39

شيء لو عرفه ، لأصبح شبيهاً بسفّاح مجنون .

لم يُدرك علاء الدين - حتى الآن - أن " كيميا " مهووسة " بشمس التبريزيّ "، و أن عينيها لا تكاد ترى احداً غيره .
لم يتخيّل أبداً ان  "كيميا " قد تذهب بقدميها و تتحدّث مع الرومي ، مُخبرةً إياه بحبها الدفين " لشمس" .

لبثَ شمس جالساً عدّة دقائق بعد رحيل علاء الدين ، و أفكاره تتصارع في ذهنه .
فقد تذكّر ما قاله له درويش التكية عبد الله :
" لكي نستطيع استخراج الحرير ، يجب أن نقتل دودة القزّ ."

ثمَّ شعر أن وقته برفقة الروميّ يكاد ينفد ، فكما تقول إحدى الحِكم القديمة :
" حيث يوجد حب ، يوجد الحزن كذلك . "

في صباح يومٍ ، جلس " سلطان " ينسخ بعض من دروس والده لعدّة نسخ ، و التي اعتاد أن يوزعها على طلاب أبيه .

عندها دخل علاء الدين متشائماً كالعادة و ثائراً كالبركان :
" أما زلت تقوم بنسخ تلك الدروس ؟
دعني اخبرك أن لا فائدة ممّا تفعله ، فأبي لن يعود لإعطاء الدروس ، فقد أذهب شمس عقله ."

فانفعل سلطان الذي يكنّ اشدّ الاحترام لوالده ، و لا يقبل إساءة بحقه :

" إن ما تقوله و ما تفعله عيب يا علاء !
إني لا اشكّ بمقدار كرهك لشمس ، و لكني لا اطنّ أنّك لم تعد تحبّ والدنا .
لذا ارجوك توقف عن إيلام والدنا باستمرار بأفعالك . "

فأشاح علاء بنظره عن أخيه مُعترضاً على ما سمعه ، دون أن يحاول الفهم كالعادة ، و تناول معطفه و همّ بالخروج من الغرفة ، عندما دخل الرومي شاحب الوجه جاحظ العينين ،
مرعوباً كأن روحه قد قُبضتْ ، و توجّه نحو سلطان متوسّلاً :

" إلحقني يا بنيّ ! ... شمس ... إنّه شمس .... أرجوك ساعدني "

لم يستطع سلطان استيعاد ما يجري أمامه !
ما الذي حلّ بشمس ليصبح حال والده هكذا ؟

فقد لاحظ أن شعر أبيه قد ازداد بياضاً على نحو عجيب ، هذا غير قواه التي بدت خائرة و منعته من الوقوف بشكل طبيعي ، فقد بدا محنيّ الظهر .

امسك سلطان بذراع والده و رجاه أن يهدأ و يكلّمه بوضوح :
" سأفعل اي شيء من اجلك يا أبي ، فقط قل لي ! . "

عندها بدا صوت الروميّ متقطّعاً و كأنه لا يملك القدرة على نطق هذه الكلمات :

" لقد رحل شمس يا بني ، ذهب و تركني ....
أُريدك أن تعيده إليّ يا سلطان . "

للحظة ما ، شعر سلطان ان كل الهموم التي كانت تُثقلهم قد انزاحت مع رحيل شمس .

" ألن يكون رحيله افضل ؟ "

كان يردد في نفسه ذلك على الرغم من صدمته و حزنه على حال أبيه .

فكم الإشاعات و المشاكل قد انتشرت منذ قدوم شمس ، و كم من الاشخاص اصبحوا اعداءً للروميّ ؟

و كم كان يتمنى أن يعود كل شيء لِما كان عليه قبل مجيء شمس .

ثم تساءل ثانيةً :
" أيعقل أن علاء الدين كان محقّاً بقوله أن شمس قد دمّر العائلة ؟ "

" لا تنسَ كم يعني لي شمس يا سلطان ."

قالها الروميّ بنبرة فهمت أفكار سلطان و أسرَتها ، فخجل سلطان من والده الذي يقف امامه راجياً ، و قرر أن يبحث عن شمس و يجده كُرمة لأبيه العزيز .

في الوقت الذي كان فيه رحيل شمس مثل نعمة نزلت من السماء على علاء الدين - و على البعض مِن سكان قونيا ، اللذين كانوا يكنون الحقد له بسبب شخصيته و جرأته -

و فعلاً باشر سلطان من فوره البحث عن شمس .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي