3

أما في الناحية الاخرة من المدينة و في احدى الضواحي الشعبية ذات الطابع البسيط في البناء والبيوت المتلاصقة ببعضها البعض كأنها اكتاف تشد إحداها الاخرى
فقد كانت هناك لنا لوحة أخرى من قصتنا الجميلة
حيث كانت تسكن ريان و اثنان من اخوتها طارق و رافع
بالاضافة لوالدتهم هناء إنه بيت العائلة حيث خرج الأبناء كل منهم إلى شقته الخاصة و بقي في المنزل مع الوالدة ثلاثة فقط
لقد اعتادت ريان على الجلوس بالقرب من حوض الأزهار الخاصة بها في كل صباح و في هذا المكان اعتادت على قضاء بعض الوقت يوميا بجانب حوض الازهار فهي رغم كثرة المتواجدين حولها من الأهل و الاصديقات و الاقارب فهي تعيش في عزلة نوعاً ما عن الناس تكتفي بذاتها و لا تحب جو الصخب أو الجمعات النسائية المعروفة لدى الجميع كانت تفضل الهدوء و التأمل و الاكتفاء بأشخاص قلة تعرف طبائعهم و صفاء قلوبهم فتجلس كل يوم لكي تبوح ببعض ما يكدر خاطرها و يثقل صدرها من أعباء الدنيا و مشاكلها التي ربما لا يخلو صدر واحد منا إلا وله بعض منها تتنوع هموم الناس و تختلف باختلاف ظروف الحياة و القدر لكن ما يجمع الجميع هو الأمل و الثقة المطلقة بأن بعد كل عسر يسر فما بين طرفة عين و انتباهتها يتبدل الحال و ينجلي الهم و يعمر الفرح و السرور قلوب الناس كل ما نحتاجه هو أن نصبر و ان لا نفقد الأمل فما بين صفحات الابتلاء و الحزن و الشقاء يسكن الأمل و الثقة و العوض من الله
و لريان في ذلك المكان ذكريات جميلة لا تغيب عن بالها لحظة واحدة رغم كل ما يحدث لقد كان يجلسها والدها على ركبته عندما كانت صغيرة و يتحدثون ربما ساعات في صباح كل يوم وهو يستمع لها و يحاورها بشغف و حب واهتمام لما يلقاه منها من صفاء قلب و نقاء روح و بينما هي جالسة اذ شرد بها الذهن و عادت إلى الوراء بالزمن عادت خمسة عشر عاماً إلى الماضي الجميل حيث كانت ربما هي اسعد ايام حياتها بالنسبة لريان

في ذلك الفصل الدراسي الزاهي بالالوان و المزين برسوم الطلاب و الطالبات المليء بجو الفرح إنه عامها الدراسي الرابع في مدرستها المتواضعة للبنين و البنات و كانت قد طلبت معلمة الرسم من الطلاب و الطالبات ان يرسم كل واحد منهم المهنة التي يحب ان يعمل بها عندما يكبر كان ريان قد رسمت مبنى ابيض كبير و سيارة بيضاء بخطوط حمر ثم رسمت نفسها برداء ازرق طويل تحمل سماعة لدقات القلب على صدرها و دفتر تحمله بيمناها
لقد كانت تحلم ان تكون في المستقبل ممرضة او طبيبة لا فرق كان همها ان تساعد المرضى و تعالج الناس وقفت المعلمة تراقبها وهي ترسم و تتنقل بين الطلاب إلى ان عادت إلى مقعد ريان اعجبت المعلمة بمت رأت من موهبة ريان في الرسم فربتت المعلمة على كتف ريان و جعلت تتشجعها على حلمها و المثابرة عليه والتف الجميع في حلقة صغيرة لينظروا إلى رسومات بعضهم البعض
ثم قاموا بتعليق تلك اللوحات على جدران الصف و لكن الفرحة لم تكتمل في بضع لحظات و بدون سابق انذار فجأة بينما هم كذلك إذ بصوت صراخ يأتي من إحدى اروقة الصف و جرس المدرسة يقرع بقوة ما الذي يجري هذا ليس وقت الفسحة تتسائل المعلمة فزعت المعلمة للخارج فوجدت الطلاب وهم يتراكضون للنزول إلى الطابق السفلي هرعت المعلمة باللاشعور لتخرج طلابها مذعورة ايضاً و بينما هم كذلك
إذ يسمع الجميع فجأة صوت دوي قوي ومن ثم انفجار كبير هز المدرسة بأكملها فامتلئ الجو بالغبار وصيحات الاطفال
ما الذي يجري ؟! تسأل الجميع..
إنه قصف مدفعي فقد كانت البلاد في ذلك الوقت تشهد حرباً طاحنة لم تبقي شيئاً ولم تذر
تكرر القصف على الابنية السكنية بجانب المدرسة
و قد هرعت ريان مع باقي الطلاب بالنزول للأسفل لكن قذيفة اخرى عاجلتهم على الفور بينما هم على الدرج لتصيب البناء المتواجدين فيه امتلئ الجو بالغبار وانعدمت الرؤيا وملأت قطع الهدم ارجاء الممر ساد الصمت للحظات قبل تعلو الصرخات لقد اصيب بعض الطلاب بجروح خطيرة بما فيهم ريان و قد تسبب برعب و ذعر اصاب كل من في المدرسة من الطلاب وخاصة ريان فقد كانت تخاف جدا من اصوات القصف و المدافع و قد اراد ان يمنعها والدها من الذهاب للمدرسة ريثما تهدئ الأوضاع لكن كان للقدر رأي اخر
لقد كان يوما دامياً تسبب بجروح طفيفة في الرأس و الساق و ذعر كبير لريان فأصيبت بإغماء على إثر ذلك الحادث في بضع دقائق حضرت سيارات الاسعاف إلى المنطقة لإجلاء الجرحى و تم اسعاف ريان لإحدى الطبيات القريبة و لتتم العناية بجراحها بشكل جيد و تضميدها و من ثم تم اخذها لمنزلها لكن احد لم ينتبه لأمر خطير تسبب لها في تغير مجرى حياتها للأبد ..
لقد اصيبت بمرض السكري بسبب نوبة الهلع التي مرت بها لكن احداً لم يلاح في البداية هذا الامر فقد كانت الفحوصات عادية وروتينية لا اكثر
مضت بعض الشهور ثم لاحظ والد ريان بعض المضاعفات الغريبة و الاعراض الغير مسبوقة على ابنته قام بعرضها على طبيبفأمره ان يجري لها بعض التحاليل فقام بأخذها إلى احد المشافي فتبين لهم من خلال التحاليل أنها مصابة بالسكري كان الخبر كالصاعقة على رأس العم خالد و شعر بالحزن على ابنته العزيزة فهو لم يرزق بأبنة غيرها و كان يحبها جدا
لم تكن ريان تدري ما معنى السكري و كان كل ماعرفته هو بدأ انتظامها بتناول بعض الادوية و اخذ الحقن بشكل يومي لكن لم يتغير شيء جذري في حياتها في ذلك الوقت فقط كان يجب عليها أن لا تتناول بعض الحلويات و الاطعمة المحببة للأطفال ..
كبرت ريان و هي تعاني مع ذلك المرض و تتكيف معه بقدر المستطاع كان يؤثر عليها كل حزن تمر به ولسوء الحظ فريان فتاة ذات قلب رقيق يهتز بسهولة و يرتج لأبسط الأسباب و كانت تعاني دوماً من اعراض انخفاض السكري و تقلباته و ما إلى هنالك و ابتدأت قصة الاحزان و المأسي بإصابة والدها بمرض في الاعصاب إثر حادث وقع له في اثناء عمله بعد تعرضه لضربة على الرأس إثر عطل فني في إحدى الرافعات فقد كان يعمل في مجال البناء مقاولاً يتمتع بصحة جيدة و قد بلغ الخمسين من عمره يعرفه كل أهل الحي فقد
كان رجلاً ذو سمعة طيبة بين الناس لا يكاد تجد أحدا إلا و يحترمه ويحبه إذا مشى بين الناس كان الجميع يلقي التحية عليه فلقد كان ذائع الصيت بين الناس بأعماله الخيرية وانفاقه على المحتاجين و كان ميسور الحال كريماً شهماً و كانت ريان تفتخر أمام الجميع بوالدها بل و تراه الرجل الأول و بطلها الذي لا يمكن ان يضعف فقد كان حريصا على تلبية كامل رغباتها و جعلها تعيش في جو من الدلال في المنزل و خارجه تمتلك حصانة في المنزل لا يجرء أيُّ اخٍ من اخوتها على ازعاجها او مضايقتها فجأة و بدون سابق انذار تبدل الحال وانعكست الحياة فصار الاب طريح الفراشف فالاصابة تسببت لوالدها بشلل اقعده طريح الفراش لا يقوى على الحراك ابدا و كان بحاجة لمن يخدمه على مدار الساعة لم يترك الأبناء أي فرصة تفوتهم لعلاج والدهم سافروا به إلى خارج البلاد طافوا به المشافي و الاطباء لم يتركوا باباً إلا و جربوه بل ولم يدخروا مالاً و لا جهداً في علاجه وبقيت الحال هكذا لعدة سنوات عجاف كانت فيها ريان هي الابنة الاصغر و التي تركت الدراسة و كرّست نفسها و وقتها و جهدها لتلازم والدها و تعتني به وتمنحه اغلا ما تملك ضحت بوقتها وعمرها و دراستها بل و حلمها الذي كانت تحلم به منذ الطفولة رمت كل هذا و توجهت للأعتناء بوالدها يوماً بعد يوم و شهراً بعد شهر إلى أن مضى على مرض و الدها قرابة الثماني سنوات قضتها ريان و هي تعتني بوالدها المريض ليلاً و نهاراً كانت لا تكاد تنام إلا سويعات قليلة في الليل خشية أن يحتاج والدها لشربة ماء و لا ينتبه له احد طالما كانت تنسى تناول دوائها و هي تحضر ادوية والدها كانت تحرص على أن لا يتأخر دقيقة واحدة على موعد دوائه تطعمه بيدها و تسقيه بل و تجلس لتسليته كانت تعتني بوالدها حباً لا كما يفعل البعض تملصاً واجباراً لقد رأت في نفسها النت ام والدها في مثل هذه الأحيان و الظروف
كان يتناوب الجميع على خدمته الام طارق وزوجة الأبن رافع لكن لم تكن ريان ترتاح إلا ان تراقب بنفسها كيف تتم امور الرعاية بوالدها العزيز
طالما كان والدها هو الذي يعتني بالجميع وهو الذي يحمل البيت على كتفيه و يحرص على أن لا يحتاج ابنائه شيئا ثم لا يقدر على تلبية طلب احدهم
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي