5

حضرت الجدة إلى غرفة دينا في صباح اليوم التالي
طرقت الباب مستأذنة بالدخول

استأذنت الجدة قائلة : دينا هل انتي بالداخل
دينا : اجل تفضلي بالدخول جدتي
دخلت الجدة فوجدت حفيدتها وقد جلست على طرف السرير منهمكة في الكتابة في دفترها فصلاً جديدا من قصتها الجميلة

لم تكن الجدة متأكدة من ردة فعلها عندما تخبرها بشأن الشاب الذي تقدم لخطبتها لكن غلب على ظنها انها سترفض ذلك لأنها ليست بحالة نفسية تتقبل امرا كبيرا كالزواج او الاقدام عليه فحتى حينما يكون الامر عاديا يكون اتخاذ القرار بالنسبة للفتاة شيئاً صعباً فكيف وهي تعلم ما تجد دينا في نفسها خصوصا بعد ما حصل في اخر مرة معها

قررت الجدة ان تبدأ بمقدمة علها تقنع بها حفيدتها او على الاقل تستحسن ألأمر
جلست الجدة إلى جانب حفيدتها وبدا عليها الارتباك قليلا فهي لا تعرف من اين ستبدأ بالموضوع وتداخل الكلام ببعضه
ضمت يديها إلى ركبتيها وحدقت قليلا في السقف

دينا: ما الامر يا جدتي ارى أنه يوجد أمر ما
الجدة : لا لا شيء كنت اريد أن اسألك عن صديقاتك لقد لاحظت في الأونة الاخيرة انك لا تستقبلين ضيوفاً ولا تخرجين من المنزل إلا نادراً
دينا : بصراحة ياجدتي لم اعد احب الخروج كثيراً وأما صديقاتي لازلت على تواصل مع بعضهن رغم انشغالهم بتصاريف الحياة ومشاغلها
الجدة : ببتسامة خفيفة ضاحكة أجل فبعضهن تزوج والاخريات مخطوبات والاخريات يعملن اتمنى الخير لهن جميعاً

احست دينا بأن كلاماً مبطناً يحمل في طياته ما تريد الجدة ايصاله لها

ردت دينا على الجدة بضحكة صفراوية ممازحة اياها قائلة : لكن لازالت بعضهن مثلي ينعمن بالحرية بعيدا عن مشاق الزواج والاطفال و اشغال المنزل
الجدة : ماهذا الكلام ! وهل يوجد اجمل من الاطفال والاستقرار يا بنيتي

دينا وقد بدا عليها الاستياء قليلاً لا اظن هذا الوقت مناسب للزواج وحمل مسؤليات كبيرة كهذه
الجدة : ومتى يحين الوقت برأيك
دينا : تنهدت قليلاً ونظرت للأسفل قائلة عندما يأتي فرج الله
الجدة :اسمعيني جيداً يا بنيتي لقد جاء احد شباب الحي يسأل خالك ايهاب عنكِ بعدما شاهدك وانت خارجة من المنزل قبل عدة أيام ويريد أن يحضر هو وعائلته إلى منزلنا في الاسبوع القادم
دينا : وقد حددتم الموعد بدون علمي!؟
الجدة : لا ياعزيزتي لم نفعل شيئاً وخالك لازال ينتظر جواباً منك وقد ذهب وسأل الناس عن ذلك الشاب يبدو انه ذو خلق حميد ودين قويم
دينا مقاطعة جدتها : من بعد اذنك يا جدتي اعتذري لي من خالي وقولي له أنني لا اريد الزواج ولا افكر به حالياً
الجدة : لكن يا عزيزتي لماذا كل هذا الرفض إلى متى ستبقين على رأيك هذا
دينا : اسفة يا جدتي لكن لا افكر في الزواج حالياً
الجدة : اسمعيني كل ما عليكي ان تخرجي لمقابلة اهله لن يحضر في هذه المرة ارجوكِ اسمعي نصيحتي في هذه المرة فقط
تنهدت دينا قائلة: يا جدتي ارجوكم لا تجبروني على شيء لا اريده
نهضت الجدة من على السرير وقد بدا عليها علامات خيبة الامل لم تكن تتوقع هذا الرفض والتمسك بالرأي من حفيدتها توجهت إلى باب الغرفة وهي في طريقها قالت : اسمعيني سأمهلك حتى مساء الغد وبعدها سأقبل بقرارك مهما كانوليكن في علمك انا وخالك نحبك ونريد ان تبقي هنا لكننا نريد مصلحتك فقط
خرجت الجدة لتخبر ايهاب بما حصل
وجلست دينا تفكر في ماجرى
لكنها كانت مصممة على رأيها
أنها لن تتزوج حتى..


لقد كانت دينا مخطوبة قبل ثلاث سنوات من الأن وكان تعيش أجمل قصة حب في العالم لم تكن تتصور أن احداً في الدنيا اسعد منها في تلك الايام كانت تدرس الطب سنة أولى في إحدى المعاهد الخصوصية فقد كان حلمها ان تمتلك عيادتها الخاصة لتمريض النساء علّها تخفف وتساعد على منع ظاهرة الاطباء الرجال المختصين بتمريض النساء كانت تظن ان هذه الظاهرة سيئة في المقام الأول فكثير من النساء لا تجد طبيبة تذهب أليها فتصبح مجبرة على الذهاب إلى الرجال طلبا للعلاج ولا يخفى ان بعضا من الاطباء لا يملك القدر الكافي من الأمانة أو العفة ولقد شاهدت قصصاً كثيرة حدثت بسبب هذه الظاهرة وكانت الضحية الوحيدة هي المرأة
فعزمت على دراسة الطب لذلك السبب السامي والهدف النبيل
فقدمت بطلب الانتساب لإحدى المعاهد القريبة من المنزل في بداية العام وتم قبولها كانت دينا تمتاز عن غيرها بحيائها الشديد والتزامها اداب طالب العلم والانضباط بشكل تام على الرغم من أن كثيرة من الطالبات والطلاب كان همهم الوحيد هو اللهو اثناء المحاضرات وكثرة الضحك واللامبالاة بحكم انه كان معهدا مختلطاً للذكور والإناث ولم يكن يعجبها ذلك الجو السائد بين الطلاب لكنها لكنها تحملت في سبيل تحقيق غايتها وحلمها
مضت الشهور الأولى من الدراسة بشكل رائع كان والد دينا يوصلها إلى المعهد في صباح كل يوم بسيارته الخاصة وهو ذاهب إلى العمل ومن ثم يعود في المساء ليأخذها معه إلى البيت واستمر الحال على هذا المنوال عاماً كاملاً وكان كل شيء يسير على ما يرام وقد تأهلت للعام الثاني متفوقةً حائزة أعلى الدرجات بجهدها ومثابرتها في العام التالي انتقلت دينا إلى معهد اخر في وسط المدينة بعد ان حدثتها إحدى صديقاتها التي تعرفت عليها أثناء الدراسة عن معهد اكثر انضباطاً واكثر اهماماً بالطالب اضطرت لاستعمال وسائل النقل المحلية ولم يعد والدها يستطيع إيصالها بسبب تغير موقع المعهد ومكان الدراسة كانت تخرج في صباح كل يوم تنتظر الحافلة عند إحدى المحطات القريبة من الحي لاحظت أنها في كل مرة تتصادف بنفس الشاب يقف معها في ذلك الموقف منتظراً الحافلة لقد كان احد ابناء جيرانها وكان يدرس في نفس المعهد ايضاً وظل الأمر على هذا الحال فترة شهر كامل

لاحظ وائل ان تلك الفتاة تصعد في نفس الحافلة معه في كل صباح ومن ثم تعود وتدخل الحي نفسه الذي يسكن فيه وفي إحدى المرات تأخرت الحافلة عن موعدها فظن وائل ودينا أن الحافلة قد ذهبت وفاتهم موعدها حدق وائل في دينا ثم سألها وهو متردد قليلاً فقد مضت ايام كثيرة ولم يتكلما ابداً ولم يدر بينهما أيّةُ حوارات طيلة كل تلك المدة
التفت نحوها متسائلاً

وائل : عذراً يا انسة هل مرت الحافلة من هنا صباح هذا اليوم
دينا ردت بخجل وتلعثم خفيف: بصراحة لا ادري لم يمضي على وجودي إلا بضعة دقائق
وائل : حسنا شكرا لك
اخرج وائل هاتفه واتصل بإحدى سيارات الأجرة لتوصله إلى المعهد قبل أن يتأخر اكثر على الدوام لم تمضي اكثر من بضع دقائق حتى وصلت السيارة إلى مكان تواجد وائل صعد إلى السيارة ونظر إلى دينا هل تصعدين ؟
دينا : لا لامشكلة سأنتظر حتى تأتي سيارة اخرى
وائل : لا لاداعي لذلك اصعدي فنحن ذاهبان لنفس المكان
دينا :لكنك انت من اتصل بالسيارة
وائل : حسنا لا بأس اصعدي سنتأخر هكذا
دينا : حسنا شكراً لك

جلست دينا في الكرسي الخلفي لوحدها وجلس وائل بجانب السائق اخرجت دينا المال من محفظتها لتدفع للسائق اتعابه فرد السائق إليها المال قائلاً تم الدفع نظرت دينا إلى وائل واعطته المال فرد وائل قائلاً : هذه المرة على حسابي
الحّت دينا عليه ليأخذ المال
تغيرت نبرة صوت وائل ليشوبها قليل من الانزغاج والحدة بكلامه قائلا: اعيدي المال يا انسة من فضلك
شعرت دينا بشيء من الخيبة والحزن بسبب حدة كلام وائل وارجعت المال لمحفظتها
وصلت السيارة إلى العنوان نزل منها وائل ودينا كانا قد تأخرا قليلا على المحاضرة ولم يكن هناك وقت لتقوم دينا بشكره واعطائه ماله ..
دخلا إلى القاعة وظل بال دينا مشغولاً فهي لم تتعود على ان يدفع لها احد ثمن شيء
انتظرت بفارغ الصبر حتى ينتهي الدوام وانتظرت حتى يخرج وائل من المعهد لتفعل ما كان يجول بخاطرها نظرت فإذا هو قادم يمشي ببطء قليلاً جهزت النقود بيدها وبعض الكلمات لتنهي الحوار بأسرع وقت ممكن فهي لا تحب ان تقف مع شاب غريب على قارعة الطريق
هتفت دينا : من فضلك يا استاذ تفضل هذا مالك شكرا لك على توصيلي معك هذا الصباح
نظر إليها وائل ببرودة وكانت تعابير وجهه جافة نوعا ما قليل الضحك نظراته حادة قائلا: لا داعي إنها بعض الجنيهات اليسرة كنت سادفعها في كل الأحوال
ثم سألها ما رأيك ان نستغني عن الحافلة ونبدأ نركب سيارات الأجرة ونظر اليها مبتسماً ونتشارك بالدفع ما رأيك
حدقت دينا بالارض بعدما نظر لها وردت قائلة : بصراحة لا ادري سوف استشير والدي واخذ منه الاذن
وائل : حسنا سانتظر ردك غدا صباحاً لو بدأنا بركوب السيارة سنكون قد وفرنا على انفسنا نصف ساعة في كل يوم لكن سيكون علينا دفع قليل من المال زيادة لسائق الاجرة فكما تعلمين الحافلة تسير ببطء ونحن عائدون للمنزل في كل يوم و غالبا ما تكون الحافلة مكتظاً بالناس وانا بصراحة لا احبذ ركوب الفتيات في مثل هذه الحافلات
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي