الفصل السادس والعشرين

ضربة قلم

اندهش حسن من ردها، كان من المفترض أن تكون فتاة عملية، لا تحب التخاذل أو ما يسقطها للأسفل فلماذا تحرضه هو على السقوط.

-إنتِ بتحبي لعب الورق يا ليلي؟

بعين ماكرة وابتسامة ساخرة أرادت أن تظهر له ما يجعله ينجذب إليها أكثر.

-اه بحبه زي ما أنتوا بتقولو هنا، انا حريفة فيه.

ليصيح بمرح معها.

-يبقى يلا بينا بقى هنستنى ايه، دا انتى هتستمعي اوي النهاردة، بس اوعي يكون حظك زي حظي في اللعب.

ضحكت من قلبها هذه المره، ليس على مزاحه الدائم معها، بل هذا الأبله يكشف كل ورقة أمامها دون أن تعاني أي شئ.

-بالعكس يا حسن أنا حظي في اللعب حلو اوي أصلاً، لعبة الورق بتعتمد على الذكاء، الأغبية بس هما اللي فاهمين أنها بتعتمد على الحظ.
فرك حسن رأسه من الخلف وهو تقدمها في السير وقال.

-أمممم الله يحفظك يا ليلى.

وتحاول اللحاق به بضحك هستيري.

-أستنا طيب مش قصدي انت، هو انت كل حاجة تأخذها على نفسك كده.

مر يومان على الجميع، كل واحد يدبر أمره كما يدور في عقله.

النغاس الكبير لا يشغل رأسه، سوى البحث عن الغائب،

درية زوجته لا تفعل شيئاً الا أن
تحقد على صابر وتكره حسن في أخيه

حسن يدور حول محبوبته ويتعلق بها كل يوم أكثر من الذي يسبقه.

أما ليلي فكانت كالاعبة ترابيز محترفة، تسير في خطتها وتلعب على الحبلين.

والدها و والدتها يعلمون ما تفعله، وهناك سر خلفهم، أمر يعلموه يدبروه لكن لا أحد يعلمه.

صابر يجتهد في عمله بجد ونشاط، أسس للسيد براد فرع شركته الجديد من الألف إلى الياء وباشر عمله في الموقع ولن يتخاذل في عمل شركة والده، كل هذا في الخفاء دون أن يلاحظه أحد، وهذا ما جعل عقل والده قد أوشك على الجنون.

مريم عادت إلى عملها في الشركة، وكانت تباشر عملها بخوف تام لأنها أصبحت بعد غياب حبيبها عن العمل، سكرتيرة مكتب فرج النغاس بأمر تعسفي منه هو،

صحيح أنها تعاني الكثير لكنها تتحمل كل شئ خلال هذين اليومين فقط من أجل حبيبها

هي الأن تقف أمام هذا الليث العجوز تحمل في يدها ملفاً ورقي، وتنتظر أن ينتهي هو من إمضاءات الأوراق التي أمامه.

لم يرفع عينه عن هذا الورق، بل كان يتفحصه بعناية ليلقي عليها بسؤاله الهادئ .

-لسه مفيش جديد يا مريم.

ضمت حاجبيها منزعجة من سؤاله الذي لا يكل أبداً عن طرحه لها.

-أخبار عن ايه بس يا فندم، يا فرج بيه حضرتك ليه بس مش مصدقني، أنا معرفش حاجة عن الباشمهندس صابر، تحب حضرتك احلفلك على كده.

رفع رأسه عن الأوراق، أراح ظهره ليستند على ظهر مقعده ثم نظر إليه وابتسم.

-ومين قالك بقى إني هسأل على المهندس صابر!

-يا فندم هو حضرتك بتسألني على حاجة تانية غير عليه هو.

-عشان متأكد إن في بينك وبينه حاجة أصل مافيش واحدة محترمة، هتخلي واحد يمسكها بالطريقة دي، إلا لو كان جوزها مثلاً او خطيبها او حتى بيحبو بعض.

وكأنها لدغت من حية كبيرة، ضخت سمها بالكامل في يديها التي ظلت تهزهم أمامه بالنفس وهتفت.

-لا لا لاء مفيش حاجة من دي، كلام حضرتك دا مش مظبوط خالص على فكرة، إيش جاب لجاب أصلاً يا فندم بص أنا هاقول لحضرتك عن الحقيقة كلها،

حضرتك اخر يوم شغل للباشمهندس في الشركة، وكلنا تأخرنا في العمل هنا، دا حتى حضرتك مشيت متأخر مش دا اللي حصل فندم.

أشار له بيده بأن تكمل الحديث.

انا كمان اتاخرت هنا عن ميعاد مرواحي، بسبب اني كنت بنزل بعض الفايلات على الكمبيوتر وبستقبل التليفونات اللي بتيجي من موظف البورصة وابلغ المهندس صابر بيها،

اتفجئت ساعتها إن الوقت اتأخر وطلبت منه ٰ، اني امشي، ساعتها هو بس في ساعته ورفض وقالي الوقت اتأخر،

ازاي تروحي دلوقتي لوحدك، اقعدي لسه عندنا شغل لما نخلص هبقى أوصلك،

فضلت قاعدة لحد ما خلصنا ولما جينا نروح، والله يا فرج بيه رفضت انه يوصلني، وحتى بلغته اني طلبت أوبر،

أم هو اتعصب عليا وقالي أوبر ايه اللي هتركبيه لوحدك من هنا دا انتي عايزة يحصلك حاجة وتحملي الشركة ذنب بسببك،

وساعتها مسك أيدي جامد وجرني وراه زي ما حضرتك شوفت كده بالظبط، والله يا فندم هو دا كل اللي حصل.

-براڨو يا مريم،على فكرة إنتِ بنت ممتازة ومقنعة خالص، بقولك ايه ما تتجهي للتمثيل انتِ ينفع تمثلي على فكرة.

حديثه الساخر جعلها تصل إلى قمة الإزعاج حيث اردفت بحزن.

-طب طالما حضرتك مش مصدقني، يبقى أنا هقدم لحضرتك طلب استقالتي ويا ريت حضرتك بقى تقبلها.

-عايزة تخلعي عشان تحصلية، مش كده يا مريم.

أحنت رأسها في الأرض وقالت بأسف.

-حضرتك تقدر تحسب اللي تحسبه، عن إذن حضرتك يا فندم

استعدت للترجل خارج مكتبه، لتج أحد المهندسين المختصين يلج سريعاً.

-فرج بيه الباشمهندس صابر ظهر يا فندم.

انتفض فرج النغاس من على مقعده، وهب واقفا مستعدا لرؤيته العراك معه حيث هتف في الرجل بجمود هو فين انطق قولي على مكانه بسرعة.

-موجود في الموقع يا فندم بيباشر الشغل مع المهندسين و العمال.

-اطلب منهم يحضر ولي عربيتي بسرعة.

-تحت أمر حضرتك يا فندم.

جلست هي خلف مكتبها وشرعت في كتابة استقالتها وكأنها لا يهمها الأمر كله،

لكن من داخلها كان قلبها ينبض، كطبول الحرب المعلنة باندلاع المعركة، إلى أن رأته وهو يسرع في خطاه نحو الخارج،

وحينها أمسكت هاتفها وأرسلت منه رسالة واحدة تحتوي على جملتين.

-امشي من الموقع يا صابر، ابوك عرف مكانك و جايلك.

ليأتيه الرد هذه المرة سريعاً.

-امسحى الشات بسرعة ابويا عارف من الصبح اني كنت هناك وانا مشيت اصلاً، هو عمل الفيلم دا عشان يوقعك.

بالفعل مسحت كل شئ بينهم علي الهاتف، حتى رقمه، وجلست تكمل كتابة الاستقالة لتجد هذا الرجل اللئيم يقف فوق رأسها ويمد لها يده.

-تليفونك فين؟

تصنعت البلاهة أردفت.

-خير يا فندم حضرتك عايز تليفوني ليه.

-متجاوبيش سؤالي بسؤال انا شايفك أصلاً في الكاميرا وانتي بتراسليه.

رفعت رأسها للأعلى وجدته كاميرا راكبة فوق رأسها من ركبها ومتى ركبت هي لا تعلم.

لم يدها على مكتبها وتأخذ هاتفها، ثم أعطته أليه بإستسلام.

جذبه هو منها بقوة، وبدء يقلب فيه دون فائدة إلى أن نفذ صبره، القاه من يده على مكتبها ثم هتف بهدوء.

-لحقتي تمسحي كل حاجة بينكم من على الموبايل،

ثم جذب تلك الورقة التي تمسكها في يدها وهتف وهو يمزقها بيديها ويليها في وجهها،

-استقالتك دي ماتلزمنيش، انتِ مرفودة يا بنت وأوعي تحلمي انك تشتغلي في شركة زي دي تاني،

احسنلك تقعدي في بيتكم، عشان كل شغل هاتروحيه هتلاقيني واقفلك فيه، انا حطيتك في دماغي ومش هرحمك لو عرفت إنك ليكي صلة بصابر أبني.

قال كلمته الأخيرة ودلف مرة أخرى إلى داخل مكتبه.

جمعت هي كل أشيائها والبكاء يكسو وجنتيها، وهمت بالذهاب من الشركة بأكملها.

كان هو يتابعها بسيارته وعندما تأكد أنهم ابتعدو عن الشركة، ولا يوجد أحد يسير خلف السيارة التي استقلت هي بها، قرر الاتصال بها.

وفي طريق عودتها إلى المنزل، تلقت منه إتصال، أجابت اتصاله بهدوء تام.

-نعم يا صابر.

-وقفي العربية اللي انتي راكبه فيها دي انزلي أنا وراكي عربيتي.

استدارت للخلف وجدته بالفعل يتبعها، ثم أوقفت السائق وأعطته حسابه، ترجلت من السيارة وذهبت إليه، بسلامة نية فتح لها ذراعية، لكنها جلست على مقعدها وأسندت رأسها على النافذة.

بدوره أدار محرك السيارة بتعصب، ونفرت عروق قبضته وهو يقبض عليها بغضب.

-يووووه انا مش قصدي حاجة بس حاسس انك مضايقة.

ظلت صامتة ثابتة على جلستها فسألها.

-قدمتي استقالتك.

-ابوك رفضها ورفدني انا كمان ومش بس كده دا قالي اني اقعد في البيت اكرملي عشان لو لقيت اي شغل تاني هيقف لي فيه.

قالت جملتها هذه بطريقة هادئة، لكنها كانت حزينة تعم على السخرية.

في هذه المرة لم يجيب هو الحديث، لكنه استدار
بالسيارة واسرع في القيادة حتى أنها كادت أن تصرخ من شدة سرعته،

حتى توقف أمام مقر شركة براد والتي قد انتهى للتو من فرشها ، وبدء في العمل بها، ترجل من السيارة والتف حولها، فتح بابها أنزلها منها عنوة.

-يلا انزلي ويبقى يوريني بقى هيوقف لك في الشغل دا ازاي وانتِ معاي.

صعد بها إلى الأعلى حيث مقر الشركة، ومنها إلى غرفة مكتبه وجد ليلى قد حضرت هي أيضاً وتنتظره داخلها ،

وعندما رأته وهو متمسك بيد هذه الفتاة التي كانت تعمل في شركة والده تساءلت.

-دي بتعمل ايه هنا؟

ترك يدها وتقدم من مكتبه وأمسك بعض الملفات وهو يهتف بجدية.

-مريم هتبقى مديرة مكتبي، هي شاطرة وأنا ماقدرش استغنى عنها.

ثم ألتفت إليها و أشار لها بأن تتقدم منه، ووضع بين يديها الملفات مبتسماً، وقال لها.

بداية الشقى بقى، عايز الملفات دي تتسطب على اللاب بتاع مكتبك،

و اضبطي ساعتك من دلوقتي عشان هتبتدي تستقبلي الشباب والبنات اللي قدمه في الأعلان عشان الشغل.

أخيراً ما عادت أليها ضحكتها وأخذتهم منه واتجهت للخارج، لتوقفها ليلي بإشارة من يدها.

-واعملي لنا اتنين قهوة يا أسمك إيه.

هذه المرة لن تصمت او تسمح لها بأن تهينها بهذه الطريقة، حيث استدار إليه بعينّ جامدة ورفعت حاجبها الأيمن له.

-إنت لسه ما عنتش ساعي للمكتب.

ليجيب على الفور مؤكداً لها.

-بالعكس دول هما اول ناس استعينوا طبعا.

-أوك هبلغ الساعي يعملك عصير الجو دلوقتي حر، وانت تشرب قهوة كتير النهاردة.

ثم ترجلت للخارج ولم تعبيرها أي اهتمام.

رفعت ليلى سبابتها وأشارت بها عليها ثم هتفت بغضب.

-ايه دا! هي ازاي مش ترد عليا انا، ازاي توجه كلامها ليك وتسيبني أنا واقفة كده.

يوضح هو لها ما فعلته.

-لأن ببساطة هي مش ساعي عشان تطلبي منها أنها تعملك قهوة، وبعدين احنا ورانا شغل كتير، مش فاضين احنا للقهوة والشاي.

-بس أنا مش عايزة البنت دي تشتغل هنا.

رفع سبابته في وجهها بجمود وهتف.

-لاء إلا مريم، لو هي مشيت أنا كمان همشي.

لتتفاجأ هي برده، وتعقد ذراعيها امام صدرها.

-وعشان كده بقى انت ماشي في كل حتة ماسك ايدها مش كده.

غضب هو من ردها هذا ودافع عنها قائلاَ

-حاسبي على طريقة كلامك يا ليلى، إلا مريم
دي عندي خط أحمر، مش مسموح لأي حد انه يتدخل بيني وبينها.

فهمت مغزى حديثه جيداً و لكنها اقتربت منه ببرود.

-دي يا صابر! مش شايف انها مش مستواك، دي حتى طريقة لبسها بيئة أوي،

لتضع راحة يدها على ذراعه وتهمس له وهي تلتصق به بتقزز.

-اللي زي دي مش قيمتك يا صابر خليك مع اللي ترفع معاها لفوق، وسيبك من اللي يحبك للفقر بأيدها.

لم يشعر بنفسه إلا وهو يدفعها عنه وينزل كف يده على وجنتها وهو يهتف.

-مريم مش قيمتي يا رخي..، غطي لبسك انتِ الأول وبعدين عيبي على لبسها حجابها اللي منور وشها.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي