الفصل التاسع

أنتصار

يقف وسط الرجال في غرفة الإجتماعات كاليث عظيم،

يباشر كل شئ بنفسه متأهباً ومستعد لأخذ أي قرار، يحسب بالورقة والقلم وعقلة يدور في كل الدوائر، يدرس كل شئ ويتحدث عبر الهاتف بحسم.

-وأنا قولتلك ماتبعش سهم واحد لو المجموعة خسرت سهم واحد هتبقى انت المسئول قدامي.

ليتحدث الموظف المسئول محاولاً إرجاعه عن قراره.

-يا صابر بيه ارجوك توافق، إحنا ماصدقنا الريتش يعلى شوية عن الصبح مش عايزين نستنى لما يهبط تاني، فاضل ساعة واليوم يقفل ولو اللوحة قفلت على كده الخسارة هتبقى كبيرة اوي.

رفع رأسه ليشاهد عين والده الذي كان يجلس على رأس الطاولة في صمت تام يناظره بجمود.

ليهتف صابر بتحدي له.

-مش هيحصل وانا مش هاخسر سهم واحد من تعبي، اعمل اللى بقولك عليه و ماتعملش حاجة من نفسك مفهوم.

-مفهوم يا بشمهندس.

اغلق معه الهاتف ليستمع إلى آراء رؤساء الأقسام وبعض الموظفين الذين بدؤوا يثرثرون في إذن والده ليقول أحدهم.

-فرج بيه اسمحلنا اللي الباشمهندس بيعمله دا يعتبر اندفاع منه يؤدي لإنهيار المجموعة كلها.

لم يتحدث ولم يحيد نظرته عنه، لكن وجهه لم يكن يبشر بأي خير، حتى أن صابر يقسم انه استمع إليه دون أن يتحدث.

-هقتلك يا صابر لو خسرنا، وحين استمع إلى صياحها، اتجه بوجهه نحو الباب ليري لهفتها في الولوج إليهم وهي تهتف بسعادة.

-بص يا باشمهندس صابر، تعالي شوف بسرعة.

-في ايه يا مريم مالك.

-كان عندك حق لما قولت مانبيعش يا باشمهندس، الريتش بيعلى بطريقة مش معقولة سعر الاسهم بتاعتنا في لحظة إرتفع وعدى سعره قبل الخسارة بأربع أضعاف.

جرو جميع الرجال على تلك الشاشة التي إنارتها ليشاهدوا حقيقة الأمر،

بينما تنفس هو الصعداء، ارتمى بجسده على أول مقعد قابلة، ليتوجه مع والده ويناظره بتحدي ساخر.

ثم تحدث بعناد قائلاً.

-أظن كده مش هتقتلني و تعفو عني يا فرج بيه، ها ايه رأيك بزمتك مش ابن عزيزة هو اللي نفعك وفي كل مرة هو اللي بيلحقك قبل ما تخرب.

بكل هدوء لملم النغاس الكبير اشيائه ووقف مستعدا للرحيل، لكن قبل أن يذهب اقترب منه وهمس له .

-كل اللي بتعمله دا مش هيشفعلك عندي، وعلى العموم إنت طلعت ولا نزلت في الأخر إسمك صابر فرج النغاس، تخسرها بقى ولا تكسبها في الأخر بتاعتك أنت وأخوك.

رفع وجهه العابث من شدة الغضب له.

-قصدك بتاعت أخويا بس، هو انا احتكم على حاجة ولا املك حاجة فيها، أنا بكبر كل حاجة لأخويا وجيبي مافيهوش غير خمسين جنيه يا بابا.

ضحك ملئ فمه بصوت مرتفع، ثم ربت على كتفه وبعين ساخرة همس له.

-عايزني اديك واملى جيبك، عشان تهرب مني بجد يا صابر، إذا كان جيبك فاضي اهو وبتهددنى إنك هتهرب مني زيها،

بس انا عايزك تفتكر كويس ايام زمان يا صابر، عزيزة هربت مني مع عشيقها أه بس انا جبتها وقتلتها بأديا يا صابر.

قال كلمته ورحل من أمامه وهو يهتف أمام الجميع.

-تمام يا صابر أنا هامشي بقى، خلاص مش قادر اقعد اكتر من كدة، وانت كمان خلص وحصلني على البيت، ياريت متتأخرش وتقلقني عليك، سلام يا رجالة.

ها قد غادر النغاس الكبير وهو يعطي إنطباع لدى جميع موظفيه انه اب حنون على ولده
وبرغم شجارهم منذ الصباح، إلا أنه لم يرد المغادرة حتى يتم التصالح بينهم.

عاد صابر إلى مقعده بوجه حزين، ليجدها تقف بجانبه وتمد له الهاتف وعلى وجهها إبتسام لطيفه.

-في ايه تاني يا مريم.

-موظف البورصة عايز يعرف هيعمل ايه.

اخذ منها الهاتف وقال كلمة واحدة.

-خلاص افتح التداول.

ثم اغلق الهاتف وظل جالساً يتلقى التهاني من جميع الموظفين حتى الذين كانوا يعارضوه بدأوا يؤيدونه بفرح.

حتى انتهى الدوام في العمل، وانفض الجميع من حوله وظل هو وحده داخل غرفة مكتبه ليتلقى إتصال أخر لكنه تفاجأ بالمتصل ففتح الأتصال.

-ألو مرحباً سيد براد.

بصوتٍ مرح جداً أجابه العجوز الأجنبي.

-مرحباً بك سديكي سابر (صديقي صابر) كيف حالك يا بني.

رغم كم الحزن الذي يثقل صدره، لكنه ابتسم وضحك على لهجة هذا الرجل وهتف.

-احمد الله على كل حال يا سيدي، فقد مر الأمر بسلام واستقرت الأمور واصبحت بخير.

-انا اعلم ذلك، ولك أن تعلم أنني أتابع أسهم شركتكم من صباح اليوم، وكمان كنت حزين ليكي إنتِ، ومش كنت أسمح بأي عمل بينا وبين شركة بابكي من غيرك انتِ ولد سابر تعرفي ليه.

-ليه يا فندم.

-عشان انتِ ولد طموح ومجتهد، وانا بحبك وكنت اتمنى ان يكون عندي إبن يحمل المسئولية زيك انتِ سابر.

حديث هذا الرجل، حقاً جعله يشعر بالسعادة، كان يتمنى ان يقول له والده كلمة واحدة منه (انا احبك) لكن لا والده دائماً ما يشعره بالكره وينبذه.

-روحتي فين سابر.

عاد إلى رشده عندما استمع إلى حديث الأخر.

-أنا معك سيدي، و حقاً انا ممتن وسعيد جداً بحديثك معي، وأرجوك أسمح لي أن نكون أصدقاء بالفعل.

-بل أنا أطمع في أكثر من ذلك سابر، أنا فعلاً اريد أن تتعامل معي كأبن وأبيه، انا بالطبع لا اريد اخذك من والدك

لكني اريد ان يكون لي عين هنا على استثمارتي ومن سيكون عيني ويحافظ لي على املاكي غير ولدي سابر.

عادت إلى وجهه الأبتسامة، فهذه هي فرصته ليكون له شأن، ستكون له حياته الخاصه وراتبه الخاص فهو بالرغم من كل ما يملكه ابيه إلا أنه لا يعطيه غير القليل جداً من الأموال

ليس لديه حساب بنكي ولا يملك حتى غرفة خاصة به إلا تلك الغرفة الموجودة في قصر والده، وبدون أي تفكير أعطاه الموافقة.

-أنا تحت أمرك سيدي، وصدقني هذا شرف كبير لي.

-لا تقل ذلك، لا يوجد مثل هذا الكلام بين الأب وابنه، الآن سأغلق الهاتف إلى لكاء كريب (لقاء قريب) بيننا.

-حسناً إلى اللقاء يا صديقي.

أغلق الهاتف وسرح مرة أخرى يفكر، لما والده لا يعامله بهذه الطريقة الحنونة، لما يلقى الحب والأحترام من كل الناس إلا هو،

لا يمكن أن يظل عمره كله يجني ما فعلته به والدته!

وما هو التي فعلته والدته حتى تلقى حتفها على يده، هو كان صغير جداً وقتها ولا يدرك شيئاً،

ظل يعتصر جبهته عصراً حتى يتذكر، لكن كل ما تذكره تلك الصفعات التي كانت تتلقاها على وجهها كل يوم من يد والده، و وجه درية الضحك وهي تقف بكل تشفي فرحة فيها بكل شماتة مثلما يقال.

لم يشعر بنفسه ولا بعبراته التي التصق.ت على وجنتيه إلا حين انتبه لبكاء تلك القصيرة الجميلة.

مسح بعبراته سريعاً ودارى عينه منها وهتف.

-الله انتي لسه هنا يا مريم، مروحتيش ليه الساعة داخلة على تمانية وانتي كده اتأخرتي أوي.

جلست بجواره على طاولة الاجتماعات و وضعت ما بين يديها أمامه.

-اروح ازاي واسيبك قاعد لوحدك هنا
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي