36
العزيزة إيلا
إنه لمن لطفك أن تطلبي معرفة المزيد عني ،
و مع ان تلك الفترة من حياتي كانت صعبة ، و لا احب تذكرها حقاً ،
لكني أعدكِ أنني سأخبركِ بكل شيء ،
بعدما توفيت ماري ، غرقتُ في بحر من الضياع ،
و اندمجتُ مع مجموعة من المدمنين ،
و في الليل كنتُ أذهب لأماكن غير لائقة ،
و صادفتُ أناساً لم يكن عليّ مصادفتهم ،
و تناولتُ الممنوعات ، و مرضتُ ، و تقيأتُ ، و فقدتُ الكثير من وزني ،
و وصل بيَ المرض لدرجة لم اعد اقوى على النهوض من السرير بسبب الممنوعات ،
و مع ذلك لم أتركها ،
و تابعتُ إدماني عليها ، و كنت في كل مرّة اتناولها ، أضع خطة جديدة للانتحار ،
و ذات مرة ذهبتُ إلى شخص و اشتريتُ منه مادة عشبية سامّة قاتلة ،
و استخدمتها على نفسي ، لكنّها لم تؤثر فيَّ ،
ربما اعطاني نبتة عادية ،
و ربما كانت مجرّد عشبة شاي ،
لم أعلم !
لقد كبدتني الحياة التي احترتها خسائر كبيرة حقاً ،
فقد فقدتُ وظيفتي ، و أصدقائي ،
ووحتى البيت الذي اعتدنا ان نعيش فيه انا و ماري ، و الذي قضينا فيه اياماً سعيدة بمعنى الكلمة .
و رحتُ اتنفل من مكان لمكان كالمسرّد ،
و بعدها بفترة ، قطنتُ بسكن للشباب ، امضيتُ هناك سنة و نصف السنة تقريباً ،
غير ان اؤلئك الشباب قد ساعدوني على عدم الاقلاع عن ادماني على الممنوعات ،
فكنا نتشاركها معاً ،
لقد تشاركنا في تلك الفترة اموالنا ، و احلامنا ،
و كل شيء تقريباً ما عدا آلامنا التي مررنا بها ،
و في صباح ذات يوم ، نظرتُ لوجهي في المرآة ، كان أسوأ وجه رأيته على الإطلاق ،
و كان التعب قد نال مني إلى أبعد حدّ ،
كنتُ كئيباً جداً ،
ففتحتُ إحدى صناديق أغراضي ، و التي كان يوجد بها بعض من اغراض ماري ،
صور ، و كتب ، و دبابيس للشعر ، و بعض الأسوار ، و الملابس ،
حضنتُ كل تلك الاشياء ، و ضميتها إلى صدري ،
و أجهشتُ بالبكاء كطفل رضيع بعيد عن أمه .
ودّعتُ اشياء ماري العزيزة لآخر مرّة ،
ثمّ وزعتها على أطفال محتاجين ، و أنا متأكد من أن هذا شيء ارادت فعله ، لذا فعلته ،
ثمّ بدأت بالسفر لكلّ تلك المناطق التي ذهبت إليها ماري من قبل لمساعدة المحتاجين ،
تلك الأماكن النائية الفقيرة ،
و قمتُ بالتقاط صور لمعاناتهم و نشرها ،
و لحسن حظي ، تلقيتُ عرضاً لتوظيفي كمصوّر ، لإحدى المجلّات السياحية المشهورة ،
و التي تتطلّب سفريَ الدائم ، و هذا ما كنتُ أريده .
و ذات مرّة التقيتُ بعالم آثار أوربيّ عرض عليَّ أمراً ما ،
لقد قال لي أن دولة السعودية ، لا تسمح لغير المسلمين بدخول مكة المكرّمة ، و المدينة المنوّرة ،
و كوني مصوّراً عرض عليّ أن أذهب إلى هناك ،
و اكون أوّل مصوّر غربي يتسلل إلى مكان إسلامي مُقدّس ،
إذ لم يتمكّن أحد من الدخول إلى هناك و التقاط الصور ،
و لكنهم إذا امسكوا بي ، فسوف يكون مصيري هو السجن ،
و ربما أسوأ ،
لكني لم اهتم لذلك ، فقد جذبتني تلك الفكرة بشدّة ، و كنتُ اتوق للشهرة و المال ، حيث سوف أكون أول من يدخل لأرض محرّمة ،
و لكنه اخبرني انني لن استطيع الدخول إلى هناك بمفردي ،
و أنني بحاجة لمن يساعدني ،
و اخبرني انه يعرف شخصاً مسلماً قد يكون عوناً لي ، و يوافق على مساعدتي ،
في ذلك الوقت كنتُ أتوق للتعرف على ذلك الرجل المسلم ، لتحقيق رغباتي المادية فقط ،
و ليس لشيء آخر ،
و في نهاية الأمر سلك طريقاً مختلفاً تماماً عمّا كنت اريد ،
و تغيّرت الاحداث تغيُّراً غير متوقّع ،
و اما هدفي الأصلي و الذي كنتُ أهدف إليه ، فقد اهميته تماماً بعد فترة ،
و هل تعلمين يا إيلا أن ما كنتُ أعتقدته وسيلة لتحقيق اهدافي ،
أصبح هو غاية هدفي .
و لمقابلة ذلك الرجل ، ذهبتُ إلى المغرب ،
و بعدها علمتُ أنّه يُدير تكية للدراويش ،
هل تصدّقين ؟
كان هو السيد وايل الذي ذكرته لكِ سابقاً ،
و قد رحّب بي جميع من في التكية وقتها ، ثم اصطحبني السيد واي إلى غرفة كانت بسيطة لأقصى حد ،
لم يكن يوجد فيها لا تلفاز و لا مصابيح ، و لا كهرباء ،
و لا ساعة حتى ،
لم يكن يوجد فيها غير بعض الاشياء الضرورية ،
حصيرة نوم ، منضدة خشب كان هناك ديوان للرومي أعلاها ،
و مسبحة ، و كان هناك بعض الأزهار بقرب النافذة ، فقط لا غير ،
لكني لم اجد صعوبة في التكيّف مع هذه الحياة البسيطة لأنني عشتُ لفترة هكذا تقريباً ،
ثم اخبرني السيد وايل بأنهم يرحبون ببقائي عندهم و هم سعيدون بذلك ،
" و لكن هناك امر واحد ، و حتى يحين موعد ذهابك إلى المدينة المنورة ، و مكة المكرمة ، عليكَ أن تقلع عن تعاطي المخدرات ، و إدمانك عليها . "
كان هذا شرط السيد وايل الذي اشترطه عليّ ،
و لا أخفي عليكِ أنني شعرتُ بخجل شديد عندما قال هذه الكلمات ،
مثلما و كأن والدي قد أمسك بي متلبّساً ،
و قلت لنفسي وقتها كيف عرفوا أنني اتناول المخدرات ؟
ترى هل قاموا بتفتيش اغراضي دون ان انتبه ؟
كنت اتساءل هكذا عندما قال لي السيد وايل :
" لسنا بحاجة لتفنيش أغراضك لكي نعلم أنك مدمن ، و ذلك لأن هذا واضح على عينيكَ تماماً ، إن تسكين الألم مختلف عن شفائه ،
فعندما يزول تأثير المسكن ، سوف يبقى الألم يا أخي .
إنك بحاجة للبحث عن دواء لدائك . "
بعدها قمتُ بتسليم كل ما كان معي من تلك الأشياء للسيد وايل ، دون أن اقول أي شيء .
إن شرّ البلية ما يضحك كما يقولون ، فحتى ذلك اليوم ،
لم اكن اعتبر نفسي مُدمناً على تلك الأشياء ، بل كنت اعتقد أنني كنت المسيطر عليها ، و ليس العكس ،
لذلك عندما اعطيتهم كل ما معي ، كنت متأكداً في صميمي ، من أنني لن اواجه أي مشكلة في الابتعاد عنها ،
و لكن الأمر لم يكن سهلاً كما اعتقدت ،
إنه لمن لطفك أن تطلبي معرفة المزيد عني ،
و مع ان تلك الفترة من حياتي كانت صعبة ، و لا احب تذكرها حقاً ،
لكني أعدكِ أنني سأخبركِ بكل شيء ،
بعدما توفيت ماري ، غرقتُ في بحر من الضياع ،
و اندمجتُ مع مجموعة من المدمنين ،
و في الليل كنتُ أذهب لأماكن غير لائقة ،
و صادفتُ أناساً لم يكن عليّ مصادفتهم ،
و تناولتُ الممنوعات ، و مرضتُ ، و تقيأتُ ، و فقدتُ الكثير من وزني ،
و وصل بيَ المرض لدرجة لم اعد اقوى على النهوض من السرير بسبب الممنوعات ،
و مع ذلك لم أتركها ،
و تابعتُ إدماني عليها ، و كنت في كل مرّة اتناولها ، أضع خطة جديدة للانتحار ،
و ذات مرة ذهبتُ إلى شخص و اشتريتُ منه مادة عشبية سامّة قاتلة ،
و استخدمتها على نفسي ، لكنّها لم تؤثر فيَّ ،
ربما اعطاني نبتة عادية ،
و ربما كانت مجرّد عشبة شاي ،
لم أعلم !
لقد كبدتني الحياة التي احترتها خسائر كبيرة حقاً ،
فقد فقدتُ وظيفتي ، و أصدقائي ،
ووحتى البيت الذي اعتدنا ان نعيش فيه انا و ماري ، و الذي قضينا فيه اياماً سعيدة بمعنى الكلمة .
و رحتُ اتنفل من مكان لمكان كالمسرّد ،
و بعدها بفترة ، قطنتُ بسكن للشباب ، امضيتُ هناك سنة و نصف السنة تقريباً ،
غير ان اؤلئك الشباب قد ساعدوني على عدم الاقلاع عن ادماني على الممنوعات ،
فكنا نتشاركها معاً ،
لقد تشاركنا في تلك الفترة اموالنا ، و احلامنا ،
و كل شيء تقريباً ما عدا آلامنا التي مررنا بها ،
و في صباح ذات يوم ، نظرتُ لوجهي في المرآة ، كان أسوأ وجه رأيته على الإطلاق ،
و كان التعب قد نال مني إلى أبعد حدّ ،
كنتُ كئيباً جداً ،
ففتحتُ إحدى صناديق أغراضي ، و التي كان يوجد بها بعض من اغراض ماري ،
صور ، و كتب ، و دبابيس للشعر ، و بعض الأسوار ، و الملابس ،
حضنتُ كل تلك الاشياء ، و ضميتها إلى صدري ،
و أجهشتُ بالبكاء كطفل رضيع بعيد عن أمه .
ودّعتُ اشياء ماري العزيزة لآخر مرّة ،
ثمّ وزعتها على أطفال محتاجين ، و أنا متأكد من أن هذا شيء ارادت فعله ، لذا فعلته ،
ثمّ بدأت بالسفر لكلّ تلك المناطق التي ذهبت إليها ماري من قبل لمساعدة المحتاجين ،
تلك الأماكن النائية الفقيرة ،
و قمتُ بالتقاط صور لمعاناتهم و نشرها ،
و لحسن حظي ، تلقيتُ عرضاً لتوظيفي كمصوّر ، لإحدى المجلّات السياحية المشهورة ،
و التي تتطلّب سفريَ الدائم ، و هذا ما كنتُ أريده .
و ذات مرّة التقيتُ بعالم آثار أوربيّ عرض عليَّ أمراً ما ،
لقد قال لي أن دولة السعودية ، لا تسمح لغير المسلمين بدخول مكة المكرّمة ، و المدينة المنوّرة ،
و كوني مصوّراً عرض عليّ أن أذهب إلى هناك ،
و اكون أوّل مصوّر غربي يتسلل إلى مكان إسلامي مُقدّس ،
إذ لم يتمكّن أحد من الدخول إلى هناك و التقاط الصور ،
و لكنهم إذا امسكوا بي ، فسوف يكون مصيري هو السجن ،
و ربما أسوأ ،
لكني لم اهتم لذلك ، فقد جذبتني تلك الفكرة بشدّة ، و كنتُ اتوق للشهرة و المال ، حيث سوف أكون أول من يدخل لأرض محرّمة ،
و لكنه اخبرني انني لن استطيع الدخول إلى هناك بمفردي ،
و أنني بحاجة لمن يساعدني ،
و اخبرني انه يعرف شخصاً مسلماً قد يكون عوناً لي ، و يوافق على مساعدتي ،
في ذلك الوقت كنتُ أتوق للتعرف على ذلك الرجل المسلم ، لتحقيق رغباتي المادية فقط ،
و ليس لشيء آخر ،
و في نهاية الأمر سلك طريقاً مختلفاً تماماً عمّا كنت اريد ،
و تغيّرت الاحداث تغيُّراً غير متوقّع ،
و اما هدفي الأصلي و الذي كنتُ أهدف إليه ، فقد اهميته تماماً بعد فترة ،
و هل تعلمين يا إيلا أن ما كنتُ أعتقدته وسيلة لتحقيق اهدافي ،
أصبح هو غاية هدفي .
و لمقابلة ذلك الرجل ، ذهبتُ إلى المغرب ،
و بعدها علمتُ أنّه يُدير تكية للدراويش ،
هل تصدّقين ؟
كان هو السيد وايل الذي ذكرته لكِ سابقاً ،
و قد رحّب بي جميع من في التكية وقتها ، ثم اصطحبني السيد واي إلى غرفة كانت بسيطة لأقصى حد ،
لم يكن يوجد فيها لا تلفاز و لا مصابيح ، و لا كهرباء ،
و لا ساعة حتى ،
لم يكن يوجد فيها غير بعض الاشياء الضرورية ،
حصيرة نوم ، منضدة خشب كان هناك ديوان للرومي أعلاها ،
و مسبحة ، و كان هناك بعض الأزهار بقرب النافذة ، فقط لا غير ،
لكني لم اجد صعوبة في التكيّف مع هذه الحياة البسيطة لأنني عشتُ لفترة هكذا تقريباً ،
ثم اخبرني السيد وايل بأنهم يرحبون ببقائي عندهم و هم سعيدون بذلك ،
" و لكن هناك امر واحد ، و حتى يحين موعد ذهابك إلى المدينة المنورة ، و مكة المكرمة ، عليكَ أن تقلع عن تعاطي المخدرات ، و إدمانك عليها . "
كان هذا شرط السيد وايل الذي اشترطه عليّ ،
و لا أخفي عليكِ أنني شعرتُ بخجل شديد عندما قال هذه الكلمات ،
مثلما و كأن والدي قد أمسك بي متلبّساً ،
و قلت لنفسي وقتها كيف عرفوا أنني اتناول المخدرات ؟
ترى هل قاموا بتفتيش اغراضي دون ان انتبه ؟
كنت اتساءل هكذا عندما قال لي السيد وايل :
" لسنا بحاجة لتفنيش أغراضك لكي نعلم أنك مدمن ، و ذلك لأن هذا واضح على عينيكَ تماماً ، إن تسكين الألم مختلف عن شفائه ،
فعندما يزول تأثير المسكن ، سوف يبقى الألم يا أخي .
إنك بحاجة للبحث عن دواء لدائك . "
بعدها قمتُ بتسليم كل ما كان معي من تلك الأشياء للسيد وايل ، دون أن اقول أي شيء .
إن شرّ البلية ما يضحك كما يقولون ، فحتى ذلك اليوم ،
لم اكن اعتبر نفسي مُدمناً على تلك الأشياء ، بل كنت اعتقد أنني كنت المسيطر عليها ، و ليس العكس ،
لذلك عندما اعطيتهم كل ما معي ، كنت متأكداً في صميمي ، من أنني لن اواجه أي مشكلة في الابتعاد عنها ،
و لكن الأمر لم يكن سهلاً كما اعتقدت ،