الفصل الثالث والعشرين

لعبة الورق

هل جنوا جميعاً أم هو من جن، هل يعقل أن يفقدهم هم الاثنان في يوم واحد، لا يمكن أن يفعلوا به هذا وإذا به يسرع في خطاه وهو يلحق بحسن هاتفاً.

-استنى يا حسن، رايح فين بس انت كمان،. انتو ايه اللي جارلكم انتو الاتنين، أوقف يا بني وكلمني ولا ناوي تهرب انت كمان وتسيبني.

ما كان منه الا ان يتوقف ويستدير اليه, ليتحداه مرة اخرى .

-نعم افندم يا بابا عايز منى ايه تاني.

تمسك والده بعضده  ,محاولاً جذبه للداخل  مستعطفاً اياه.

-يا ابني الكلام اخد وعطي ,ادخل بس يا حسن وانا هعملك كل اللي انت عايزه,مش كفاية عليا اخوك اللي مشي ولحد دلوقتي  مانعرفش هو راح فين,انتو عايزين تموتونى بحصرتي  عليكم انتو الاتنين.

باشارة من عين والدته التي كانت تقف متخفية قي الجوار,بدء يتصنع الحزن من اجل والده ,ليقترب منه ويحتضنه ملقياً راسه علي كتف ابيه ,مصتنعاً الحزن.

-بعد الشر عليك يا حبيبي ,اوعى تقول على نفسك كده تاني ,هو انا اعرف  اعيش في الدنيا دي لحظة واحدة من غيرك يا بابا.

بقلب اب حنون ضمه بقوة , اغلق علية بذراعيه , وبدء يهدء قليلاً  وهو بين يديه .

-لو خايف عليا بجد يبقى تدخل معايا, وتقعد كده ونفكر سوي ,ازاي نروح لواحد اجنبي لسة متعرفين عليه جوز بنتك لابني.

عاد معه بالفعل وجلسو سوياً في بهو القصر يتحدثون.

-صدقني يا حبيبي انا معنديش اي مانع  اني اجوزك البنت دي,بالعكس دانت جوازك منها هيرفعنا ويعلي قيمتنا في السوق بس لازم الاول تكون الي ايدك  منها , مش عشان  خرجت  مرة معاها او حتى سهرتو  سوى تبقى بتحبك وهتوافق تتجوزك يا حسن.

صمت حسن يفكر في حديث والده,على ما يبدو انه معه حق في ذلك,متذكراً ضحكاتها واغلاقها الهاتف في وجهه عندما افصح لها عن ما يكنه بداخله تجاهها,وهنا تحدث مع والده بكل جدية.

-معاك حق يا بابا ,بس صدقني انت المرة دي هما يومين  وهجبلك الموافقة منها وكمان هخليك تكلم ابوها بتاع اللغة الركيكة ده.

رغماً عنه ضحك النغاس الكبير محاولاً كسر حاجز الحزن الذي سيطر عليه ,ثم عاود لسؤاله مكرره مرة اخري.

-بس اخوك ياحسن احنا لحد دلوقتي مانعىفش عنه حاجة ,

ليعود الى مكره مراوغه بالكلمات.

ما هو لو مارجعش الشغل كله هيبقى فوق دماغك انت لوحدك, انما بقى لو رجع ساعتها هتقدر تفضى نفسك للعروسة ومش هيبقى وراك غيرها.

ليهتف حسن على الفور.

-هيرجع يابابا اكيد هو يعني هيروح فين, بس مش عاويدك يعني انك تخاف عليه وتظهر حبك  ليه كدة,هو مش دا برضه صابر اللي انت دايماً بتهدده بالقتل لو ساب البيت دا,  مش هو دا  اللي انت بتحسسه بكرهك كل ما بتشوفه.

وقف فرج غاضباً واتجه نحو الدرج ليصعد من امامه .

-مافيش اب بيكره ولاده يا حسن, انا بس بقسى عليه عشان هو اللي شايل الشغل وماينفعش يتدلع زيك.

ضحك  حسن بصوت عالي وهو يهم للرحيل من البيت كله.

-وماله لما اتدلع بس يا بوب ,ربنا  يخليني واتدلع على حسك يا حبيبي.

-مش بلعب الورق والقمار يا حسن , دا اخرته خراب.

انتبه حسن لما قاله والده,توقف عن السيىر قبل ان يغلق الباب واحتلت الصدمة مكان الابتسامة علي وجهه,

ليعود اليه محاولاً نفي ما قاله بكذب.

-انا مش بلعب قمار يا بابا ,دي بس تسالي مش اكتر بيني وبين اصحابي ,احنا حتى مش بنلعب على فلوس.

وقف النغاس امراً اليه ن الاعلي.

-دي بالذات مافيهاش نقاش يا حسن ,انا قولت هكتبلك كل حاجة باسمك اه,بس ماسجلتش ومش هسجل غير لما ترجع عن شغل العيال ده,ماهو اكيد يعني اخوك مش هيمشى وانا اسجلك كل حاجة وانت تروح بغبائك تلعب عليهم قمار.

قال النغاس الكبير كلمته وحسم الامر ,ثم صعد الى الاعلى تاركه يقف متصنماً في مكانه ,لتظهر هي من الخفاء وتجلس مكان زوجها قائلة.

-تصدق معاه حق,وانا اللي كنت ظلماه وقولت دا رجع في كلامه عشان خاطر ابنه الكبير ,اتاريه خايف عليك انت وبيحاول يصلح حالك انت.

عاد اليها وليس هذا ما يشغل باله الان  تسجيل الاملاك ,بل كل ما يشغل تفكيره هو كيف علم بهذا الامر .

-انت اللي قولتيلهمش كده.

-غبي.

تلفظت بها وهي تزجزه معلنة له عن غضبها منه لتكمل شبه ثائرة  بصوت منخفض.

-انت بتفكر ازاي يا واد انت, متوقع ان انا ممكن اعرف حاجة زي دى عنك واروح ابلغة بيها,

فوق لنفسك بقي انا عمالة احايل شوية واتخاتق شوية  واكرهه في ابنه شوية. دانا ختى كرهت ابنه نفسه في العيشة هنا,وكل دا ليه عشان يكتبلك كل حاجة ونخلص , وانت عمال تهد في اللي انا ببنيه طول السنين دى كلها .

ليحاول تهدئتها هاتفاً.

-انتو مكبرين الموضوع بطريقة اوفر اوي الصراحه, دى مجرد لعبة بلعبها و عادى ابطلها في اي وقت,مابقتش مدمن يعنى يا ماما.

وضعت سيدة القصر قدماً فوق الأخرى وارتسمت ابتسامة صفراء على ثغرها.

-اثبتله هو الكلام ده، ويا ريت يكون صحيح لأنه لو كان عكس كده، ابوك عمره ما هيصفالك ولا هيحاول يفكر يكتبلك حاجة تاني ابداً.

كان يظنها ستصدق على قوله كما تفعل دائماً، لكنها تجنبته هي ايضاً من جانبه.

-انتِ رايحة فين سيباني انتِ كمان، هو احنا لسة خلصنا كلامنا يا ماما.

-اللي عندي قولته، الدور عليك انت بقى عشان تثبتله وجودك، وبدلما تقضي الوقت في لعب الز.. ده، قضيه في الشغل واتحمل المسئولية شوية، خليه يبطل يشيل حكاية رجوع صابر دي من دماغه.

انزعج من ذكرها للعمل واجتهاد صابر به، لينفض يده في وجهه بضجر.

-يوه صابر تاني، هو انتو مافيش في دماغكم غير صابر واللي بيعملوا صابر هو هيفضل شاغلكم كده سواء بوجوده او بعدمه يا ماما.

تعجبت والدته من غبائه الزائد هذا، هل كل ما يشغل باله هو ذكرهم لصابر وما يفعله صابر لتصرخ في وجهه.

-إنت ايه يا اخي مابتفكرش، مش ممكن
تكون فاهم كلامي ابداً، انا بقولك أظهر نفسك لأبوك وخليه ينسى صابر،

وانت تقولي دا اللي  شاغل تفكيركم، ابوك اتخانق معايا وقالك انت كمان انه مش هيسجل حاجه غير لما تبطل موضوع اللعب دا، وانت ولا انت هنا، خلاص بقى ضيع كل حاجه من إيدك واقعد اتفرج عليها وهي بتروح لصابر.

رحلت هي الأخرى من أمامه وتركته يجلس وحده يفكر.

-اوف بقى على الموڨ أون اللي حطيتوا الواحد فيه، يلا وادي سهرة النهاردة كمان اضربت، طب واضربت ليه مانا اتصل باليلي واشوفها هتتكلم عدل ولا هتضحك وتقفل تاني هي كمان.

كانت هي تحاول التحدث معه لكنه لم يجيب الاتصال، لتجد الأن هاتفها يأتيه اتصال من اخيه،

فعاودت الضحك وتفتح الاتصال.

-انتِ لسه بتضحكي من ساعة ما قفلتي معايا.

لمحت في نبرة صوته الوجوم وخجلت من نفسها، لتهمس له متصنعة الرقة معه.

-شكلك زعلت من ضحكاتي.

-انا ماقولتش ليكى نوكته عشان تضحكي عليها يا ليلي.

-ايه دا حسن إنت زعلت بجد سوري، انامش كنت اعرف ان ضحكتي هتزعلك، بس انت فاجئني بصراحة بكلامك ده.

وقف من علي مقعده وهم بالذهاب للخارج، وهو يجاريها في الحديث.

-يا بيبي انتِ تضحكي براحتك، حتى لو طلبي مرفوض بالنسبة لك عادي يا
حبي.

ضحكت رغماً عنها نظراً لمداعبته لها ثم بدئت تمدح فيه وتلاطفه هي الأخرى.

-شكراً كتير ليك يا حسن انت بجد لطيف خالص، وعلى فكره طلبك مش مرفوض ولا حاجة انا بس محتاجة وقت شوية عشان افكر.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي