الفصل التاسع والعشرين

طلب زواج مرفوض

ابتعد بها عن ساحة الرقص، وجلسوا وحدهم على أقرب طاولة قابلتهم، لكن علامات السعادة التي كانت تنير وجهه تبدلت بأخرى مبهمة.

-صابر هو اللي أقنعك بيا، يعني انتي مش بتحبيني يا ليلى!

لا يجب الأن أن تنقص من كفتها أمامه، بعد أن جذبته إليها وأصبح على حافة الهاوية لذلك يجب عليها أن تظل محافظة على أقترابه منها اكثر حتى تسقطه بها وتريح رأسها من شأنه فبدئت تعيد تدللها عليه.

-مين قالك كده بس يا حبيبي بالعكس دا انا فرحانة جداً أننا اتخطبنا لبعض، بس كمان بصراحة، اللي عمله باباك مع صابر هو اللي ضايقني اوي يا حسن،

وانا كنت عايزة افضل فرحانة عشان نفضل مع بعض لأخر الليلة.

اللعينة نجحت في ان ترضخه لها، وتعيد بسمته وتعلقه بها حتى أنه فاجئها بأمساكه يدها وهتف بسعادة.

-حلو يبقى نروح اليخت بقى.

-نروح مطرح ما انت عايز، بس المهم عندي إنك تصالح أخوك الأول.

وقف سعيداً بما قالته، و أخذها واتجه نحو أخوه الذي كان يجلس حزيناً وسط هذين الأثنان الغرباء عنه، ورغم ذلك لقى منهم الحنان الذي تمناه من أقرب الناس.

توقف حسن خلفه وإذا به يناديه واضعاً يده فوق كتفه والأخرى ممسك بها يد ليلي.

-صابر! فرحتي مش هتكمل طول ما انت حزين كده يا اخويا.

بلحظة نسي كل ما هو فيه من ألم، وقف وجذبه الي صدره محتضنه جيداً، كانت سعادته به حقيقية بالفعل، ظل يربت على ظهره تاره ويقبل وجنتيها اخرى وهو يهنئه بحميمة.

-مبروك ياض الف مبروك يا حبيبي، دانت ماتصور فرحتي انا بيك اد ايه، كبرت يا حسن وهتجوز.

-أه شوفت هتجوز وهخلف واد اسميه صابر، وهكون حنين عليه واصحابه زي مانت طول عمرك بتعمل معايا.

ضمه أكثر بحميمية وسعادة فائقة وهو
يهتف.

- ماكنش حنين عليك ازاي دا انت ابني ياض مش اخويا.

هكذا ظلوا يضحكون سوياً تحت نظارت والدهم، يعلم جيداً مدى ترابطهم ببعضهم، ولكم تمنى ان يكون هذا المنظر على طاولته هو،

المفروض أن يضمهم هو تحت ذراعيه ليسعد بهم وليس هذا الرجل المتطفل الذي يأخذ منه حق سعادته بأولاده عليه الأن أن يرجعهم اليه لن يتركهم حتى يتلاشو من بين يديه هم الأثنان، حسناً سيدبر أمره ويفكر في خطة سريعة يرجعهم بها اليه.

وبعد انتهاء هذه الليلة الطويلة الحزينة على صدر صابر، عاد في وقتٍ متأخر جداً، لكنه رأها تنتظره خلف ستار شرفتها، تقضم اظافر يدها كالأطفال من شدة خوفها عليه،

وحين لمحته يدلف داخل المنزل جرت للداخل سريعاً وفتحت له الباب لتستقبله وترتمي بين ذراعيها بدون وعي.

-كنت هموت من شدة خوفي وقلقي عليك.

ما كان منه الا ان يحملها بين يديه ويغلق الباب خوفاً من أن يراه عمها ثم همس لها وهو يقبلها في وجنتها.

ايه اللي بتعملي دا مش خايفة احسن عمك يشوفنا طب حتى مش خايفة مني.

خبئت وجهها داخل صدره، وهزته يمينا يساراً بالنفي ثم قالت بخجل.

-لاء انا ماخوفتش غير عليك أنت بس، من ساعة ما نزلت وانا واقفة في البلكونة مستنياك لحد ماترجعلي.

هل يتبقى كلام أخر يقال بعد هذا الحديث، أمسك وجنتيها بين كفيه وبكل رقة اقترب من شفتيها يريد أن يلتهمهم داخل فمه لكنه أصر انا يأخذ موافقتها أولاً.

-مريم.

-نعم يا صابر.

-عايز اعمل حاجة بس خايف تعاقبني بخصامك.

أحنت رأسها واعطيته الموافقة بخجل.

-لاء مش هخاصمك يا صابر.

وضع يده أسفل ذقنها وبكل رقة اقترب منها ثم قطف تلك القبلة التي تحولت إلى قبل متفرقة وهو يهمس لها بعشق.

-خلاص مابقتش قادر على بعدك عني، أنا اصلاً ماليش غيرك أنتِ حبيبتي امي وبنتي، الل بخاف عليها وتخاف عليا،

انا جبتلك الشقة خلاص، وكده كده مش هنروح الشغل، هاقعد مع عمك وافهمه كل حاجة واخطبك رسمي منه وهو شهر بالظبط وهنتجوز يا روحي.

ابتعدت عنه قليلاً ونظرت في عينه بتساؤل.

-وابوك يا صابر.

تركها من بين يديه وابتعد عنها فاتحاً الباب متجهاً نحو شقته مبقاش ابويا خلاص، هو قالها قصاد الناس كلها أنا ابني و وريثي الوحيد هو حسن.

كان عمها عمران مترجلاً على الدرج ذاهباً إلى المسجد ليقضي فريضة صلاة الفجر، وشاهده وهو يفتح بابه بالمفتاح،

لكنه أيضاً لمح أبنة اخيه وهي تقف خلف الباب حجابها شبه ساقط من علي شعرها ليزمجر بغضب وهو يحاول الأقتراب منها هاتفاً.

-الله انتِ فاتحه بابك الساعة دي ليه يا بت انتِ، وايه الي وقع حجابك كده.

أرتجفت من شدة خوفها من بطش عمها وحاولت ان تبرر له وقفتها.

-يا عمي أنا انا....

سريعاً ما حال صابر بينهم، و وقف متصدياً له هاتفاً.

-عم عمران تعالى أنا عايز اتكلم معاك.

نفض الرجل يده بغضب وزجه بعيداً عنه.

-تتكلم معايا في أيه يا استاذ، جايلنا منين متأخر كده، و موقف بنت اخويا معاك على السلم ليه يا محترم.

وهنا ظهرت الجدة في الصورة وملامح النوم كاسية على وجهها صرخت في وجهه.

-أخرس يا واد يا عمران واوعي تعيب فيه او في حفيدتي، لهو انت كنت قفشتهم مقفول عليهم باب يا روح...

صابر حاكيلي على كل حاجة بينهم، بيحب بنت اخوك وعي ها في الحلال، والبت مأجرمتش لما قلقت على خطيبها لما اتأخر وحبت تطمن عليه.

استشاط عمران غيظاً من حديث والدته، ثم استدار له رافعاً يده قاصداً انزلها على وجهه.

-دانا عامل زي الأطرش في الزفة بقى، جاي تقعد في بيتي عشان تلبسني العمة يا بن ال...

وهنا ظهر الوحش الأمن داخل صدره، بحركة سريعة منه، امسك كف يده وثناه بيد واحده، ثم صرخ في وجهه.

-كلمة زيادة عليها، ورحمة أمي ما هابقى على حياتك، ولولا انك راجل كبير انا كنت كسرتلك ايدك اللي رفعتها عليا دي،

أدخل اقعد بقى واركز عشان انا مش ناقصك انت كمان، وكفاية عليا مشاكلي مع ابويا، ما انا مش هيظهر لي في كل مكان عفريت انا.

تفاجأ عمران بحديثه الحزين، كما تفاجأ بقوته أيضاً، و وجد والدته تجذبه إلى داخل شقتها وأشارت لصابر بأن يتبعها.

جلسوا معاً جميعاً والحزن الوجوم حليفهم،
بدء صابر يحكي له الحقيقة كاملة وبعد أن انتهى قال له.

-دي كل حكايتي مع ابويا، وانا دلوقتي جبت شقة تمليك من شغلي وتعبي عشان خاطر اتجوز بنت اخوك،

اللي انا معادي الكل عشانها، فمش هيفرق معايا رضاك أو عدمه انت كمان.
وهنا فكر عمران قليلاً ثم قال.

-من اول ما طبيت علينا وانا حاسس انك وراك سر، لبسك وهيئتك يقولوا انك عمرك ما شوفت شقى، حتى عربيتك الفاخرة مش باين عليها بتاعت شغل سواقة ومرمطة.

يا بني انت ابن ناس وغني اه، بس واحد شايل روحك على كفك ومعادي الكل، روح رجع حقك وخده من ابوك.

خلص مشاكلك معاه وبعدها تعالي وانا اجوزهالك، ويكون هو معاك طبعاً غير كده اعذرني انا مش هوافق على الجواز.

بدأت شهقات مريم تعلو، و دموعها تنهمر على وجنتيها، ليقف هو يعطي الجميع ظهره بغضب هاتفاً.

-بطلى عياط يا مريم، أنا من الأول ماكنتش مستني موافقة من حد بجملة العداوة والجواز هيتم بعد شهر وكفاية عليا رضى جدتك.

انتفض عمران من علي الاريكة يجهر بصوته الغاضب له.

-انت جاي تقعد في بيتي عشان تتحداني يا بن الأكابر،

طب من النهاردة مالكش سكن عندي، وإن كان على فلوسك اللي دفعتها ارميها لك الله الغني عنها

، ومريم مش هتشوف ضافرها بعد كده وبسلامه من هنا ملكش جواز عندنا.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي