الفصل الرابع عشر

اعتراف بالحب

تفاجئت هي حديثه، و أدارت وجهها اليه متسائلة.

-يعني ايه تشتغل في مكان تاني دي، يعني هتسيب الشركة خالص ومش هترجع لشغلك فيها،

طب وانا هاتسيبني كده اشتغل مع أي حد تاني غيرك.

اغمض عينيه ليكبت تلك الغصة التي تنغمس في قلبه كلما أفلت لسانها بما تكبته بداخلها وتخجل من أن تبوح به،

-غصب عني يا مريم، ما انتي شايفة العذاب اللي انا عايش فيه، ما انتِ بنفسك

بتساعديني عشان اقعد في بيت تاني غير بيته، لازم بقى اشوفلي شغل تاني عشان اقدر اعيش منه ومافضلش تحت رحمته.

وضعت ذراعيها على نافذة السيارة، و بحركة لا أرادية بدئت تقضم أظافرها معبرة أكثر عن توترها.

-وناوي تشتغل فين حضرتك بقى؟

-هشتغل مع مستر براد، هو لما كلمني امبارح طلب مني اني ادير ليه كل استثماريه هنا.

من شدة إنزعاجها مما تلفظ به صاحت بصوت ٍمرتفع.

-اه قولتلي بقى يعني حضرتك دبرت حالك وهاتروح تشتغل مع الرجل الأجنبي وبنته الصفرا دي، وقف العربية بقولك وقفها.

لم يفهم لما هي منزعجة بهذه الطريقة ليصيح فيها بغيظ وهو يتوقف بجانب الطريق.

-الله في ايه يا بت مالك ماهو هيبقى شغل زي اي شغل.

-اه مانا عارفة طبعاً انه شغل، دا حتى بيبقى فيه مكافأت بالبوس، يلا طريق السلامة انت بقى يا أمور.

فكت ذلك الحزام الذي يقيد جسدها وفتحت الباب لتحاول الرجل خارج السيارة،

لكنها وجدته يسد عليها الطريق ويحاول سحب الحزام مرة أخرى ليقيدها به وهو يهمس بكل هدوء.

-بطلي بقى تفكيرك المتخلف ده انا اصلاً فيا اللي مكفيني دماغي مافيهاش غير الهم اللي انا فيه وانتي وبس.

-أنا!

تنهد بحزن وثبتت عيناه في بندقيتها، وظل ثابتاً واقفاً في مكانه لا يفعل شيئاً سوا النظر إليها فقط.

-أيوة انتِ يا مريم، انتِ امي اللي بتخاف عليا وبتحسسني بحننها في كل لحظة، حبيبتي اللي شيالة همي واول ما بتجوع بتطلبي معاها اكل

عشان عارفة متأكدة ان انا كمان جعان، بتفرح لما تشوفني بضحك وبتعيط وتزعل على زعلي،

بنتي الصغيرة اللي بخاف عليها وكنت هاموت من القلق لما سابتني ومشيت لوحدها بليل، ومارتحتش غير لما مشيت وراها و وصلتها لحد البيت،

صحيح كنت هاروح لعمك دا واتخانق معاه عشان زعقلك بس مسكت نفسي وخوفت عليكي اكتر لا يأذيكي.

تجمد جسدها في مكانه ولم تهمس إلا بكلمة واحدة.

-إنت عملت كده عشاني انا.

وأخيراً ما قرر أن يصارحها بحقيقة مشاعره ليهتف وهو يقترب من وجهها.

-اه عارفة ليه عشان أنتِ حبيبتي، وانا عمري ما حبيت في حياتي حد اد ما حبيتك إنتي.

-بجد يا صابر، ااقصدي يا بشمهندس يعني انت بتحبني زي ما بحبك طب بص قول و الله.

قالت كلماتها بطريقة طفولية سريعة وهي تتمسك بكتفه وتهزه بيدها.

ليبتسم هو على طولتها هذه وبدون أي إنذار يجذبها إلى صدره ويضمها إليه جيداً مغلقاً عليها بيديه.

-بجد يا روح صابر، أنا والله بعشقك يا مريم

فرحتها بما قاله أنستها حقيقة وضعهم، وكادت ان تلف ذراعيها حول عنقه هي الأخرى،

لكنها أفاقت على بوق سيارة اخرى عابرة في الطريق لتزجه بعيداً عنها قائلة بخجل.

-ابعد عني بقى مايصحش كده.

بالفعل ابتعد عنها وأغلق الباب مرة أخرى متنهداً ثم عاد إلى مقعده مرة أخرى وأمسك عجلة القيادة بيد وبالأخرى امسك يدها وقربها إلى فمه ليقبلها غامزاً لها بطرف عينيه.

-أنا هابعد دلوقتي بس بعد ما نتجوز مش هتقدرى تقوليها تاني يا قلبي، يلا بقى نروح نفطر سوى وبعد كده كل واحد فينا يروح على شغله.

أنزعجت هي مما قاله وإذا بها تهتف.

-ماتجبليش السيرة دي انا فكرة إنك هاتروح تشتغل مع البت دي بتجنني اصلاً.

ترك يدها من أسفل قبضته وإذا به يحكمها على عجلة القيادة ليصيح بإنزعاج

-كده مش هينفع يا مريم، بلاش الغيرة يا حبيبتي، خليني اروح اشوف شغلي عشان أثبت نفسي فيه بسرعة واحاول في ظرف السنة دي اعملك بيت نتلم ونتجوز انا وانتِ فيه.

ومش عايز أكد عليكي تاني مالكيش دعوة بأي حاجة تحصل في الشركة، مش عايز اي حد يحتك او يكلمك كلمه تضايقك،

ابويا هيطلبك ويسألك عليا هتقولي زي كل يوم ماعرفش حاجة عنه.

-ولو راجع الكاميرات!

القت عليه سؤالها البسيط الذي لم يكن في حسابته، لتكمل هيا.

-ماهو اكيد هايطلب الهارد في اي وقت ويرجعها و هايش فني وانا كل يوم بقفل عليك باب المكتب، لاء دا كمان هايشوفنا لما خرجنا امبارح مع بعض من الشركة.

ثم شهقت منزعجة.

-وتقولي مش هيحتك بيا دا هيعلقني على باب شركتكم دي.

بسرعة فائقة استدار بالسيارة عائداً الي شركة والده وهو يهتف فيها.

-هي كده كده مش باينلها فطار النهاردة بصي انا هنزلك مكان ما اخدتك

عشان ماحدش يشوفك وانتِ معايا وهجري انا على الشركة عشان الحق اخد الهارد قبل هو ما يوصل وبعد كده همشي ويارب مايكنش وصل أساساً.

-لاء بلاش تروح عشان خاطري والنبي، بدل ماشوفك هناك ويحصل بينكم حاجة.

-لما يحصل بيني انا وهو اي حاجة اهون عليا من انه يأذيكي بسببي.

ما كان منها الأ أن تصمت وتحني رأسها بحزن لتجده يفتح لها كف يده منتظراً من ان تضع راحتها بداخله، لتضع يدها في يده بكل حب وظلو شابكين إلى أن وصل إلى مكان ما أخذها.

-يلا انزلي يا حبيبتي وخلي بالك من نفسك عشان خاطري.

-وانت كمان خلي بالك من نفسك هبقى اكلمك في الموبايل عشان اطمن عليك.

-حاضر يا مريم بس بلاش تتصلي وانتِ في الشركة ابعتيلي على الواتس وهرد عليكي، وقبل معاد خروجك هتلاقيني واقف مستنيكي.

أبتسمت له تعبيراً عن حبها وترجلت من السيارة وهي تشير له بالسلام.

-طب سلام بقى.ل

ليحاول المزاح معها حتى يزيل عنها تلك الرهبة.

- يعني انا عمال اقولك كلام حلو وانتِ مش عايزة تبلي ريقي، طب حتى قوليلي كلمة واحدة حلوة يا بخيلة.

-ربنا معاك بقى.

جرت من جانب السيارة بخجل يعشقه هو، لتجده يلحق بها ويسير ببطئ بالسيارة، ثم ألقى لها بقبلة في الهواء وأسرع في القيادة مبتعداً عنها.

لتهمس هي من داخلها.

-سلام يا حبيبي.

أوقف السيارة في الطريق الجانبي للشركة، وبعد أن اغلقها بدء يسير متجنباً التصدي لأحد او ان يراه احد،

وعندما اقترب من غرفة الأمن، سم الله وتوجه مسرعاً من غرفة الكاميرات وهو يصيح بطريقة طبيعية لموظفيه.

-صباح الخير يا شباب، اخبار الشغل ايه.

في الواقع لم يشك احد من موظفي الأمن، فهم معتادين على هبوطه فوق رؤسهم هكذا فجائة واطمئنانه على سير العمل لي حب به أحدهم هاتفاً.

-باشمهندس صابر، أهلاً بيك يا فندم.

ابتعد له عن مقعده كالعادة ليجلس هو عليه متسائلاً.

-اخبار الكاميرات ايه، في اي اعطال او حاجة.

-لا ابداً يا فندم الكاميرات كلها شغالة ومافيش اي اعطال.

-ومافيش اي حاجة مريبة حصلت وسجلتها الكاميرات.

-لا ابداً يا فندم حتى الهارد بتاعهم بقاله شهر بالظبط واتملى وكنا هنغيره ونطلعه لمكتب حضرتك او مكتب حسن بيه النهاردة

أبتسم على حسن حظه، وشكر ربه على مكافئه له ليرحب بتلك الفكرة قائلاً.

-تمام غير الهارد دلوقتي وادهولي قبل ما اطلع مكتبي.

-حاضر يا فندم.

ظل ينظر للكاميرات قبل أن يغلقوها، ليتفاجئ بولوج والده من الباب الرئيسي للشركة بوجهه الوحشي الغاضب،
ظل يناجي ربه بألا يلتفت إلى غرفة الأمن، أو أن تأتي حبيبته الأن، حتى رأه يلج داخل المصعد فتنفس الصعداء محاولاً ظبط انفاسه.

-احنا هنفرغ الكاميرات دلوقتي يا بشمهندس.

انتبه إلى صوت الموظف فنفي له.

-ماتفرغش حاجه شيل الهارد القديم وهاته وركب واحد جديد وانا هبقي افرغه بعدين يلا عشان عندي شغل.

أومأ له الرجل بطاعة وبدأ في عمله، وفي غضون لحظات كان في يده، ليأخذه منه ويذهب للخارج سريعاً.

وجدها تقف خارج الشركة خائفة لم يذهب إليها حتى لا يلفت الانظار وامسك هاتفه ثم اتصل على رقمها.

فتحت الأتصال سريعاً وهي تتلفت بخوف.

-نعم يا صابر.

-مالك واقفه خايفة كده، مادخلتيش على شغلك ليه يا مريم.

-مش عارفة ليه خوفت كده لما شوفت عربيته، قولت استنى لما انت تخرج واطمن عليك وبعد كده ابقى ادخل انا.

-ابتسم على حبها وحنانها له وهمس لها برقة.

-ماتخفيش عليا يا ماما، يلا بقى يا حبيبي ادخلي على شغلك واعملي زي ما قولتلك بالظبط.

-حاضر يا صابر.

-مريم.

-نعم.

-انا بحبك.

تملكت منها القشعريرة لتصمت قليلاً ثم همست له.

-وأنا كمان بحبك اوي.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي