أنت شمسي

Moon light`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2023-01-04ضع على الرف
  • 51.4K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

1

عندما ترمي حجر في مياه دافقة ، فإن ذلك الحجر سيشكل مويجة صغيرة ، و ستتناشر بعض قطرات الرذاذ ، و سرعان ما ستتلاشى تلك المويجة في فوضى مجرى النهر الصاخب المضطرب. أما عندما ترمي ذلك الحجر في بركة ماء راكدة فالأمر مختلف ، حيث ستتشكل موجة تبدأ بالاتساع شيئاً فشيئاً ، مُحطّمة هدوء البركة و سكونها.


كانت حياة ايلا أشبه بمياه راكدة ، عبارة عن سلسلة من العادات والاحتياجات المتوقّعة ، كانت حياة رتيبة وعادية ، إلّا أنَّ إيلا لم تكن تجدها متعبة أو مملة ، ومنذ زواجها من اثنين و عشرين عاماً كان كلّ قرار تتخذه و كلّ رغبة تعتريها ، و كلّ شخص تصادقه بناءً على ما يتناسب مع حياتها الزوجية .


كان زوجها أليكس طبيباً جرّاحاً ناجحاً عمل لساعات طويلة ، ما أمكنه من جمع ثروة لا بأس بها ، كانت ايلا تعلم تماماً أنَّ علاقتها مع زوجها لم تكن بذلك العمق ، لكنّها كانت تعتقد أنّه ليس بالضرورة أن تكون العاطفة و العشق أولوية علاقتهما كالأفلام و المسلسلات حيث لا يعدو حبُّ الأبطال أن يكون سوى أسطورة ، بل الأهم هو التفاهم و الرحمة و المودّة .


و كانت إيلا و زوجها يوليان اهتماماً كبيراً لأولادهما ، و يرعونهم بكلّ حرص ، فابنتهما البكر روز ، طالبة جامعية ، و المراهقان ليزلي و آندر ، و يعيش معهم كلبهم الفضي جون ، و الذي بلغ الحادية عشرة هذه السنة ، مع أنَّ نظره أصبح ضعيفاً و وزنه قد زاد و ربما أوشكت حياته على الانتهاء ، إلا أنّ إيلا ما زالت تعتبره جروها الصغير العزيز ، الذي يرافقها في جولتها صباح كل يوم ، فهي لم تكن تدرك معنى الموت ، سواءً كان عادة ، أو مرحلة ، حتى ولو ظهرت النتيجة حتمية أمامها .


عاشت أسرة وول سميث في نورثامبتون ، بولاية ماساشو ستس ، في منزل واسع و مُشيّد على الطراز الفكتوري ، و مع قِدمه بعض الشيء فهو لازال منزلاً رائعاً ، يتألف من ست غرف و ثلاث حمامات ، بأرضية خشب لامعة ، و أبواب زجاجية واسعة ، كانت حياتهم مريحة و مُرفّهة نوعاً ما ، بمنزل جميل و أثاث فاخر ، و حديقة صغيرة أنيقة ، و تأمينات ، كما يملكون شقة أخرى في بوسطن .


لقد بذل الزوجان وول سميث كل جهدهم لتحقيق ذلك ، أطفال رائعون و جميلون ،  يضجّ البيت بأصواتهم و أخبارهم ، و قد تبدو رائحة الطعام و المعجنات المبخبوزة منزلياً شيئاً مألوفاً ، إلّا أنّها تشكل نوعاً من الحياة الدافئة ، فحقق الزوجان معظم أحلامهم ، هذا إن لم يكن كلّها .


في آخر عيد فلانتاين ، أهدى أليكس زوجه إيلا خاتماً زمردياً تمت صياغته لها خصيصاً ، و أرفقه ببطاقة صغيرة كتب فيها :
إلى عزيزتي إيلا ، المرأة الهادئة و الصبورة و المتفهّمة ، ممتن لكِ لأنكِ زوجتي .
                                                 حبيبك
                                                   أليكس .


بالنسبة لها كانت هذه الكلمات أقرب إلى النعي ، ابتسمت إيلا ابستامة كئيبة ، و أغلقت عيناها الرماديتان و كأنّهما قد فارقتا الحياة .


في عصر يوم ربيعي معتدل ، جلست العائلة حول مائدة الطعام ،  و مع أنّه كان لدى إيلا الكثير من أعمال المنزل إّلا أنّها فضّلت قضاء هذا الوقت الذهبي مع عائلتها ، فقد أصبح اجتماعهم على المائدة قليلاً ، كان أليكس يتناول قطع اللحم المشوي المفضّلة لديه ، وبدت روز طالبة السنة الثانية من الجامعة شاردة الذهن و هي تمسك شوكتها و تنظر لطبقها ، و كأنها تجلس مفردها ، و كانت ليزلي تَعدُّ كم لقمة تناولت ، فهي لا تريد تناول ما يزيد عن 650 سعرة حرارية ، لتحافظ على نظامها الغذائي ، و كان آندر بتناول من كعكة العمة آستر ، المشهورة بصنعها ، والتي زارتهم و شاركتهم بتناول الطعام .
" إيلا ، لقد قرأت مقالك الذي نُشر في الصحيفة"
خاطب العمة آستر إيلا باهتمام .


كانت إيلا تحلم بأن تكون نافذة كتب مشهورة ، فقد تخرجت من الجامعة حائزة على شهادة في الأدب الإنجليزي ، و مع حبها للمطالعة و قراءة الروايات إلّا أنّها اقتصرت تحرير مقالات لبعض المجلّات ، و المشاركة في نوادي للكتب ، و كتابة مقالات لعدّة صحف محلية ، و هذا كل مافي الأمر ، حيث أن الحياة قد آخذتها لمجرى آخر ، فهي أمُّ مُجّدة لثلاثة أطفال ، و مهامها الحياتية اليومية لا تنتهي .


كانت مُنهكة في الغالب ، لكنها لم تضجر ، فهي الأم و الزوجة ، مع أنّ رفيقاتها من الجامعة و صديقاتها ممن يناصرن المساواة بين الرجل و المرأة لم يوافقنها على ما اختارت ، بأن تكون ربّة منزل لا تبرح بيتها ، لكن إيلا كانت تشعر بالامتنان على ما استطاعت أن تبذل من جهد مع زوجها و أولادها ، و بالرغم من ذلك لم تترك حبّها للقراءة ، و شغفها بالكتب و الأعمال الأدبية .


مع أنّها أحسّت أنّ الأمور بدأت تأخذ منحى آخر ، فالأولاد قد كبروا و أظهروا لها أنّهم لم يعودوا بحاجة للرعاية كما في السابق ، فأصبح لديها شيء من وقت الفراغ ، فلم يعد هناك ما تنشغل به إلى تلك الدرجة ، ففكرت في البحث عن عمل ، و قد شجعها أليكس على هذا الأمر كما في السابق ، حيث أنّها عرضت على أليكس هذه الفكرة من قبل ، و لكنّها لم تُقبل في كلّ مرة تقدّمت فيها للوظيفة ، لأنّهم أرادوا أشخاصاً أصغر سناً ، أو أشخاصاً ذوي خبرات أوسع ، فقررت إيلا نسيان الموضوع ....
في خريف عام 2007 تقدّمت إيلا بطلب طلاق .


مع أنّ إيلا ركّزت معظم حياتها على زوجها و أطفالها ، و كانت تفتقر إلى الأساليب التي تساعدها على التغلّب عل مشاق الحياة وحدها ، و كانت من النوع الذي لن يجازف بتغيير محلّ البقالة الموثوق الذي تشتري منه يومياً ، فهذا أمر مُجهد بالنسبة لها .


دهم الحب باب قلب إيلا على حين غرة ، كمن ألقى حجراً في بركة حياتها الساكنة ، فلم يترك لها مجالاً لتحذر منه ، أو لتفكر في ما مضى أو ما سيمضي .


بدأ الأمر عندما حصلت إيلا على عمل أخيراً دون عوائق العمر أو الخبرة ، في وكالة أدبية تقع في بوسطن، و كان أليكس من وجد لها ذلك العمل عن طريق أحد معارفه - أو الأصحّ عن طريق واحدة من خليلاته - ، و كان يحدثها بكلّ حماس عن تفاصيل العمل و من سيكون رئيسها ، و أنّ هذه الوكالة هي وكالة مرموقة ، و أنّه سيحرص على ألّا تواجه إيلا أي مشاكل .
"جميع من في الوكالة هم من الشبّان الشابّات الصغار المتخرجين من الجامعة بتميّز ، أليس من المثير يا عزيزتي أنّك الوحيدة التي عادت للعمل بعد أن كنتِ ربة منزل لسنوات طويلة "


لم تعرف إيلا سبب حماس أليكس بخصوص عملها ، ففي النهاية هي مجرّد قارئة لأعمال أدبية لصالح تلك الوكالة ، هل لأنه يخشى أن تتفرّغ إن لم يكن لديها عمل ، و ذلك سيسبب له المتاعب ، فهو على علاقة مع بعض النساء ، أم أنّه حقاً شعر بالمسؤولية تجاه تلك السنوات الماضية التي اختارت فيها إيلا ترك العمل للعناية بالمنزل و الأطفال على أكمل وجه .
ظلّ هذا السؤال يجول في خاطر إيلا ، إلّا أنّها لم تسأل أليكس .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي