الفصل الثامن عشر

مفاجئه


انتفضت بغبظ أثر طرده لها من سيارته، وفتحت بابها، ثم ترجلت خارج السيارة وهي تحاول أن تحرصه من أمر ما لكن بطريقة فظة.

-كدة يا صابر طب اديني نازلة اهو بس يا ريت بقى تاخد بالك من نفسك ومن عربيتك، والأحسن إنك ماتدخلش بيها جوه الحته عندنا سلام، ثم دفعت الباب بقوة مستعدة الرحيل.

تنهد بصبر ونظر إليها، و ردد بسخرية.

-حاضر يا مريم هنزل منها وابقى احطها في شنطة هدومي وأطلع بيها بقى.

-والله انا بلغتك وانت حر بقى.

أخيراً ما ذهبت من أمامه وظل هو يتابع سيرها إلى أن اختفت عن عينه، فتريث قليلاً في جلسته حتى يضيع بعض الوقت ثم يذهب خلفها،

لكن أثناء جلسته بمفرده، تردد على ذهنه علامات استفهام كثيرة.

والده نعم لقد احتل تفكيره الأن، كان يهدده دائماً بالقتل إن رحل عنه، ولكنه إكتفى بأن يحرمه من حقه الشرعي في ماله،

لا لا يظن أنه سيفعل ذلك فقط، لابد أنه يدبر له مكيدة أخرى وسيعرفها قريباً،

لكن ماذا عن أخيه! هل فرح بهذا المكسب الذي قد ناله دون وجه حق، يعلم جيداً أنه مدلل و والدته طامعة، لكنه كان يظن أيضاً أنه يحبه كما يفعل هو معه،

هل فكر في أن يقف في وجه والده من أجله، كما كان يفعل دائماً معه.

الآن هو بمفرده وسط كل هذه المحن، وعليه ان يتصدى لها بل ويتحدى ويثبت للجميع أنه هو من صنع ذلك النجاح، وسيصنع أكثر منه بمفرده.

نظر في ساعة يده وجد أنه قد مر وقت طويل على برحيلها فقرر اللحاق بها، دون التفكير في حديثها معه.

أما في بيت النغاس كان الفرح يعم البيت
بأكمله وبالأخص وجه السيدة درية، حيث انها نالت ما تتمنى بدون أي معاناة،

اليوم هي كمن فاز بعصفورين بضربة حجرٍ واحد.

ابتعاد صابر عن والده، وكتابة فرج كل أملاكه لأبنها الوحيد حسن، هذا كان حلم بالنسبة لها وقد قدمه صابر لها على طبق من فضة،

وعليها الآن أن تحث ولدها على ان يترك حياة الترفه والتدليل ويثبت نفسه حتى يأخذ مكان أخيه في كل شئ،

لكن أين هو حسن الأن، هو لم يعود إلى البيت مع والده، الذي لم يفتح معها أي حديث من وقت ولوجه إلى المنزل، وفضل المكوث بغرفة مكتبه وحده مغلقاً عليه بابها.

قررت هي أن تقتحم عليه تلك العزلة، فدقت على الباب دقة واحدة و فتحته ثم دلفت إليه.

-لقيتك دخلت من برة على هنا وقفلت على نفسك الباب فماحبتش ازعجك، لكن لما طولت في القعدة لوحدك قلقت بصراحة وقلت ادخل اطمن عليك،

مالك يا فرج.

بكل هدوء أجابها وكأنه متبلدً بلا مشاعر.

-لا أبداً ماتخديش في بالك، اصل انا عندي ولدين الكبير ضاع مني النهاردة، والصغير هيضيع كل حاجة بغبائه.

تهجم وجهها وتبدل من السعادة إلى الوجوم حيث قالت مدافعة عن ولدها.

-ماتقولش كده على ابني، هو انت فكره زي ابنك الخايب اللي رمى كل حاجة وهرب، هو بس عشان ماكنش مديله فرصته عشان يثبتلك نفسه لكن دلوقتي...

بكل عنف دب على مكتبه بقبضة يده، و بنظرة حاسمة ألجمت الكلام في حلقها هتف فيها

-دلوقتي ايه يا هانم، دلوقتي بقى هو مالك كل حاجة وأول ما مضى على العقود بدل ما يقعد ويثبت نفسه، رمي كل حاجة ورا ضهره وراح عشان يحتفل مع أصحابه.

صوته العالي وتعصبه لم يزدها إلا تكبر ولا مبالاة لتقول له برعونة.

-طب وفيها ايه دي ما تسيب الولد يفرح له يومين.

قالت كلمتها وسارت تتغنج للخارج تحت نظراته الحاقدة وهو يلعن في ذاكرته كل يوم مر عليه وهي زوجته.

اما صديقنا المدلل فحاله كان لا يختلف كثيراً عن حال والدته، فهو الان يجلس ويحتفل بهذا المكسب، ويا ويله من هذا الأحتفال تلك العادة التي أصبحت تلازمه

هو الآن يجلس على طاولة لعب الورق وعلى ما يبدو ان تلك اللعبة اصبحت ادمان بالنسبة له مع أنه دائما ما يخسر، لكنه كلما خسر كلما ازداد تعلقا بتلك اللعبة.

ليصدح هاتفه رنين عاليا ويضيء باسمها، فيجيب الاتصال على الفور وهو يداعب انف تلك التافهة التي تجلس بجواره

-اهلاً ليلي ازيك يا حبي.

كانت جالسة في غرفتها تقضم اظافر يدها بغيظ، وعندما اتاها صوته تأهبت للعراك معه على الفور.

-انت واحد حي...يا حسن تعرف كده ولا لاء.

تفاجأ الآخر بردها وسبها له ثم ردد مندهشاً.

-الله وليه قلة الاد.. دي يا ليلى، في ايه يا بنتي ما احنا كنا كويسين مع بعض امبارح.

ليندهش من ردها حيث هاجمته قائلة.

-ايوة امبارح! ممكن اعرف بقى حضرتك قولت لأخوك عليا ايه امبارح.

تحمحم بخجل عندما فهم ما ترمي اليه من تلميحات، ليهتف بكذب و هو يبتعد عن هذه الجلسة المشينة.

-قولتله ايه يعنى، أنا مقولتش غير الحقيقة.

لتصرخ هي بانزعاج.

-اللي هي ايه بقى الحقيقة دى.

-اهدى بس يا ليلي، قولتلة يا ستي اني كنت مع الطف و ارق بنت شوفتها في حياتي، وقلت له كمان اني مستعد أقضي اللي باقي من عمري كله معاك انت وبس.

ها هو قد ألقى لها بالشباك، يظن أنه سيصطادها وينعم بها كفريسة ثمينة له، المسكين لا يعلم انه يصطاد حية، يريد يتلفح بها ستناله ما يريد لكنها في النهاية ستقضم عنقه.

ابتسمت بخبث وقد نوت ان تلعب على طرفي الحبل حتى تتمكن من فريسته ثم بدئت التلاعب.

-حسن انت Bad boy وانا زعلانة منك، كنت فاكرة ان اللي بينا هيفضل سر بينا.

يوضح له قائلاً.

-طب ما هو لسه سر فعلاً يا ليلي، بدليل اني محضر ليكِ مفاجأة، مش عارف إذا كانت تفرحك ولا لاء.

تصنعت الاندهاش وقالت ببلاهة.

-ايه دا بجد محضر ليا أنا مفاجئة!

مفاجأة ايه يا ترى.

-مافيش ابويا يا ستي كتبلي كل أملاكه بأسمي لوحدي..

وكأنه رسم على وجهها علامة استفهام كبيرة،

إذ قالت متسائلة.

-وأنا يخصني ايه في الموضوع ده.

ليهتف معلناً لها.

-مايخصكيش ازاي بس يا ليلي وانتي هتبقي مراتي.

كانت مفاجئة حقاً بالنسبة لها، لكنها ليست مفرحة ولا محزنة، بل هي مفاجئة مضحكة.

حيث انتابتها كريزة ضحك طويلة وعالية، اشعرته بالخجل والوجوم، حين أغلقت الهاتف في وجهه دون أن تملي عليه أي كلمة.



نعود إلى هذا الذي يحمل جميع صفات اسمه، مع كم الهموم والمشاكل التي يغرق بداخلها،

هو الآن يقف داخل هذا الحي العتيق بسيارته،

يرمق ذلك الرجل الملقب بعمها، لكنه يتصنع عدم معرفته به، وعندما شاهد طفل يجري من جانبه أشار له ثم نداه.

-خد يا شاطر تعالى اما اقولك.

وقف الطفل أمام السيارة متحدياً له وقال.

-بس ماتقولش شاطر بس أيه شايفني عيل صغير ادامك.

على ما يبدو أنه يعاني الكثير في هذا الحي، وهذا اول المطاف.

-بداية غير موفقة،

ثم ترجل جانب السيارة وهتف له، العفو يا عم دانت راجل وسيد الرجالة كمان، قولي بقى تعرف فين بيت الحاج عامر المحمدى.

-الحق يا بابا الراجل دا بيسأل عليك.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي