19

التفت ريان إلى امها و قد وضعت ثقل رأسها كله في حجر والدتها وهي تقول أنا متعبة يا أمي ..
مجهدةٌ كثيراً من وطأة الايام .
و قلقة مما سيؤول إليه مصيري .
لم اعد احتمل خيبة امل جديدة
أريد ان ابكي كي اتنفس أكثر .
فالغصة تملأ قلبي إلى فمه النازف .
و حلقي جاف كصحراء خامده في الداخل
أنا متعبة جدا يا أمي :
الأشياء البسيطةُ يا امي باتت أصعب و الناس لم تعد كما كانت من قبل
وضعت الوالدة يدها على شعر ابنتها تمسده برفق و حنان و هي تهمس في اذنها لا تخافي يا ابنتي انا هنا و اخوتك حولك لن تكوني وحدك ابدا و سيكون كل شيء على ما يرام تحتاجين فقط إلى أن تتفائلي خيرا ..
و أن تثقي بنفسك اكثر و اكثر
الم تري ما فعل خالد يوم الخطوبة شاب مثل خالد لن يدع أذى يصيب قلبك او حزن يمس فؤادك ابداً كوني مطمئنة فقط ..
تتابع الوالدة بنبرة يغشاها حب الأم و قوتها في مواجهة الصعاب قائلة : اتذكرين كيف كان والدك يريد منك ان تكوني صامدة تكافحين في هذه الدنيا
لو كان هنا لما راقه حزنك هذا و لقام اليك يهزك بقوة ينفض عنك التشاؤم و الضعف و الهوان
رفعت ريان رأسها تنظر في وجه والدتها وقد بلل الدمع مقلتيها حتى سقت وجنتيها ماء العيون مدت الوالدة يدها الدافئة لتمسح الدمع عن وجه ابنتها الرقيقة و نظرت في عيني ابنتها و قالت لا تخشي من أي شيء في هذه الحياة و انا معك ..
و الأن هيا بنا اذهبي لغرفتك و خذي قسطاً من الراحة غدا سيكون يوماً حافلا و عليك الاستعداد له جيداً
لا تنسي أن تنامي وانت مطمئنة البال لا اريد ان يراك خالد و علامات الحزن تغزو ملامح وجهك الجميل ..

وقفت ريان و قد شحذت كلمات والدتها همتها وأشعلت جذوة في روحها تتوقد املا و تفائلا ..
نظرت ريان في اعين والدتها فلمحت فيهن طيفاً من اطياف والدها المتوفى
و قالت في نفسها " لا يليق بي الاستسلام فلو كان ابي هنا لما سمح لي بأن اقف مكتوفة اليدين مستسلمة لوساوسي و كئابة الماضي "
توجهت ريان لتذهب إلى غرفتها و قبل ان تمضي التفتت إلى والدتها و قد ارتسمت على شفاهها ابتسامة صغيرة قائلة : شكراً يا امي على دعمك لي لا ادري كيف سيكون حالي لولا وجودك معي
الوالدة : سأكون دوما إلى جانبك كلما احتجت ألي ..
مضت ريان إلى غرفتها لتنال قسطا من الراحة استعداداً ليوم غد
بدلت ملابسها و أطفات المصباح ، وضعت رأسها على الوسادة و كلها ثقة ان خالد لن يجرح قلبها وسيكون كما تمنت تماماً شاباً شهما إذا تكلم صدق و إذا وعد اوفى بوعده و ما كادت تمضي بضعة دقائق إلا و ريان تغط في سبات عميق تريح فيه روحها و بدنها المرهقين
لحقت الوالدة ابنتها إلى غرفتها لتطمئن عليها فتحت الباب بهدوء و نظرت في ارجاء الغرفة فلم ترى شيئا لقد كانت الغرفة تسبح في ظلام دامس نظرت بتمعنٍ فرأت ابنتها وقد لفت نفسها بالبطانية كمثل حبة الملفوف دخلت إلى الغرفة فرأت ضوء خافتا منبعثاً من تحت الوسادة ظنت انه ضوء إحدى القداحات او ورود الزينة مدت يدها لتبحث عنه و تطفئه خشية ان يتسبب بحريق احست الوالدة بأن الضوء من شيء يشبه جهاز التلفاز اخرجته فإذا هو هاتف و قد وضع على خلفيته صورة لخالد نظرت إلى الهاتف باستغراب و دهشة فهي لم تعلم ان لدى ريان هاتفا محمولا قبل اليوم تحدثت في نفسها قائلة " يبدو ان خالد يحب ريان فوق ما كنت اتخيل و لا تزالين يا ريان تشكين انه لن يكمل الطريق معك اكاد اجزم انه مستعد لخسارة الدنيا مقابل ان يحظى بريان " تنهدت الوالدة و غطت ابنتها جيدا بعد ان اطفأت الهاتف و طبعت قبلة على جبين ابنتها
و من ثم خرجت لتعود إلى غرفتها لتنام هي ايضا فقد نالت ما يكفيها من التعب في هذا اليوم ..

امضت ساعات الليل على عجل و اشرقت الشمس معلنة بدء يوم جديد و ازاحت طيف الظلام في الافق ناشرة نسيم الصبا و قطرات الندى
استفاقت ريان في الصباح الباكر على صوت المنبه اطفأت المنبه و هي لا تزال مستلقية في فراشها تحسست بيدها يمنة ويسرة تبحث عن الهاتف الذي اهداها اياه خاطبها في اخر زيارة له قبل اسبوع
نهضت ريان من فراشها و ازاحت عنها الغطاء فتحت النوافذ و ازاحت الستائر ليدخل شعاع الشمس إلى الغرفة ذهبت لتغسل وجهها و تلقي نظرة على والدتها و توقظها .
طرقت ريان باب غرفة والدتها مستأذنة و من ثم دخلت نظرت إلى السرير فلم تجد والدتها نائمة عليه جالت ببصرها في ارجاء الغرفة فلم ترها
" يبدو انها استيقظت باكرا هذا اليوم ربما هي في المطبخ الأن تعد الفطور ايضا "
قالت ريان في نفسها
اغلقت باب الغرفة و عادت ادراجها متجهة نحو المطبخ نظرت في الداخل فلم تجدها و بينما هي تبحث عنها إذ لمحت خيال احد ما عند حوض الزهور الخاص بها عادت ادراجها و اتجهت نحو باحة المنزل الوسيعة فرأت والدتها تجلس على كرسيها الهزاز المصنوع من القش و الخشب اللين بجانب حوض الازهار و قد قامت بتحضير فنجان من القهوة جلست ترتشفه و تتأمل بالسماء الصافية

ريان : مرحباً امي صباح الخير :
لوحت ريان بيدها قائلة : يبدو انك مستيقظة منذ الصباح الباكر
الوالدة : صباح الخيرات اهلا حبيبتي تعالي و اجلسي بجانبي ..
تقدمت ريان باتجاه والدتها و جلست على حرف الحوض
و نظرت إلى والدتها قائلة : ما الذي جعلك تستيقظين اليوم منذ الصباح الباكر يا امي ؟

نظرت الوالدة إلى ابنتها و تبسمت قائلة : بصراحة تمنيت لو ان والدك كان هنا اليوم ليشاركنا الفرحة كنا سنكون اسعد عائلة في الدنيا
استيقظت في الصباح الباكر و لم اشعر إلا وقدامي تسوقني إلى هذا المكان بالتحديد
ريان : اجل لطالما تمنيت ان يكون ابي هو من يلبسني تاج الازهار و يقبل جبيني يوم زفافي ...
الوالدة : اجل هذا طبع الدنيا لا تصفو لأحد و كلنا سنفارقها يوما ما ؛
و اردفت الوالدة قائلة و لهذا اتيت إلى جانب حوض هذا المكان بالذات من بين كل اركان المنزل هذا المكان هو اكثر مكان يحمل عبق من رائحته العطرة
ريان : اجل صحيح لطالما جلست بصحبته في هذا المكان كنا نتسامر هنا كل يوم لم يكن يرضى ان يمر يوم دون ان اجلس انا و هو بجانب هذا الحوض الجميل

جلست ريان و والدتها تحتسيان القهوة فاغتنمت الوالدة الوقت قبل ان يأتي احد اولادها الشباب قائلة : اي بنيتي اليوم سيكون تثبيت عقد زواجكما في المحكمة الأمر بسيط كل ماعليك ان تذهبي برفقة خالد إلى المستشفى لإجراء بعض التحليلات والفحوصات الروتينية ...
و من ثم تذهبون إلى القاضي ليكتب لكما العقد ومن هذه اللحظة ستكونين زوجته شرعا و عرفا امام الناس لذلك يتوجب عليك ان تلتزمي باداب الزوجة مع زوجها و ان تحرصي اشد الحرص على ان لا ينغص عليكما شيء فرحتكما انت و خالد هل تفمين كلامي ؟
ريان : اجل يا امي لا تقلقي لقد فكرت في الامر مليا البارحة
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي