الفصل السادس

خطة مقنعة

وهو يرى أخيه يحول بينه وبين أبيه، والرجال يلتفون من حوله في محاولة لإخراجه من مكتب أبيه.

ليصيح حسن خوفاً على مشاعر أخيه.

-إيه اللي عملته دا يا بابا، هو صابر عمل إيه بس عشان تمد إيدك عليه وتعامله بالطريقة دي.

قبل أن يتفوه والده بكلمة واحدة، أخذ هو القرار بيده لينفض الجميع من حوله، ويصرخ فيهم.

-وصابر مش محتاج عطفك عليه يا حسن يا نغاس من دلوقتي أنا برة مجموعة شركاتك يا فرج بيه

واستقالتي هتبقى فوراً على مكتبك،
تعمر بقى ولا تغرق أنتو أحرار فيها.

جرى على مكتبه لينفذ ما قاله، وفي طريقه لمحها تقف خائفة مندهشة من هول ما رأت

ليحني رأسه بخزي من عينيها حتى أجتاز خطواته بسرعة فائقة وسحب من على مكتبه ورقة بيضاء وقلم، وشرع في كتابة استقالته.

إلا أن يدٍ ناعمة رقيقة وضعت على يده، وسحبت تلك الورقة من أسفلها.

إلتفت بجانب عينه ليجدها الجميلة ليلي والتي همست وقد حضرت للتو.

-لو انت سيبت الشركة، اوعدك اننا هنفسخ العقد و هنسيب المشروع كله.

يدها الموضوعة على يده، إقترابها منه إلى هذا الحد، عطرها النفاذ الذي كاد أن يسكره، كل هذا جعله ينجذب إليها وينسى لوهلة حاله وما هو فيه،

لكنه عاد إلى رشده بالأخير وهتف بكلمه واحده.

-مايهمنيش.

دلفت مريم والتي تبكي على حاله حتى اكتظت الدماء في وجنتيها بحمرة كثيفة، ورمقت تلك المتبرجة الغريبة بنظرة حاقدة نظراً لقربها الزائد منه وتحدثت بشهقات متقطعة.

-ما هو حضرتك لو مشيت أنا كمان هضطر أمشي و هخسر شغلي ومرتبي بصراحة بقى بسببك.

إلتفت إليها وتنهد حزناً.

-متعيطيش يا مريم وماتسبيش شغلك، ماتربطيش نفسك بحد، أنا همشي وهيجي حد غيري يشتغل مكاني.

كطفلة صغيرة تتعلق بأبيها، أجهشت بالبكاء.

-لاء انا مش هعرف اشتغل مع حد غيرك.

ربتت الأخرى على كتفه وجذبته معاها ليجلس بجانبها على الأريكة، ثم هتف.

-واضح إنك ليك محبين كتير ميقدروش يستغنو عنك، إزاي بقى عايز تسيب شغلك وتوقع الدنيا كده وتمشى، ممكن يا اسمك ايه تجيبى ليه كأس عصير يهدي بيه اعصابه.

لم تعي الإهانة التي وجهتها لها، كل ما يهمها الآن أن تراه هادئاً وأن يتراجع عن قراره، جرت سريعاً للخارج بلهفة غير طبيعية،

حتى أنها اصتدمت في طريقها بصديقه مراد وكادت أن تسقط إلا أنه لحق بها وهو مندهش.

-في ايه يا مريم مالك بتجرى كده ليه، وفين صابر.

اجابته ببكاء

-جوه في مكتبه، الحقه والنبي يا باشمهندس أحسن دا عايز يمشي.

ضم حاجبيه بعدم فهم وجرى للداخل سريعاً.

-الكلام اللي سمعته دا صحيح يا صابر.

رفع وجهه له وبكل جدية أجابه.

-أيوا صحيح يا مراد، وهمشي يعني همشي،

تفاجئ مراد برده هذا، وبكل برود أجابه.

-وهتمشي تروح فين يا صابر، هاتسيب تعبك وشقاك لحسن عشان كل حاجة تضيع في لحظة.

هب واقفاً بهجوم وصرخ في وجه صديقه.

-هو اللي عايز كدة.

وقفت ليلي بدورها وبكل ثقة هتفت.

-لو سمحت لي أتدخل في الموضوع أديني دقيقتين وأنا هاجيبلك فرج بيه لحد عندك هنا يعتذرلك.

هز راسه يميناً يساراً بنفي.

-لأ من فضلك ماتدخليش أنا مش هشحت حب أبويا على أخر الزمن.

لم تهتم لنفيه هذا، و ترجلت للخارج ضاحكة.

-ماتقلقش خمس دقايق بالظبط وأرجعلك.

رمقها مراد بنظرة جانبية شاملة من أعلى رأسها لأخمص أصابع قدميها وصرح له هامساً.

-مزة بس مش سهلة.

نفض الآخر يده بضجر وهتف.

-أنا في إيه ولا في إيه يا مراد.

دلفت الأخرى ومازلت تبكي تمسك بين يديها كوب من عصير الليمون وجرت نحوه متلهفة.

-خد إشرب دا عشان خاطري والنبي ما تكسفني، وقولي إنك مش هتمشي.

أبتسم لها على طيبة قلبها، يعلم جيداً انها تعشقه وهو أيضاً يكن بداخله شيئاً لطيف نحوها، لكنه لم يصرح به بعد،

ليأخذ منها هذا الكوب ويروي ظمئه به كاملاً ثم ناوله لها مؤكداً.

-أهو يا ستي شربته ممكن تبطلى عياط بقى.

أومأت له تارة ونفت أخرى وقالت.

-لسه ماقولتش انك مش هتمشي.

بسرعة فائقة فرد يمينه لها أمراً.

-على مكتبك يا مريم.

أحنت رأسها وأطاعت أمره وأتجهت
نحو الخارج دون صرصرة أخرى، ليرفع مراد حاجبه الأيمن متعجباً مصرحاً له.

-طب وربنا البت دي بتحبك، دي شوية وكانت هترمي نفسها في حضنك من كتر خوفها عليك يا جدع.

-أرحمني بقى يا مراد.

هتف بها لصديقه وجلس خلف مكتبه يفكر فيما أصابه بحزن.

ليجلس مراد أمامه محاولاً أن يستفهم عن الأمر كله.

-أيه اللي وصل الأمور بينكم لكده يا صابر، أنا في لحظة لقيت كل المكاتب والشركة كلها واقفة على رجل وكل المهندسين بيقولو

مهندس صابر أتخانق مع فرج بيه وهيستقيل من المجموعة.

زفر صابر أنفاسه المعبئة بكم هائل من الطاقة السلبية ثم أخبر صديقه قائلاً.

-أبويا ضربني بالقلم قصاد موظفين الشركة كلهم يا مراد.

أما في مكتب والده، كان ينفث دخان سيجارته بعنف وهو يستمع إلى حديث ولده الصغير.

-هنعمل إيه دلوقتي يا بابا، الأسهم عمالة تنزل والبورصة تقريبا واقعة خالص و لما الموضوع دا بيحصل ماحدش بيعرف يتصرف صح فيه غير صابر.

كان ينظر للا شئ، و يبدو على وجهه علامات الضيق، ليستدير إليه هامساً.

-ماهو لو إنت ماكنتش بتعتمد عليه في كل حاجة، وكنت حطيت إيدك في إيده ماكنتش أنا اتحوجت ليه دلوقتي،

لكن أزاي دلوعة عين أمه يتعب ويشتغل، انا بعمل كل دا عشان خاطرك وأنت بتديله كل حاجة على الجاهز.

حديث أبيه معه بهذه الطريقة أشعره بالحزن، بل إنه أفتعل التأثر حتى يهرب منه.

-كده يا بابا طب أهو عندك، روحله خليه يحلها بعد ماضربته شوف بقى هيرجع في استقالته ولا لاء، هو كده كده مش قابل مني كلام أنا ماشي يا بابا.

لم يمهله حتى بضع الدقائق ليرد عليه، وأسرع في خطاه نحو الباب وفتحه ليتقابل معها أمامه.

دلفت أليهم بكل تكبر، وهي تضع هاتفها المحمول على أذنها، وأتضح لهم أنها تحدث أبيها فيه.

-شور طبعاً يا دادي، لو فعلاً الباشمهندس صابر استقال زي ما سمعت، انا هاسحب العقد وهبلغ فرج بيه انسحابنا من المشروع،

صمتت لحظات وهي تجلس أمام مكتبه، وتراقب تعبيرات وجههم.

-أوكى يا دادي أنكل فرج مع حضرتك.

مدت يدها بالهاتف له، ثم التفتت لحسن الذي عاد وجلس في مقابلها، وأصطنعت الابتسامة على وجهها.

أخذ فرج منها الهاتف وبدء الحديث مع والدهابترحيب ثم أستمع إلى صوته من الجهة الأخري.

-مرحباً سيد براد.

-مرحباً بك سيد فرك، ما هذا الهراء الذي
سمعته.

-عفواً سيدي أنا لا أعرف ما الذي سمعته بالضبط، لكن كل ما أعرفه أنه حدث سوء تفاهم بين الإبن وأبيه، وأظن أن هذا الأمر لا يخص أحد.

-أنا لا يهمني ولا أريد التدخل بين الإبن وأبيه، لكني نويت الأشتراك في هذا المشروع بعد أن حضر المهندس صابر وتفاوض مع المسئولين في شركتي بالخارج عنه،

أعني بذلك أنني لا أعرف أحد من مجموعة شركتكم أمامي سواه، وإذا ذهب هو أعذرني سيدي سأضطر للأنسحاب أنا أيضاً،

فأنا اعتبره هو المسئول أمامي.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي