الفصل الثالث عشر

حانت ساعة الهروب


استيقظ من نومه باكراً كعادته، وبالطبع أول شئ يفعله هو البحث عن أبنائه وجمعه حوله،

دلف إلى غرفة حسن اولاً وكأنه طفل صغير
غافي في فراشه على وجهه، جلس فرج على الفراش بجواره وبدء يعبث في خصلات شعره الناعمة المتساقطة على وبينه ويحنو عليه هامساً.

-ايه يا حبيب بابا مش ناوي تقوم بقى عشان نفطر سوا ونروح على شغلنا.

بصوت متحشرج وعين ناعسة تكاد تكون مغلقة أساساً.

-مش قادر اقوم يا بابا سيبني انام براحتي وانا هبقى اجي لما اصحى بقى.

ضحك فرج ملئ فمه وهو يسخر من صغيره.

-شكلها السهرة كانت متعبة اوي المرة دي، يا دلوعة ابوك.

رفع رأسه قليلاً له ثم اعتدل على ظهره مبتسماً له.

-بالعكس دي كانت سهلة جداً و اوعدك انه مش هيكون اخر مشروع بينا.

عقد فرج حاجبيه بريبة ثم زجره غاضباً.

-حسن اتعدل كده وفوقلي، احكيلي البت دي كانت سهلة ازاي وانت هببت ايه بالظبط.

-يوه بقى يا بابا، انت هتعملي زي صابر ياسيدي ماحصلش حاجة وربنا والبنت مش سهلة ولا حاجة هي بس عايشة حريتها على حسب العيشة اللي اتربت فيها مش اكتر.

وقف فرج من جانبه، وإذا به يأمره.

-تمام طب اظن انك كده فوقت من نومك، يلا بقى قوم يا حيلتها، قدامك عشر دقايق وألاقيك جانبي على الفطار.

وكأن والده لم يقل شئ، جذب الغطاء على وجهه و هتف له.

-قولتلك لسه مافوقتش وعايز انام اقفل بقى الباب وراك يا بابا.

ضرب جانبية بصخب وخرج من غرفته ساخراً.

-مافيش فايدة فيك، عمرك ما هتكبر ابداً.

اتجه نحو غرفة صابر و وقف على بابها متنهداً ثم فتحه، وهو متأكداً انه غير موجود
بداخله.

لكنه ولج للداخل وعينه على ذلك المبلغ المالي الموضوع في مكانه، ثم أدار جسده وبدء يفتش بعينه جميع ارجاء الغرفة، وجد كل شئ في مكانه بها إلا شيء واحد!

حقيبة سفره الصغيرة، هي ليست موجودة في مكانها، اتجه سريعاً إلى خزانة ملابسه،

وجدها ممتلئة كما هي لكن ينقص منها القليل فقط.

إلى هنا وكفى هاج الوحش الذي بداخله، لكنه فضل أن يفجر ب كانه في وجه أبنه فقط.

ليفزع الجميع بصوته وهو يناديها.

-درية انتِ يا هانم يالي في البيت.

جرت منزعجة ترتدي مئزرها الحريري وتحكمه، على جسدها جيداً أثر ذلك الصوت الوحشي.

-مالك يا فرج في ايه؟

ليلقي في وجهها رزمة الأموال بغضب عارم مفصحاً لها عن غضبه.

-مش كنتي زعلانة على العشر تلاف جنيه اللي هايخدهم صابر، اهو سابهم وسابلك البيت كله عشان تفرحي.

خرج حسن علي صوت والده، ليراه يقف شامخاً أمام غرفة اخيه، ووالدته تنحني أرضاً لتجمع الأموال من أسفل قدميه وهي تصيح بلا مبالاة.

-ليه هو عيل صغير مش عارف مصلحته، ما تسيبه يخرج ولا يشوف له مكان تاني، طالما مبقاش مرتاح معانا، ابنك بقى رجل يا فرج.

-دانا كنت أقتله.

قال كلمته وهو يزجها بقدمه ويتجه نحو غرفته سريعاً.

ليحاول حسن اللحاق به، معتقداً أنه سيفلح في تهدئته.

-اصبر بس يا بابا مين قالك انه مشي، ما يمكن نزل بدري وراح في حتة زي كل يوم.

-بقولك اخوك مشي، اخد شنطة هدومه ومشي بس انا هاعرف ارجعه تاني، ولو مرجعش هقتله سامع هقتله.

بدء يرتدي ملابسه على عجالة، ليتركه حسن المتعجب من غضبه وجرى نحو غرفته ثم أخذ هاتفة وحاول الاتصال بأخيه.

-صباح الخير مش عادتك يعني تبقى نايم متأخر وتصحى بدري كده، ايه اللي قلق راحتك يا ترى يا ابن درية.

-يا برود أعصابك يا أخي، انت فين يا صابر بابا قالب الدنيا عشانك و...

-كمل سكت ليه يا حسن، وحالف يقتلني مش كده، بس يا ريت بقى تروح تقوله ان صابر مبقاش يخاف من الكلمه دي وبيتمنها في كل لحظه عشان يبعد عن جحودك وكرهك ليه.

بلحظة كاد أن يصدم سيارته بأخرى في الطريق، حين استمع إلى صوته المخيف.

-وانت فاكر انك هتقدر تبعد كتير، وغلاوتك عندي لأجيبك راكع تحت رجليا، وبرضه هاقتلك يا صابر.

اغلق الهاتف في وجهه ولم يحيد نظره عن أخيه الذي كان يقف يتابع كل تعابير وجهه، يتفاجئ به يضغط على كتفيه بقوة.

-حضر نفسك عشان هكتبلك كل حاجة بأسمك، مش بس كده دانا هجوزك بنت مستر براد كمان.

لمعت عين حسن بطمع ونسى أخيه وما هو فيه، وما شغل تفكيره هو ما قاله والده الآن.

-بجد يا بابا ربنا يخليك ليا يا حبيبي يا رب.

ان لقت من بين تزاحم ركاب ذلك الباص الصغير بأعجوبة، وقررت أن تسير على قدميها ما تبقى من الطريق بتأفف.

-أوف على دي زحمة، بس مش مهم حر الصيف والشمس الحارقة دي اهون عندي بكتير من ريحة العرق والتلزيق.

لتستمع إلى صوت بوق سيارة يأتي من خلفها

فقررت أن تمد خطواتها ولا تلتفت للوراء

وفجأة توقف الصوت وتوقفت إطارات السيارة أيضاً.

لتجد يد قوية تقبض على يدها وتسير بها للخلف.

-اه سيب إيدي يا ابن ال... هو انت خضتني يا اخي.

-خضيتك ايه دانتي تخضي بلد، اركبي يا اخرة صبري اركبي.

وقفت أمام باب السيارة الذي فتحه لها واوصدته برعونة، مزيحة يده من على ذراعها.

-اركب فين وربنا ما يحصل ابداً، شكلك فهمتني غلط يا باشمهندس وهتاخد الحكاية تسالي لا بقولك ايه انا مش من البنات اياهم.

بأشارة من سبباته صرخ فيها منزعجاً.

- هو انتِ لو من اياهم كنت عبرتك اصلاً، هو انا ناقصك ياختي انتي كمان اركبي العربية يا مرييييم

في أقل من الثانية كانت تجلس داخل سيارته، ومقيدة جسدها بحزام الأمان كمان.

و بدوره التف حول السيارة وجلس بجانبها بأقصى سرعة بدء يقودها، مبتعداً كل البعد عن شركات والده.

ارتابت هي في الأمر ونظرت من النافذة للخلف ثم حاولت تذكيره.

-إنت رايح فين انت عديت الشركة.

رمقها بطرف عينه ثم أكمل في طريقه.

-لسة بدري اوي على معادك في الشركة، انتِ الوقت اللي بتيجي بدري اوي فيه عشاني أنا، يبقى تقعدي معايا أنا.

للمرة التي لم تعد تعرف عددها خجلت منه ومن حديثه، وارت عيناها منه وهمست.

-عشانك ايه لاء مافيش حاجة اسمها عشانك ومعاك دي.

لم يهتم لحديثها أكثر من أنه أراد الاستفهام.

-كلمتي عمك.

-ايوة

-قالك ايه، رفض طبعاً.

ًتنهدت بحزن ثم نفت حديثه.

-لاء مارفضش اصل انا كدبت عليه وقولتله انك هتسكن انت و عيلتك.

تفاجئ بردها هذا و جحظت عيناه.

-نعم يا اختي ودا اجبله عائلة تسكن معايا منين بقى إن شاء الله.

-هو انت كل حاجة تزعقلي كده، مانا ماعرفش بقى دا الحل اللي كان قدامي عشان اخليه يوافق أعملك ايه تاني.

صمت قليلاً يفكر ثم ألتفت إليها مبتسماً بهدوء تام أردف لها.

-متعمليش حاجه احنا ممكن نقوله، ان عيلتي دي هتيجي بعد شهر ولا حاجة أما نشوف بقى هيقول ايه،

احنا هنروح نفطر مع بعض دلوقتي وبعد كده هرجعك على الشركة تاني، تطلعي تقعدي على مكتبك مالكيش دعوة بأي حاجة تحصل في الشركة يا مريم مفهوم.

أومأت برأسها تارة وهزتها يمينا يساراً اخرى.

-لاء مش فاهمة حاجة معنى كلامك دا إنك مش هترجع الشركة معايا.

-لاء انا هاشتغل في مكان تاني.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي