي