الفصل الواحد والعشرين

العبائة السوداء

ابتسمت الجده له وقالت.

-ربنا يجعلك من سند ليها يا حبيبي، نادي أنت عليها واديهم ليها انت يا صابر، وإن كان على عمها واللي بيعمله،

فدا من ضيقة الحال عليه، ما هو زي مانت شايف كده أب لأربع عيال محلتوش غير المحل اللي تحت البيت دا،

يصرف عليهم منه ازاي بس ومريم هي اللي قالتله في الأول خد إيجار الشقة ليك بس بقى كل ما ي عقلها على حاجة ترجع تقول كده عقل بنات بقى.

ليبتسم هو على حنانها ويجهر بصوته لتسمعه الأخرى من الداخل.

-مريم يا مريم.

فتح مصطفى الباب ليحذره بيده وهي تسرع من خلفه.

-بتنادي عليها كده ليه وطي صوتك دا شوية.

ضحك صابر على غيرة هذا الطفل الذي لم يتعدى الثامنة عليها ثم اردف متذكراً.

-ييي تصدق نسيت حوارك اصلاً، طب معلش حقك عليا يا عم، خدي يا مريم فلوس الايجار اللي دفعتيها لعمك اها.

تفاجئت هي بيده الممدودة لها أمام جدتها ثم قالت محاولة ان تداري عيناها بخجل من جدتها.

-فلوس ايه انت نسيت ان انت بعتهم معايا قبل كده وانا اديتهم لعمي قبل كده.

ليهمس لها بسعادة خلاص يا مريم، انا اتكلمت مع تيتا وخطبتك منها وهي كمان موافقة، خدي بقى فلوسك.

رفعت وجهها له بوجنتان تشبه حبات الفراولة، متفاجئة بما قال.

لتضحك جدتها على خجلها وهتفت.

-خدي الفلوس من خطيبك يا حبيبة ستك، وتعالي في حضني.

لم تم يدها له وجرت لتخبئ وجهها في صدر جدتها، ثم ألتفت صابر إلى ذلك الطفل الذي لا يكثر عمره عن السبع أعوام.

يقف مندهش بعين منفرجة، ولكنه لاحظ سقوط العبرات منها.

ليضع صابر المال بجانبها ويعود إلى هذا الصغير الباكي في صمت، انحنى عليه وحمله بين يديه، ليتفاجأ بيده الصغيرة وهي تدفعه وتلكمه ضرباً.

ليضحك أيضاً على ما يفعله، ثم امسك يد حقيبتها وسحبها خلفه نحو شقته وهو يحاول تهدئته.

-اهدى بقى يا عم وصلي على النبي كده، هو في راجل بيعيط برضه.

ترك الباب مفتوحا على مصرعيه ودلف به، ثم أجلسه على طاولة الطعام وسحب المقعد وجلس أمامه.

-أمممم شكلك بتحب مريم اوي يا ديشا.

ليصيح الصغير في وجهه قائلاً بتحدي.

-ايوه بحبها اوي، وعندنا في الحته
البنت بتتجوز ابن عمها، و ابويا قالي أكبر بسرعة وانا اجوزها لك،

وانا باكل كتير عشان أكبر بسرعة، شوف بقيت قوي ازاي.

ابتسم صابر على حديثه وقرر مداعبته قائلاً.

-فعلاً بقيت قوي ورجل كمان، بس مريم كبيرة عليك اوي والأحسن طبعاً للشاب لما يجي يتجوز انه يكون هو اللي اكبر من البنت مش العكس يا ديشا.

شعر الصغير انه بالفعل يحدثه كأنه رجلاً، كما أن تحديثها هي أيضاً معه اتي بالإيجاب ليحك ذقنه بأصبعيه دلالة على التفكير ثم قال.

-إنت بتقول كده عشان عايز تاخدها مني.

رفع صابر حاجبه الأيمن متعجباً من حب هذا الصغير الجنوني لها، ليتكأ على ظهر مقعده متحدياً له.

-طب ما انا فعلاً هخدها، وهي راضية وبتحبني

زي ما انا بحبها بالظبط ايه رأيك بقى.

تفاجأ مصطفى برده المتبجح بالنسبة له،
لينزعج ويحاول الانزلاق من أمامه.

-وكمان بتقولها فى وشي، طب وربنا لأكون قايل لأبويا على كل حاجة.

اعاده صابر بظهر يده ليجلسه مكانه، مهدداً له.

-ساعتها هتبقى بتأذي مريم لوحدها وانت عارف كويس أوي ابوك ممكن يعمل فيها ايه، انا عادي بالنسبة لي يمشيني من الشقة،

مانا كده كده بشوفها في الشغل، وبرضه هتجوزها بس ساعتها بقى هاخدها ليا خالص وانت مش هتشوفها تانى ابداً.

انتفض مصطفى بفزع من مجرد الفكرة، وأخيراً ما ارتسمت على وجهه ملامح الأطفال البريئة حيث قال ببكاء.

-لاء اوعى تعمل كده يا عمو صابر، خلاص انا مش هقول حاجه لبابا، بس انت كمان اديني وعد انك ماتخدهاش تبعدني عنها.

ليرفع صابر سلالته بتحذير له.

-هتحفظ السر.

ايوة طبعاً مش هقول لحد حاجة أبداً.

-تمام يا معلم يلا روح اقعد معاها شوية بقى علبال ما أغير أنا هدومي واديلك عشان نروح ننفخ العجلة وتعرفني الرجل.

-هتضربني جانبك في العربية.

قالها الصغير بمرح له وهو يجري نحو الخارج ليهتف له صابر.

-طبعاً وافسحك بيها شوية كمان.

-ماشي متتأخرش انا هستناك.

قال كلمته الأخيرة وهو يغلق الباب بيده الصغيرة.

وأخيراً تخلص صابر من تلك العقبة، ونهض ساحباً حقيبته خلفه ليفرغ محتوياتها ويبدل ملابسه لأخرى مريحة قليلاً وقد اكتفى بارتداء سروال بيتي من خامة الكتان فقط.

ها هو الأن يسقط جسده على الفراش، وأخيراً ما شعر بالراحة والهدوء، ولذلك أغلق عينيه ليذهب في غفوة صغيرة،

لكن قد غلبه النوم وتحولت الغفوة إلى نوم عميق حتى أنه لم يشعر بذلك الدق الذي كاد أن يفجر باب شقته، ولا برنين هاتفه الذي لم يصمت عن الصياح مرة واحدة.

شعر الأن انه داخل حلم جميل، هو نائماً في الفراش وهي تأتي وتجلس بجانبه بمنامة حريرية سوداء ذات حملات رفيعة، تم بأصابعها الرقيقة وتعبث بها في شعره.

-صابر إصحي يا صابر انا حضرتلك الغدا وجيبته ليك هنا، قوم بقى يا صابر.

فتح عينه تفاجأ بأنه ليس حلماً، ليراها تقف أمامه بعباءتها السوداء.

ليهمس لها مبتسماً.

-يخرب عقلك يا مريم العباية السودة خليتني حلمت بحاجة جميلة.

أحنت رأسها لترى جسدها المتلفح بالعبائة ثم ضمت حاجبيها له وقالت

-حاجة ايه دي؟

ابتسم على طيبتها و اردف هامساً وهو يرفع الغطاء من عليه.

-تعالي نامي جنبي وانا اقولك.

جرت سريعاً نحو الخارج وهي تتأكد من ضبط حجابها وهتفت بخجل.

-متح... ش وقليل الاد..، انا غلطانه اني بفكر فيك اتفضل قوم كل يلا.

وقف سريعاً وامسك قميصه القطني ليرتديها ثم لحق بها ضاحكاً.

-انتِ دخلتي هنا ازاي وانا قافل الباب بأيدي اصلاً.

تفاخرت بنفسها ورفعت له مفتاحها الخاص وهي تعطيه ظهرها لتذهب الى الخارج، ثم قالت.

-انا صاحبة الشقة يا حبيبي ومعايا مفتاح تاني ليها.

لتتفاجأ به يجذبها اليه بقوة حتى التصقت بصدره، لتسمعه يهمس لها بعشق جنوني

-انتِ صاحبة الشقة وصاحبة قلبي، معاكي مفتاحها ومفتاح قلبي يا مريم.

توجست الخيفة من قربه هذا، حاولت التملص من بين يديه دون فائدة.

فهمست له برجاء.

-والنبي سيبني يا صابر، أنا خايفة منك اوي.

لينفي هو ما قالته ويقول

-مش هقدر قبل ما اعمل حاجة نفسي فيها اوي.

وإذا به يجذب حجابها من على رأسها لينسدل أمامه ذيل الحصان الأسود الذي قرر أن يحرره من أسر هذا الشريط الحريري الذي تقيده به.

حاولت هي مراراً اخذ حجابها من يده، لكن دون فائدة، اللعين كان يراوغها به حتى تأتي بقربه مرة أخرى.

-هات يا صابر بقى والله هزعل منك.

امسك بها مرة أخرى، لكن هذه المرة حاوط خصرها بيدها.

-يعني انتِ دلوقتي زعلانة مني يا مريم، خلاص ماتزعليش حقك عليا يا حبيبتي.

ليلتهم شفتيها الصغيرتان داخل فمه، و يأخذها في قبلة طويلة، وبعد مرور بعض الوقت حرر قيدها اخيراً ثم همس لها بصوتٍ متحشرج.


-مريم.

فضلت ان تحني رأسها ولا تطلع في وجهه، لكنها كعادتها همست له.

-نعم يا صابر.

ليقول هو سريعاً.

-أمشي من قدامي دلوقتي حالاً، تحسن مش هتبقى بوسه بس، اوعي تلبسي العباية دي قصادي تاني فاهمة.

لم تعطيه الجواب وجرت إلى شقة جدتها وهي تلف حجابها جيداً.

ليهمس هو لنفسه وهو يلحقها بعينه.

بتلفي ايه دا انتِ قمر يا بنت ال....

جلس على طاولة الطعام وهم بكشف تلك الصينية المستديرة الموضوعة عليها وبدء يلتهمه بشراهة عالية.

لينتبه إلى رنين هاتفه فنهض وأتى به تفاجئ بأسم المتصل.

ظل الهاتف يصدح رنينه وهو يمسك بطرف الشوكة إصبع من أصابع المحشي ويحشو فمه بهم واحد تلو الآخر إلى أن صمت الهاتف.

فقرر الغناء مبتسماً.

-خليه يدور عليا كل شوية ومالقنيش.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي